لم يذكر التاريخ يوما أن دولة ما سعت إلى التمدد إلى خارج حدودها وتوسيع نفوذها في وقت يتواصل فيه احتلال جزء أصيل من أراضيها.
كما لم يرد في التاريخ أن دولة ما سعت جاهدة لإقامة قواعد عسكرية في مناطق مختلفة في وقت تعاني فيه من نقص سيادة واستضافة قواعد عسكرية لدولة أجنبية.
لكن كل ذلك وأكثر يحدث مع الإمارات.
فالإمارات التي بتعداد سكاني لا يوفر كتلة عسكرية كبيرة وليس لها خبرة في الحروب، تعمد على مواصلة نهج لعب دور وكيل أمني في المنطقة.
وأكبر مثال على ذلك حرب الإمارات المتواصلة على اليمن حيث تجتهد أبو ظبي في تشكيل مرتزقة يمنيين تابعين لها لحيازة عدن، وقد تركت جزرها في يد الإيرانيين!
وهذا الاستعراض لم يقابل إلى الساعة من يواجهه فيظهر سوءته، فالدولة الصغيرة لم تشهد جيوشها حربا منذ تكوينها، غير ما كان من مواجهات البحر ضد البرتغال والانجليز في قرون غابرة، وذلك تاريخ تشترك فيه الشارقة وعمان..
أما اليوم، فيبدو أن الإمارات ترغب في التمدد، لكنها لا تملك من قوام ذلك غير استئجار من يحارب عنها بالوكالة، مستعملة نفوذ المال والإعلام وشراء ذمم الساسة والصحف، فعداؤها بعض التيارات وبلوغها لدول كالمغرب العربي وأفريقيا الشرقية أمر مستغرب جدا، ما يضعنا بمواجهة سؤال: ما الهدف؟ وما الربح الذي قد تحوزه هذه الإمارة من نصرة فصيل سياسي ضد آخر قد لا يمثل لها أي تهديد؟ فهل هي فقط خدمة لعناوين إخبارية، توظفها في حربها ؟ وهل ستمنح استراتيجية الإمارات في البحث عن وكلاء حرب، مستقبلا عظيما؟ وهل إن دمرت واشنطن إيران ستصبح أبوظبي أعظم دولة في الشرق، تحيط البر والبحر بأساطيلها وقوافلها وتجارتها مثلا؟
الواقع أننا أمام دولة ضعيفة في حقيقة الأمر، والتاريخ يقول إن المرتزق الأجير قد ينقلب على سيده الضعيف، حينما تحين الفرصة.
وعند استعراض التفاصيل نجد أن الإمارات تنفق قرابة 1.3 مليار دولار على تدخلها في اليمن شهرياً (16 مليار دولار سنوياً)، منذ انضمام أبو ظبي إلى تحالف عسكري تقوده السعودية في اليمن (مارس/ آذار 2015)، بهدف معلن تمثل في استعادة شرعية هادي من يد الحوثيين، وإعادته إلى السلطة بصنعاء بعد انقلاب الحوثيين عليه ووضعه تحت الإقامة الجبرية، ثم قصف مقر إقامته بعد فراره إلى عدن.
لكن اللافت أن الإمارات خلال هذه الفترة بنت تشكيلات عسكرية عدة في الجنوب مناهضة لهادي وحكومته، أي أن أبوظبي عملياً تصرفت ضد أهداف التحالف المعلنة.
عام 2010 احتلت اليمن الترتيب الثاني في قائمة مصادر التهديد للأمن القومي للإمارات بعد إيران، وكانت أفغانستان هي التهديد الثاني قبلها، ثم تراجعت إلى الترتيب الثالث بعد اليمن. وهذا يبرر جزئياً التدخل الإماراتي عسكرياً في البلدين.
فقد سبق تدخلها في اليمن تدخلها في أفغانستان بالتعاون مع أميركا، ومثّلت هذه التدخلات فرصة تدريبية ميدانية لقواتها التي لم تخض اختباراً عملياً من قبل بشكل مباشر، كما أدت إلى تمتين علاقتها بواشنطن التي أثنت على دور الإمارات في أفغانستان وتطور قدرات مقاتليها بشكل متكرر.
لكن استحواذ الإمارات على سواحل وموانئ وجزر اليمن خلقت فهماً مختلفاً لهدفها من التدخل في اليمن متعلق بالهيمنة على المناطق المطلة على الممرات الدولية لحماية مصالحها التجارية. كما سبق لها العمل في الشاطئ الغربي للبحر الأحمر في إريتريا والصومال وجيبوتي.
خسرت الإمارات في تدخلاتها العسكرية خارج حدودها منذ عام 2015 قرابة 111 فرداً من قواتها العسكرية أغلبهم في اليمن.
وتمتلك الإمارات، 3 أنواع من القوات في اليمن، النوع الأول قوامه 1500 جندي وضابط من الجيش الإماراتي يقومون غالباً بمهام تدريبية، أما القوة الثانية فتتشكل من مجندين يمنيين يتلقون التدريب والتمويل والتسليح والأوامر أيضاً من الإمارات، ولا يخضعون لإشراف قيادة الجيش اليمني، والقوة الثالثة تتكوّن من مجندين من المرتزقة الدوليين بعدد تقريبي (1800 مجند/ مرتزق) من كولومبيا وبنما وسلفادور وتشيلي وإريتريا، ويتبعون هيكلياً لقوة حرس الرئاسة الإماراتية.
وذكرت دورية “إنتليجينس” الاستخباراتية مؤخرا أن “الإمارات استأجرت ضباطاً أميركيين سابقين حاربوا في العراق وأفغانستان لتحسين أداء قواتها في اليمن، ما يعني نفقات إضافية تضم إلى خسائرها هناك”.
أما القوات اليمنية الموالية للإمارات فتتوزع على ألوية عدة يبلغ قوامها حوالي 35 ألف مجند، منهم 14 ألفاً يشكلون قوات الحزام الأمني لعدن وأبين، و11 ألف مجند قوام ألوية النخبة الحضرمية، و3000 مجند للنخبة الشبوانية، و4000 مجند مقسومون بالتساوي على النخبتين المهرية والسقطرية.
والأجور المرتفعة التي تدفعها الإمارات للمجندين متعددي الجنسيات، وتدريب وتسليح قوات يمنية كبيرة، والطلعات الجوية المكثفة، ومنصات الدفاعات الصاروخية (باتريوت)، تجعل كلفة الحرب في اليمن مرتفعة للغاية، وتنعكس سلباً على الاقتصاد الإماراتي، إذ يبلغ المتوسط الشهري لإنفاق الإمارات على تدخلها العسكري في اليمن قرابة 1.3 مليار دولار، يشمل التدخل البري والجوي، حيث تشترك 30 مقاتلة إماراتية في القصف على اليمن منذ مارس 2015، مع تدخل بوارج بحرية متعددة في الشواطئ الغربية لليمن تحديداً.
ووهذه النفقات لا تمر عبر مجلس الحكم الاتحادي للإمارات، وتسببت برفع الضرائب والرسوم على الخدمات في الدولة على المواطنين والمقيمين، بشكل يؤدي إلى تراجع الاستثمارات الخارجية في الإمارات، وارتفاع تكاليف المعيشة لمواطني الدولة.
فالإمارات لجأت إلى الصندوق السيادي للدولة لتغطية نفقاتها في اليمن وسدّ عجز الموازنة فتراجعت أصول الصندوق قرابة 30 مليار دولار نهاية عام 2015، كما أنها خفضت حيازتها من سندات الخزانة الأميركية من 200 مليار دولار إلى 66 مليار دولار فقط منتصف عام 2007″.
وأبوظبي دخلت حرب اليمن من دون تقديرات واضحة لحدود تدخلها، فالسعودية ذاتها كقائد للتحالف لم تتدخل برياً في اليمن كما فعلت الإمارات، رغم تأثرها بما يجري في اليمن أكثر من الإمارات بحكم حدودها معها”.
وعن جدوى التدخل الإماراتي في اليمن وبناء قواعد عسكرية في جزيرة ميون بمضيق باب المندب، يتساءل مراقبون: “كيف نبني قواعد عسكرية خارج الحدود، وما زلنا نعتمد على قواعد عسكرية أميركية وأوروبية داخل البلاد؟”.
كما ينتقد المراقبون الممارسات الإماراتية التي أدت إلى اتخاذ اليمنيين موقفاً سلبياً منها، مثل بنائها قوات عسكرية خارج إطار الشرعية، وبناء السجون السرية لتعذيب المواطنين، ما أدى إلى تآكل الشرعية التي تدخل التحالف لإعادتها ودعمها.
والواقع يؤكد أن الإمارات فقدت دورها الريادي بتدخلها في الشؤون الإقليمية عبر الحوار، وأن تدخلها في اليمن بتلك الطريقة أدى إلى خلق الأعداء والخصوم ليس في اليمن فقط بل وفي بقية دول المنطقة. فكيف يمكن أن تتجنب حكومات المستقبل تداعيات التدخلات الحالية للدولة؟”.