وصف مركز مناصرة معتقلي الإمارات قانون الإجراءات الجزائية في الإمارات بأنه قانون مواز يكرس واقع مؤلم ينتهك حقوق الإنسان.
وأبرز المركز في تقرير له استعراض الوفد الإماراتي مؤخرا أمام لجنة مناهضة التعذيب كمية وافرة من الضمانات القانونية التي توفرها القوانين الإماراتية للمتهم، إلى حد يجعل المستمع يظن أن الوفد الإماراتي يتحدث عن نظام العدالة الجزائي في سويسرا وليس الإمارات.
فخلال جلسة المراجعة الأولية للإمارات أمام لجنة مناهضة التعذيب ظل المستشار علي بن خاتم ممثل النيابة العامة ممسكاً بقانون الإجراءات الجزائية ويقرأ على اللجنة نصوص القانون الموجودة أصلاً في التقرير الذي قدمته الإمارات إلى اللجنة الأممية، ويمكن لأي عضو من أعضاء اللجنة أن يقرأ نصوصه من الإنترنت.
وفقاً للنسخة التي قدمها الوفد الإماراتي، وتحديداً بن خاتم، حول نظام العدالة الإماراتي، فإنه بعد القبض على المتهم يجب أن يقوم مأمور الضبط القضائي بالاستماع إلى أقواله ثم إرساله خلال 48 ساعة إلى النيابة العامة، ثم يجب على النيابة أن تستجوب المتهم خلال 24 ساعة ثم تأمر بالقبض عليه أو إطلاق سراحه.
ويؤكد بن خاتم أن القانون الإماراتي يوجب تمكين محامي المتهم من حضور التحقيق معه، والاطلاع على أوراق التحقيق ما لم يرَ عضو النيابة العامة غير ذلك لمصلحة التحقيق.
وأشار إلى أن الأمر بالحبس الصادر من النيابة العامة يكون بعد استجواب المتهم ولمدة سبعة أيام يجوز تجديدها لمدة أخرى لا تزيد على 14 يوماً.
وحسب بن خاتم، فإنه إذا استلزمت مصلحة التحقيق استمرار حبس المتهم احتياطيًا بعد انقضاء المدد المشار إليها في الفقرة السابقة، وجب على النيابة العامة أن تعرض الأوراق على أحد قضاة المحكمة الجزائية المختصة ليصدر أمره بعد الاطلاع على الأوراق وسماع أقوال المتهم بمد الحبس لمدة لا تجاوز 30 يوماً قابلة للتجديد أو الإفراج عنه بضمان أو بغير ضمان.
ثم يتحدث بن خاتم عن قانون تنظيم المنشآت العقابية، وحقوق السجناء في الاتصال بمحامي ومقابلته على انفراد، وعدم جواز حبس السجين في الحبس الانفرادي لأكثر من 7 أيام، والرعاية الطبية المميز التي يتمتع بها السجناء في السجون الإماراتية وفقاً للنصوص القانون.
والحقيقة أن جميع النصوص والضمانات القانونية التي أشار إليها بن خاتم موجودة بالفعل في القوانين الإماراتية، لكن على الورق فقط.
أما في الواقع فإن المتهم أو المعتقل في السجون الإماراتية لن يحصل على أي من الضمانات التي أشار إليها بن خاتم، بل إن ما يحصل للمتهم هو تماماً عكس ما أشار إليه المستشار الإماراتي.
فالسلطات لا تطبق قانون الإجراءات الجزائية ضد المتهمين بل تطبق قانون أمن الدولة، وهو قانون مواز لا يحتوي على أيٍ من هذه الضمانات التي يذكرها المستشار بن خاتم أو الوفد الإماراتي، ويسمح للسلطات باعتقال المتهمين لفترات طويلة دون عرضهم على النيابة العامة، وانتهاك كافة الضمانات المشار إليها في القوانين الأخرى.
وقد تجنب الوفد الإماراتي بشكل ملحوظ الإشارة إلى هذا القانون، وهو قانون سري غير منشور، ولا يوجد نسخة منه على الإنترنت.
ورغم أن السيد تود بوشوالد عضو لجنة مكافحة التعذيب طلب خلال جلسة مراجعة تقرير الإمارات الحصول على نسخة من القانون، إلا أن الوفد الإماراتي تجاهل طلبه واكتفى بالقول إن “القانون يحترم حقوق الإنسان ويلتزم بالضمانات القانونية”.
وذكر “مركز مناصرة معتقلي الإمارات” أنه وثق عشرات الحالات لأفراد تم احتجازهم من قبل جهاز أمن الدولة الإماراتي خلال السنوات الماضية، والتقى مع معتقلين سابقين، ورصد واقعاً مناقضاً تماماً بين ما تقوله السلطات الإماراتية وما يتم تطبيقه على أرض الواقع.
في الواقع يتم القبض على المتهم دون إخباره بالتهمة الموجهة إليه أو إبراز مذكرة توقيف، ولا يستمع المحقق أو مأمور الضبط القضائي إلى أقوال المتهم خلال 48 ساعة ثم إرساله إلى النيابة العامة كما تنص المادة 47 من قانون الإجراءات، بل يبقى المتهم محتجزاً لأشهر عديدة.
مثلاً، في حالة مروان محمد، وهو معتقل سوري سابق في السجون الإماراتية، تم اعتقاله وهو مسافر إلى بلد آخر لإكمال دراسته، حيث تم اقتياده إلى أحد السجون السرية.
وقد بقي محتجزاً في سجن انفرادي لـ3 أشهر دون أن يعرف التهمة الموجهة إليه، حيث تم عرضه على النيابة العامة بعد 3 أشهر من احتجازه وليس خلال 48 ساعة كما زعم الوفد الإماراتي.
وفي حالة أخرى، لمعتقل مصري، اسمه سعيد مرعي، تم اعتقاله واقتياده إلى مكان سري مجهول، حيث بقي هناك أيضاً لـ3 أشهر في سجن انفرادي، ولم يتم إخباره بالتهمة الموجهة إليه أو إبراز مذكرة توقيف.
ولم يتم عرضه على النيابة العامة إلا بعد 3 أشهر أيضاً، وهنا نلاحظ أن فترة الحبس الانفرادي استمرت 3 أشهر رغم أن قانون المنشآت العقابية ينص على أن فترة الحبس الانفرادي لا يجب أن تزيد عن 7 أيام.
بعد القبص على المتهم واحتجازه في مكان سري مجهول، تبدأ فترة التحقيق التي تستمر لأسابيع وأحياناً لأشهر، حيث لا يتم إخبار المتهم بطبيعة التهمة الموجهة له، وتمنعه السلطات الإماراتية من الاتصال بمحامي أو في العالم الخارجي.
وذلك خلافاً للمادة 100 من قانون الإجراءات الجنائية التي توجب حضور المحامي للتحقيق والاطلاع على أوراق القضية.
في هذه الفترة يتعرض المتهم لفترات تحقيق مستمرة طوال اليوم، ولأنواع مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي من أجل إجباره على التوقيع على أوراق واعترافات تدينه، وبعد توقيع المتهم على الاعترافات يتم نقله للنيابة العامة.
يقول مروان محمد إنه تعرض لتعذيب جسدي شديد خلال فترة احتجازه، حيث تعرض للضرب بالعِصيّ، وكانت هذه العصي من ألوان مختلفة: أسود وأخضر وأصفر، وأشدّها هي السوداء، كما وُضع على كرسيّ يضغطُ عند العورة بطريقة آلية مع الضرب الشديد من أكثر من شخص بالأيدي والركل.
ويشير مروان أيضاً أنه هُدد بالاغتصاب أكثر من مرة، وأن أحد المحققين قام بتعريته في أحد التحقيقات، مهدداً إياه بالاغتصاب.
أما سعيد مرعي فيقول إن التحقيقات كانت تطول لساعات وهو معصوب العينين ومقيد اليدين، وكان معظم التعذيب الذي تعرض له نفسي.
كما تم تهديده بالتعذيب البدني في بعض الأحيان، وبعد 12 يوماً من التحقيق، جاء إليه المحقق وطلب منه التوقيع على أوراق التحقيق.
وعندما رفض سعيد ذلك وأخبره أنه من حقه أن يقرأ الأوراق قبل التوقيع عليها، رفض المحقق ذلك بشدة وأخبره أن وظيفته أن يوقع لا أن يقرأ، وأنه سيوقع بالرضا أو الإكراه.
بعد انتهاء فترة التحقيق التي تستمر لأشهر يتم عرض المتهم على النيابة العامة، حيث تقوم النيابة العامة بتمديد حبس المتهم وإخباره بالتهمة الموجهة إليه للمرة الأولى من أجل التمهيد لمحاكمته.
وهنا يؤكد المعتقل السوري السابق مروان محمد أنه لم يعرف التهمة الموجهة إليه إلا أمام نيابة أمن الدولة بعد 3 أشهر من الاعتقال، وهو نفس ما يذكره المعتقل المصري السابق سعيد مرعي.
بعد عرض المتهم على النيابة العامة، يتم تمديد حبس المتهم لمدة 30 يوماً وإعادته إلى السجن السري مرة أخرى، وقد ينتظر المتهم بدء المحاكمة لأشهر، بينما تقوم النيابة بتجديد فترة الحبس دون عرضه على محكمة كما تنص المادة 120 من قانون الإجراءات الجزائية.
في حالة سعيد مرعي، فقد بقي محتجزاً 3 أشهر أخرى دون عرضه على المحكمة في السجن، ولم يتم نقله إلى سجن رسمي إلا بعد 6 أشهر من احتجازه.
أما مروان محمد فيقول إنه من المعتاد أن ينتظر المعتقل سنة على الأقل حتى تبدأ المحكمة.
خلال تلك الفترة لا تسمح السلطات الإماراتية للمعتقل بالتواصل مع محام أو مع السفارة كما يزعم المستشار بن خاتم، ولا يسمح للمعتقل سوى الاتصال بأهله ليخبرهم أنه بخير.
وتكون هذه الاتصالات تحت رقابة حراس السجن، وهو أيضاً خلافاً للمادة (18) من قانون تنظيم المنشآت العقابية التي تنص على أن “لمحامي المحبوس حبسا احتياطيا الحق في مقابلته بالمنشأة على انفراد وللأجانب المحبوسين حسبا احتياطيا الحق في الاتصال بقناصلتهم أو بالسلطات التي ترعى مصالحهم”.
يؤكد سعيد أنه حتى بعد نقله لسجن الصدر لم يسمح له بلقاء المحامي، وعندما تقدم المحامي لرئيس النيابة بطلب لمقابلته تم رفض الطلب، وأخبره رئيس النيابة بأن القضية منتهية وأن لا يتعب نفسه.
وأشار إلى أنه لم يقابل المحامي إلا في جلسات المحكمة أمام القاضي رغم أنه ظل موقوفاً لمدة عام ونصف حتى تم الحكم عليه بالسجن 3 سنوات.
أما مروان فيشير إلى أنه لا يتم ذكر المحامي حتى يقترب موعد المحاكمة، وأن المعتقل لا يعرف عن هذا إلا عن طريق المعتقلين الآخرين عندما يجتمع بهم في السجن الرسمي.
ويوضح مروان أنه إذا لم يعرف المعتقل ذلك، فسيضطرّ أن ينتظر شهراً آخر بعد الجلسة الأولى التي ستؤجَّل بسبب عدم وجود المحامي، ولذلك فقد كان يحرص المُعتقلون على إخبار المعتقل الجديد بهذا فوراً، كي لا يطول انتظاره أكثر.
ورغم أن فترة الإيقاف والتحقيق قد تستغرق أكثر من سنة بالعادة، فإن المحاكمة تكون سريعة جداً، حيث يقوم القاضي بعد 4 أو 5 جلسات لا تستغرق بضعة أشهر بالحكم على المتهم بالسجن.
وفي كثير من الأحيان لا يحصل المحامي على ملف الاتهام إلا قبل جلسة الحكم ببضعة أيام، وهو ما يؤكد أن المحاكمة تكون صورية وأن الحكم ربما يكون قد صدر على المتهم حتى قبل أن تبدأ المحاكمة.
والحقيقة أن الفجوة الواسعة جداً بين ما يقوله الوفد الإماراتي وما ورد في تقرير الإمارات أمام لجنة مناهضة التعذيب وما يتم تطبيقه عملياً، هو أن القانون الإماراتي يقوم بعرض قانون الإجراءات الجزائية أمام الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية، بينما يعمل في الواقع وفقاً لقانون جهاز أمن الدولة.