موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: تصعيد الفوضى في ليبيا.. مصالح جيوسياسية واقتصادية تستهدفها الإمارات

294

يدعم النظام الحاكم في دولة الإمارات ميليشيات مجرم الحرب خليفة حفتر بحثا عن مصالح جيوسياسية واقتصادية ضمن مؤامرات النفوذ لأبو ظبي.

ويجمع مراقبون على أن دعم الإمارات لميليشيات حفتر ينتهك القانون الدولي لأنه دعم لطرف لا يؤمن بالدولة الديمقراطية أو الحل السياسي، وكذلك بالاختيار الشعبي، وهو يصب فقط في مصالح أبو ظبي الخاصة.

وتدخل الإمارات الداعم لميليشيات حفتر يهدف لاستنزاف مشاريع الطاقة في ليبيا، والبحث عن عقود عسكرية في حال وصول الجنرال المتقاعد للحكم والتحكم بثروات الشعب الليبي.

وبعد ثمان سنوات على التدخل ضد السكري نظام العقيد معمر القذافي، يبدو مسلسل السلام متعثرا في ليبيا، بل إن البلد بدأ يتحول إلى ما يشبه النسخة السورية للمغرب العربي، حسب صحيفة لوفيغارو الفرنسية.

وتحدثت الصحيفة عن لبننة وبلقنة وانقسام هذا البلد، مؤكدة أن هذا التشرذم أسال لعاب قوى من المنطقة ومن القارات الأخرى، فأطفقت “تراقب من الأعلى كالنسور مصالحها الجيوسياسية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية أو المالية، محولة بذلك النزاع الليبي إلى كومة من الحروب بالوكالة”.

ولإبراز التشابه بين الحالتين السورية والليبية، ذكرت كاتبة التقرير إيزابيل لاسير أولا بما آل إليه الوضع في سوريا بعد ثماني سنوات من اندلاع ثورتها.

وكما هي حال سوريا، اندلعت المواجهات بين الثوار الليبيين ونظام القذافي في العام 2011 ثم تحولت إلى تمرد، تلاه تدخل عسكري من أميركا وفرنسا وبريطانيا، أسقط على أثره القذافي، وبعد ثمان سنوات ها هو البلد مقسم بين حكومة وحدة وطنية تشكلت بإشراف من الأمم المتحدة يرأسها فائز السراج، وتمرد يقوده الجنرال المتقاعد خليفة حفتر.

ويحظى كل من الطرفين بتأييد من بعض الدول والجهات الأخرى، فحفتر مدعوم اقتصاديا وعسكريا من طرف الإمارات ومصر والأردن والسعودية، هذا بالإضافة لاعتماده على مرتزقة من شركة فاغنر الروسية المقربة من الرئيس فلادمير بوتين، ومقاتلين من تشاد والسودان وبعض المجموعات المحلية.

أما السراج -تقول الصحيفة- فإنه يحظى بدعم قطري تركي، بل إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذهب، بعد توقيع اتفاقية رسم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، إلى حد التعبير عن استعداد تركيا للتدخل عسكريا لصالح الحكومة الليبية المعترف بها دوليا إذا طلبت ذلك من تركيا.

وهنا تنبه الكاتبة إلى أنه في عالم يمر باضطرابات جيوسياسية، أصبح الشرق الأوسط مسرحا لجميع عمليات تسوية الحسابات، مشيرة إلى أن الشيء الوحيد الذي لا يمكن التشكيك فيه هو إنهاء الحروب التي تكون بالوكالة والتي تستخدمها القوى الأجنبية لخدمة مصالحها أصعب من إنهاء الحروب الأخرى التي تكون بين طرفين متمايزين.

ومنذ بدء حملته العسكرية المسماة “عملية الكرامة” ببنغازي في مايو/أيار 2014 تواترت الأدلة عن حصول ميليشيات  حفتر على أسلحة من الإمارات ودول أخرى رغم الحظر الأممي، لكن هجومه على طرابلس التي بدأه في 4 أبريل/نيسان 2019 وما تلاها من محاولات اقتحام العاصمة آخرها في 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري كشف عن دعم هائل وترسانة كبيرة من هذه الأسلحة مصدرها الأساسي الإمارات ومصر، يسندهما دور فرنسي وروسي نشط على اختلاف طريقة الإسناد والغايات.

خلال الأشهر الأخيرة من حربها على طرابلس كثفت قوات حفتر غاراتها بالطائرات بدون طيار الحديثة من نوع “وينغ لونغ2” (Wing Loong 2) التي تستعمل صواريخ “بلو آرو بي أي7″، وظهرت أرتال العربات المدرعة الإماراتية من نوع “تايغر” واستعملت صواريخ “بانتسير أس 1” (Pantsir-s1) قصيرة ومتوسطة المدى المضادة للطائرات والتي تملكها كل من الإمارات ومصر وزودت بها قوات حفتر.

وفي 29 يونيو/حزيران الماضي أكد الناطق باسم الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق الوطني محمد قنونو خلال مؤتمر صحفي عقده في غريان أن قوات الوفاق استولت إثر سيطرتها على المدينة على 70 عربة سليمة ومدرعات إماراتية وطائرات مسيرة وصواريخ أميركية الصنع، كما عثر على صواريخ “جافلين” الأميركية اعترفت فرنسا بملكيتها لها.

تؤكد هذه الأسلحة المصادرة أن حفتر استفاد طوال سنوات الحرب بشكل ممنهج ومستمر من الدعم الإماراتي والمصري والفرنسي إضافة إلى دعم روسي تكثف في الأشهر الأخيرة، ليبسط سيطرته على بنغازي، ثم تعزيز نفوذه شرقا والتمدد إلى الجنوب والغرب.

وكانت السيطرة على طرابلس قطب الرحى في إستراتيجية حفتر والإمارات العسكرية والسياسية، ولذلك تكثف الدعم بالأسلحة النوعية والمرتزقة قبيل معركة طرابلس التي أطلقها في أبريل/نيسان 2019 وخلال هجومه الأخير حيث ظهرت المروحيات الهجومية الروسية من نوع “MI35″، في خرق واضح لقرار الأمم المتحدة رقم 1970 الصادر في مارس/آذار 2011 الذي يحظر صادرات السلاح إلى ليبيا.

وبداية عام 2014 بادرت مصر بتقديم دعم قوي ومستمر لحفتر بمنحه بعض الطائرات المقاتلة والمروحيات التي خرجت من الخدمة في جيشها، وبذلك وجدت ثماني طائرات من طراز “ميغ 21 أم أف” (MiG-21MF) وعشر مروحيات مقاتلة من طراز “مي 8 تي” (Mi8-T) وشحنات كبيرة من قطع الغيار والذخيرة طريقها إلى طبرق مركز سيطرة اللواء المتقاعد، ثم بدأ التعاون الإماراتي المصري الوثيق في بناء ترسانة حفتر.

وتشير التقارير إلى أن الإمارات زودت أيضا قوات حفتر في أبريل/نيسان 2015 بأربع مروحيات هجومية من طراز “مي 24 بي” (MI 24P) اشترتها من روسيا البيضاء عام 2014.

في يونيو/حزيران من العام نفسه، نشرت حسابات إلكترونية صورا لطائرة خفيفة من نوع “إيوماكس أي تي 802″(IOMAX AT-802) المعروفة أيضا باسم “إير تراكتور” (Air Tractor) أميركية الصنع وتابعة لسلاح الجو الإماراتي في قاعدة جوية ليبية، وكانت علاماتها الوطنية مخفية، وتستخدم هذه الطائرة للرش الزراعي، كما يمكن تعديلها لحمل الصواريخ والقنابل.

وكانت قوات حفتر قد استولت في أغسطس/آب 2014 على طائرات إضافية إثر سيطرتها على قاعدة الوطية الجوية (قرب مدينة العجيلات غرب ليبيا)، حيث تربض طائرات قديمة من طراز “ميراج أف 1″ (Mirage- f1) الفرنسية المقاتلة وقاذفات”سوخوي22 أس” (Su-22s) الروسية التي تعود إلى زمن القذافي.

واستحوذت قوات حفتر على معظم الطائرات الموجودة في مرابضها منذ سنوات من نوع “ميغ 21″ (MiG-21) و”ميغ 23” (Mig 23) ومروحيات من نوع “مي 8″ (MI 8) و”مي 35″ (MI 35) و”مي 17” (MI 17)، ودبابات “تي 54” (T 54) و”تي 55 (T55)، وجميعها أسلحة سوفياتية معطلة يعود تاريخها إلى عهد القذافي وتستوجب إصلاحا وصيانة، وهنا جاء الدعم المصري بقطع الغيار والتدريب.

تولت مصر تدريب عدد كبير من طياري المقاتلات والمروحيات، وتشير التقارير إلى تخريج 35 منهم في يوليو/تموز 2016، كما بثت قناة “ليبيا الحدث” تقريرا في 11 مارس/آذار 2018 لتخريج دفعة من طياري “مي 24 بي ميل”(MI 24p Mil) الروسية الصنع -سبق أن زودت بها الإمارات قوات حفتر عام 2015- تلقوا تدريباتهم في مصر.

وقبل تجهيز الطيارين المؤهلين نفذ طيارون من الإمارات هجمات في ليبيا لصالح قوات حفتر، ونشر موقع “ميدل إيست آي” في سبتمبر/أيلول 2016 تسجيلات صوتية بين طيار إماراتي كان يستهدف بمقاتلته مواقع قرب بنغازي وضابط مراقبة ليبي في قاعدة بنينا الجوية في بنغازي، كما وظفت طيارين أجانب لتنفيذ عمليات قصف.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 ذكرت مجلة “إنتلجنس أونلاين” (Intelligence Online) المتخصصة في متابعة أجهزة الاستخبارات في العالم أن مؤسس شركة الأمن الأميركية “بلاك ووتر” (Blackwater) إريك برنس ينفذ عمليات إماراتية خاصة في ليبيا، حيث يقود مرتزقة من شركته مقاتلات تقلع من قاعدة الخادم قرب بنغازي (كانت تعرف سابقا بالخروبة).

وأواخر عام 2015، كانت الإمارات قد زودت حفتر بطائرتين مسيرتين من طراز “كام كوبتر أس 100″” (Camcopter s-100) رصدت إحداهما فوق بنغازي في مايو/أيار 2016، وتم الاعتماد ضباط إماراتيين لتسييرها انطلاقا من مطار بنينا أو قاعدة الخادم الجوية الواقعة جنوب بلدة المرج شرق بنغازي قبل تدريب كوادر ليبية.

بدعم إماراتي تكثف أيضا استخدام الطائرات المسيرة منذ عام 2016 في أجواء بنغازي باعتبار أنها معركة حفتر الرئيسية في ذلك الوقت، وقامت طائرات الاستطلاع من طراز “كام كوبتر” بمهمات وغارات في منطقة قنفودة وأحياء سوق الحوت والصابري والهواري (معاقل المعارضة) أدت إلى مقتل مدنيين.

استعملت في معارك بنغازي كذلك قنابل من طراز “أم كي 82” (Mk 82) أميركية الصنع ومصدرها الإمارات، وقد ظهرت في صور وثقها مجلس شورى ثوار بنغازي وسرايا الدفاع عن بنغازي.

وفي إطار الخرق الإماراتي المتواصل للحظر الأممي، كشف تقرير للأمم المتحدة في فبراير/شباط 2018 أن السلطات التشيكية أوقفت -بموجب بلاغ من الخبراء الأمميين- تسليم محركات خاصة بمروحيات من طراز “مي 24 في” (Mi-24v) إلى الإمارات حتى الحصول على مزيد من التوضيح.

وكانت شركة تشيكية مملوكة للدولة قد سلمت أبو ظبي في أبريل/نيسان 2017 سبع طائرات من هذا الطراز بموجب رخصة تصدير ممنوحة في سبتمبر/أيلول 2015، ويعتقد أن هذا الطائرات ومحركاتها لفائدة قوات حفتر في ليبيا.

ورغم قرار الأمم المتحدة فإن طائرات شحن إماراتية مجهولة الحمولة كانت تصل تباعا إلى مطار بنينا في بنغازي، ويتم تفريغها وسط إجراءات أمنية مشددة.

وفي 12 أبريل/نيسان 2019 تم تداول صور تؤكد وصول طائرتي شحن إماراتيتين قادمتين من دبي، واعترفت إدارة مطار بنينا بوصولهما، لكنها قالت إنهما تحملان مساعدات من مؤسسة زايد الخير، لدعم مؤسسات خيرية في الجنوب، ويرجح أن تكون الحمولة أسلحة وذخائر.

وفي يوليو/تموز 2016 أكدت صور الأقمار الصناعية وجود ست طائرات “أير تراكتور” وثلاث طائرات مسيرة يرجح أنها طراز “وينغ لونغ” الصينية الصنع في مطار الخادم العسكري بمنطقة المرج (الخروبة)، وتعد الإمارات ومصر ومجموعة قليلة من الدول القليلة التي تستخدم هذه الطائرة.

ونشرت وسائل الإعلام التابعة لسرايا الدفاع عن بنغازي في سبتمبر/أيلول 2016 صورا ومعلومات عن أنواع الطائرات التي قالت إنها شاركت في غارات جوية في بنغازي، مشيرة إلى أن طائرة “أير تراكتور” نفذت 27 عملية قصف، في حين قامت الطائرات المسيرة بـ235 عملية استطلاع انطلاقا من قاعدة الخادم.

وأصبحت قاعدة الخادم نقطة ارتكاز الإمارات عسكريا في ليبيا، وهي تقع جنوب مدينة المرج بنحو 65 كلم، وتبعد نحو 100 كلم عن مدينة بنغازي، وهي قاعدة سرية أنشأها نظام القذافي في ثمانينيات القرن الماضي، وتبلغ مساحتها نحو عشرة كيلومترات مربعة.

وبدأت أسرار السعي الإماراتي للسيطرة على هذه القاعدة في 2016 حين كشفت مجلة “جاينس360” (Jane’s 360) البريطانية المتخصصة بالأمن والدفاع عن صورة من القمر الصناعي (Airbus Defence and Space satellite )قالت إنها لقاعدة جوية إماراتية جديدة في شرقي ليبيا، وحتى يونيو/حزيران 2016 كانت هذه القاعدة عبارة عن مطار شبه مهجور.

وأوضحت المجلة أن مطار الخادم يحتوي على عدد من طائرات “وينغ لونغ” (Wing Loong) وست طائرات من طراز “AT-802 Air Tractor” مطورة، وطائرتي نقل وإسناد من طراز “يو أتش 60 بلاك هوك” (UH-60 Blackhawk) ، وأشارت أيضا إلى أن الطائرات الإماراتية تنطلق أحيانا من القواعد الجوية الغربية لمصر -وتحديدا قاعدة سيوة الجوية بمحافظة مرسى مطروح- لتنفيذ عملياتها في ليبيا.

قبل أن يتم تجهيز قاعدة الخادم، تشير المعطيات إلى أن قاعدة سيوة الجوية (45 كلم من الحدود الليبية) وقبلها قاعدة سيدي البراني (95 كلم عن الحدود الليبية) كانتا في البداية مركز الثقل الرئيسي في الجهد لمصري الإماراتي لدعم حفتر، خصوصا قبل تجهيز قاعدة الخادم وتطويرها.

تؤكد صور الأقمار الصناعية -التي نشرها موقع “فريدوم أوف رايتنغ” (Freedom of Writing) – التطوير الكبير الذي شهدته القاعدة المصرية، كما تظهر في الفترة بين 23 فبراير/شباط و1 مارس/آذار 2017 نشاطا مكثفا للطائرات المسيرة والمقاتلات، وهي نفس الفترة التي أعلنت فيها مصادر ليبية عن قصف طائرات مجهولة مواقع في الهلال النفطي وبنغازي ودرنة.

وتبرز صور الأقمار الصناعية الملتقطة في يونيو/حزيران 2017 أيضا وجود ثلاث طائرات شحن إماراتية ثقيلة بالقاعدة، اثنتان من طراز “سي 17 غلوب مستر” (C17-Globemaster) وثالثة من طراز “طراز سي 130” (C130) في القاعدة.

لكن قاعدة الخادم كانت أولوية بالنسبة للإمارات، وقد عكست صور الأقمار الصناعية الملتقطة مدى اهتمام أبو ظبي بها، والعمل الحثيث فيها سنة 2017 لتتحول إلى مركز العمليات الرئيسي، ونشر موقع “وور إيز بورينغ” (War is boring) الأميركي في ديسمبر/كانون الأول 2017 صورا تؤكد تسارع البناء في القاعدة.

من جانبه، أظهر تقرير للأمم المتحدة في يونيو/حزيران 2017 صورا لمواقف السيارات العسكرية الضخمة وملاجئ الطائرات الجديدة التي يمكن أن تستوعب المقاتلات النفاثة المتطورة في القاعدة، ويؤكد التقرير أن القاعدة شهدت بين عامي 2014 و2017 تطورا كبيرا وتوسيع ومد مدارج الطائرات، واتهم التقرير أبو ظبي صراحة بانتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، وبتقديم مروحيات قتالية وطائرات حربية لقوات حفتر.

وترجح الأدلة التي نشرتها الأمم المتحدة وتقارير متعددة أن القاعدة تعد غرفة العمليات الرئيسية للقيادة والسيطرة، حيث يوجد خبراء إماراتيون وآخرون توظفهم، وقد تم تجهيزها بمنظومات تربطها بقاعدة بنينا في بنغازي ومواقع أخرى، ومنها تتم إدارة العمليات العسكرية الرئيسية لقوات حفتر واستقبال طائرات الشحن العملاقة التي تأتي من الإمارات ومصر أو عن طريق السودان.

وتظهر وثائق رسالة من السفارة الإماراتية في الخرطوم إلى الخارجية السودانية بتاريخ 19 مايو/أيار 2019 تطلب فيها الحصول على تصريح دبلوماسي لطائرتي شحن من نوع (C17) تابعتين للقوات المسلحة الإماراتية للعبور والهبوط بمطار الخرطوم، خلال عبورها لنقل “ركاب وحمولات متفرقة” من الخرطوم إلى مطار الخروبة في ليبيا.

وذكرت الرسالة أن الرحلة ستكون خلال فترة زمنية تبدأ من 25 مايو/أيار الماضي إلى 26 من الشهر ذاته وأن خط سيرها سيكون من مطار أبو ظبي إلى مطار الخرطوم، ثم إلى مطار الخروبة، ثم إلى مطار أبو ظبي من جديد مرورا بالعاصمة المصرية القاهرة، ويرجح أن الحمولة عتادا وجنودا بما يؤكد أن الدعم الإماراتي استمر قبل وبعد هجوم حفتر على طرابلس.

وتشير تقارير إلى أن الإمارات تتعاون مع قائد “قوات الدعم السريع” في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي) في دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالمقاتلين، وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري كشف تقرير أممي لفريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا أن ألف جندي سوداني من “قوات الدعم السريع” أُرسلوا إلى الشرق الليبي في يوليو /تموز2019، وأن”حميدتي” أرسل تلك القوة لحماية بنغازي، وتمكين قوات حفتر من الهجوم على طرابلس، كما نقَل عن عدد من المصادر قولها إن “قوات الدعم السريع” تمركزت في وقت لاحق بمنطقة الجفرة بجنوبي ليبيا.

كما عملت الإمارات أيضا على تقوية جيش البر (المشاة) التابع لحفتر بتوفير ناقلات جنود مدرعة من طراز “تايغر” الأميركية، كما وصلت إلى ميادين القتال مدرعة “نمر 2” المصرية ومدرعات أردنية والمئات من سيارات الدفع الرباعي المعدلة من نوع تويوتا التي يمكن تجهيزها برشاشات من عيار 12.7 و14.5 ومدفع عيار 106 ملم والصواريخ المضادة للدروع.

وفي مايو/أيار 2018 سلمت أبو ظبي قوات حفتر أيضا سفينة دوريات البحرية “الكرامة”، وهي قطعة بحرية بنيت في إيرلندا عام 1979 وكانت تعمل في بحريتها قبل أن يتم شراؤها في مزاد علني من قبل شركة مقرها في الإمارات.

وحصلت البحرية التابعة لحفتر من فرنسا على عدد من الزوارق السريعة وأسلحتها وذخائرها، وأكدت مصادر في حكومة الوفاق أن بارجة فرنسية رست يوم 27 أبريل/نيسان 2019 في ميناء رأس لانوف، وأنزلت تلك الزوارق والأسلحة والمعدات تحت حراسة شديدة من قوات حفتر، ويرجح أن تكون الصفقة بتمويل إماراتي.

بالإضافة إلى جيشه، عملت أبو ظبي على رعاية حفتر شخصيا، فوفرت له فرق الحماية والدعم المالي واللوجستي، وتعود ملكية الطائرة “فالكون 900″(Falcon 900) -التي تحمل الرقم “P4-RMA” ويتنقل بها اللواء المتقاعد داخل ليبيا وأحيانا خارجها- إلى شركة إماراتية مقرها دبي.

وبحكم الحظر الأممي على توريد السلاح لأطراف النزاع في ليبيا يصل السلاح إلى حفتر بطرق ملتوية تلتف على القرارات الدولية، وعبر شركات وعملاء ووسطاء، خاصة في أوروبا الشرقية السابقة، حيث يوجد فائض من السلاح السوفياتي القديم (مولدوفيا، تشيكيا، روسيا البيضاء، بلغاريا)، وتكون الإمارات أو أطراف تابعة لها غالبا اللاعب الرئيسي.

ونظرا لسهولة رصد وتتبع حركة السفن المحملة بالأسلحة وإيقافها بحكم القرار الأممي الذي يسمح بتفتيش السفن قبالة السواحل الليبية، لعبت طائرات الشحن الجوي من طراز “إليوشين” و”أنتونوف” دورا كبيرا في إيصال السلاح وحتى الأموال لحفتر وقواته باعتبارها الطريقة الأنجع والأسرع.

ويظهر تحليل صور وبيانات أن طائرة الشحن “أيل 18- دي” (IL-18D) التي تحمل رقم “ER-ICS” وتملكها شركة مسجلة في مولدافيا وتستأجرها أخرى إماراتية تواجدت في الفترة بين يونيو/حزيران 2016 ويناير/كانون الثاني 2017 أكثر من مرة في مطارات الزنتان والجفرة ونالوت وبنينا (بنغازي) وقاعدة الخادم الجوية (بنغازي)، وكانت تحمل عتادا وجنودا وأحيانا أموالا كما أظهرت صور متطابقة.

كما تؤكد بيانات وصور للأقمار الصناعية أن طائرات شحن تسيّر رحلات منتظمة بين مصر والأردن وإسرائيل وشرقي ليبيا، اثنتان منها من طراز “إليوشين إي أل 76″، وهي طائرات شحن روسية عملاقة.

وتثبت بيانات مواقع الشحن العالمية أن الطائرتين مسجلتان في كزاخستان لشركة “أير ألمانيا” ثم شركة “سيغما للطيران” التي تعد شركة “ريم ترافل” الإماراتية وكيلها التجاري وتمتلك نسبة 49% فيها، وقد ظهرت الطائرتان مرات عدة في مطارات الإمارات وفق مواقع رصد الطائرات العالمية.

ووفق مواقع رصد الطائرات العالمية، هبطت طائرتان عسكريتان من طراز “توبوليف تو- 154 أم” (Tupolev Tu-154m) تتبعان القوات الجو فضائية الروسية في قاعدة الخادم يومي 17 و22 أكتوبر/تشرين الأول 2018 قادمتين من الخرطوم، وغادرتا إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية غربي سوريا.

كما أقلعت طائرة نقل من طراز “إيل 79 (Il-76) في الرابع من الشهر نفسه من قاعدة حميميم التي تديرها روسيا في محافظة اللاذقية السورية عبر جزيرة كريت القريبة من السواحل الليبية، وأغلقت أجهزة التتبع الخاصة بها، ويرجح أنها وصلت إلى مطار الخادم.

هذا التدفق الكبير في الأسلحة بطرق التفافية وغير مشروعة في القانون الدولي مكن حفتر من اكتساب آلة حربية عززت طموحاته العسكرية والسياسية في ضرب أسس الحل السلمي في ليبيا القائم على اتفاقات دولية، ومحاولة السيطرة على كل الأرضي الليبية.

وتنظر الإمارات ومصر وكذلك فرنسا وروسيا إلى حفتر كمشروع “رجل مدجج بالسلاح” لتحقيق مصالح جيوسياسية واقتصادية في ليبيا والمنطقة، لكن هذا الرهان يصطدم بالواقع الليبي ورفض مكوناته المختلفة عودة الدكتاتورية العسكرية، وهو الآن في اختبار معركة طرابلس التي يتعثر فيها اللواء المتقاعد بما قد ينسف أهدافه العسكرية والسياسية وطموحات من يراهن عليه.