خلصت دراسة بحثية إلى وجود تحديات شعبية وإقليمية أمام الانتشار الاقتصادي الإسرائيلي من بوابة الإمارات عقب توقيع أبوظبي وتل أبيب مؤخرا اتفاقية للتجارة الحرة بينهما. وأشارت الدراسة الصادرة عن المركز الخليجي للتفكير، إلى تسارع توثيق العلاقات بين الإمارات وإسرائيل ورغبة القيادات في الدولتين في سرعة توظيف الاقتصاد كمدخل أساسي لرسم خريطة جديدة للمنطقة تحت مسار اتفاقيات إبراهيم ولفتت الدراسة إلى توقيع اتفاقية التجارة الحرة، بعد عامين فقط من إقامة علاقات رسمية وعلنية بين إسرائيل والإمارات. لكن الدراسة أكدت أن رغبة القيادات في الإمارات وإسرائيل لن تكون كافية وحدها لتحقيق تلك الأهداف، فهناك تحديات شعبية وإقليمية قد تحد من سرعة اندماج وانتشار البضائع الإسرائيلية في المنطقة. ورأت أن إسرائيل قتد تنجح في تحقيق بعض الأهداف الجزئية مثل تحقيق الانتشار في بعض الأماكن إلا أنها ستواجه عقبات تًحد من دمجها بشكل كامل في المنطقة على الأقل في المدى القريب. ويتفق المحللون على أن تل أبيب ستظل غير قادرة على الوصول إلى معظم الاقتصادات العربية – وهو هدف طويل الأمد لإسرائيل – في المستقبل المنظور. وجاء في الدراسة: بالرغم من الأجواء الملتهبة في الأراضي الفلسطينية أعلنت وزارة الاقتصاد الإسرائيلية أن إسرائيل والإمارات ستوقعان اتفاقية للتجارة الحرة، وكانت الإمارات وإسرائيل اختتمتا مفاوضات بشأن اتفاقية للتجارة الحرة في الأول من أبريل الماضي. وذكرت وزارة الاقتصاد الإسرائيلية، في بيان آنذاك، أن الاتفاق التجاري يشمل 95% من المنتجات المتداولة تجارياً، التي ستكون معفاة من الجمارك على نحو تدريجي أو فوري، ومنها منتجات غذائية وزراعية ومستحضرات تجميل ومعدات طبية وأدوية. وأشار البيان إلى أن الاتفاق يشمل اللوائح التنظيمية والجمارك والخدمات والمشتريات الحكومية والتجارة الإلكترونية، وسيسري بعد توقيع وزيري اقتصاد البلدين على الاتفاق والتصديق عليه. وبمقتضى هذه الاتفاقية تتوثق العلاقات الاقتصادية الإماراتية بشكل متسارع فمنذ اتفاقية التطبيع في سبتمبر2020 تصاعدت العلاقات الاقتصادية بين الدولتين بالرغم من المحاذير التاريخية والتحديات الإقليمية وقال وزير التجارة الخارجية الإماراتي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الجمعة 27 مايو إن “التجارة بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل بلغت 2.5 مليار دولار في أقل من عامين من العلاقات الرسمية”. وأضاف الوزير الإماراتي أنه تم توقيع 65 صفقة ومذكرة تفاهم بين الإمارات وإسرائيل حتى الآن ، مضيفًا أن “أكثر من 1000 شركة إسرائيلية على وشك إقامة وجود تجاري في بلادنا هذا العام”. ويرى بعض المراقبين أن تقوية العلاقات الاقتصادية بين الجانبين ستمكّن الشركات الإسرائيلية من الاستفادة من الوصول إلى البنية التحتية القوية لنقل البضائع في الإمارات، وفتح الأسواق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا. وأن الإمارات ستكون بوابة اقتصادية للمنتجات الإسرائيلية سواء في الخليج أو غيرها من الأسواق الرافضة للتواجد الإسرائيلي. ويجيب تقدير الموقف عن سؤال أهداف تسارع التطبيع الاقتصادي بين الإمارات وإسرائيل وهل ستكون الإمارات محطة تجارية لتسويق المنتجات الإسرائيلية لتجاوز رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني.
أولاً:- تطور العلاقات الاقتصادية بين الدولتين
شهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين إسرائيل والإمارات الزخم الأكبر بين الدول التي تسعى إلى التطبيع مع إسرائيل وحتى قبل إبرام الاتفاقيات، كانت التجارة بين إسرائيل ودول الخليج، بما فيها الإمارات، تقدَّر بنحو مليار دولار سنوياً، معظمها من خلال شركات تابعة مقرها في أوروبا ودول أخرى. غير أن التجارة الثنائية بين الإمارات وإسرائيل ناهزت وحدها المليار دولار في نهاية عام 2021، دون أن تشمل السياحة والاستثمار. وتشكّل التكنولوجيا الإسرائيلية محور اهتمام خاص لدى دول الخليج، ترى هذه الدول مصلحة مشتركة في توسيع التعاون في كل مجال من الزراعة والمناخ والصحة إلى الأمن السيبراني والخدمات المالية. فبعد فترة وجيزة من إبرام الاتفاقيات، أعلنت الإمارات عن خطط لاستثمار 10 مليارات دولار “في إسرائيل ومعها” – وهي مجموعة من الأموال الخاصة والحكومية التي من المرجح أن تشمل الاستثمار في الشركات التكنولوجية الإسرائيلية الناشئة وكذلك المشاريع الكبرى. وبينما من غير المرجح تنفيذ إحدى أكبر الصفقات بينهما، وهي مشروع بناء ميناء مياه عميقة في إيلات وخط أنابيب من ميناء البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط، بسبب المخاوف البيئية، لا يزال هناك الكثير من الحديث بكثرة عن استثمارات كبيرة لصناديق الثروة السيادية الإماراتية في إسرائيل. وتُعد إصلاحات التأشيرات والملكية الأجنبية التي أعلنت عنها دولة الإمارات في عام 2021 جزءاً من جهد أكبر لجذب واستبقاء العمّال ذوي المهارات العالية ممّن يستطيعون المساهمة في تحقيق هدف الإمارات المتمثل في بناء اقتصاد قائم على المعرفة. وتنتهز شركات التكنولوجيا الإسرائيلية هذه الفرص. نقلت وكالة رويترز عن وزير الاقتصاد الإماراتي عبدالله بن طوق المري قوله إن الإمارات تهدف إلى أن ترفع قيمة النشاط الاقتصادي مع إسرائيل لأكثر من تريليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة. وقال إن حجم التجارة بين البلدين بين 600 و700 مليون دولار مضيفا أن الوصول لهذا المستوى في عام واحد إنجاز في حد ذاته، ووقعت الإمارات عشرات من مذكرات التفاهم مع إسرائيل منذ تطبيع العلاقات بينهما قبل عام. وتشمل الصفقات التي تم الإعلان عنها 40 مذكرة تفاهم ونحو 30 اتفاقا آخرين متعلقين بالقطاعات المالية والطاقة والرياضة والزراعة والطيران والفضاء والإعلام. كما أنشأت أبوظبي مكتباً في “تل أبيب” لاستثمار 10 مليارات دولار في مختلف جوانب الاقتصاد الإسرائيلي ومن المتوقع أن يوفر الموقع الجغرافي للإمارات فرصاً كبيرة للبضائع الإسرائيلية، فضلاً عن أنها تمثل نحو 1.5٪ من التجارة العالمية، و2.4٪ من تجارة الناقلات العالمية. وقال وزير التجارة الخارجية الإماراتي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس إن “التجارة بين الإمارات وإسرائيل بلغت 2.5 مليار دولار في أقل من عامين من العلاقات الرسمية”. وأضاف الوزير الإماراتي أنه تم توقيع 65 صفقة ومذكرة تفاهم بين الإمارات وإسرائيل حتى الآن، مضيفًا أن “أكثر من 1000 شركة إسرائيلية على وشك إقامة وجود تجاري في بلادنا هذا العام”.
اتفاقية التجارة الحرة
في 31 مايو أبرمت الإمارات وإسرائيل اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة بهدف توطيد العلاقات التجارية والاستثمارية وتحفيز التجارة البينية غير النفطية وصولاً إلى 10 مليارات دولار سنوياً في غضون الأعوام الخمسة المقبلة. وتعد اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة مع إسرائيل الثانية التي تبرمها الإمارات بعد اتفاقية مماثلة جرى توقيعها مع الهند في فبراير الماضي ودخلت حيز التنفيذ بالفعل مطلع شهر مايو الماضي. وذلك تنفيذاً لبرنامج الاتفاقيات الاقتصادية العالمية المعلن في سبتمبر الماضي ضمن “مشاريع الخمسين” والهادف إلى توسيع شبكة الشركاء التجاريين العالمين لدولة الإمارات عبر إبرام سلسلة من اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة مع 8 دول ذات أهمية استراتيجية إقليمياً وعالمياً. لم يُنشر نص الصفقة بعد ولا يزال خاضعًا للمراجعة من قبل البرلمان الإسرائيلي والتصديق الرسمي من قبل الحكومة الإسرائيلية، وهي عملية ستستغرق أسبوعين على الأقل. وقال البيان إن الصفقة تلغي أو تخفض 96 في المائة من الرسوم الجمركية على السلع والخدمات، مما يخلق فرصًا في قطاعات مثل الطاقة والبيئة والتجارة الرقمية، ومن المتوقع أن تحفز اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات وإسرائيل التدفقات التجارية بين الدولتين وصولاً إلى 10 مليارات دولار سنوياً في غضون 5 أعوام. وقال عبد الله بن طوق المري وزير الاقتصاد الإماراتي: “إن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات وإسرائيل ستخلق نموذجاً جديداً للتعاون البناء بين دول المنطقة، من منطلق أن بناء اقتصادات مرنة ومستدامة النمو “. وكشف رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، عما اتفق عليه مع رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، في قمة شرم الشيخ، قائلا: “اتفقت مع الشيخ محمد بن زايد قبل شهرين في قمة شرم الشيخ على أن ننجز، ما يستغرق عادة 5 سنوات، في غضون أسابيع قليلة، وقد وجهنا فرقنا بالعمل بالسرعة القصوى وهذا ما حدث بالضبط”، حسب قوله. إن السرعة التي تبلورت بها الصفقة – تم إبرامها بعد أقل من عامين على إقامة العلاقات الرسمية بين إسرائيل والإمارات – تسلط الضوء على الاستعداد الذي تقبل به إسرائيل الآن من قبل بعض القادة العرب بعد سنوات من العزلة الدبلوماسية. كما أن التوقيت الذي تم الإعلان فيه عن الاتفاقية وخلفية الأحداث في القدس واستمرار التصعيد والانتهاكات الإسرائيلية وبالرغم من الإدانة الإماراتية الباهتة إلا أنها رسالة واضحة أن الإمارات ماضية في تطوير علاقتها مع إسرائيل إلى أبعد الحدود بعيداً عن مسار القضية الفلسطينية التي كانت قد أعلنت مراراً أنها ملتزمة بالوصول لحل لها يرضي الفلسطينيين.
ثانياً:- أهداف العلاقات الاقتصادية
يختلف أهداف الدولتين من توسيع العلاقات التجارية بينهما فتسعى الإمارات من زيادة علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل إلى عدة أهداف أهمها: طموحات إقليمية لا تخفي الإمارات رغبتها في أن تصبح قوة إقليمية ذات ثقل سياسي واقتصادي، ولا شك أن النهضة الاقتصادية الكبيرة التي شهدتها، والمشاريع التنموية التي أنجزتها، وتركيزها على تنويع الاقتصاد واستخدام أحدث التقنيات في مختلف المجالات كان لها دور كبير في تعزيز ثقلها الإقليمي. وتبذل الإمارات جهودًا مكثفة لتوجيه السياسات الداخلية والخارجية لبعض الدول، بهدف بناء “نظام إقليمي جديد” ينسجم مع تصوراتها. يقول الأكاديمي الإماراتي د. عبد الخالق عبد الله في مقال بصحيفة الرؤية إن “الإمارات أكثر من غيرها قادرة على قيادة هذا الزخم التوافقي في المنطقة التي اكتوت واكتفت من الصراعات والمناكفات التي ميزت مرحلة الربيع العربي، البلدوزر الإماراتي تحرك وهو الذي يمهد الطريق لغيره لتبريد الخلافات المزمنة”. وفي كلمة أمام “مركز الإمارات للسياسات” في أبوظبي قال أنور قرقاش وهو مستشار للرئيس الإماراتي ووزير دولة سابق للشؤون الخارجية “لقد رأينا العديد من الفراغات على مدى العقد الماضي ونتيجة لذلك، كانت هناك منافسة على ملء هذه الفراغات سواء من القوى الإقليمية أو من الجهات الفاعلة غير الحكومية”، في إشارة الى حركات وأحزاب إسلامية نافذة في المنطقة. وأضاف “لا يمكننا (في الإمارات) أن نقف مكتوفي الأيدي (…)”، متابعا “بصفتنا جهة فاعلة إقليمية ودولية، نُدرك أنّنا بحاجة إلى تحمل المزيد من المسؤولية حيال تحديد مستقبل منطقتنا”. في سياق سعي الإمارات لحماية دورها كمركز مالي واقتصادي إقليمي، تعمل الدولة على إبرام مجموعة وافرة من الاتفاقيات التجارية الجديدة – مثل “اتفاقية التجارة الحرة” مع إسرائيل. وكذلك مع الهند وتركيا وإندونيسيا وكولومبيا – وتوسيع الاستثمار الاستراتيجي، لا سيما في آسيا وأفريقيا ومن خلال الجمع بين التكنولوجيا والابتكار الإسرائيليين وخبرة الشركات الإماراتية في إدارة المشاريع والخدمات اللوجستية، تأمل الإمارات في متابعة صفقات ثلاثية أو حتى متعددة الأطراف مع إسرائيل في دول ثالثة. قال الدكتور صباح البنعلي، الشريك والرئيس التنفيذي لشركة OurCrowd Arabia، لموقع The Media Line أن الاتفاقية ستساعد على “إعادة نمو” سلسلة التوريد العالمية، التي مرت بسلسلة من الأزمات بسبب الوباء والحرب في أوكرانيا و عمليات الإغلاق الأخيرة في الصين لمنع انتشار فيروس كورونا. أضاف: “التأثير المباشر هو أنك ستشهد إعادة رسم طرق تجارية جديدة، وتعتبر الإمارات مركزًا تجاريًا، هذا الارتباط الآن مع إسرائيل سيشهد تغييرات في سلسلة التوريد العالمية قد يتم تسريع هذا في الواقع مع بعض الأحداث العالمية التي نشهدها “. بالنسبة للقادة الإماراتيين، فإن إسرائيل ليست فقط شريكًا تجاريًا مرغوبًا فيه، ولكنها جزء مهم من استراتيجيتها الدبلوماسية لموازنة التهديد من إيران، والوصول إلى العالم.
الاقتصاد مدخل رئيسي لنشر التطبيع
ترتكز الاستراتيجية الإماراتية في الآونة الأخيرة على تحفيز ودفع الدول العربية والإسلامية للانضمام إلى اتفاقيات التطبيع، فالقادة الإماراتيين يعتبرون التطبيع مع إسرائيل جزءاً من إعادة تنظيم أوسع نطاقاً للسياسة الخارجية للإمارات مع أهداف اقتصادية. وتهدف الإمارات من استثماراتها في إسرائيل إلى زيادة توثيق العلاقات بين الدولتين والعمل على إنجاح اتفاقيات التطبيع وابرازها كنموذج تحفيزي لدول المنطقة. فالاستثمارات الإماراتية في إسرائيل، ذات طابع سياسي صرف، وأنها لا تعدو كونها محاولة لتفعيل اتفاق التطبيع بين الطرفين ومنحه ثقلاً على كل المستويات كما أن أبوظبي تهدف من خلاله لتعظيم دورها في المنطقة استناداً لدولة الاحتلال. فبالرغم من الأزمة الاقتصادية التي كانت تعاني منها الإمارات خلال أزمة كورونا، إلا أنها كانت حريصة على تدشين صندوق الاستثمار ب10 مليارات دولار في إسرائيل وذلك لأهداف سياسية صرفة. فأبوظبي تهدف لتعظيم دورها في المنطقة استناداً لدولة الاحتلال، كما أنها تسعى للاستفادة من علاقاتها تلك في إيجاد موطئ قدم لها في غاز المتوسط والاستفادة من الموانئ الإسرائيلية. فالعلاقة الثنائية بين الإمارات وإسرائيل هي مدفوعة اقتصاديًا أكثر من مواجهة التهديد الذي تشكله إيران بالنسبة لكلاهما.
الأهداف الإسرائيلية من تطوير العلاقات الاقتصادية
تسعى إسرائيل إلى تحقيق عدة أهداف منها:- التغلغل الاقتصادي في الخليج والشرق الأوسط بالرغم من حالة الوهن والتفكك العربي وحالة النجاح التي حققتها إسرائيل في اختراق الأنظمة العربية ومسار التطبيع مع عدة دول إلا أنها مازالت تعاني من حالة الرفض المجتمعي ويبدو بشل كبير في حملات المقاطعة التي يتم تفعيلها بين الحين والآخر. ومازالت معظم الأسواق العربية والإسلامية بعيدة نسيباً عن التواجد الإسرائيلي، لذا تسعى من خلال توثيق روابطها الاقتصادية مع الإمارات أن تكون الإمارات التي تتمتع بشبكة تسويق عالية. ويخشى مراقبون من قيام الجهات الرسمية في الإمارات بتغيير بيانات المنتجات الإسرائيلية واستبدالها في “صنع في الإمارات”؛ لتسهيل تسويقها وترويجها بدول الخليج العربية المجاورة لها. وعُرفت الإمارات بأنها دائماً ما تستخدم التضليل والخداع في إيضاح بلد المنتَج للمنتجات التي تصنّعها، حيث سبق أن تم الكشف عن إنتاج شركات إماراتية مواد غذائية مقلَّدة تحتوي على اسم علامات تجارية سعودية، ولكن تبين أنها تمت تعبئتها داخل منطقة “جبل علي” الإماراتية، وتصديرها للمدن السعودية، ومنع تداولها في الأسواق المحلية للإمارات. وهو ما حذر منه المدير العام السابق لـ”الإيسيسكو”، عبد العزيز التويجري، في تغريدة له، بضرورة الحذر من توزيع المنتجات الإسرائيلية بطرق مخادعة، بعد فتح الثغرة، وإلغاء الإمارات قانون مقاطعة إسرائيل. الأهم في اتفاق التطبيع مع الإمارات بالنسبة لإسرائيل أنه سيوفر لها جسراً لبقية الدول العربية، فالشركات الإسرائيلية التي فتحت أبوابها في الإمارات ستصدّر منتجاتها من هناك إلى أنحاء العالم العربي هذه العملية ستوسع مكاسب الشركات الإسرائيلية في الدول العربية التي كانت محرومة من أسواقها طوال عقود سابقة. قال دوريان باراك، المؤسس المشارك لمجلس الأعمال الإماراتي الإسرائيلي الذي يضم 7500 عضوًا، لموقع ميديا لاين: “نتوقع أن تتجاوز التجارة 5 مليارات دولار في السنوات الخمس المقبلة، وأن تصبح الإمارات العربية المتحدة أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لإسرائيل”. وقال: باراك “هذا يعكس في المقام الأول النشاط المتزايد لإسرائيل داخل الإمارات العربية المتحدة”. “ويشمل ذلك التجارة في السلع والخدمات – من الماس إلى التكنولوجيا والمياه والسلع الطبية والاستهلاكية – ولكن أيضًا إنشاء الشركات الإسرائيلية لمكاتب هنا في الإمارات، والتي تعد حقًا المركز الإقليمي”. وفقًا لباراك، تستخدم الشركات الإسرائيلية الإمارات كقاعدة لاستهداف أسواق أخرى في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وحتى الشرق الأقصى، يقول إن الإمارات مستعدة لأن تصبح سوق التصدير الإقليمي الرئيسي وإعادة تصدير البضائع الإسرائيلية. “أتوقع أن ترى منتجات إسرائيلية تظهر على أرفف المتاجر والمصانع” عبر المنطقة الآن. يقول باراك: “لقد رأيت الكثير من الإسرائيليين يأتون إلى هنا ليس للتجارة مع الإمارات ولكن للتجارة من الإمارات”. “أي شخص يريد القيام بأعمال تجارية شرق إسرائيل سيجد الإمارات العربية المتحدة مكانًا رائعًا لتأسيس وتشغيل أعماله التجارية.”
الاستفادة من الاستثمارات الإماراتية
في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها المنطقة مؤخراً تسعى إسرائيل من الاستفادة من رأس المال الإماراتي في إنعاش اقتصادها وتُظهر المؤشرات أن الاقتصاد هو المسيطر على العلاقات بين الإمارات وإسرائيل وأن البلدين حققا فوائد كبيرة منه. لكن حصة الأخيرة كانت أكبر باعتبار أن استثمارات إماراتية ضخمة وجهت إليها، فالإمارات ضخت مليارات الدولارات إلى إسرائيل عبر استثماراتها الضخمة وساعدتها فعلياً في تجاوز جائحة كورونا”. إجمالاً لا يمكن إنكار فائدة العلاقات الاقتصادية للبلدين، لكن إسرائيل ستكون المستفيد الأكبر باعتبارها دولة أكثر صناعة وإنتاجاً من الإمارات التي تصنف على أنها مستهلكة”. تريد الإمارات الأفراد ذوي الثروات العالية والسياح ورجال الأعمال والشركات الناشئة والتقنيات المتطورة، كما يقول روبرت موغيلنيكي ، الباحث البارز في معهد دول الخليج العربي في واشنطن ، لكن “إسرائيل ستجني على الأرجح مكاسب اقتصادية مباشرة أكبر من المتوقع أن تنمو صادرات الإمارات إلى إسرائيل بنسبة 0.5٪ بحلول عام 2030، وفقًا لوكالة أنباء الإمارات ، وستضيف اتفاقية التجارة الحرة 1.9 مليار دولار إلى الاقتصاد الإسرائيلي في غضون خمس سنوات. يقول موغيلنيكي إن إسرائيل لاعب مثير للجدل في المنطقة، لذا فإن التجارة مع الإمارات ستمنحها قدماً في باب سوق إقليمية غير مستغلة ولكن ليس “بطاقة VIP”.
توظيف الاقتصاد للتحفيز على التطبيع
من أهداف إسرائيل من تطوير علاقاتها مع الإمارات المتسارع أن يكون النمو الاقتصادي حافز إضافي لجذب أعضاء جدد لنادي اتفاقيات إبراهيم. فقد نجحت إسرائيل في أن تتميز في مجال التكنولوجيا، والتي تشكّل محور اهتمام خاص لدى دول الخليج، وترى هذه الدول مصلحة مشتركة في توسيع التعاون في كل مجال من الزراعة والمناخ والصحة إلى الأمن السيبراني والخدمات المالية. فتسعى إسرائيل توظيف تميزها في تلك المجالات لتحفيز الدول الخليجية والعربية للانضمام إلى اتفاقيات التطبيع في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها المنطقة. تراهن تل أبيب على أنها يمكن أن تغري الدول العربية الأخرى للقيام بأعمال تجارية من خلال تسليط الضوء على فوائد التعاون الثنائي مع أبو ظبي.
ثالثاً:- ما الذي يمكن أن تقدمه الإمارات لإسرائيل
تعد الإمارات من أبرز الدول من حيث موقعها في قلب قارات العالم، وامتلاكها شبكة نقل تعد الأحدث عالمياً، على صعيد المطارات والموانئ، حيث إن 2.4% من تجارة الحاويات البحرية تمر عبر الإمارات، كما صنفتها منظمة التجارة العالمية في تقرير لها في المركز الـ20 عالمياً لقائمة الدول المُصدرة للسلع، والموقع ذاته في قائمة الدول المستوردة للسلع، والثالثة عالمياً في إعادة التصدير والمرتبة الأولى عربياً، لتصبح الإمارات أهم سوق للصادرات والواردات السلعية على مستوى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والدول العربية. ويوجد في الإمارات حوالي 45 منطقة حرة، كما يعزز وجود الإمارات على طريق الحرير البحري عبر موانئها الكبرى «خليفة» و«جبل علي» و«الفجيرة»، نمو التجارة والاقتصاد العالمي، خصوصاً مع تبؤها المركز الثالث عالميا في إعادة تصدير السلع والمنتجات، ووجودها كنقطة جوهرية ومحورية ضمن طريق الحرير البحري، وكذلك الحرير الجوي». كما تملك الإمارات العديد من الموانئ البحرية. ووفقاً لمجلس الشحن العالمي، يوجد اثنان من أكبر 50 ميناء حاويات في العالم في الإمارات، وتحتل دبي أحد المراكز العشرة الأولى. وتستحوذ الموانئ البحرية في دولة الإمارات على نحو 60% من إجمالي حجم مناولة الحاويات والبضائع والمتجهة إلى دول مجلس التعاون الخليجي. وتضم 12 منفذاً بحرياً تجارياً، عدا عن الموانئ النفطية، بالإضافة إلى 310 مراسي بحرية، بحمولة تصل إلى 80 مليون طن من البضائع. فيوفر الموقع الجغرافي وقدرات النقل المتميزة فرصاً كبيرة للبضائع الإسرائيلية كمحطة تسويق، فضلاً عن أنها تمثل نحو 1.5٪ من التجارة العالمية، و2.4٪ من تجارة الناقلات العالمية، فإسرائيل ستستفيد من هذه القدرات والإمكانات في انتشار تجارتها وتسويقها بسهولة وبأقل تكلفة فضلاً عن الغطاء الاقتصادي الإماراتي لبضائعها.
رابعاً: التحديات
بالرغم من تسارع الاتفاقيات والتطبيع السياسي والاقتصادي بين الإمارات وإسرائيل إلا أنه توجد بعض العقبات والتحديات التي يمكن أن تبطئ أو تعوق تلك الخطوات المتسارعة أول تلك التحديات القضية الفلسطينية والموقف الشعبي الداعم لها فبالرغم من التسارع الرسمي في التطبيع إلا أن الرفض الشعبي مازال قائماً وقد يتصاعد مع استمرار الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية المتتالية وهو يضر بالطبع مسيرة تلك الاتفاقيات. فالصفقات العربية الإسرائيلية (مثل اتفاقية التجارة الحرة) لن تصل إلى كامل طاقاتها دون حل الأسباب الجذرية للصراع العربي الإسرائيلي. تأتي نظرة خاطفة نادرة على الرأي العام الإماراتي من ديفيد بولوك من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي أجرى استطلاعًا في ديسمبر الماضي سأل الناس عن شعورهم حيال مجموعة من القضايا السياسية، حيث وافق 37 بالمائة فقط على أن “أولئك الذين يريدون إقامة علاقات تجارية أو رياضية مع الإسرائيليين يجب أن يُسمح لهم بالقيام بذلك” – وهي حصة ظلت ثابتة مقارنة بالدراسات الاستقصائية السابقة. وافق 23 في المائة فقط على أن اتفاقيات أبراهام سيكون لها تأثير إيجابي على المنطقة ، انخفاضًا من 44 في المائة في يونيو 2021. “هذا المستوى المنخفض من التوقعات الشعبية من اتفاقيات أبراهام، حتى في خضم الاحتفالات العامة الواضحة بالذكرى السنوية الأولى لها ، هو دليل إضافي على أن العديد من المستجيبين يرغبون بشكل واضح في تقديم آراء خاصة تتعارض كثيرًا مع الموقف الرسمي لحكومتهم ،” بولوك يستنتج. ثاني تلك التحديات:- الموقف الإيراني والذي للمفارقة تجمعها علاقات اقتصادية قوية مع الإمارات لكنها ترفض بتواجد عدوها اللدود إسرائيل بجانبها فالتهديدات المتكررة من قادة إيران وربما ضربات ميلشيا الحوثي للعمق الإماراتي تأتي كرسائل واضحه في هذ الاتجاه. ثالث هذه التحديات:- تحديات فنية وواقعية فوفقاً لتصريحات الجانبين تتوقع كل من إسرائيل والإمارات أن تصل التجارة الثنائية السنوية إلى 10 مليارات دولار في غضون خمس سنوات ، أي أكثر من 10 أضعاف الرقم المسجل في عام 2021. ومع ذلك، يشك الخبراء في رقم 10 مليارات دولار. يقول خبير خليجي محلي ، طلب من مجلة التايم عدم الكشف عن اسمه، أن التوقع مبالغ فيه “انظر ، إذا كانت الحكومات هي المصدر ، فإنها عادة ما تبالغ. يتفق المحللون على أن تل أبيب ستظل غير قادرة على الوصول إلى معظم الاقتصادات العربية – وهو هدف طويل الأمد لإسرائيل – في المستقبل المنظور. رابع هذه التحديات الرأي العام الإماراتي بالرغم من الصعب تمييز كيف يشعر المواطنون الإماراتيون العاديون تجاه صداقة بلادهم الجديدة مع إسرائيل، حيث لا يوجد في الإمارات معارضة سياسية منظمة، ولا يتسامح النظام مع العروض العلنية للرأي بما يتعارض مع سياسات الحكومة، لذلك من الصعب قياس الرأي العام الحقيقي. وكتب جوشوا كراسنا، الباحث في مركز موشيه دايان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة تل أبيب في تقرير نُشر في مايو بعد زيارة دبي وأبو ظبي والبحرين: “يقال إنه لا يوجد الكثير من الحماس العام للتطبيع مع إسرائيل في الإمارات، ولكن هناك أيضًا معارضة قليلة” لقد انتقد الإماراتيون في الخارج الاتفاقات ، وهي حقيقة قد تعكس الاتجاهات داخل الإمارة.
خامساً:- هل ستنجح اسرائيل في توظيف الامارات لخدمة انتشارها الاقتصادي
يظل التساؤل الأهم هو مدى قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها والتغلغل الاقتصادي في المنطقة من بوابة الإمارات ويمكن رسم مسارين أساسين للإجابة على هذا التساؤل:- المسار الأول:- انتشار جزئي وعقبات قوية يفترض هذا المسار – وهو المرجح- أن تنجح إسرائيل في تحقيق بعض أهدافها بشكل جزئي فبالرغم من الرغبة القوية لحكام الإمارات في دمج إسرائيل في المنطقة إلا أن بعض العقبات قد تكون حائلاً دون تحقيق ذلك بشكل كامل. فمازال هناك صدى نسبي لتأثير الانتهاكات الإسرائيلية على الشعب الإماراتي وإن كانت أبو ظبي ودبي أكثر ترحيباً وسعياً لتووثيق العلاقات مع إسرائيل إلا أن الإمارات الأخرى الأكثر محافظة ربما تبدو أقل ترحيبا بذلك ويرجح هذا المسار :- رغبة حكام الإمارات في توثيق العلاقات مع إسرائيل ودمجها في المنطقة العربية والإسلامية وتهيئة البيئة المحلية والإقليمية لذلك. يوفر الموقع الجغرافي للإمارات فرصاً كبيرة للبضائع الإسرائيلية، فضلاً عن أنها تمثل نحو 1.5٪ من التجارة العالمية، و2.4٪ من تجارة الناقلات العالمية. الإمارات ستكون بلا شك سوقاً كبيرة للشركات الإسرائيلية التي ستجد فرصة مثالية للتوغل في منطقة الخليج، فيمكنها الاستفادة من البنية التحتية لنقل البضائع في الإمارات لتبسيط وتعزيز علاقاتها التجارية. نجاحها في تطوير العلاقات مع السعودية وهو مايبدو فى الأفق قريباً، فقد يستغرق تطبيع العلاقات مع السعودية بعض الوقت ، لكن يبدو أن التطبيع الاقتصادي بدأ يحدث. هدوء الساحة الفلسطينية وهو أمر مستبعد نسبياً في ظل سياسة التوسع والاستيطان الاسرائيلية المسار الثاني:- فشل استراتيجية دمج الاقتصاد الاسرائيلي يفترض هذا المسار أن تنجح العقبات في تجميد وإفشال انتشار الاقتصاد الإسرائيلي في المنطقة عبر بوابة الإمارات ويعتمد هذا المسار على عدة محددات أهمها:- نجاح الموقف الشعبي الخليجي المناهض للتواجد الإسرائيلي، واستمرار حملات المقاطعة التي قد تعيد استهداف الامارات إلى جانب إسرائيل الموقف الإيراني من التغلغل الاقتصادي في الخليج والذي يناهض سياستها في المنطقة فتسير أبوظبي على حبل مشدود في علاقتها بين العدوين اللدودين ففي حالة فشل الدبلوماسية مع إيران ، ربما تتراجع الإمارات عن علاقتها مع إسرائيل لاحتواء المخاوف من نفوذ إيران الإقليمي بالرغم من الاستفادة الإسرائيلية من التطبيع مع الإمارات إلا أنه توجد بعض الأصوات الداخلية المعارضة لسياسة الاستثمارات الإماراتية في إسرائيل مثل نجاح المعارضة الإسرائيلية في وقف مشروع نقل النفط الخليجي إلى أوروبا عبر ميناء إيلات ثم برًا عبر ميناء عسقلان على البحر المتوسط، هذا الاتفاق الذي يضم شركة آسيا-أوروبا لخطوط الأنابيب المملوكة لإسرائيل و”ميد ريد لاند بريدج” الإسرائيلية الإماراتية. الاستثمارات الإماراتية قد تتعرض لرد فعل من المقاومة الفلسطينية مما يؤثر على تطوير تلك الاستثمارات.