موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

دبي تبحث عن قروض هربا من واقع الانهيار الاقتصادي الوشيك

355

تتخبط إمارة دبي في أزمة اقتصادية غير مسبوقة ما دفع إدارتها إلى البحث عن الحصول على قروض هربا من واقع الاقتصادي الشامل الذي تؤكد التقارير المتطابقة أنه اصبح وشيكا للغاية.

واعترفت حكومة دبي قبل أيام بالحجم الضخم للديون التي تثقل كاهل الإمارة، وأنها تبحث عن الاقتراض للتعامل مع الأزمة.

وصرح مسؤول اقتصادي في دبي بحسب وكالة رويترز العالمية للأنباء بأن الإمارة مستمرة في خدمة ديونها ومستعدة للحصول على المزيد من الدين إذا اقتضت الضرورة، مضيفاً أن الدين الحالي لدبي يبلغ 124 مليار دولار. وهذا الرقم قريب جداً من الرقم الذي نشرته “العربي الجديد” يوم الثلاثاء، والمقدر بنحو 125 مليار دولار.

وقال رائد صفدي كبير المستشارين الاقتصاديين في دائرة التنمية الاقتصادية بدبي خلال مناسبة في الإمارة “نواصل خدمة الديون في مواعيدها كما هو مقرر. مستعدون للحصول على المزيد من الديون إذا كان ذلك ضرورياً”.

وتتفاوض حكومة دبي سراً منذ أسابيع مع مجموعة مصارف عالمية وإماراتية لترتيب قرض، عبر إصدار سندات دولارية، حتى تتمكن من تسديد أقساط خدمة الديون وعدم الوقوع في شباك التخلف عن السداد التي تقود تلقائياً إلى الإفلاس. وكانت مجموعة “موانئ دبي العالمية” قد أدرجت صكوكاً إسلامية بقيمة 500 مليون دولار، وسندات بقيمة 500 مليون دولار في بورصة ناسداك دبي.

وتعتبر موانئ دبي العالمية أكبر جهة مصدرة لسندات الدين في هذه البورصة الدولية على مستوى المنطقة، حيث بلغت القيمة الإجمالية لإدراج الصكوك الإسلامية والسندات التقليدية مبلغ 9.09 مليارات دولار. وقد أدرجت الصكوك والسندات في سوق ناسداك دبي في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.

وتزيد الديون المعلنة من حكومة دبي عن الناتج المحلي الإجمالي للإمارة الذي بلغ في العام 2018 نحو 398.5 مليار درهم إماراتي (108.50 مليارات دولار).

ولا يبتعد الرقم المعلن كثيرا عن الرقم الذي أعلنته وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال” الأميركية للتصنيف الائتماني، والتي قدرت ديون حكومة دبي بحوالى 65 مليار دولار، وديون الشركات الحكومية بدبي بحوالى 60 مليار دولار، بإجمالي 125 مليار دولار.

وتحذر وكالات تصنيف ائتماني دبي بشأن ديون الكيانات المملوكة للحكومة في ظل تباطؤ اقتصادي في المنطقة، فحسب وكالة فيتش الأميركية، فإن جزءاً كبيراً من القروض على الشركات الحكومية بدبي والبالغة 23 مليار دولار المقترضة من البنوك المحلية، يحل أجل سدادها بنهاية العام 2021، مشيرة إلى أن الإمارة ربما تضطر لجدولة هذه الديون ووضع المصارف في محنة.

وفي تقريره السنوي لعام 2018 صنف بنك “ستاندرد تشارترد” الإمارات كأحد الأسواق منخفضة العائد، وقال التقرير إن دخل التشغيل لستاندرد تشارترد في الإمارات في 2018 هبط إلى 637 مليون دولار من 733 مليون دولار في العام السابق، مما دفع البنك وفقا لمصادر خاصة للوكالة إلى تسريح أكثر من 100 موظف في قطاع أنشطة التجزئة بالإمارات.

وقالت وكالة بلومبيرغ الأميركية في تقرير حديث لها، إن المصارف في الإمارات، التي لا تزال تعاني من تداعيات الأزمة المالية عام 2010 التي أصابت سوق العقارات في دبي، تعاني حالياً من مخاطر جديدة بسبب تراجع أسعار العقارات، والقروض غير المرتبطة بمدة لدفعها.

وأظهر مسح للوكالة في سبتمبر/أيلول الماضي أن أسعار العقارات في دبي تراجعت بنسبة راوحت بين 25 و35 في المائة منذ منتصف 2014، وأن محللين يتوقعون مزيداً من الانخفاض هذا العام والعام المقبل، وسط تباطؤ الاقتصاد وزيادة المعروض من الوحدات السكنية.

وتأتي هذه الأزمة في وقت مختلف تماماً عن الأزمة المالية السابقة التي مرت بها إمارة دبي عام 2009، حيث إنها وحسب تقرير بمجلة فوربس، تعاني حاليا، بالإضافة إلى الانهيار في قطاع العقارات، من تدني أسعار النفط  وأزمة الاضطراب الجيوسياسي والتوتر العسكري في منطقة الخليج.

هو مناخ طارد للأعمال التجارية، وتلقائياً أجبر المستثمرين وكبار أثرياء المنطقة على تهريب ثرواتهم إلى مراكز المال العالمية.

كما أن الإنفاق الكبير على تمويل النزاعات والمليشيات، وتدهور أسعار النفط، وتشديد الحظر الأميركي على إيران التي كانت تعد من أهم شركائها التجاريين، فاقمت بدورها من الأزمة في دولة الإمارات. وما تعاني منه دبي حالياً ليس منفصلاً عن المعاناة التي تعيشها الإمارات الأخرى.

لكن لا يبدو أن أزمة الديون التي تمر بها إمارة دبي معزولة عن مجموعة أزمات أخرى تمر بها الإمارات على صعيد غلاء المعيشة، وانخفاض الوظائف، وارتفاع الديون الشخصية، وتدهور القوة الشرائية لدى المستهلكين، وإغلاق المحلات التجارية في مراكز التسوق الكبرى، والتداعيات السلبية لتشديد الحظر الاقتصادي والتجاري على طهران.

على صعيد تداعيات الحظر على الاقتصاد الخليجي، تعد الإمارات من أكثر الدولة التي تضرر اقتصادها من الحظر الأميركي على طهران، خاصة مع ضخامة رقم التبادل التجاري بين إيران والإمارات.

وحسب ما نقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز” عن مسؤول إماراتي في يوليو الماضي، فإن الحجم التجاري الإماراتي مع إيران بلغ 70 مليار درهم (نحو 19 مليار دولار) في العام الماضي 2018. وقال المسؤول إنه يتوقع أن ينخفض الحجم التجاري إلى النصف خلال العام الجاري، وسط التشديد الأميركي على مصارف الإمارات، والرقابة المستمرة من قبل وزارة الخزانة الأميركية.

وفي الواقع، فإن دبي تعد تقليدياً، ومنذ عقود عديدة، مركز “أوفشور” بالنسبة للأعمال التجارية الإيرانية، وإن العديد من العائلات الثرية في الإمارات، خاصة في دبي، يعود أصلها العرقي إلى إيران. ويقدّر عدد الإيرانيين الذين يعيشون في الإمارات بنحو 73 ألفاً، كما يقدر عدد الزوار سنوياً بنحو 350 ألفا.

وساهم الإيرانيون، منذ سقوط نظام الشاه، في انتعاش اقتصاد دولة الإمارات، خاصة إمارة دبي التي نقلوا إليها ثرواتهم بعد صعود الخميني للحكم. كما أن العديد من البنايات التجارية والسكنية في دبي تعود ملكيتها إلى أثرياء إيرانيين، وفقاً للأرقام التي نشرتها “فاينانشيال تايمز”.

وتتهم الحكومة الأميركية المصارف في الإمارات والموانئ البحرية في دبي بأنها تخترق الحظر الأميركي على إيران وتجعله غير فعال، كما كانت تفعل في الحظر السابق المطبق في عهد الرئيس باراك أوباما.

وهذا هو ربما يكون السر وراء زيارة وكيلة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، سيجال ماندلكر، لأبوظبي، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي.

وعقدت ماندلكر لقاءات مع مسؤولين في وزارة المالية والبنك المركزي ورؤساء سبعة بنوك، إضافة إلى رؤساء شركات النقل البحري الإماراتية، والاجتماع الآخر الذي عقده مسؤولون من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية مع المصارف الإماراتية في أبوظبي.

وحذّر الوفد الأميركي، حسب مصادر في لندن، البنوك الإماراتية، من أنها قد تواجه الحظر من التسويات الدولارية ما لم توقف الحسابات الإيرانية. وهذه الحسابات تخص تجارا إماراتيين يحملون الجنسية الإماراتية ولكن أصلهم إيراني.

على صعيد المستوى المعيشي، يقول وافدون إلى الإمارات إن الدولة لم تعد جنة المغتربين، كما كانت في السابق، حيث ارتفعت كلف المعيشة بالنسبة للمواطنين والمغتربين معاً، كما أن المرتبات ظلت على مستوياتها خلال الأعوام الأخيرة، كما فرضت الحكومة ضريبة القيمة المضافة “فات” بنسبة 5%، وبالتالي ارتفعت أسعار الطعام والسلع والترفيه والتعليم في الدولة الخليجية.

في هذا الشأن، تقول كيرين يوزييل، الخبيرة في وحدة “إيكونومست انتيليجنس يونت” البريطانية المتخصصة في الاقتصاد، “على الرغم من تحسّن أسعار النفط في العام الماضي 2018، فإن النمو الاقتصادي ظل متواضعاً في دولة الإمارات”.

وتردّ المحللة، في تعليق سابق لموقع قناة “بي بي سي” الإنكليزية، هذا الضعف الاقتصادي الذي تعاني منه الإمارات، إلى عوامل جيوسياسية، من بينها قطع العلاقات مع قطر، والحظر الأميركي على إيران، وخفض إنتاج النفط.

وتشير المحللة البريطانية إلى “أن قرار فرض ضريبة القيمة المضافة في يناير الماضي الذي اتخذ لتغطية انخفاض الدخل النفطي رفع من أسعار السلع الاستهلاكية وكلفة المعيشة”. وفي الواقع، فإن الإمارات لم تعد للمغتربين الدولة التي لا تفرض ضريبة على الدخل مثلما كانت في السابق بعد اعتماد الفات.

وتشير وكالة التوظيف البريطانية هاييز التي تتخصص في وظائف الخليج، في نتائج مسح للعام الماضي 2018 جرى وسط الأعمال التجارية بدولة الإمارات، إلى أن الشركات مهتمة بخفض الكلفة التشغيلية حتى لا تتكبد خسائر.

ويقول مدير التوظيف في الشركة، كريس غريفيس، “30% من الشركات التي شملها المسح حريصة على خفض الوظائف، و50% منها قالت إنها لن ترفع المرتبات”. وبالتالي، فإن الأجور في الإمارات تواصل الركود في الوقت الذي ترتفع فيه كلف المعيشة، وهذا يخلق مشكلة مالية بالنسبة للسكان.

المواطنون والمغتربون، على حد سواء، يغرقون في الديون لتغطية نفقات الحياة المعيشية والترفيه، وذكر مسح سابق نشرته صحيفة “ذي نانشونال” الإماراتية التي تصدر بالإنكليزية، أن 70% من سكان الإمارات تحت سن 35% يعانون من مشكلة الديون.

وفي فبراير/شباط الماضي، أجرت الحكومة الإماراتية ترتيبات مع بعض البنوك التجارية لإعفاء ديون على 3310 مواطنين يبلغ إجمالي قيمتها 361 مليون درهم، حسب البيانات الرسمية. وخلال الشهور الماضية، اضطر بنك الإمارات المركزي إلى تدشين برنامج لخفض الديون الشخصية التي تفوق خدمتها 50% من الدخل الشهري.

وبالتالي، فإن هناك أزمة ديون شخصية في الإمارات ترهق كاهل السكان. وهذه الأزمة تنعكس تدريجياً على النمو الاقتصادي في الدولة القائم على التوسع الاستهلاكي في السلع والخدمات، إذ أن ضعف القوة الشرائية يترجم لحظياً في ضعف نمو الأعمال التجارية والفنادق والمطاعم ومحلات السوبرماركت وأماكن التسوق والترفيه.

ويقدر إسهام تجارة التجزئة بنسبة 27% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، يتركز بشكل رئيسي في إمارة دبي. كما أن أسعار الإيجارات السكنية بدأت تنخفض بمعدلات تفوق 30% في أحياء وشوارع رئيسية في دبي.