قضي حمد منصور أبرز مدافع عن حقوق الإنسان في الإمارات، عيد ميلاده الـ55 في الثاني والعشرين من تشرين أول/أكتوبر الجاري خلف القضبان للمرة الثامنة منذ اعتقاله في مارس 2017.
وعلى مدى أكثر من عقد، كان منصور من أبرز الأصوات المدافعة عن حقوق الإنسان في الإمارات والمنطقة العربية رغم محاولات الحكومة المتكررة لإسكاته، بحسب مركز مناصرة معتقلي الإمارات.
في عام 2011، احتجزته السلطات الإماراتية مع أربعة آخرين لمدة ستة أشهر، وفرضت عليه حظر السفر، مع محاولات متعددة لاختراق أجهزته باستخدام برامج تجسس متطورة.
وفي مداهمة ليلية يوم 20 مارس 2017، اعتقل مجددًا، وظل مكان احتجازه مجهولًا لأسرته وأصدقائه لأكثر من عام.
في مايو 2018، حكمت عليه محكمة الاستئناف في أبوظبي بالسجن عشر سنوات بسبب انتقاداته السلمية للحكومة ومطالبته بإصلاحات في مجال حقوق الإنسان.
وفي يوليو 2024، تمت محاكمته في قضية الإمارات 84 الجديدة وحُكم عليه بالسجن لعشر سنوات أخرى بعد محاكمة اعتُبرت غير عادلة.
ومنذ اعتقاله، يُحتجز منصور في زنزانة انفرادية، محروماً من أبسط حقوقه كالسجين وفق القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي تدعي الإمارات التزامها به.
وسبق أن قالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية إن دولة الإمارات تضطهد الناشط الحقوقي أحمد منصور المعتقل على خلفية الرأي، مطالبة بالإفراج عنه فورا.
وقال جو ستورك الخبير الحقوقي الدولي ونائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان إن منصور حُبس في زنزانة منعزلة في الإمارات منذ اعتقاله في مارس/آذار 2017، وحُرم من الكتب، والسرير، وحتى الهواء النقي، فتدهورت صحته.
وحكمت محكمة إماراتية على أحمد منصور بالسجن 10 سنوات بتهمة “إهانة هيبة ومكانة الدولة ورموزها” و”نشر معلومات كاذبة وشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي”.
وقال ستورك “لا نعرف ما هي “الإهانة” المزعومة أو “المعلومات الكاذبة” التي يمكن أن تبرر عقدا خلف القضبان. انتهت محاكمة أحمد ولم يُعلن عن لائحة الاتهام ولا حكم المحكمة. استخدم أحمد “فيسبوك” وغيره من منصات وسائل التواصل الاجتماعي للفت الانتباه إلى إنكار العدالة في الإمارات. كما تبادل المعلومات مع المنظمات الحقوقية في الخارج حول المحاكمات الجائرة التي أودت بنشطاء حقوقيين ومحامين إماراتيين إلى السجن.
وأضاف أن “هذا دليل على دبلوماسية الإمارات السلسة وأموال العلاقات العامة التي جنبتها طويلا انتقاد سجلها الحقوقي المروع من قبل حلفاء مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا. ما الذي كان سيقوله جورج أورويل عن دولة استضافت بوقاحة “قمتين عالميتين للتسامح” وأنشأت وزارة “السعادة وجودة الحياة”، بعد إغلاق الجمعيات المدنية والسياسية التي روّجت سلميا لوجهات نظر مختلفة عن آراء الحكام؟ غياب أي صحافة مستقلة في الإمارات زاد أهمية التغطية التي يقدمها أحمد على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن زاد أيضا الخطر المرتبط بها.
وأكد الخبير الدولي ان اضطهاد الإمارات بحق أحمد منصور بسبب “جرائمه الفكرية” قاس وغير مبرر، وأن الأحداث الرياضية والثقافية الدولية هي الوجه الذي يقدمه حكام الإمارات إلى العالم، لكنهم لا يستطيعون إخفاء المشهد الفظيع للحقوقي الرائد وحيدا في زنزانة خاوية، في ظروف غير إنسانية.
تعذيب وعزل
قبل يومين أكدت مصادر حقوقية أن النظام الإماراتي يتعسف بالناشط الحقوقي معتقل الرأي في سجون الدولة أحمد منصور ويعزله عن العام الخارجي بما في ذلك منعه من الاتصال بعائلته.
واستنكر مركز الإمارات لحقوق الإنسان حرمان منصور من المكالمات الهاتفية مع عائلته منذ شهر رمضان الماضي، مؤكدا أن ذلك يعد انتهاكا واضحا لحقه في التواصل مع العالم الخارجي المضمون في المادة 37 من القواعد النموذجية لدنيا لمعاملة السجناء التي تنص على الاتصال بالعائلة بصفة منتظمة.
ولم يسلم منصور من انتهاكات السلطات الأمنية في بلاده، وأصبح ضحية للسياسات والقوانين الإماراتية التعسفية، ونموذجا ترويه هيئة الأمم المتحدة عن الانتهاكات المروعة في الإمارات.
وكانت المحكمة الاتحادية في أبو ظبي، أدنت منصور في 30 مايو/ أيار 2018 على خلفية نشاطه الحقوقي، وقضت عليه بالسجن 10 أعوام، وغرامة مالية قدرها مليون درهم (272 ألف دولار أمريكي).
كما حكمت ذات المحكمة بمصادرة جميع أجهزة الاتصال التي تخصه، وفرض المراقبة الإدارية لمدة ثلاث سنوات عليه؛ بسبب نشاطه الحقوقي على شبكات التواصل الاجتماعي، والإساءة إلى هيبة ومكانة الدولة ورموزها، بما في ذلك قادتها، ومحاولة زعزعة علاقة الإمارات بالدول المجاورة عبر نشر تقارير ومعلومات مغلوطة.
وفي ديسمبر/ كانون أول 2018 أيدت المحكمة الاتحادية العليا الحكم على منصور بصفة نهائية وغير قابلة للطعن، وهو أمر أثار استنكار العديد من الأطراف الحقوقية العربية والعالمية.
وعدت منظمة “هيمون رايتس ووتش” هذا الحكم “هو مسمار آخر في نعش أي أمل للعدالة في الإمارات”.
ويعود اعتقال جهاز أمن الدولة، لمنصور، يوم 20 مارس/ آذار 2017 من منزله في منطقة عجمان.
والناشط منصور من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في الإمارات، وأحد الموقعين على عريضة الإصلاح في شهر مارس/ آذار 2011 والحاصل على جائزة “مارتن إينالز” للمدافعين عن حقوق الإنسان لعام 2015.
وعدّه الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره المؤرخ في 9 سبتمبر 2019 وعملاً بالقرار 12/2 الصادر عن مجلس حقوق الإنسان من أهم المتعاونين مع الأمم المتحدة واستعرض الانتهاكات والأعمال الانتقامية التي تسلطت عليه بسبب ذلك.
ووثّق المقررون الخاصون التابعون للأمم المتحدة في بيانهم بتاريخ 28 مارس 2017 والبرلمان الأوروبي صلب قراره عدد RSP / 2862 / 2018 بتاريخ 4 أكتوبر 2018 الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي طالت الناشط الحقوقي من تجسس على هاتفه واختراق لبياناته، واعتقاله ضمن القضية المعروفة بالإمارات 5 وإخضاعه للمراقبة الإدارية وحظر السفر قبل إخفائه قسريا يوم 20 مارس 2017 واعتقاله تعسفيا ومحاكمته دون ضمانات المحاكمة العادلة.
وتعمّدت السلطات الأمنية الإساءة لمنصور والحط من كرامته داخل سجن “الصدر” وإهماله صحيا، ومنعه من الاتصال بعائلته ومحاميه لأشهر، واستمرت في حبسه انفراديا وحرمته من تسلم مبالغ مالية.
وخاض الناشط الحقوقي عدة إضرابات عن الطعام احتجاجا على إساءة معاملته داخل السجن وحبسه في زنزانة انفرادية والحكم عليه بالسجن مدة 10 سنوات من أجل تدوينة ومن أجل دفاعه عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان دون ضمانات المحاكمة العادلة.
وطالب المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان، سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة الإفراج الفوري على الناشط الحقوقي أحمد منصور وفتح تحقيق نزيه للتحري حول تعرّضه لسوء معاملة واختفاء قسري واعتقال تعسفي ومحاكمة جائرة وإحالة كلّ من ثبت تورطه في الانتهاكات على القضاء العادل والناجز وتخويله الحقّ في الانتصاف من أجل جبر ضرره المادي والمعنوي وردّ الاعتبار له.
كما طالب مركز الإمارات لحقوق الإنسان، السلطات الإماراتية، بالإفراج فورا ودون قيد أو شرط عن الحقوقي البارز أحمد منصور وإسقاط التهم الموجهة له وتمكينه من كل حقوقه بما فيها الحق في حرية التعبير.
وأكد مركز الإمارات على ضرورة ضمان التعويض القانوني عما تعرض له من تعذيب وسوء معاملة داخل السجن ومحاسبة المسؤولين عن تلك الممارسات الغير قانونية بفتح تحقيق عاجل وجدي في هذا الإطار.
ويقبع في سجون الإمارات، عشرات المعتقلين السياسيين، بينهما أساتذة ومحامين وأكاديميين وقضاة ونشطاء ومهندسين وغيرهم. ورغم فقدانهم للحرية إلا أن الانتهاكات القانونية بحق تتواصل لأعوام طويلة.
وبحسب منظمات حقوقية، فإن عدد المعتقلين السياسيين في السجون الإماراتية، بلغ 106 معتقلين، بينهم سيدتان (أمينة العبدولي ومريم البلوشي).
وأبرز المعتقلين إلى جانب منصور، أصحاب القضية المعروفة دولياً (الإمارات94) وعالم الاقتصاد الدكتور ناصر بن غيث، في حين، تتعنت السلطات الإماراتية بالإفراج عن معتقلي الرأي في سجونها، والذين أنهوا محكومياتهم، رغم أن بعضهم أتمّ مدة حكمه منذ أكثر من 3 سنوات.
وطالبت أكثر من 140 منظمة حقوقية حول العالم سلطات النظام الإماراتي بالإفراج الفوري عن الناشط الإماراتي منصور، كما دعا متضامنون معه إلى إطلاق سراحه ومحاسبة المسؤولين عن اعتقاله والانتهاكات التي طالته.
وإلى جانب منصور، الذي بات أيقونة معتقلي الرأي في سجون النظام الإماراتي، يبرز اسم الشيخ الدكتور سلطان بن كايد القاسمي، والدكتور محمد الركن، والدكتور محمد المنصوري وعشرات المعتقلين الآخرين الذي يدفعون ثمن مطالبتهم بالحرية وحقوق المواطنين.
وسبق أن وثقت منظمة العفو الدولية “أمنستي” العديد من الحالات التي أهدرت فيها الإمارات حقوق المعتقلين؛ ففي هذه الحالات التي كان جهاز أمن الدولة هو المسؤول عن معظمها، ألقِيَ القبض على الأشخاص بدون أمر قضائي، واحتُجزوا بمعزل عن العالم الخارجي لمدة أسابيع أو شهور، وتعرضوا للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة.
وتقول منظمة “أمريكيون للديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين” إن لحكومة أبوظبي تاريخا طويلا في استخدام التعذيب ضد من تعتبرهم تهديداً لها الذين هم في الغالب من المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضة السياسية والشخصيات الدينية والصحافيين.