حمل استهداف ميناء الفجيرة الإماراتي رسالة عاجلة للسياسة الخارجية للنظام الحاكم في أبو ظبي في ظل تماديه في تجاوز احترام سيادة الدول والتدخل في شؤونهم الداخلية وفرض أجندات محددة مما زاد من حدة الاستعداء تجاه الدولة ونسف التاريخ التضامني المشرق في محيطها العربي والإسلامي.
وأعلنت الإمارات أعمال تخريب استهدفت 4 سفن شحن في مياه الدولة الإقليميَّة والاقتصادية قبالة “الفجيرة”، وفي نفس الوقت تناقلت وسائل الإعلام الرسمية عن إحراق ثلاث سيارات أدى إلى احتراق مستودعات في دبي، هذه الأعمال لا يجب أن تمر مرور الكرام وتؤكد أن الدولة بحاجة إلى أكثر من بيان لحماية المياه الإقليمية وأراضي البلاد وتعزيز الأمن.
وهناك عدة أمور يجب التنويه لها في هذه الأحداث، وطريقة تعامل السلطات الإماراتية مع هذه الأحداث:
أولاً: النفي السريع: كان النفي الذي أصدرته حكومة الفجيرة والتحذير من تداول المعلومات متسرعاً ويسيء للمكتب الإعلامي لحكومة الفجيرة، وأدى ذلك إلى زيادة الإشاعات وتداول الخبر.
ثانياً: البيان الناقص: أكدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي وجود الأعمال التخريبية التي استهدفت 4 سفن شحن، وفي حوادث السفن -كما هو معلوم- تنشر أسماء السفن التي تعرَّضت للتخريب وحجم الدمار الذي لحقها، أو طريقة التخريب (قنابل وعبوات، هجوم ناري..الخ)، وعدم نشر البيانات هذه التي يمكن ملاحظة معظمها بالعين المجردة تفتح الباب للشائعات.
ثالثاً: الحق في المعلومة: من حق المواطنين والمقيمين ورجال الأعمال، معرفة المعلومات كاملة، لا يجب أن يبقى المواطنون في الظلام مع كل حادثة، وهذا التجهيل والاستهانة سيء للغاية ويأخذ من سمعة الدولة بكونها لا تحترم شعبها ولا تقدر حقوقهم في الحصول على معلومات كاملة.
وتكثر التكهنات حول من يقف وراء هذه الاعمال التخريبية ، حيث لم تتبنى أي جهة مسؤوليتها ولم تصرح كذلك الدولة بهوية المتسبب، مما قد يفتح الباب واسعا حول ما حدث ،فهل هو استهداف ارهابي عابر ، أم استهداف له رسالة محددة، او استفزاز لتحقيق مزيد من التوتر.
وإذا كانت الحادثة ليست ذات أجندة انتقامية للجماعات والدول فإن توقيتها مع التوتر في مياه الخليج بين الولايات المتحدة وإيران يجعل من التعتيم على الحقيقة أداة لصب الزيت على النار وافتعال حرب في مياه الخليج لا يمكن عندها تقدير حجم الكارثة ومداها .
ومن المفارقات الغريبة أن غموض الفعل وخفاء الفاعلين جاء وسط حالة غير مسبوقة -على الأقل في السنوات الأخيرة- من التحشيد والتوتر والاستنفار في المياه الخليجية، وهو ما أثار أسئلة أخرى حول هوية ودوافع الضالعين في هذه الهجمات.
وبينما لم يصدر رأي قاطع أو اتهام صريح لأي جهة حتى الآن بالمسؤولية عن الهجمات، يبقى التكهن والتخمين سيد الموقف، في ظل روايات متعددة يتطابق بعضها حول حقيقة ما يجرى، ولكنها روايات تتوقف عند الوقائع والمجريات ولا تصل للدوافع والجهات.
وبدا الارتباك واضحا في تعاطي السلطات الإماراتية مع الحادثة، حيث لجأت في البداية إلى نفي الخبر بعد إذاعته من وسائل إعلام مقربة من إيران، ثم عادت بعد أكثر من 12 ساعة إلى الاعتراف بالحادثة عبر إصدار بيان رسمي يؤكد تعرض أربع سفن لعمليات تخريب ويتعهد بالتحقيق، ولكنه لا يكشف المعلومات التي بحوزة الإماراتيين ولا يوجه أصابع الاتهام لأي طرف كان.
وجاء الموقف الإماراتي عبر بيان لخارجيتها أكد تعرض أربع سفن شحن تجارية مدنية من عدة جنسيات لما وصفتها بعمليات تخريبية في المياه الاقتصادية للإمارات، بالقرب من إمارة الفجيرة.
وأضافت أن العمليات لم تتسبب في أي أضرار بشرية أو إصابات، كما أنه لم ينتج عنها أي تسرب لمواد ضارة أو وقود من هذه السفن، وأكدت أن التحقيق جار حول ظروف الحادث بالتعاون مع الجهات المحلية والدولية، وأن الجهات المعنية بالتحقيق سترفع النتائج حين الانتهاء من إجراءاتها.
ولا يزال يكتنف الغموض طبيعة “العمليات التخريبية” التي أعلنت الإمارات أن أربع سفن شحن تجارية من جنسيات عدة تعرضت إليها في مياهها قبالة إيران، في شرق إمارة الفجيرة.
إعلان الإمارات جاء “إقرارا بعد إنكار”، مما يزيد من الغموض، إذ أنكرت في بادئ الأمر أمس وقوع أي عمليات، لكن إقرارها لاحقا بوقوع تلك “العمليات التخريبية” خلا من تحديد طبيعة “التخريب” والجهة التي تقف خلفه. كما خلا من ذكر أي من الجنسيات الأربع التي تنتمي إليها تلك السفن.
ورغم خطورة الأمر وتهديده سلامة الملاحة في واحد من أهم المعابر والممرات المائية في العالم، لم تنشر الإمارات صورة أي من تلك السفن الأربع المستهدفة أو تحدد الجهات التي ستحقق في الحادث، ولم توجه أصابع الاتهام صراحة أو ضمنيا لأية دولة أو جهة.
ويتمتع ميناء الفجيرة بموقع استراتيجي يتيح للإمارات تصدير النفط دون المرور بمضيق هرمز، وبالتالي ضمان حركة التصدير في حال حصول أي توترات إقليمية، خصوصا وأن إيران كررت تهديدها بإغلاق هذا المضيق الاستراتيجي في حال حصول أي مواجهة عسكرية في الخليج على خلفية تصاعد التوتر بينها وبين الولايات المتحدة.
وتبدو الدول العربية الخليجية هي الحلقة الأضعف بين مشاهدي لعبة عض الأصابع بين واشنطن وطهران، وحتى حادث الفجيرة الأخير ستدفع الإمارات ضريبة اقتصادية مكلفة له إذا ما وضعت في قائمة الدول غير الآمنة، مما يعني خسارة فادحة لموانئها ومطاراتها.
عودة إلى استهداف السفن التجارية في الفجيرة، فإنه وعلى غير ما جرت عليه العادة لم تتعجل أي من السعودية أو الإمارات أو الولايات المتحدة في توجيه الاتهامات في مثل تلك الحالات أو الحالات المشابهة إلى إيران أو إلى جماعة الحوثي، ذلك أن الأمر يتجاوز قدرات الحوثيين، فضلا عن أن اتهام إيران يعني اندلاع الحرب ويتطلب ردا أميركيا للتحرك لحماية حليفها.
وقد يكون التفسير الأقرب للغز أن استهداف سفن الفجيرة من تدبير جهاز استخبارات محترف لقياس ردود الأفعال المتوقعة -بافتراض حسن النية- أو بصب الزيت على النار وإشعال الموقف، وتظل الحقيقة رهينة بتحقيق دولي لتحديد الفاعل.