موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

وثائق: الولايات المتحدة تصنف محمد بن زايد بالحليف.. يأتمر بأمرها وينهج نهجها  

271

نشرت جريدة “نيويورك تايمز” الأمريكية، تقريراً مطولا وشاملا، عن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، تناول الكثير، من جوانب شخصيته وسياساته في المنطقة.

وتضمن التقرير، الذي كتبه دافيد كيركباتريك، العديد من التفاصيل الخاصة بلقاءات ابن زايد، والشخصيات السياسية وصاحبة النفوذ، التي عملت معه فضلا عن العلاقة مع ترامب.

وفيما يلي النص الكامل للتقرير:

تمكن الأمير محمد بن زايد من تنمية نفوذ الإمارات العربية المتحدة من خلال محاكاة الولايات المتحدة والاقتداء بنموذجها. ولكنه بات الآن صاحب أجندة حربية خاصة به.

وصل إلى واشنطن ليشتري أسلحة.. الأمير محمد بن زايد البالغ من العمر تسعة وعشرين عاماً، والذي يقود سلاح الجو الإماراتي الذي لا يكاد يذكر.

كان ذلك في عام 1991، بعد شهور قليلة من غزو الكويت، حين أراد الأمير الصغير شراء أكبر كمية ممكنة من السلاح لحماية مملكته النفطية الثرية – وتراوحت الأسلحة التي رغب في شرائها من صواريخ “جهنم” إلى مروحيات الأباتشي إلى طائرات إف 16 المقاتلة – لدرجة أن الكونغرس انتابه القلق من أن يؤدي ذلك إلى زعزعة المنطقة بأسرها.

إلا أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، ومن خلال سعيها لرعاية وتنمية حلفاء موالين ومطواعين في الخليج، وجدت في محمد بن زايد شريكاً واعداً. كان الأمير محمد هو الابن المدلل لرجل بدوي شبه أمي هو مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة. نشأ بذهنية جادة، وتدرب على أيدي البريطانيين كقائد مروحية، وهو الذي أقنع والده بتحويل أربعة مليارات دولار إلى خزينة الولايات المتحدة للمساعدة في دفع تكاليف الحرب في العراق في عام 1991.

حينها، قام ريتشارد إيه كلارك، مساعد وزير الخارجية آنذاك، بطمأنة المشرعين الأمريكيين مؤكداً لهم بأن الأمير الصغير لن يتحول أبداً إلى “رجل عدواني”.

قال السيد كلارك في شهادة له أمام الكونغرس: “ليست الإمارات العربية المتحدة الآن، ولن تكون أبداً، مصدر تهديد للاستقرار والسلام في المنطقة. يصعب جداً تصور حدوث ذلك. بل إن الإمارات العربية المتحدة قوة من أجل السلام.”

بعد ثلاثين عاماً، بات الأمير محمد، ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات العربية المتحدة والبالغ من العمر ثمانية وخمسين عاماً، هو الزعيم الأقوى في العالم العربي، كما يرى كثيرون.

كما أنه واحد من بين أكثر الأصوات الأجنبية نفوذاً في واشنطن، حيث يحض الولايات المتحدة على تبني مقاربته في التعامل مع المنطقة، وهي المقاربة التي تميل بشكل متزايد نحو العسكرة والقتال.

لا يكاد أحد في الجمهور الأمريكي يعرف الأمير محمد أو بلده الصغير الذي يقل عدد مواطنيه عن تعداد سكان رود آيلاند. ولكنه قد يكون أغنى رجل في العالم، إذ يهيمن على صناديق ثروة سيادية تصل قيمتها إلى ما يقرب من 1.3 تريليون دولار، متجاوزاً بذلك كل بلد آخر في العالم.

تعاظم نفوذه مع الزمن ويعتبر جيشه من الأقوى والأكثر تفوقاً في العالم العربي، ولقد استفاد في تجهيزاته من عمله المشترك مع الولايات المتحدة في مجال المراقبة والاستطلاع مستخدماً أحدث التقنيات ومن خلال العمليات الحربية التي ينفذها فيما وراء حدود بلاده.

منذ عقود والأمير حليف مهم من حلفاء الولايات المتحدة، يأتمر بأمرها وينهج نهجها، ولكنه بدأ الآن يشق طريقاً خاصة به. فقواته الخاصة تنشط في اليمن وليبيا والصومال وشمال سيناء في مصر. وعمل على إحباط التحولات الديمقراطية في الشرق الأوسط وساعد في تنصيب مستبد يمكنه الاعتماد عليه في مصر وعزز من وضع صديقه وأوصله إلى رأس هرم السلطة في المملكة العربية السعودية.

في بعض الأوقات يناقض الأمير السياسة الأمريكية ويعمل على قلقلة أوضاع جيرانه. ولقد انتقدته المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان لسجنه معارضيه في الداخل، ولدوره في خلق أزمة إنسانية في اليمن، ولمساندته الأمير السعودي الذي أقدم عملاؤه على قتل الكاتب المعارض جمال خاشقجي.

ومع ذلك، يبدو نفوذه في واشنطن في ظل إدارة ترامب أعظم من أي وقت مضى، فلديه خط مفتوح مع الرئيس ترامب، الذي كثيراً ما يتبنى وجهة نظر الأمير تجاه قطر وليبيا والمملكة العربية السعودية، بل ويقدم رأيه على مشورة أي من المسؤولين في حكومته وفي دائرة كبار مستشاريه في الأمن القومي.

يقول الدبلوماسيون الغربيون الذين يعرفون الأمير، والذي بات يعرف اختصاراً بأحرف م.ب.ز، إنه مسكون لدرجة الهوس بعدوين، هما إيران وجماعة الإخوان المسلمين، ولقد سعى للتحرك بقوة ضدهما معاً، وفي الأسبوع الماضي اتخذ خطوات ليتخطى معارضة الكونغرس للاستمرار في بيع الأسلحة للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

يقول بن رودز، نائب مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس باراك أوباما، والذي جلب عليه تعاطفه مع الربيع العربي ومع المفاوضات مع إيران نقداً لاذعاً من الأمير الإماراتي: “يوجد لدى محمد بن زايد أسلوب غير عادي في إخبار الأمريكيين بمصالحه الخاصة ولكن يقدم ذلك لهم في ثوب نصيحة جيدة حول شؤون المنطقة.” وحين يتعلق الأمر بالنفوذ في واشنطن فإن محمد بن زايد، كما يقول السيد رودز، في عالم قائم بذاته.

عمل محمد بن زايد بجد ومثابرة قبل الانتخابات الرئاسية لاختراق الدائرة الداخلية للسيد ترامب، وتمكن من ضمان عقد اجتماع سري أثناء فترة انتقال الإدارة مع صهر الرئيس جاريد كوشنر.

كما حاول الأمير التوسط بين إدارة ترامب وروسيا، وهي المناورة التي ورطته فيما بعد في تحقيق المحامي الخاص حول التدخل الأجنبي في الانتخابات.

واليوم، علق على الأقل خمسة أشخاص ممن يعملون لصالح محمد بن زايد في شباك التحقيقات الجنائية التي نمت من التحقيق في موضوع الانتخابات.

ولعل هذا ما دفع محمد بن زايد الذي كان يتردد بانتظام على الولايات المتحدة، إلى البقاء بعيداً عنها على مدى العامين الماضيين، جزئياً لخوفه من ملاحقة مكتب المدعي العام له وطلبه هو أو أي من معاونيه للاستجواب، وذلك بحسب ما يقوله شخصان على معرفة بما يفكر به الأمير. (أما شقيقه، وزير الخارجية، فقد زار الولايات المتحدة أكثر من مرة منذ ذلك الحين.)

رفضت سفارة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن التعليق على هذا التقرير، بينما يقول العديد من المدافعين عن الأمير في واشنطن إنه لمن الحصافة أن يسعى للتأثير في سياسة الولايات المتحدة تماماً كما تفعل حكومات أخرى، وأنه يرى تدخلاته بمثابة محاولة للتعويض عن الانسحاب الأمريكي.

إلا أن منتقدي محمد بن زايد يقولون إن صعوده يمثل دراسة جيدة في العواقب غير المقصودة. فالأمير الشاب الذي كان ذات يوم مجهولاً ولا يؤبه له، والذي تبنته واشنطن ليكون حليفاً طيعاً لها، بدأ الآن يسعر النيران في منطقة سريعة الاشتعال.

تقول تمارا كوفمان ويتس، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية والباحثة حالياً في معهد بروكنغز إننا ومن خلال تسليحنا للإمارات العربية المتحدة وتزويدها بكل هذه التقنيات للمراقبة والتجسس وبالمغاويير وبالسلاح “فقد أوجدنا فرانكنستاين صغيراً”. (في إشارة الى أسطورة “وحش فرانكشتاين” الذي هو “مخلوق هائل الحجم غاية في القبح، خُلق في مختبر جامعي، ثم قام المخلوق المسخ بالانتقام من صاحبه وأصدقائه وقتلهم”، بحسب الرواية الأمريكية).

معظم الملوك والأمراء العرب أصحاب “كروش”، وبالهم طويل ومتعودون على إبقاء زوارهم في الانتظار، إلا محمد بن زايد.

تخرج وهو في الثامنة عشرة من عمره من برنامج تدريب الضباط البريطانيين في كلية ساندهيرست، ويحافظ على رشاقته وسلامة صحته، وكثيراً ما يتحاور مع زواره حول أفضل أجهزة التمارين الرياضية، ولا يتأخر بتاتاً عن أي اجتماع.

يعطي من وقته للمسؤولين الأمريكيين ذوي المناصب الدنيا ويستقبل كبار الضيوف بنفسه في المطار. وبينما ترتسم على ثغره ابتسامة خجولة مائلة، يعرض على زواره اصطحابهم في جولة يعرفهم من خلالها على بلاده، ثم يصعد إلى المروحية ليحلّق بضيفه فوق ناطحات السحاب والبحيرات في دبي وأبوظبي.

أشرف بنفسه على حركة إعمار جنونية داخل العاصمة، أبوظبي، أفضت إلى إخفاء الخط الساحلي السابق وراء مجموعة من الجزر الصناعية، إحداها ستكون مقراً للحي المالي فيما يعتبر محاكاة لوول ستريت في نيويورك، بينما ستكون أخرى مقراً لمباني جامعة نيويورك وفرع متحف اللوفر في باريس وفرع متحف غوجنهايم في نيويورك.

عندما يجتمع بالأمريكيين، يحرص محمد بن زايد على التأكيد على الأمور التي تجعل من الإمارات العربية المتحدة مكاناً أكثر ليبرالية من أي من جيرانها، فالنساء هنا يتمتعن بفرص أكبر، وثلث أعضاء الوزارة من النساء على حد زعمه.

وعلى النقيض من المملكة العربية السعودية، تسمح الإمارات العربية المتحدة بإنشاء الكنائس المسيحية والمعابد الهندوسية والسيخية، وذلك – جزئياً – من باب توفير خدمة للقوى العاملة الأجنبية الكبيرة في البلاد. (يقدر تعداد سكان البلاد بتسعة ملايين نسمة، إلا أن أقل من مليون فقط هم من المواطنين، بينما البقية الباقية كلهم من العمالة الأجنبية الوافدة).

يقول الجنرال جون ر. آلين، القائد السابق للقوات الأمريكية وقوات الناتو في أفغانستان والذي يشغل الآن منصب رئيس معهد بروكنغز: “أعتقد أنه قام بعمل مثير للإعجاب ليس فقط من حيث تنويع الاقتصاد ولكن أيضاً من حيث تنويع منظومة التفكير لدى السكان”. (ما بين وظيفتيه، شغل الجنرال ألين منصب مستشار لدى وزارة الدفاع في الإمارات العربية المتحدة).

تتكون الإمارات العربية المتحدة من اتحاد فيدرالي هش من مجموعة من المدن، إلا أن أبوظبي وحدها تهيمن على ما يقرب من ستة بالمائة من احتياطي النفط العالمي، الأمر الذي يجعلها هدفاً مغرياً لجارة أكبر منها مثل إيران.

ففي عام 1971، عندما حصلت الإمارات العربية المتحدة على استقلالها من بريطانيا، قام شاه إيران بالاستيلاء على ثلاث جزر متنازع عليها في الخليج الفارسي.

أصبحت جماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست كحركة إسلامية في مصر قبل ما يقرب من تسعين عاماً، تياراً عاماً في كثير من الأقطار العربية. إلا أن محمد بن زايد يقول إن لديه من الأسباب الشخصية ما يجعله يخشى من هذه الجماعة.

كان والده قد عين عضواً بارزاً من الجماعة، هو عزالدين إبراهيم ليكون معلماً لمحمد بن زايد ولكن يبدو أن محاولته تلقينه فكر الجماعة، أفضت إلى نتائج عكسية.

بحسب ما ورد في إحدى البرقيات السرية التي سربتها ويكيليكس، كان الأمير محمد قد قال لدبلوماسيين أمريكيين خلال زيارة قاموا بها له في عام 2007: “أنا عربي، وأنا مسلم، وأنا أصلي. وكنت في السبعينيات وفي مطلع الثمانينيات واحداً منهم. ولكني أعتقد أن هؤلاء الناس لديهم أجندة خاصة بهم”.

يقلقه أن يقبل الناس في بلده على فكر الحركة الإسلامية وسياستها. وكان ذات مرة قد أخبر الدبلوماسيين الأمريكيين، بحسب ما جاء في برقية ويكيليكس المسربة، إن ثمانين بالمائة من الجنود الذي يخدمون في صفوف قواته يمكن أن يستجيبوا لنداء شيخ ما مقيم في مكة.

ولهذا السبب، كما يقول الدبلوماسيون، ما فتئ محمد بن زايد يصر على أن العالم العربي ليس مستعداً بعد للديمقراطية، لأن الإسلاميين سيفوزون بأي انتخابات تجري.

ومما قاله في لقائه مع المسؤولين الأمريكيين في عام 2007: “سوف ترى نفس النتائج في أي بلد مسلم. فالشرق الأوسط ليس كاليفورنيا”.

بدأت الإمارات العربية المتحدة السماح للقوات الأمريكية بالانطلاق من قواعد موجودة داخل البلاد أثناء حرب الخليج الفارسي عام 1991. ومنذ ذلك الحين وضباط الأمير وقواته الجوية تخدم حيث يتواجد الأمريكان في كوسوفو وفي الصومال وفي أفغانستان وفي ليبيا بالإضافة إلى الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

بل إنه جند ضباطاً أمريكيين ليقوموا بإدارة جيشه كما وظف عملاء استخبارات سابقين ليؤسسوا له أجهزة المخابرات التابعة له. وخلال السنوات الأربع التي سبقت عام 2010 اقتنى من الأسلحة أكثر بكثير مما اقتنته كافة دول الخليج الأخرى مجتمعة، بما في ذلك ثمانين طائرة إف 16، وثلاثين مروحية هجومية من طراز أباتشي، واثنتين وستين طائرة فرنسية من طراز ميراج.

ذهب بعض الضباط الأمريكيين إلى وصف الإمارات العربية المتحدة بأنها “أسبرطة الصغرى”.

وبمشورة من كبار القادة العسكريين السابقين، بمن فيهم وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمز ماتيس وكذلك الجنرال ألين، طور الأمير محمد صناعة دفاعية إماراتية، تنتج حالياً عربة مسلحة برمائية تعرف باسم الوحش وتنتج غيرها مما بات الآن يزود به عملاء الإمارات في كل من ليبيا ومصر.

كما تعكف الإمارات العربية المتحدة حالياً على الإعداد لإنتاج قاذفة بمروحيات تحلق على ارتفاع منخفض لاستخدامها في الحرب ضد المتمردين، وهي الفكرة التي طالما أوصى بها السيد ماتيس للولايات المتحدة، بحسب ما صرح به ضابط سابق وثيق الصلة به.

ولطالما أخبر الأمير محمد المسؤولين الأمريكيين بأنه يرى في إسرائيل حليفاً له في مواجهة إيران وجماعة الإخوان المسلمين، حتى أن إسرائيل وثقت به بما يكفي لأن تبيعه مقاتلات إف 16 محدثة وكذلك برامج تجسس تستخدم للتنصت على أجهزة الهاتف النقال.

بالنسبة للكثيرين في واشنطن، غدا الأمير محمد أفضل أصدقاء أمريكا في المنطقة، فهو شريكها المخلص والملتزم، الذي يمكن أن يعول عليه في الملمات وفي المهام بدءاً بمواجهة النفوذ الإيراني في لبنان إلى تمويل إعادة إعمار العراق.

يعود ريتشارد ج. أولسون، الذي كان يوماً سفيراً للولايات المتحدة في أبوظبي، بالذاكرة إلى الوراء ويقول: “كان معلوماً بشكل جيد أنك إذا احتجت إلى إنجاز شيء في الشرق الأوسط فعليك بالإماراتيين فهم أهل لها”.

الأمير الذي أصبح مارقاً

عندما استلم الرئيس باراك أوباما مقاليد الأمور في عام 2009، بدا كما لو أن الأمير محمد وجد فيه روحاً قريباً منه، كما يقول مسؤولون سابقون في البيت الأبيض. كان الرجلان كلاهما متجردين، وتحليليين، ومأخوذين بالأسئلة الكبرى. مر زمن على الرئيس أوباما كان يمضي فيه وقتاً على الهاتف مع الأمير محمد أطول مما كان يمضيه مع أي زعيم أجنبي آخر، بحسب ما يذكره عدد من كبار المسؤولين السابقين في البيت الأبيض.

إلا أن الربيع العربي جاء ليفسد ما بين الرجلين من ود. فقد اجتاحت الانتفاضات المنطقة، وراحت جماعة الإخوان المسلمين تفوز بالانتخابات، وبدا كما لو أن الرئيس أوباما يقف مؤيداً لمطالب الناس بالتحول نحو الديمقراطية – مع أنه في سوريا، حيث كانت الانتفاضة تهدد خصماً للإماراتيين، تقاعس عن اللجوء إلى إجراء عسكري.

ثم اتضح أن إدارة أوباما كانت تجري محادثات سرية مع إيران حول برنامجها النووي.

يقول ستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي في فترة حكم الرئيس جورج دبليو بوش والذي احتفظ طوال الوقت بعلاقات وطيدة مع الأمير: “شعروا ليس فقط بأنه قد تم تجاهلهم – بل شعروا بأن إدارة أوباما غدرت بهم، وأعتقد أن الأمير محمد بشكل خاص شعر بذلك شخصياً”.

بعد الانتفاضات، رأى الأمير محمد أن الإمارات العربية المتحدة كانت الدولة الوحيدة من بين الدول العربية الاثنتين والعشرين التي كانت ماتزال واقفة على قدميها، بحكومة مستقرة، واقتصاد صالح، وجيش قوي وأيديولوجيا معتدلة، كما يقول عبدالخالق عبدالله، المحلل السياسي الإماراتي الذي يرتبط بعلاقات وثيقة بكبار المسؤولين في البلاد.

ويضيف عبدالخالق عبدالله: “تعتبر الإمارات العربية المتحدة جزءاً من منطقة بالغة الخطورة والتي تزداد خطورة يوماً بعد يوم – تعمها الفوضى وتنتشر فيها الحروب وينساب في أرجائها المتطرفون. ولذا، فإن الحافز هنا هو الاعتقاد بأننا إذا لم نلاحق هؤلاء الأشخاص السيئين ونطاردهم فإنهم سيأتون إلينا في عقر دارنا.”

في بلاده، استأجر الأمير محمد شركة ترتبط بإريك برينس، مؤسس الشركة الأمنية الخاصة التي كانت تعرف باسم بلاكووتر، حتى يشكل له قوة من المرتزقة المستقدمين من كولومبيا وجنوب أفريقيا وغيرها من البلدان. ثم بادر إلى سحق كل معارضة مهما كانت طفيفة، واعتقل خمسة من النشطاء الذي نظموا عريضة يطالبون فيها بإصلاحات ديمقراطية (وقع عليها 132 شخصاً) وأمر بإلقاء القبض على العشرات من الأشخاص للاشتباه بتعاطفهم مع جماعة الإخوان المسلمين.

كما سرعت الإمارات العربية المتحدة من آلة نفوذها في واشنطن. كان الإماراتيون من بين أكثر الحكومات الأجنبية إنفاقاً على مكاتب المحامين والعلاقات العامة ومنظمات الضغط السياسي في واشنطن، حيث بلغ إنفاقهم في عام 2017 ما يقرب من واحد وعشرين مليون دولار، بحسب تقرير صادر عن مركز متخصص في متابعة هذه الأمور اسمه مركز السياسات المستجيبة. وتمكنوا من تحقيق سمعة طيبة بفضل تبرعات بملايين الدولارات لضحايا الكوارث الطبيعية، وسعوا كذلك إلى التأثير على الحوار الدائر في أوساط النخب من خلال التبرع بملايين الدولارات لمراكز البحث والتفكير.

تلقى معهد الشرق الأوسط مؤخراً عشرين مليون دولار، ويرأس المعهد السيد كلارك، المسؤول السابق الذي دفع باتجاه تمرير عقود الدفاع الإماراتية، والذي قام بعد تركه لوظيفته الحكومية في عام 2003 بتأسيس مكتب استشاري زبونه الرئيسي هو دولة الإمارات العربية المتحدة. لم يستجب السيد كلارك لطلبات قدمت له حتى يعلق على هذا التقرير.

وأما في الشرق الأوسط، فقد فعل الأمير محمد أكثر من مجرد الكلام. ففي مصر، ساند الانقلاب العسكري في عام 2013 والذي أطاح بالرئيس المنتخب الذي كان واحداً من زعماء جماعة الإخوان المسلمين. وفي القرن الأفريقي، أرسل قوة إلى الصومال كانت مهمتها في البداية محاربة القرصنة ثم أوكلت إليها مهمة محاربة المتطرفين، ومضى قدماً ليقيم موانئ تجارية وقواعد بحرية حول خليج عدن.

وفي ليبيا، تحدى الأمير محمد المناشدات الأمريكية والحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة، وقام بتسليح قوات زعيم المليشيا خليفة حفتر. وشن الطيارون الإماراتيون غارات جوية على مدينة طرابلس، وفي نهاية المطاف أنشأ الإماراتيون قاعدة جوية لهم في شرق ليبيا.

كان الأمير في الماضي ينتظر الضوء الأخضر من واشنطن، كما تقول السيدة وهبة، السفيرة الأمريكية السابقة. “أما الآن، فقد يومئ برأسه، ولكنه لم يعد يطلب إذناً من أحد”.

في الماضي كانت المملكة العربية السعودية، العملاق المجاور، قد تشاجرت مع الإمارات العربية المتحدة بشأن نزاع على الحدود، وبكونها صاحبة الوزن الثقيل في المنطقة فقد قيدت السعودية دور الإمارات في السياسة الخارجية. وبنهاية عام 2014، انتقل منصب ولي العهد في السعودية إلى رجل معروف بخصومته للأمير الإماراتي.

فانقض بكل ما لديه من إمكانيات ليشارك في معركة الولاية الداخلية على العهد في السعودية وعمل بكل جد ليحث واشنطن على الانحياز إلى جانب شخص بديل لم يكن يُعرف الكثير عنه، ألا وهو الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر تسعة وعشرين عاماً، والابن المدلل للملك السعودي.

يقول السيد رودز، مستشار أوباما: “كان مضمون رسالة محمد بن زايد: إذا كنتم تثقون بي وإذا كنتم تحبونني، فسوف تحبون هذا الشخص لأنه من نفس النوعية”.

بحلول شهر مارس 2015، كان الأميران قد اتخذا قراراً بغزو اليمن معاً لاستنقاذها من فصيل موال لإيران استولى على مقاليد الأمور فيها. ثم في عام 2017، وبينما كان الأمير السعودي يعزز من قبضته على السلطة، قاما معاً بقطع كافة العلاقات التجارية والدبلوماسية مع قطر للضغط عليها وحملها على التخلي عن دعمها لجماعة الإخوان المسلمين.

عادة ما يشار إلى الصدام مع اليمن ومع قطر بأنهما يجريان بزعامة السعودية، إلا أن السيد رودس وغيره من المسؤولين السابقين يؤكدون أن محمد بن زايد هو أول من سعى لإقناع الإدارة الأمريكية بذلك.

يقول الدبلوماسيون الأمريكيون أنه بحلول نهاية عام 2015، كان الأمير محمد بن زايد يقترح أيضاً أن الإمارات العربية المتحدة والقيادة السعودية الجديدة يمكن أن تلعبا دوراً مهماً في جلب الفلسطينيين وحملهم على القبول باتفاق سلام جديد، فيما بات يعرف بمقاربة “من الخارج إلى الداخل” نحو صفقة ما.

إلا أن الأمير محمد كان ينتظر للمضي قدماً في ذلك وصول إدارة أمريكية جديدة.

وعلى الرغم مما كان بينهما من خلافات حادة، ظل محمد بن زايد محتفظاً بعلاقة ودية مع السيد أوباما، وكان الرئيس يظن أن الرجلين يتبادلان الاحترام، وذلك طبقاً لما صرح به أربعة من كبار المسؤولين في البيت الأبيض. ولذلك، حينما طلب الأمير لقاء أخيراً، كما يقول الأصدقاء، وافق السيد أوباما على ترتيب غداء داخل البيت الأبيض في ديسمبر / كانون الأول من عام 2016.

إلا أن الأمير محمد تراجع عن الغداء دون إبداء أسباب، وطار بدلاً من ذلك إلى نيويورك لحضور أول لقاء جمعه وجهاً لوجه مع جاريد كوشنر ومع غيره من مستشاري مرشح الرئاسة دونالد جيه ترامب.

لترتيب تلك اللقاءات، توجه الأمير محمد نحو الممول ريتشارد جيرسون، مؤسس فالكون إدج كابيتال، والذي عمل مع الأمير لسنوات، وكان في نفس الوقت صديقاً لكوشنر.

في رسالة نصية خاصة كتبها بعد الانتخابات ووجهها إلى الأمير، قال جيرسون: “أنا موجود هنا باستمرار لأكون بمثابة قناة خلفية موثوقة لعائلتكم في أي وقت تحتاجون لتمرير شيء بشكل سري”. كانت تلك واحدة من عدة رسائل حصلت عليها نيويورك تايمز من طرف ثالث وأمكن تأكيد صحتها بشكل مستقل. في رسالة أخرى وجهها جيرسون إلى ابن زايد، وقع عليها بعبارة “جنديكم الوفي”.

كان من المفروض أن تظل تلك الرحلة طي الكتمان، إلا أن وكالات المخابرات تمكنت من تحري وصول الأمير، الأمر الذي صعق مستشاري السيد أوباما. إلا أن الأمير محمد كان قد انهمك حينها في جهد يستهدف قلب سياسات الإدارة، وبدأ يتحدث مع مستشاري السيد ترامب حول مخاطر إيران وحول محادثات السلام الفلسطينية، بحسب ما يقوله شخصان اطلعا على تفاصيل الاجتماعات.

كتب السيد جيرسون يقول للأمير بعد الاجتماعات: “لقد أعجبوا جداً بك وباتوا على قناعة بأنك صديقهم الحقيقي وحليفهم المقرب”.

كان الأمير محمد يقدم نفسه أيضاً كوسيط للمحادثات مع روسيا.

وفعلاً، قام أحد أشقاء الأمير محمد الأصغر منه سناً بتعريف السيد جيرسون على رجل أعمال روسي يقوم بدور ضابط الاتصال بين الرئيس فلاديمير في بوتين وممالك الخليج الفارسي، بحسب ما ورد في تقرير المحامي الخاص. اجتمع رجل الأعمال الروسي كيريل دميترييف وأسر إليه بشأن “خطة مصالحة” بين الولايات المتحدة وروسيا، وقبل تنصيب ترامب بوقت قصير سلم السيد جيرسون ملخصاً للخطة من صفحتين إلى السيد كوشنر.

رفض السيد جيرسون التجاوب مع طلب تقدم به كاتب هذا التقرير للتعليق على المسألة.

في الشهر التالي، في يناير / كانون الثاني، دعا الأمير محمد السيد دميترييف إلى منتجع إماراتي في سيشيلز للالتقاء بشخص آخر كانوا يظنون أنه يمثل فريق ترامب. كان ذلك هو السيد برينس، مؤسس بلاكووتر الذي كان يجند المرتزقة لصالح دولة الإمارات العربية المتحدة.

مازال موضع جدل لماذا سعى الأمير محمد إلى ربط روسيا بالدائرة المحيطة بالسيد ترامب، ولكنه عمل لسنوات في محاولة لإغراء السيد بوتين بالابتعاد عن إيران، بحسب ما يقوله دبلوماسيون أمريكيون وبحسب ما ورد في رسائل إيميل مسربة من حساب السفير الإماراتي في واشنطن.

إلا أن فريق المدعي العام يحقق أيضاً في نشاطات قامت بها عناصر أخرى ووسطاء كانوا يعملون لصالح الأمير وحاولوا التسلل إلى الدائرة المقربة من السيد ترامب.

ومازال المحققون يبحثون في مسألة الاتصالات التي كانت تقوم بها حملة ترامب مع شخص إسرائيلي مختص في التلاعب بمواقع التواصل الاجتماعي، والذي كان قد عمل مع الأمير محمد، وكذلك مع رجل أعمال أمريكي من أصل لبناني قام بدور المبعوث. بينما يقوم محققون آخرون بالتحقيق فيما إذا كان أحد كبار المتبرعين الجمهوريين، الذي عملت شركته الأمنية لصالح الأمير، كان يتوجب عليه أن يسجل بشكل قانوني بوصفه كان يعمل وكيلاً عنه.

واستجوب مكتب المحقق الخاص راشد المالك، تاجر العقارات الإماراتي الذي يتخذ من لوس أنجيليس مقراً له والمقرب من الأمير محمد ومن شقيقه رئيس المخابرات الإماراتية. كما أن السيد المالك مقرب من صديق السيد ترامب توم باراك، ويتساءل المحققون ما إذا كان السيد المالك جزءاً من مخطط للنفوذ غير القانوني، بحسب ما صرح به شخصان على اطلاع بالمسألة.

ويقوم تحقيق آخر، بدأ على إثر معلومات قدمها أحد الوشاة، بالبحث في إمكانية أن تكون الإمارات العربية المتحدة قد استخدمت وسائل التجسس على الإنترنت، والتي حصلت عليها من عملاء أمريكيين سابقين، للتجسس على مواطنين أمريكيين.

ومع ذلك لم تتضرر علاقة الود التي بين إدارة ترامب والأمير، بل لقد حصل الأمير محمد بن زايد خلال العامين والنصف منذ لقائه الأول مع السيد كوشنر على كل ما طلبه من البيت الأبيض.

في كل شتاء، يدعو محمد بن زايد الممولين والمسؤولين السابقين إلى أبوظبي للمشاركة في صالون يستدل منه على ما بات يتمتع به من نفوذ عالمي.

تضمنت قائمة الضيوف في ديسمبر / كانون الأول الماضي رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير، والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس، والسيد هادلي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس بوش، والمستثمرين الأمريكيين محمد أ. العريان ودافيد م. روبنستاين وتوماس س. كابلان، وعالم الكومبيوتر والمستثمر الصيني كاي-فو لي.

كما كان من ضمن الحضور السيد دميترييف، رجل الأعمال الروسي وثيق الصلة بالسيد بوتين.

لم تسهم تدخلات محمد بن زايد ما بعد ثورات الربيع العربي في تعزيز الاستقرار في المنطقة، بل لقد عاد مبعوثه إلى القاهرة، والذي أرسله ليساعد في تدوير الاقتصاد المحتضر هناك بخفي حنين وبإحباط شديد.

مازالت الحكومة المصرية المسنودة من قبل العسكر عالة على مليارات الدولارات من المساعدات التي تأتيها من الإمارات العربية المتحدة ومن حلفائها الخليجيين، وعلى الرغم من المساعدة الإماراتية والضربات الجوية الإسرائيلية لم تتمكن القاهرة حتى الآن من القضاء على التمرد العسكري في شمال سيناء.

لم يُجدِ عزل قطر نفعاً ولم يحملها على تغيير سياساتها. وأما في ليبيا، فقد علق خليفة حفتر في مستنقع دموي من الصراع الذي بات عاجزاً عن حسمه.

ونجم عن تدخل الأمير محمد في القرن الأفريقي إشعال لهيب التنافس على العبور والنفوذ بين خصومه من مثل تركيا وقطر. وفي الصومال، وعلى إثر مزاعم صدرت عن الحكومة المركزية الهشة بدفع رشاوي، انتقلت القوات الإماراتية إلى منطقة أرض الصومال شبه المستقلة.

وفي العام الماضي لجأت جيبوتي، التي شكت من الإهمال، إلى استبدال الإدارة الإماراتية لمينائها بإدارة صينية منافسة.

يقول بروس ريديل، الباحث في معهد بروكنغز والمسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية: “يظن أنه ميكافيلي ولكنه يتصرف كما لو كان موسوليني”.

وفي المملكة العربية السعودية، أحرج الأمير الإماراتي بما خلصت إليه وكالة المخابرات الأمريكية من أن صديقه ولي العهد السعودي هو الذي أمر بجريمة القتل البشعة التي تعرض لها السيد خاشقجي، المعارض السعودي الذي كان مقيماً في فرجينيا ويكتب عموداً في صحيفة الواشنطن بوست. وفي اليمن، تحول تدخلهم بعد مرور أربعة أعوام إلى ما يشبه المستنقع، مع تصاعد أعداد الضحايا بين المدنيين يوماً بعد آخر.

يقول عضو الكونغرس رو خانا، وهو نائب الحزب الديمقراطي عن كاليفورنيا: “لقد أصبحت الإمارات العربية المتحدة لطخة في ضمير العالم – فالإمارات العربية المتحدة كما تدار شؤونها اليوم باتت تنتهك كل واحد من أعراف وقيم العالم المتحضر”.

ومع ذلك مازال الأمير يتمتع بوضع قوي داخل إدارة ترامب، وباتت المقترحات الخاصة بالسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين والتي تجاهلتها إدارة أوباما في الصميم من مخططات السيد كوشنر للسلام.

أعرب ترامب مراراً وتكراراً عن مساندته لمواقف الأمير الإماراتي، وذلك من خلال إعادة الاعتبار لصديقه السعودي بعد مقتل خاشقجي، ومن خلال إشادته بعزل قطر بالرغم من معارضة كل من وزير خارجيته ووزير دفاعه لذلك، ومن خلال إلغاء صفقة النووي مع إيران، ومن خلال السعي إلى تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، ومن خلال الاعتراض على تشريع كان يستهدف قطع الدعم العسكري الأمريكي للقوات السعودية والإماراتية في اليمن.

وفي الشهر الماضي، بارك السيد ترامب زعيم المليشيا المفضل إماراتياً في ليبيا، وذلك بعد يوم واحد من اتصال هاتفي مع الأمير محمد – وذلك على الرغم من أن وزير الخارجية مايك بومبيو كان مسبقاً قد طالب نفس الزعيم بالانسحاب.

ألقى السيد ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي السابق، محاضرة في أبوظبي الشهر الماضي برعاية من الأمير محمد. عندما انضم إلى إدارة ترامب كشف السيد ماتيس عن أنه تلقى 242 ألف دولار أمريكي على شكل رسوم سنوية بالإضافة إلى خيارات أسهم قيمة بوصفه عضو مجلس إدارة في شركة جنرال دايناميكس، والتي لديها مصالح تجارية كبيرة في أبوظبي. كما عمل مستشاراً لدى محمد بن زايد.