نشر الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجيز مقالا كشف فيه ما تعرض له شخصيا من تعذيب في سجون الإمارات ويروي قصته بالتفصيل، في مجلة “ذا أتلنتك” الأمركية، كما تطرق إلى ما يتعرض له معتقلو الإمارات وذويهم من سوء معاملة.
وتحت عنوان (دولة حليفة احتجزتني واتهمتني بالتجسس والغرب متواطئ) نشر طالب الدراسات العليا في جامعة درام البريطانية ماثيو هيدجز مقالا في موقع “ذا أتلانتك”، أكد فيه أن اعتقاله في الإمارات مدة 7 أشهر لم يأت من فراغ.
وبدأ مقالته: ”بدأ كابوسي في مطار دبي، وأنهيت إجراءات الصعود إلى الطائرة وتناولت القهوة مع والدتي التي كانت تعيش في دبي وبعدها مشيت باتجاه مكتب الهجرة لكي أقول لأمي وداعا. كان ذلك في أيار (مايو) 2018 حيث قضيت معها أسبوعين وقمت ببعض الأبحاث المتعلقة بأطروحة الدكتوراه التي أعدها. وعانقتها وانتظرت في الطابور قبل أن أقدم جواز سفري لكي يفحصه موظف الهجرة. وعند فحصر وثيقة سفري، حضر بشكل مفاجئ عدد من ضباط الأمن وأحاطوا بي وقالوا إنني محتجز”.
ويضيف إن ما أعقب ذلك هو سبعة أشهر عذاب “وضعت فيها أنا – الأكاديمي البريطاني- في زنزانة انفرادية تابعة لمخابرات حكومة صديقة. وهي سبعة أشهر حرم فيها من الأساسيات مثل الحصول على محام. وعاش سبعة أشهر قامت خلالها زوجته وحكومة بلاده للدفع باتجاه الإفراج عنه.
ويواصل هيدجيز بالقول إنه يقوم ولسنوات عدة بالبحث في استراتيجية الأمن القومي للإمارات العربية “وهو موضوع أعرفه جيدا، خاصة أنني عملت في السابق بالقطاع الدفاعي والأمني والتي كانت جزءً من اطروحتي للدكتوراة”.
ويضيف إنه قدم مقترح الرسالة قبل مغادرته الإمارات لجامعة دارم للحصول على شهادة الدكتوراه منها. ولم تجد المؤسسة التي قيمت المخاطر للجامعة أي شيء حساس في الخطة التي قدمتها لإجراء الدراسة ومنحتني إذنا للسفر إلى الإمارات وبناء على الموقفين الأخلاقي والسلامة.
إلا أن هذا لم يكن مهما إلا بالقدر اليسير للمحققين في جهاز المخابرات الإماراتي “لأنني كنت في نظرهم أجمع معلومات عن المنشآت والإجراءات الإستخباراتية ولم يكن هناك ما يمكنني قوله لتغيير رأيهم”.
ويمضي قائلا إن ظروف اعتقاله في المطار كانت مثيرة للتشوش والاستفزاز “وسألت ماذا يجري ولم أجد تفسيراً واضحا. وطلبت محاميا ورفض الطلب. واتصلت بسرعة مع والدتي وطلبت منها الإتصال بالسفارة البريطانية والاتصال بمحام. وبأسرع مما كنت اتوقع عصبوا عيني ووضعوني في صندوق سيارة ونقلت إلى أبو ظبي”.
ويصف ما حدث له على مدى ستة أسابيع حيث تعرض لتحقيقات يومية منهكة والتي استمرت احيانا مدة 15 ساعة. وتم تهديده بشكل مستمر بالتعذيب الجسدي والسجن المؤبد ونقله إلى قاعدة عسكرية في الخارج حتى يعترف بما يتهم به.
وتم احتجازه في مكان مجهول “وسمح لي بمكالمتين قصيرتين وإخبارها تحت التهديد أنني في حالة جيدة”. وطلب منه المحققون في واحدة من جلسات التحقيق الموافقة على سرقة وثائق من وزارة الخارجية البريطانية. وظل ممنوعا عليه طوال تلك الفترة الاتصال مع زوجته أو محام أو حتى دبلوماسي بريطاني “مما أدى لتدهور حالتي النفسية، وعانيت من الكآبة والقلق”.
ويضيف أنه حاول في البداية الرد على اتهامات المخابرات الإماراتية والتأكيد على براءته. وردت المخابرات على هذا بعدوانية متزايدة. واضطر نتيجة للضغوط النفسية الذي ترافق مع عزلته إلى الاستسلام و”اعترفت ووقعت على اعتراف مكتوب باللغة العربية، وهي لغة لا أتحدث بها أو أستطيع قراءتها.
وتضمن الاعتراف أنني عنصر في المخابرات الخارجية البريطانية (أم أي6). وتوقعت لو “اعترفت” أن يتم حل الوضع بسرعة وبدون تداعيات خطيرة علي وعائلتي، كما اقترح الجلادون أكثر من مرة”.
ويؤكد هيدجيز أنه ظن في البداية أن اعتقاله كان بطريق الخطأ: “وبالتأكيد سمح له بعد التوقيع على الاعتراف بمقابلة مسؤول في القنصلية البريطانية. ولم يستمر الحوار سوى ست دقائق وكان تحت رقابة الحرس والمحقق الذي يشرف على قضيتي وتم وقفه عندما سألني المسؤول في القنصلية عن تعرضي للتعذيب. ومع هذا بدت توقعاتي الأولي في غير محلها”.
ولم يحصل على زيارة ثانية من القنصلية إلا بعد 3 أشهر ظل خلالها في حبس انفرادي وبدون محام أثناء التحقيقات. والتقى بزوجته أول مرة قي نهاية يوليو 2018 حيث وصلت إلى الإمارات لمعرفة ما يحدث له والدفع بحل.
ولم يكن يعرف إنها وصلت وتم ترتيب لقاء استمر 45 دقيقة كان مراقبا بالكامل. ولم يسمح لهما خلاله مناقشة أي شيء يتعلق بحالته. ولكن مجرد السماح لها بالزيارة منح أملا بأن الوضع سيتحسن لكنه اقتيد مرة أخرى للزنزانة الانفرادية حيث استأنف المحققون الروتين.
ويقول إن المسؤولين عن سجنه زودوه بدون بروتوكول طبي حبوبا ضد الكآبة والقلق وحبوبا ضد الحساسية وحبوبا للنوم، في وقت رفضت طلبات زيارته مما تسبب في تدهور حالته النفسية. “كنت أتقيأ كل يوم وحاول التسبب بالأذى لنفسي وزادت الأفكار الانتحارية”.
وعندما صدر حكم عليَّ بالسجن المؤبد في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 لم يتغير أي شيء حيث تواصلت عزلته ولم يكن قادرا على وداع زوجته التي كانت في المحكمة واستؤنفت التحقيقات. و”مع ذلك فقد كنت الأول لاكتشاف أنني من المحظوظين، فالإمارات لديها سجل واضح في انتهاك حقوق الإنسان “وكنت أسمع طوال فترة اعتقالي أصوات أشخاص يعذبون في الغرف المجاورة لي.
وفي واحدة من جلسات التحقيق قالت لي الخدمات الاستخباراتية إن الضباط كانوا يريدون اعتقالي بعد إتمام إجراءات الهجرة، لو حدث هذا ولم تكن والدته شاهدة لما كان هناك سجل لاحتجازه”. وكانت هناك إمكانية لرفض اعتقاله بأنه مجرد تصرف أحد رجال الأمن المتحمسين لكن القضية ليست بهذه الطريقة.
ويضيف أن ناصر بن غيث وأحمد منصور ومحمد الركن هم جزء من أسماء معروفة تقضي السجن وفي ظروف أسوأ مما عاني السجين البريطاني. وجريمتهم، هي أنهم مفكرون مستقلون. ويقول إن الأهداف المحلية للمخابرات الإماراتية لا يحصلون على حماية قانونية، فيما يتم استفزاز عائلاتهم والتحرش بها.
ويقول إن الإمارات لا تحترم المعايير القانونية الدولية في سياستها المحلية والخارجية وهي نقطة بدت واضحة في مؤتمر شارك فيه الأسبوع الماضي عقد بواشنطن حيث قدم أشخاص شهاداتهم عن الإنتهاك والإستفزاز على يد أجهزة الأمن الإماراتية.
وما يثير الدهشة هي تصريحات وزير الخارجية الإماراتي في يوليو 2018 في مؤتمر قال فيها أن الفشل في التعلم هو نوع من خذلان الشخص نفسه ووطنه. والحقيقة هي أن الباحثين الإماراتيين هم أول المستهدفين. فاضطهاد المثقفين هي عرض للأنظمة الشمولية. ولا يحتاج الباحث التفتيش عن أمثلة في الشرق الاوسط من قتل الباحث الإيطالي غويليو ريجيني الذين كان يدير بحثا عن اتحادات العمال في مصر.
واغتيال الصحافي في واشنطن بوست جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في اسطنبول. فالنقاش الحر وخلق المعرفة هي مضادة للأنظمة الديكتاتورية. ويرى أن هذه التصرفات لم تأت من فراغ، فصمت الأنظمة الغربية منح الأنظمة الديكتاتورية الثقة كي تواصل أعمالها. ويتردد القادة الوطنيون، بريطانيا منهم في شجب الدول التي يعتبرونها حليفة أمنية ولا يهتمون بحقوق الإنسان أو انتهاكاتها.
وكان الرئيس دونالد ترامب واضحا في تجاهله مظاهر القلق على حقوق الإنسان مركزا على صفقات السلاح، وفقا لماثيو هيدجيز.