موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

إشكاليات الهوية الوطنية في ظل محاولات إعادة التعريف في الإمارات

217

أبرز مركز الإمارات للدراسات والإعلام “إيماسك”، إشكاليات الهوية الوطنية في ظل محاولات إعادة التعريف في الإمارات في غياب الحقوق السياسية والديمقراطية.

وقال المركز في تقدير موقف نشره عبر موقعه الالكتروني، إنه عادة ما تسبب التساؤل أعلاه في إثارة الجدل خلال الانتخابات بسبب السماح لجزء من الإماراتيين بالانتخاب عبر قوائم أُعدت بعناية من أجل الترشح والانتخاب.

وذكر المركز أن إثارة هذا الجدل في العهد الجديد بعد أشهر من إعلان رئيس الدولة فإن الأمر يثير الكثير من التساؤلات لا تقتصر على الانتخاب والترشح التي فقدت قيمتها بانعدام صلاحيات للمجلس الوطني الاتحادي وضعف الموضوعات والمشكلات التي يناقشها.

خلال السنوات العشر الماضية اُستخدم “من هو الإماراتي؟!” عند الحديث عن الإصلاحات السياسية والتغيير عقب عريضة الإصلاح 2011.

إذ جرى سحب الجنسيات عن عدد من المواطنين وسجنهم بسبب مطالبتهم بالإصلاحات، وسحبت الجنسيات عن عائلاتهم وأقاربهم المباشرين. بمقابل مُنح المئات وربما الآلاف الجنسية وهم لا يشتركون مع المواطنين لا في اللغة ولا العادات ولا التقاليد ولا يوجد حامل مشترك.

في الوطن العربي ظلت إشكالية الهوية الوطنية في البلدان متعددة الثقافات والطوائف والعرقيات إشكالية حقيقيه.

وفي الإمارات يبدو أن الإشكالية ليست الهوية الوطنية بل هي “خلل التركيبة السكانية” حيث عدد المواطنين قرابة 10% من عدد السكان أي إماراتي واحد بين عشرة أشخاص من جنسيات أخرى.

ويكشف ظهور تساؤل: من هو الإماراتي؟ فشل السلطات في معالجة هذا “الخلل” وأن فتح الباب للتجنيس وظهور “الإماراتي الجديد” يطرح المخاوف الشعبية من هذا المستقبل.

وهي إشكالية لا تقتصر على الإمارات وحدها وإن كانت أكثر دول مجلس التعاون الخليجي تضرراً واخفاقاً في التعامل معها.

ما هي الهوية الوطنية؟

قبل الخوض في الجدل الجديد/القديم فيجب أن نشير إلى ماهية الهوية الوطنية، التي تعتبر أنها في كل مجتمع هي خلاصة نظامه القيمي وروحه العام ومرجعيته الحضارية، والتاريخ المشترك للآباء والأجداد، ولغته وخصائصه المتشابهة وروابط الولاء والانتماء بين عناصره ومكوناته الأساسية.

وعلى هذه الأسس تأتي المواطنة القائمة في أساسها على العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم، وبما يخدم تعزيز هذه الهوية وحمايتها.

وتساؤل من هو الإماراتي يدفعنا لمعرفة ما هي المواطنة في الإمارات، وحسب وثيقة رسمية فإن المواطنة: موروث مشترك من المبادئ والقيم والعادات والسلوكيات بين الأفراد في الدولة الواحدة.

والتي تسهم في تشكيل شخصية المواطن وتمنحها خصائص تميزه عن غيره من المواطنين في الدول الأخرى، وهي عبارة عن عضوية الفرد التامة والمسؤولة ف الدولة أو أي مجتمع ما، وما يترتب على تلك العضوية من مجموعة من العلاقات المتبادلة بين الطرفين.

تضيف هذه الوثيقة: “المواطنة الحقة تظهر في سلوك المواطن ومعاملاته المختلفة مع الآخرين، هذا بالإضافة إلى مجموعة من الحقوق ومجتمعه ككل، والحقوق والواجبات المتبادلة بين المواطن والوطن بما يضمن العيش المشترك على أرضه بسلام وأمان”.

ما يعني أن المواطنة والهوية الوطنية هي عامل توحيد للمجتمع توفر فرصة حقيقية للمجتمع للتكامل والاندماج الوطني لتحقيق العيش المشترك بمختلف الأفكار والانتماءات الثقافية وحتى الدينية، وزيادة حجم مشاركة المواطنين في الحياة السياسة.

وذلك كأساس راسخ لتعزيز الكيان الموحد للدولة وتعزيز الانتماء الإيجابي لشعور الفرد تجاه وطنه ملتزماً بالقوانين والقيم التي تعلي من شأنه وتنهض به ومحافظاً على مصالحه والدفاع عنه.

العودة إلى الجذور

لمناقشة الهوية الوطنية فإن العودة إلى فترة التأسيس مهمة، في مجتمع متداخل وقَبلي تحوّل إلى دولة حديثة. فالتنظيمات القبلية استوعبت مجمل التحولات العميقة في الدولة خلال الخمسين عاماً الماضية، نتيجة للإرث القبلي للبادية الإماراتية.

فعكس ما يراه البعض بأن السكان -قبل تأسيس الدول يكونون خارج التاريخ- إلا أن بادية الإمارات لم تكن منفصلة عن الاستقرار الكليّ وكانت تملك نظامها القَبلي والقضائي.

والسلطة الأعلى في الإمارات هي “النخبة الحاكمة” وهي مجموع الأسر الحاكمة في إمارات الدولة السبع، وكانت جزءاً من نسيج المجتمع القبلي عند التأسيس وقبله، وتطور دورها على مدار السنوات الماضية.

وقد اكتسبت المزيد من “الشرعية” وفقاً لما عُرف بنظرية “النخبة الحاكمة” التي يعرفها جورج بوردو بأنها “السلطة التي تقوم على الحق لا على القوة؛ أي على قبول المحكومين ورضاهم واعترافهم بحق الحاكم في ممارسة السلطة”.

كان إعطاء المجتمع القبلي الشرعية للحُكام وفقاً لعقد اجتماعي يقوم في أساسه على أن القبائل “تدين بالولاء والطاعة للشيوخ والتخلي عن حريتهم في التنقل (بصفة معظمهم من البدو الرُحل) والانتقال إلى الدولة الحديثة والهوية الجامعة، مقابل حفاظ الحُكام على قيّم البداوة، وهوية المجتمع ورعاية مصالحه وفرض الاستقرار والأمن وتحقيق الحقوق والحريات”.

وعلى هذه الأسس منح الشيوخ شرعيتهم من مجتمعاتهم في المشيخة (الإمارة لاحقاً) مؤسس الدولة الشيخ زايد، طيب الله ثراه، المبايعة من أجل الدولة الاتحادية.

ونظراً إلى متانة الموروث الثقافي والتاريخي ومجموعة القيم والهويات المشتركة بين أفراد المجتمع الإماراتي، فقد تمت عملية الانتقال من النظام القبلي إلى نظام الدولة الحديثة في منتهى السلاسة.

ينظر إلى هذا الموروث الثقافي والتاريخي والقيم والهوية بين أفراد المجتمع هو الهوية الوطنية الجامعة والتي اُعتبرت خطاً أحمراً سواءً على مستوى سلوك السلطة الاتحادية أو السلطات المحلية.

لكن خلال العقد الماضي جرى المضي قُدماً في تجاوز هذه الخطوط الحمراء بفرض قوانين وقرارات تنتهك من تلك قيّم البداوة والنظام القبلي المتوشج مع الدولة الاتحادية.

وتنتهك من سيادة الدولة باتباع نظرية “التبعية” مستثمرة مبرر الانخراط أكثر في “العولمة” واعتبار ذلك قدرة على التكيّف مع الاقتصاد العالمي دون حساب لخصائص الدولة ونظامها الاتحادي متخلية عن تلك “القيّم” ما قد يسبب رد فعل عكسي.

المواطنة الجديدة

خلال النقاشات الأخيرة في شبكات التواصل الاجتماعي لوحظ أن النقاشات لم تنحرف عن مفهوم الهوية الوطنية: من هو المواطن الإماراتي الصالح، أو من هو الإماراتي؟ على الرغم من أن كثير من المقربين من السلطات ركزوا على تكريس وجهة نظر استمرت عشر سنوات من الصناعة الأمنية لهذه المواطنة الجديدة في الدولة والتي ترتكز حول أمرين:

  • الجهوزية للعولمة: تشير بعض النقاشات إلى أن هناك جيل جديد من الإماراتيين “نشأ في مجتمع الإمارات، جيل شاب مختلف في سلوكه وذوقه وعاداته وتقاليده وتطلعاته”، عاش تحوّل العولمة والحداثة في الدولة، والإشارة إلى أن التخلي عن المورث الثقافي والتاريخي والقيم واللغة، هو انفتاح على العالم وتسامح، وإعلاناً رافضاً لتدخل الآباء والأمهات في ما يريده الجيل -الذي يتحدثون عنه- الذي أصبح جاهزاً للعولمة وكأنها الحل السحري لكل المشكلات وحصر الهوية الوطنية للإماراتي: بالانتماء والولاء والعطاء لوطنه والاخلاص لقيادته. وعلى الرغم من أهمية ما ذكر إلا أن الولاء أكبر من ذلك بكثير.

وهو تأكيد لما ظل المستشارون الغربيون -الذين يقدمون المشورة في أبوظبي-، يقولونه في السنوات الأخيرة إن السلطات قامت بتطوير ما أطلق عليه كالفيرت دبليو جونز “مواطنون جاهزون للعولمة”، أفرادًا “أكثر توجهاً نحو السوق وريادة أعمال وعقلية مدنية؛ وطني للغاية أقل اعتمادا على الحكومة؛ لتحقيق هذا الهدف، تريد الإمارات إصلاح اقتصادها المحلي وتعزيز القيم الحديثة في روايتها الرسمية”.

ويشير هؤلاء إلى أنه خلال السنوات القليلة الماضية، “تسارعت عملية الهندسة الاجتماعية بشكل كبير مع الإصلاحات الليبرالية التي تضع الدولة كبيئة آمنة وودية للأعمال التجارية ومرحبة في منطقة معروفة بالصراع وعدم الاستقرار.

وأنشأت لذلك وزارتين للسعادة والاستثمار”. ما يعني أن الهندسة الاجتماعية -مجتمع الإمارات- تهدف لأن تكون الدولة فقط ودية للأعمال التجارية؛ وهي طريقة جيدة لأن يعتبر المواطن الإماراتي نفسه مقيماً في بلده الأم دون حديث عن الحقوق والحريات أو عن المجتمع أو المستقبل فهو جزء من هذا العالم المتجانس بين 200 جنسية، ويمضي عليه ما يمضي على المقيم. مع أن الأمر ليس كذلك.

إن محاولة لتقديم الجيل الجديد من الإماراتيين كقوالب جاهزة لإعادة التشكيل وهو لا يسيء للأمة فقط، بل يسيء أيضاً لحاكمها وشيوخها.

إذ أن العولمة بهذه الطريقة تعني التخلي عن “الهوية الوطنية” بشكل كامل لصالح هوية جديدة تؤدي في المُجمل إلى تسليم البلاد لصالح “العولمة الجديدة” التي لا يوجد فيها هوية الإمارات وحضارتها وقوة مجتمعها.

ولا يعني ذلك التقدم بأي حال من الأحوال، على العكس من ذلك فإن المواطنة تصبح حقيبة للإيجار، وتدفع مواطنين للمغادرة بحثاً عن مكان يحفظ هويته ونقلها للأجيال الجديدة.

  • إعادة تعريف المواطنة: عطفاً على ذلك، كان ملاحظاً خلال العقد الماضي إن السلطات حاولت إعادة تعريف الإماراتي أو المواطنة في وسائل الإعلام والندوات والمناهج الدراسية.

والذي يشير إلى أن الإماراتي: لا يتحدث بالسياسة ولا يعترض ولا يناقش أي قرار من أعلى، وأن لا يناقش الفساد أو ينتقد تزايد البطالة وتراجع التعليم، أما ممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير والتجمع فمُجَرم بنص القانون.

ويتزايد ربط الإماراتي بالإنجاز والعمل وأن ما غير ذلك فليس بإماراتي ومباح ما يحدث له وما يتعرض له من قِبل السلطة.

وفي الحقيقة فالإنجاز ليس معياراً للمواطنة، فالمواطن الإماراتي ابن هذه الأرض ومرتبط بها بالدم والهوية هو مواطن مهما كان سلوكه، لكن الإنجاز هو تبرير لمنح الجنسيات وفق القانون الجديد.

فالكثير ممن أنجزوا وقدموا صورة مشرقة للدولة سجنوا وسحبت جنسياتهم لمطالبتهم بالإصلاح: ف”الدكتور علي الحمادي” أحد أبرز كوادر الإمارات الإدارية المشهود لها والذي نشر أكثر من 46 كتاباً في الإدارة.

و”حسن منيف الجابري” الخبير الإداري والتربوي مدير هيئة أبوظبي للأعمال الخيرية وأحد مؤسسيها، والذي عمل نائبا لمدير لمنطقة أبوظبي التعليمية للتخطيط والإدارة(1981-1994). ومديراً للمكتب التنفيذي لوزارة شؤون الرئاسة(1994-2007).

والدكتور محمد عبدالرزاق الصديق عضو دار الإفتاء، والداعية الإماراتي البارز الحاصل على جوائز منها: جائزة راشد للتفوق العلمي المقدمة من ندوة الثقافة والعلوم بإمارة دبي (1996)و جائزة جامعة الإمارات العربية المتحدة للتفوق العلمي(1998)م.

و”إبراهيم حسن المرزوقي” أحد أبرز أعلام التعليم في الدولة والذي حصل على جوائز حكومية عديدة نتيجة جهوده في التعليم.

و”حسين منيف الجابري” الخبير التعليمي والاجتماعي البارز الذي كان مديراً لعدد من المدارس الحكومية وعمل رئيساً لقسم الشؤون التعليمية بمنطقة أبو ظبي التعليمية.

تتجاهل السلطات أو تحاول تغييب التأكيد على ان “المواطنة” تشير إلى الحقوق التي تكفلها الدولة لمن يحمل جنسيتها، والالتزامات التي تفرضها عليه؛ كما أنها العلاقة بين الفرد والدولة التي يتم تأطيرها في الحقوق والواجبات؛ بحيث تضمن للمواطنين حرياتهم وحقوقهم وتفرض عليهم الواجبات والمسؤوليات تجاه الدولة.

كما تعني مشاركة الفرد في أمور وطنه، وما يشعره بالانتماء إليه.

إن جهاز أمن الدولة لا يتعامل مع الإماراتيين من مبدأ “المواطنة” بل من “نظام الحقوق والواجبات الإقطاعية”.

فالإماراتي يقاتل في مناطق القِتال المفتوحة على طول الخارطة وعرضها، ويحمي الأرض والنظام وسكان الدولة، ويكد في عمله ليدفع الضرائب والرسوم..الخ وبمقابل ذلك لا يحصل على حقوق كاملة دون نقصان.

إن الحديث عن الإماراتي الجديد، أو الجيل الجديد من المواطنين الشباب هو إشارة إلى تخلّق مواطنة جديدة تقوم على اعتبار المُجنسين الجدد جزء من المجتمع وأن الهوية الوطنية أمر ثانوي لا علاقة له بالمواطنة العالمية! وهو أمرٌ غريب.

إذ وفقاً لهذا الافتراض فإننا: ندمج المواطنين -أصحاب الأرض الأصليين- في المجنسين الجدد، وليس العكس كما يحدث في كل دول العالم، إذ عندما تمنح جنسية لشخص فإنه يمر بعدة سنوات لإدماجه في المجتمع من اللغة إلى معرفة التاريخ والعادات والموروثات.

وإذا كان التجنيس أمراً مفتوحاً الآن فإن أبناء المواطنات الإماراتيات أولى من أي شخص أخر الذين حُرموا من جنسية وطنهم لأن ولادهم ليس بإماراتي. و”البدون” وأبنائهم الذين حرموا من الجنسية لأن أجدادهم أثناء تأسيس الدولة استمروا كبدو رحُل ولم يحصلوا على الجنسية مع استقرارهم في مسقط رأسهم وأراضي أجدادهم.

ما العمل؟

لا شك أن مسألة الهوية الوطنية ستصبح إشكالية تتفاقم بمرور الوقت، يعود ذلك إلى تعامل السلطات غير المفهوم، وغير المتناسب مع هذه الإشكالية؛ الأمر لا يتعلق باللهجة والتفاعلات العائلية معها وإن كانت واحداً من مظاهرها، بل بسياسات يفترض أن تقدمها السلطة كإستراتيجية حماية ومحاولة انقاذ.

ولعل الاستخدام السياسي الذي يقدمه جهاز أمن الدولة للمواطنة والتوطين أبرز المشكلات التي تواجه الإمارات ولا سبيل لحلها إلا باعتبار هذه الإشكالية مع قضية خلل التركيبة السكانية، قضايا وطنية تفرد لها مساحات واسعة من الحوار والإجراءات.

من بين ذلك نشير:

  • الثابت والمتغيّر في الهوية الوطنية: سيبقى الحديث عن الهوية الوطنية أهم الموضوعات في مستقبل الدولة ما بين الثابت والمتغيّر فيها.

لكن مع كل ذلك على السلطات الاستيعاب أن لا خلاف حول “المواطنة” وارتباطها بالهوية الوطنية والحقوق والواجبات. وعليها -أي السلطة-تجنب أن تخلط ذلك بمفهومها بشأن “الوطنية” أو “المواطن الوطني”، فمفهوم الوطنية في البلاد العربية هو مفهوم سياسي بحت يرسمه الساسة للجماهير للحفاظ على مستوى وطُرق الحُكم والرضى عن أساليب الاستبداد والقمع.

والوطنيون في كل زمان ومكان هم من يحملون هموم أمتهم وشعبهم ويحافظون على بلادهم ويدافعون عن حقوق شركائهم في الوطن، لا أن أولئك الذين يبررون القمع وتكميم الأفواه واستهداف المواطنين. الوطنيون هم من يدافعون عن هوية بلادهم وحمايتها من التجريف، لا أن محاولة سلخ المجتمع من هويته وجذوره.

  • تفعيل المواطنة: إن السلطات ليس بحاجة إلى بناء مفاهيمي جديد للمواطنة-كما فعلت خلال السنوات الماضية- ومحاولة فرضه على المواطنين، إنها بحاجة للتخلي عن هذا السلوك والبدء فعلياً في تفعيل المواطنة وسط هذا الخلل الكبير في التركيبة السكانية، لا أن تضيف خللاً جديداً.

ولأجل ذلك من شأن المشاركة ثنائية الاتجاه في تفعيل المواطنة وتعزيزها أن تؤدي إلى تحصين المجتمع ضد التغيرات والمؤثرات الخارجية. على السلطات أن تعيّ أن المواطنة هي مشاركة إيجابية ذات اتجاهين من الأعلى والأسفل في صنع القرار والسياسات.

الأمر الذي يتطلب إدماج كل فئات المجتمع وجماعاته في أطر وطنية واحدة، ومستندة على مبدأ الحقوق المتساوية للمواطنين، كما آن الأوان لاستيعاب المواطنين أن المواطنة هي مشاركة وتمكين ومساءلة.

  • استعادة دور المؤسسات الوطنية وروافدها: الشباب الإماراتي جيد في حب الاستطلاع والفضول والإعجاب بالأخر وهو أمرٌ صحي في تلك المرحلة العمرية، لكنه في الوقت ذاته فخور بتراثه وموروثه وثقافته وعاداته.

خلال العقود الأربعة منذ تأسيس الدولة كانت السلطات والمؤسسات في الإعلامية والتعليمية، والمؤسسات المدنية والمساجد تقوم بدور تربوي تنويري يدفع الجيل الشاب إلى حماية هويته الوطنية وتذكير المراهقين والشباب بمن يكونوا، وأي طُرق يسلكونها، وكل تلك الجهود ساهمت في الوعي الجمعي المحافظ على الهوية الوطنية وكانت تجيب على التساؤل: من هو الإماراتي؟  وتقوم بتوجه الجيل الجديد نحو من يكون في محيط من الوجود المتعدد للهويات الوافدة.

ساهمت تلك الجهود من السلطة والإعلام إلى المدرسة والمسجد في توضيح ما هي السلوكيات غير السليمة وتذكير هذا الجيل: بمن نحن؟ والتذكير أن السلوكيات السيئة مستهجنة في كل دول العالم وليس فقط كدين وعُرف وهوية وطنية.

وهي جهود رغم بساطتها لكنها كانت تمثل تعزيز للوعي والتربية في هذا السن وساعدت العائلات في حماية أبنائها، وغياب -أو تغييب هذه الجهود تحت أي مبرر يجعل الإماراتيين يشعرون أنهم غرباء ومتغربون في بلادهم، وهو ثمن ستدفعه الدولة في مستقبلها.

  • إشكالية العولمة والاستفادة منها: بحديثنا عن العولمة لا يعني أنها سيئة بالكامل ونحن نشاهد تأثر الدولة بها، لكن الخبراء أوجدوا حلولاً للاستفادة من العولمة -بتقنياتها وتقارب أفكارها- تقف على رأسها حماية الهويات الوطنية للشعوب، وبناء عولمة خاصة بها تحمي تراثها وتاريخها وهوياتها الوطنية.

وهو أمر يحتاج إلى مراجعة السلطات على من يعتمدوا في أخذ استشاراتهم بشأن الإمارات، والمواطنون يعرفون الخصوصية الإماراتية والاحتياجات المهمة وكيف نستفيد من التجارب لا أن نحول الدولة إلى تجارب للنماذج الأخرى بالكامل وننقلها إلينا.

كما أن السلطات تأخذ من العولمة كنموذج كامل في الاقتصاد حتى لو أدى إلى تدمير الهوية الوطنية، لكنها في الوقت ذاته ترفض التعبير عن الرأي، كما ترفض وجود مجلس وطني كامل الصلاحيات (برلمان) منتخب من كل أبناء الشعب.

وهي بذلك ستصل في المستقبل إلى طريق سيء للغاية فلن تملك مجتمعاً متماسكاً يقدم الولاء لولي الأمر إذا ما تغيّرت المعطيات الاقتصادية فالدولة أصبحت تقدم الشركات متعددة الجنسيات على المواطنين.

ولن يبقى المجنسون الجُدد وبقية السكان في الدولة في حال تغيّر وضع الاقتصاد فوجودهم مرتبط بذلك فقط ولا يشعرون بأي انتماء مقارنة بالمواطنين وأبناء المواطنات والبدون وأبنائهم.

كما أن المجنسون الجدد لا يوجد أي ارتباط مع الموروث الثقافي ولا تخطط الدولة لدمجهم!

القوانين الجديدة تمثل حجر عثرة أمام الهوية الوطنية والانتماء الإماراتي إليها، هوية الدولة إسلامية، وجزء من الوطن العربي، ويبدو أن القوانين الجديدة أصابت المواطنين بالصدمة: من العطلة الأسبوعية إلى شرعنة المساكنة وشرب الخمور وفتح صالات القِمار.

وهذه القوانين تظهر الإمارات أنها تعيش خارج ثوبها وهويتها الوطنية، وتضغط هذه القوانين على العائلات الإماراتية بشأن تربية الأولاد والفتيات فلا حدود استكشاف الجديد، فالقوانين والدولة تشجع على التمرد.

الإماراتيون خلال خمسين عاماً كانوا يديرون الدفّة معاً، لا شخص ولا فرد ولا فكرة خارجية تديره من خارج السفينة.

ووجود مجلس وطني اتحادي ومناقشة عقد اجتماعي جديد يبدأ كما في الماضي بحوار بين المواطنين وكبارهم، وبين الحكام، ومجلس وطني كامل الصلاحيات يراقب ويشرع فستحافظ الإمارات على هويتها وتحقق الانتقال نحو المستقبل بما يحميّ الدولة ويصونها في نصف القرن الجديد من عمر الاتحاد.

ويجب ألا تكتفي السلطات بالفُرجة والمضي قُدماً في إجراءاتها التي تستهدف الهوية الوطنية، فالمخاطر تهدد مستقبل الدولة القريب.

فالدول تعُرّف بهوياتها الوطنية ونخشى أن نجد الإمارات بلاهوية وطنية محددة، وهذا التساؤل الذي يُثار “من هو الإماراتي؟!” يدق ناقوس الخطر الذي يهدد مستقبل الدولة.