موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: تعافي اقتصاد اليمن مرهون بإنهاء عبث الإمارات وميليشياتها

122

يتطلع اليمنيون إلى تعافي اقتصادهم المنهك في ظل الواقع المنقسم والذي خلقته الحرب وعبث الإمارات وأدواتها بعد التمرد الذي حصل في عدن منتصف أغسطس/آب الماضي.

ويجمع مراقبون على أن تعافي اقتصاد اليمن مرهون بالكثير من التحديات التي قد تعرقل عملية التنفيذ، لاسيما فيما يتعلق بجمع الإيرادات وتمكين الحكومة اليمنية الشرعية من إدارة الموانئ والمؤسسات وتحصيل الضرائب.

وتضمّن الاتفاق الرياض الموقع مؤخرا بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الانفصالي المدعوم من أبوظبي، بنودا خاصة متعلقة بترتيب الجانب الاقتصادي، وأبرزها إدارة موارد الدولة، بما يضمن جمع وإيداع جميع إيرادات الدولة، بما فيها الإيرادات النفطية والضريبية والجمركية، في البنك المركزي بالعاصمة المؤقتة عدن (جنوب) والصرف بموجب الميزانية المعتمدة وفق القانون اليمني، وتقديم تقرير دوري يتسم بالشفافية عن إيراداتها ومصروفاتها للبرلمان للتقييم والمراقبة.

ولعل أبرز البنود التي تمسّ حياة المواطنين اليمنيين بشكل مباشر تلك المتعلقة بعودة رئيس وزراء الحكومة الشرعية، معين عبد الملك، إلى عدن، خلال مدة لا تتجاوز أسبوعا من تاريخ توقيع الاتفاق، من أجل تفعيل مؤسسات الدولة، والعمل بشكل مباشر على صرف المرتبات والمستحقات المالية للموظفين.

ويرى مراقبون أن هناك الكثير من الآثار الاقتصادية الإيجابية لتنفيذ اتفاق الرياض، في حال ذهبت الأمور في اتجاهاتها الصحيحة وتمكّن التحالف السعودي الإماراتي من فرض تطبيق بنود الاتفاق المتعلقة بالاقتصاد تحديداً.

فبمجرد أن تتمكن الحكومة من تحصيل كافة إيراداتها وتقوم بإيداعها في البنك المركزي بعدن ويتم الإنفاق بموجب الموازنة ووفقا للقانون، فإن ذلك سيعطي للحكومة فرصة ذهبية للسيطرة على مواردها وردم الثقب الأسود في النفقات، الأمر الذي سيؤدي إلى دعم الريال اليمني وتحسين الوضع الاقتصادي عموماً.

ولكن أكثر ما يجب أن تحرص عليه الحكومة اليمنية، خلال هذه الفترة، هو محاولتها إخضاع كل الرواتب التي تدفع بالدولار الأميركي للمسؤولين وتحويلها إلى الريال، وإيقاف كل المبالغ التي تدفع نقداً والصرف عبر الحسابات البنكية للمستفيدين، لتجنب الصرف لموظفين وجنود وهميين، بالإضافة إلى العمل الفوري على استئناف تصدير الغاز المسال من كافة الحقول المتوقفة.

ويؤكد مسئولون حكوميون رغبة الحكومة في الإصلاحات لكن ذلك متعلق بنوايا المجلس الانتقالي والتحالف أيضاً في تنفيذ الاتفاق وتوقفهما عن جميع الممارسات العبثية، وذلك من أجل تمكين الحكومة من إدارة الموارد والموانئ والمؤسسات، وفي مقدمتها البنك المركزي، وأيضاً عملية استيراد النفط والغاز، وتحصيل الضرائب، حتى يتسنى لها تسليم المرتبات والإيفاء بالتزاماتها الخدمية.

ومن أبرز عقبات اتفاق الرياض، ما شهدته المشروعات الخاصة من عمليات نهب واسعة في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن طوال الفترة الماضية، وجاء ذلك عقب سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا على المدينة، إذ تركزت عمليات السطو على الاستثمارات التي يمتلكها أبناء الشمال، ما تسبب لهم في خسائر فادحة.

وحدث ذلك رغم الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، لحماية التجّار والمستثمرين، إذ تواصلت المعاناة من الهجمات التي اتخذت طابعا عنصريا على المشروعات التابعة لأبناء الشمال.

وفي مطلع أغسطس/اَب الماضي، أقدمت قوات عسكرية وأمنية على تنفيذ حملة مداهمات واقتحامات للعديد من المتاجر والأسواق الشعبية والمطاعم المختلفة، في بعض أحياء عدن، بحثاً عن “الشماليين” لتهجيرهم وإغلاق محلاتهم ونهب مخازنهم ومتاجرهم.

ومنذ أكثر من شهرين على أحداث عدن، ما تزال أعمال السطو والنهب تطاول مواطنين وتجارا ورجال أعمال، لأسباب مناطقية (الانتماء للمحافظات الشمالية)، رغم تراجع وتيرتها عن ما كانت عليه في الأيام الأولى للأحداث.

ومؤخرا أبرز تحقيق صحفي تعمد دولة الإمارات تقويض اقتصاد اليمن وتدمير إيراداته ضمن حرب أبوظبي الإجرامية على البلاد المستمرة منذ أكثر من أربعة أعوام خدمة لمؤامراتها بالتوسع المشبوه.

ونشرت صحيفة “العربي الجديد” الصادرة من لندن تحقيقا أبرزت فيه أن اليمن يدفع فاتورة ضخمة بسبب بقاء مواقع اقتصادية سيادية خارج سيطرة الدولة وتحت “الاحتلال” الإماراتي ما أدى إلى توقف شبه تام لإنتاج وتصدير النفط والغاز وخروج ميناء بلحاف الاستراتيجي عن الخدمة، بالإضافة إلى تعطيل الموانئ واستمرار عمل مطارات خارج الإطار الرسمي.

ورضخت الحكومة اليمنية للضغوط السعودية الشديدة التي أجبرتها على الموافقة على مسودة اتفاق جدة قبل تضمينها لمطالبها الرئيسية التي تأتي في طليعتها ضرورة انسحاب الإمارات من المواقع الاقتصادية التسعة التي تبسط أبو ظبي سيطرتها عليها في اليمن.

وحسب مراقبين ومسؤولين، تتمثل المواقع التسعة التي تسيطر عليها أبو ظبي في المخا، وباب المندب، ومدينة عدن، وميناء العاصمة المؤقتة، ومطار عدن، ومطار الريان في المكلا، وسقطرى، وجزيرة ميون، وميناء بلحاف في محافظة شبوة جنوب اليمن.

ونظرا لعدم تشغيل المواقع الاقتصادية الاستراتيجية وتبديد الموارد العامة للدولة، يغرق اليمن في كومة ديون مالية ثقيلة، إذ تشير بيانات أوردها تقرير مشترك بين قطاع الدراسات الاقتصادية في وزارة التخطيط اليمنية والبنك الدولي ومنظمة يونيسف، إلى ارتفاع الدين الخارجي لليمن من 6 مليارات و765 مليون دولار عام 2014 إلى 9 مليارات دولار حاليا، بينما ارتفع صافي الدين الداخلي من 3 تريليونات ريال إلى 6 تريليونات.

وحسب تقديرات غير رسمية، فإن اليمن خسر ما يزيد عن خمسة مليارات دولار مباشرة، كان من الممكن أن تضخ إلى خزينة الدولة خلال السنوات الخمس الماضية جراء توقف تصدير النفط والغاز.

وغادرت اليمن مطلع 2015 نحو 10 شركات عالمية مستثمرة في قطاع النفط والغاز وتوقفت عشرات الشركات المحلية العاملة في هذا القطاع وقطاعات اقتصادية أخرى، وحلت الإمارات في مواقعها منذ منتصف 2016.

ويشهد اليمن حرباً مدمرة بدأت نهاية عام 2014، بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة، وتصاعدت وتيرة الصراع منذ مطلع عام 2015، مع قيادة السعودية تحالفاً عسكرياً مع الإمارات ودول أخرى لمواجهة الحوثيين ودعم الحكومة الشرعية.

ويقول مسئولون يمنيون إن التحالف السعودي الإماراتي يحرص منذ خمس سنوات على منع المورد الاقتصادي الأول لبلد مثل اليمن، فيعرقل كل جهود استئناف تصدير النفط الخام وإعادة الشركات الأجنبية لعملياتها.

ولم يعمل من الشركات سوى شركتي بترومسيلة وصافر الوطنيتين في حدود التشغيل الدنيا رغم أن الحال لم يكن كذلك مع شركة “أو أم في النمساوية” المملوك ربع أسهمها للإماراتيين.

وهذه الشركة المرتبطة بالإماراتيين تم إقرار استئناف العمل فيها وتنفيذ ذلك وإعادة التصدير في مدة لم تتجاوز الأسبوع، ولأجلها ذللت كل العراقيل ومهدت كل الطرق.

وبالتالي خسر اليمن ما يزيد عن خمسة مليارات دولار كان ممكناً أن تضخ إلى خزينة الدولة خلال السنوات الخمس الماضية، وهذا بحساب الأسعار السابقة في تعاقدات بيع الغاز المسال، أما لو تم تعديل الأسعار فإن المبلغ سيتضاعف عدة مرات.

كما أن الموانئ اليمنية جميعها دون استثناء خارج سيطرة الحكومة اليمنية وتخضع لحصار كامل من قوات التحالف السعودي الإماراتي، وبالتالي لا إيرادات تجنيها البلاد من هذا المورد المهم.

ونفس الحال، بالنسبة للمطارات اليمنية وشركة الطيران الوطنية التي تمنع طائراتها من المبيت داخل اليمن وتخضع لقيود غير منطقية تفرضها قيادة التحالف وتقيد حركة الناقل الوطني.

تاريخيا يُعد ميناء “قنا” أو بلحاف حديثا من أهم الموانئ على الإطلاق في شبه جزيرة العرب، وكان البوابة الأولى لطريق الحرير الرابط بين أجزاء حواضر ومدن الجزيرة العربية وصولاً إلى موانئ غزة بفلسطين للانطلاق بعدها إلى شواطئ أوروبا، وكذلك مدينة شبوة التاريخية التي تقع في تخوم الصحراء على طريق الحرير التي تزمع الصين على إحيائه من جديد.

ويقول وكيل وزارة النقل السابق عامر عوض البرعام، إن الإمارات وكيل لدول كبرى للتصدي لمشروع الصين الضخم لإحياء طريق الحرير، لهذا فإن بلحاف ومينائي عدن والمخا أهم أهدافها في اليمن.

ويضيف البرعام “لهذا كانت الصين الدولة الوحيدة من الدول الخمس الكبرى التي كان موقفها واضحا عقب أحداث عدن وشبوة في دعم الحكومة الشرعية ووحدة اليمن، عززته الأسبوع الماضي في تصريحات صحافية لوزارة الخارجية الصينية تدعو الحكومة اليمنية إلى الالتزام بالاتفاقيات الموقعة معها قبل الحرب بخصوص ميناء عدن”.

ويلفت إلى أن ميناء بلحاف الذي يقع عليه أكبر ميناء لتصدير الغاز المسال في الجمهورية اليمنية يعد المنطقة الأهم التي تلهث الإمارات خلفها ويسيل لعابها لأجلها وتصر على إبقائها تحت سيطرتها مهما كان الثمن.

بدوره يقول الباحث في المنظمة اليمنية للتنمية الاقتصادية عمار السماوي إن هدف الإمارات الأساسي في مشاركتها ضمن دول التحالف العربي الذي شكلته السعودية لدعم الشرعية في اليمن كان الانقضاض على موانئ اليمن وتعطيلها، وبسط نفوذها على مضيق باب المندب الاستراتيجي والاستحواذ على جزيرة سقطرى الاستراتيجية (شرق) وتفتيت اليمن ليسهل لها تحقيق هذه الأهداف المشبوهة.

واستبقت الإمارات خطوة التوقيع على اتفاق الرياض بتحركات ميدانية للتصعيد في سقطرى أول من أمس، والتي حاولت أبو ظبي تنفيذ محاولات تلو الأخرى لبسط نفوذها فيها.

وعمدت الإمارات إلى تحريك مليشيات مدعومة منها للانتشار في الشوارع، وإقامة اعتصام أمام بوابة مقر السلطة المحلية في المحافظة، للمطالبة بالإطاحة بالمحافظ رمزي محروس.

ويرى الباحث الاقتصادي عمار السماوي، أن أحد الأهداف التي عملت “دولتا التحالف” على تنفيذها منذ أول يوم من تدخلها في اليمن يتمثل في عزل البلاد اقتصاديا ورفع يد الدولة عن التحكم في مواقعها الاقتصادية السيادية وإدارة الموارد العامة، وتم ذلك كما يقول، بالتوازي مع خطة محكمة لإفقار الشعب وربطه بشكل تام بالمساعدات الإغاثية عبر مركز الملك سلمان والمنظمات الإغاثية الدولية.

في السياق، يقول عميد كلية الاقتصاد والأعمال في الجامعة الأهلية الخاصة مصعب الأغبري، إن الإمارات عملت على تقويض عمل الحكومة اليمنية في عدن منذ أن اتخذتها عاصمة مؤقتة في 2016 وإنشاء كيانات عسكرية خارج إطار الدولة اليمنية، بالإضافة إلى منعها من إنتاج وتصدير النفط والغاز وإدارة موارد الدولة نتيجة تحكم الإمارات بمواقع الإنتاج ومنافذ وموانئ التصدير.

ويشير إلى أن هذه التصرفات منعت الحكومة من إعادة تكوين احتياطي نقدي وإعادة الدورة النقدية إلى البنك المركزي في عدن، وتبديد الموارد العامة التي تجري في قنوات مالية غير رسمية.

ويؤكد الأغبري أن التحالف يستهدف تدمير اليمن وتفتيته وإغراقه بالحروب والفوضى والفتن، ومنذ بداية الحرب يقوم بإجراءات وممارسات تعيق قدرة اليمن على استعادة اقتصادها وحمايته من مزيد من التهاوي والانحدار.

وحولت الإمارات أهم منشأة اقتصادية في اليمن إلى ثكنة عسكرية، حسب محافظ شبوة محمد صالح بن عديو، في تصريحات صحافية الشهر الماضي، قال فيها: طلبنا من الرئيس، عبد ربه منصور هادي، مخاطبة الإخوة السعوديين لإقناع الإماراتيين بإخلاء منشأة الغاز في بلحاف لأنها أكبر مشروع اقتصادي على مستوى اليمن، لافتا إلى أن الإماراتيين حولوها ثكنة عسكرية، وكدسوا فيها جميع أنواع الأسلحة.

وقدر تقرير حديث، صادر عن قطاع الدراسات الاقتصادية في وزارة التخطيط بالتعاون مع منظمة اليونيسف، تكلفة الفرص الضائعة في الناتج المحلي الإجمالي في اليمن جراء الحرب المستمرة منذ نحو 5 سنوات بحوالي 66 مليار دولار، الأمر الذي أدى إلى تقليص فرص العمل وتفاقم معدلات البطالة والفقر.