نشر مركز الإمارات للدراسات والإعلام “إيماسك“، دراسة تحليلية تناول فيها الثغرات الخطيرة في الدفاعات الجوية الإماراتية والحاجة إلى تعزيزها بين الضرورة وصندوق الباندورا الإسرائيلي.
وأبرز الدراسة أن هجمات جماعة الحوثي في اليمن قبل أشهر بصواريخ وطائرات بدون طيار، سلطت الضوء على ضعف الدفاعات الجوية للإمارات، التي تعتمد في اقتصادها على البنية التحتية للطاقة المترامية الأطراف والمطارات المحورية الدولية الضخمة والقوى العاملة الوافدة إلى حد كبير.
في أعقاب الهجمات الحوثية على أبو ظبي في يناير/كانون الثاني2022، أكد رئيس الدولة -ولي عهد أبوظبي في ذلك الوقت- محمد بن زايد آل نهيان على ضرورة سد الثغرات في الدفاعات الجوية الإماراتية، خاصة في المجال القصير في إشارة إلى أنظمة الدفاع الجوي -شواراد (SHORAD).
بعد أسبوعين من الهجوم قال مسؤولون إن الاحتلال الإسرائيلي يتفاوض مع الإمارات لتثبيت برنامج دفاع جوي مشترك لحماية الدولة من تهديد الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية، في إشارة إلى احتمال تكوين حلف دفاعي بين الاحتلال الإسرائيلي وأبوظبي تحت مبرر إزالة المخاوف من التهديد الإيراني.
ورغم أن لمخاوف التي تقولها السلطات صادقة بشأن التهديد الإيراني، إلا أن وجود “الاحتلال الإسرائيلي” وأسلحته قد يكون صندوق باندورا يفتح كل الشرور على الإمارات ومنطقة دول مجلس التعاون الخليجي.
وركزت الدراسة على معرفة المسافة التي قُطعت في طريق الاتفاق بشأن الدفاعات الجوية الإسرائيلية في المنطقة، وإمكانية تحقيق ذلك، ومعرفة طبيعة التأثير على الإمارات من خلال دراسة المعضلة الأمنية التي يسببها الوجود الإسرائيلي في الإمارات.
خطط تعزيز النظام الجوي
تمتلك الإمارات أحد أقوى أنظمة الدفاع الجوي في المنطقة، التي تعتمد بشكل أساسي على الأسلحة الأمريكية الصنع مثل صواريخ هوك (HAWK) الأقدم، وهو صاروخ باتريوت الأكثر قدرة، وأنظمة صواريخ ثان للدفاع الجوي الذي استخدم لأول مرة في الدولة لتدمير صاروخ حوثي.
تنتشر هذه البطاريات “باتريوت” و”ثاد” قرب المنشآت الحيوية والمطارات والقواعد العسكرية، وعلى الرغم من قوة هذه الأنظمة إلا أنها فشلت في تتبع هجمات الحوثيين الإرهابية على العاصمة أبوظبي وأدت إلى أضرار في البنية التحتية ومقتل ثلاثة أشخاص.
كشفت هجمات الحوثيين ضعفاً في الدفاعات الجوية الإماراتية، خاصة في أنظمة الدفاع الجوي قصير المدى، معظم الأنظمة التي تملكها الدولة متوسطة وعالية المدى ومع ذلك تدخلت القاعدة العسكرية الأمريكية في الظفرة لاعتراض صواريخ الحوثيين.
فيما يحتمل ضعف ما تمتلكه من أنظمة قصيرة المدى، وهو الأمر الذي طالب فيه رئيس الدولة بسد هذه الثغرات في الدفاع الجوي.
بعبارة أخرى، تحتاج الدفاعات الجوية الإماراتية متعددة الطبقات على أن تكون أكثر قدرة على التعامل مع الهجمات من الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز التي تحلق على ارتفاع منخفض والتي أثبتت قدرتها على التهرب من الرادارات التقليدية؛ وتصيب الأهداف بشكل مباشر.
ولتحقيق ذلك، أطلقت أبوظبي خططاً واسعة النطاق لتعزيز نظام الدفاع الجوي بأسلحة جديدة وذات قدرة عالية من مجموعة متنوعة من الموردين، على أمل تجنب الوقوع في المعضلة السعودية بنقص الإمدادات.
حيث صدت المملكة العديد من الهجمات الصاروخية للحوثيين خلال السنوات الماضية لدرجة أنها تعاني من نقص شديد في صواريخ باتريوت. حتى أن بعض التقارير تشير إلى أن الطلبات العاجلة من الولايات المتحدة قد لا تملأ الفراغ.
في خضم هجمات الحوثيين على أبوظبي، اتفقت كوريا الجنوبية مع الإمارات على بيع ما قيمته 3.5 مليار دولار من صواريخ تشونغونغ 2 ” Cheongung 2″ المتطورة، إلى جانب الرادارات المصاحبة لها. كما تضمنت الاتفاقية وعوداً بتعاون أوثق في تطوير الصواريخ بين البلدين.
يعتمد هذا الصاروخ جزئيًا على منظومة “اس-400” S-400 الروسية عالية القدرة وهو قادر على الاشتباك مع أهداف متعددة في وقت واحد بمدى يصل إلى 40 كم؛ كما أنها شديدة المقاومة للتشويش الإلكتروني. وتعتبر هذه واحدة من أكبر صفقات تصدير الأسلحة بشأن الدفاع الجوي.
في أغسطس/آب أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن وزارة الخارجية وافقت على صفقات بيع محتملة لمنظومة صواريخ ثاد (THAAD) إلى الإمارات بقيمة 2.24 مليار دولار، عقب زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة.
وكان قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال كينيث ماكنزي، زار أبوظبي في فبراير/شباط 2022 عقب هجمات الحوثيين مؤكداً أن بلاده ستدعم دولة الإمارات “لتحسين نظامها الدفاعي وتعزيز قدراته”.
في فبراير/شباط قالت تقارير إن الإمارات مهتمة بنظام الدفاع الجوي “فالكون” Falcon القصير والمتوسط المدى الذي كُشف النقاب عنه في معرض آيدكس 2019 من قبل شركة “لوكهيد مارتن” و”ساب” و”ديهل ديفينس”.
وتهدف الشركات الأمريكية الثلاث إلى أن يحل نظام “فالكون” محل أنظمة الدفاع الجوي الإماراتية القديمة (MIM-23 Hawk) الذي يملك القدرة على مواجهة تهديدات مثل أنظمة الطائرات بدون طيار التي تحلق بحمولات فتاكة، وصواريخ الكروز التي يمكنها المهاجمة من أي اتجاه.
كما أبدت الإمارات اهتمامها بمنظومة الصواريخ الهندية “أكاش”، لكن لا يعرف ما إذا كانت ستستمر في التفاوض مع السلطات الهندية بعد الصفقة مع كوريا الجنوبية.
في 4 أغسطس/آب بعثت الإمارات وفد من القوات الجوية والدفاع الجوي برئاسة العميد الركن طيار سعيد اليماحي إلى اليابان، تشير التقارير إلى أن أبو ظبي تعتزم الاستفادة من الخبرة الصناعية اليابانية المتقدمة في التقنيات العسكرية، وخاصة التقنيات المستخدمة لإنتاج أنظمة الدفاع الجوي.
وكان وزير الدولة لشؤون الدفاع محمد بن أحمد البواردي قد التقى السفير الياباني في فبراير/شباط.
كما زار وفد إماراتي ألمانيا في يوليو/تموز لبحث رادارات حديثة. وفي ابريل/نيسان بدأت محادثات استكشافية مع شركتي الدفاع الأمريكيتين بوينج ورايثيون حول إضافتين محتملتين إلى بنية الدفاع الجوي الإماراتية تتعلق بمواجهة الطائرات بدون طيار- حسبما تشير المصادر المفتوحة.
عقب هجمات الحوثيين على الإمارات، بدأت أبوظبي بإجراء محادثات مع المسؤولين في حكومة إسرائيل للحصول على منظومة القبة الصاروخية.
ويبدو الإمارات مهتمة بثلاثة أنظمة تشغيلية، أو مزيج من الثلاثة ( Barak 8 أو Barak ER ، أو Rafael Spyder[12]). على الرغم من فشل القبة الصاروخية في اعتراض أكثر من نصف صواريخ المقاومة الفلسطينية خلال الهجوم الأخير (أغسطس/آب) على غزة.
وعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت على الفور “الدعم الأمني والاستخباراتي” على أبوظبي في أعقاب الهجمات الإرهابية الحوثية؛ ما يشير إلى حجم التنسيق الأمني بين الطرفين.
ومن المثير للاهتمام، أن (Barak-8) تم تطويره بشكل مشترك من قبل وزارة الدفاع الإسرائيلية و شركة (DRDO ) الهندية.
فبدلاً من إسرائيل يمكن لأبوظبي شراءه من الهند التي تملك الإمارات علاقة جيدة معها، ويوجد أكثر من ثلاثة ملايين هندي في الإمارات.
طريق إسرائيل نحو الهيمنة في الإمارات
استخدمت أبوظبي وإسرائيل اتفاقية التطبيع (2020)، لتعزيز التعاون الأمني والعسكري. وصولاً إلى إنشاء منتدى النقب في مارس/آذار ويونيو/حزيران، الذي جمع إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب والولايات المتحدة ومصر من خلال التعاون في قضايا تتراوح من الأمن الإقليمي إلى الطاقة النظيفة والسياحة.
وصفت إسرائيل ذلك بأنه بداية هيكل دفاعي مشترك جديد (نوع من حلف شمال الأطلسي -ناتو- في الشرق الأوسط) لمواجهة نفوذ إيران الإقليمي وبرنامجها النووي – الذي تعتبره تهديدات وجودية.
بالنسبة لإسرائييل فإن اتفاق التطبيع مع الإمارات علامة فارقة في تاريخ الحركة الصهيونية في المنطقة، وقد يمثل نقطة تحوّل أساسية للوجود الإسرائيلي في منطقة الخليج العربي، والمنطقة العربية بشكل عام، وتجاه تغييب القضية الفلسطينية لصالح الوجود الصهيوني، وتحويلها من قضية عربية-إسلامية إلى قضية تخص الفلسطينيين وهي لم تكن يوماً كذلك ولن تصبح، ويبدو أن الإمارات ابتلعت الطعم وأعلنت التطبيع وباتت تطمح للحصول على الأسلحة من الكيان الصهيوني.
ظهرت التقارير حول إمكانية تشكيل إطار أمني إقليمي جديد بعد تقديم تشريع من الحزبين في الكونغرس في 9 يونيو/حزيران يدعو البنتاغون إلى تقديم استراتيجية لدمج قدرات الدفاع الجوي لإسرائيل والدول العربية من أجل مواجهة الصواريخ الباليستية وغيرها من المقذوفات، والتهديدات من إيران ووكلائها.
منذ مطلع العام تعمل إسرائيل مع القيادة المركزية الأمريكية في المنطقة والإمارات على بناء قدرة دفاع جوي رادعه.
وعقدت الولايات المتحدة اجتماعًا سريًا في وقت سابق من هذا العام مع رؤساء الدفاع من المنطقة، بما في ذلك إسرائيل.
وشملت هذه مسؤولي الدفاع من المملكة العربية السعودية، قطر، الأردن، مصر، الإمارات العربية المتحدة والبحرين.
تشير التقارير إلى أن هناك تعاون متوقع يشمل التكنولوجيا الإسرائيلية، مثل أجهزة الرادارات في الخليج، وكذلك الجوانب الأخرى لعملية الدفاع الجوي الإقليمي، بدعم من الولايات المتحدة في الخلفية. وسيعتبر ذلك تحولاً مهماً في المنطقة.
وقال ماكينزي إن الدول منفتحة على تبادل المعلومات الاستخباراتية والدفاع الجوي مع إسرائيل، “وأعتقد أنها خطوة كبيرة إلى الأمام. لقد اتخذنا بعض الخطوات المحددة للغاية”.
يطلق عليه تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط (MEAD)، وتعتبره الولايات المتحدة “ذات قيمة خاصة”، لكن نفت مصر والأردن -رغم حديث وموافقة الملك الأردني على الفكرة- السعودية نيّة تشكيل دفاع جوي شرق أوسطي مع إسرائيل أو تحالف ميد (MEAD).
فيما لم تعط الإمارات رداً جذرياً حول تشكيل هذا التحالف، وقالت إن “وجود تحالف في الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي هو مفهوم (نظري) وإن المواجهة ليست خيارا بالنسبة لأبوظبي، ولن نكون في محور ضد إيران”.
وتتجنب السعودية والإمارات التوتر في المنطقة، مع استمرارهما في مفاوضات منفصلة مع إيران.
تشير التقارير إلى أن “تل أبيب” و”أبوظبي” تضغطان من أجل نظام دفاع إقليمي جديد في المنطقة تقوده الولايات المتحدة تشارك فيه قوة إسرائيل.
وتقول إن إسرائيل والإمارات معنيتان بخطة تشمل تعزيز الدفاعات الصاروخية ومشاركة المعلومات الاستخبارية.
كانت زيارة جو بايدن إلى المنطقة تمضي في ذات المسار إذا أكد في قمة جدة: نقوم بدمج الدفاعات الجوية وأنظمة الإنذار المبكر لضمان قدرتنا على هزيمة التهديدات المحمولة جواً.
في إشارة إلى أنه وضع ضمن أهدافه تحقيق هذا التحالف الإقليمي الذي يضم الدول العربية وفي مقدمتها الإمارات والاحتلال الإسرائيلي.
وتلقى قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال إريك كوريلا، تعليمات بالعمل نحو لتكامل العسكري بين الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين وكذلك بين هؤلاء الشركاء أنفسهم في مقدمتها “الإمارات وإسرائيل”.
تعتبر اتفاقية “أبرهام” التطبيع بين أبوظبي والاحتلال والإدراج الرسمي لإسرائيل في القيادة المركزية الأمريكية – تطورات استراتيجية يمكن أن يكون لها بعض الآثار الإيجابية للغاية على مهمة التكامل هذه.
إذ ترى الإمارات حاجتها إلى التكنلوجيا الصهيونية مفيدة في المرحلة الحالية، وهو ما يجعل الأمريكيون يعتقدون أن هذا الأمر قد يكون محفزاً لنجاح خططهم في الخليج، لكن الأمر يحتاج إلى سنوات من الإجراءات.
وفيما من الصعب تحقيق “ناتو عربي” يضم دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر، وتضاءل أي فرصة لدمج الدفاعات الجوية الخليجية بينها، وهو أصعب مع الاحتلال الإسرائيلي، يبدو أن اتفاق بين الإمارات والاحتلال بشأن ذلك أكثر فرصة من السابق.
فما الذي سيحققه الاحتلال الإسرائيلي من هذه الصفقة؟
لا يتحرك الاحتلال إلا بما يخدم مصالحة الخاصة وتفكيك الوطن العربي هي مصلحة استراتيجية.
وكل حديث عن مصلحة للمنطقة العربية دعاية سياسية وإعلامية، فهو كما يقول محللوه في حالة حرب مع العرب حتى وإن أحدث تطبيعاً مع بعض الدول.
لكن مع الرفض الخليجي والعربي لدمج الدفاعات الجوية وأنظمة الإنذار المبكر فإن احتمال تأسيسه مع الإمارات أكثر إمكانية بالنظر إلى الاجتماعات وحجم التقارب الأمني والعسكري.
سوق أسلحة: يمكن للاحتلال الإسرائيلي أن يحوّل الإمارات إلى سوق في دول الخليج العربي للأسلحة.
وتزيد من شعبية تصنيعها للأسلحة في المنطقة. إذا ما حصلت الإمارات على الدفاعات الجوية الإسرائيلية فإن ذلك يزيد من القدرة التسويقية الصهيونية في البلدان العربية والتي ضلت محرمة عليهم.
ويبدو أن ذلك ما يتم بالفعل، فحسب تصنيف نوع المنتجات الدفاعية التي تم بيعها العام الماضي2021، احتوت الأرقام أيضًا على سوق إقليمي، ويكشف أن أوروبا كانت أكبر مستورد لتكنولوجيا الدفاع الإسرائيلية (41٪ من المبيعات) ، تليها منطقة آسيا والمحيط الهادئ (34٪). ) ثم أمريكا الشمالية (12٪).
وشكلت الدول العربية التي طبعت علاقاتها مؤخرًا مع إسرائيل – دول اتفاق إبراهيم – 7٪ من العملاء. وهذ نسبة جديرة بالملاحظة خلال عام واحد من التطبيع فُتحت الأبواب للأسلحة الإسرائيلية دون اعتبار على أنها قد تستخدم كأدوات تجسس ومعرفة بالقوات المسلحة.
منذ بدء اتفاق التطبيع حتى (يوليو/تموز2022) وقعت دول التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي اتفاقيات شراء أسلحة بقيمة أكثر من ثلاثة مليارات دولار، معظمها مع الإمارات.
وعُقد أكثر من 150 اجتماع لوزارة الدفاع الإسرائيلية مع المسؤولين في الدول الثلاث (البحرين والإمارات والمغرب) معظمها مع المسؤولين في أبوظبي.
ولا يعتقد أن هذا العدد من الاجتماعات عقدته الإمارات مع دول مجلس التعاون الخليجي خلال نفس الفترة! يوضح ذلك حجم تشبيك العلاقات والملفات المطروحة بين أبوظبي وإسرائيل خلال نفس الفترة.
حماية الاحتلال: بالإضافة إلى زيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية مع تعميق العلاقات الأمنية بين الاحتلال والإمارات، فبيع نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي لأبوظبي قد يمثل بدايات نظام دفاع مشترك بين الدولتين من شأنه أن يساعد في إعطاء إسرائيل تحذيرًا مسبقًا من أي هجوم محتمل من جانب طهران.
إذ ستكون الدولة، من خلال دفاعاتها الصاروخية الجديدة والمتقدمة متعددة الطبقات والرادارات الإسرائيلية، قادرة على العمل كنظام إنذار مبكر للإسرائيليين ليعطيهم وقتًا إضافيًا حيويًا لإطلاق صواريخها الاعتراضية؛ لتقدم الإمارات خدمة للاحتلال الإسرائيلي.
تقوية علاقاته بالمنطقة: يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنه، بدعم من الولايات المتحدة، يمكن لهذا الإطار الأمني الذي يقوده الاحتلال مع أبوظبي- أن يعمق أيضًا علاقاته في المنطقة – ليس أقلها إقناع القادة المتذبذبين مثل أولئك الموجودين في المملكة العربية السعودية بدعم التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي؛ باعتباره فرصة نادرة للاحتلال لإثبات قيمتها أمام تهديدات قريبة من أنظمة الحكم في المنطقة الخليجية.
تأثير تعزيز الدفاع الجوي الإماراتي
تملك الإمارات أحد أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطوراً في منطقة الخليج؛ خاصة مع منظومة “ثاد” الأمريكية. الأسلحة الجديدة التي تحاول تعزيزها ستقوم بتحسين كل طبقة من الطبقات لتغطية الثغرات في الأنظمة الحالية.
وهو أمر نبهت له هجمات الحوثيين الإرهابية المدعومة من إيران. ستجعل المنظومات الجديدة من الصعب اختراق أنظمة الدفاع الجوي الوطنية من قِبل الجماعات أو الدول.
لا تسعى الإمارات إلى تعزيز دفاعها الجوي فقط، إذ ستحصل قوتها الجوية الصغيرة المدربة جيدًا على دفعة كبيرة؛ في ديسمبر/كانون الأول الماضي أعلنت فرنسا والإمارات عن شراء الأخيرة لـ 80 طائرة مقاتلة متطورة من طراز رافال متعددة الأدوار.
تبلغ قيمة الصفقة 18 مليار دولار، وهي أكبر صفقة تصدير أسلحة فرنسية على الإطلاق. كما وقعت الإمارات اتفاقية دفاع مشترك مع باريس. ووقعت عدة اتفاقيات متعددة لأسلحة برية وجوية وبحرية مع كندا، وروسيا، والصين، والولايات المتحدة، وألمانيا، ودول أخرى، خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
إضافة ذلك؛ بسبب الجغرافيا الإماراتية الصغيرة فإن أبوظبي بحاجة إلى أن تقوم بزيادة التعاون العسكري/ المخابراتي والدفاع الجوي مع السعودية والكويت لتعمل كأجهزة استشعار متقدمة لاكتشاف الصواريخ والطائرات المسيّرة التي من المحتمل أن تطلقها الميليشيات التابعة لإيران من اليمن والعراق. يعطي ذلك وقتاً إضافياً للدولة للرد على التهديدات المحتملة.
كما يدعم وجود القوات الأمريكية في المنطقة كأجهزة استشعار إضافية لمعرفة أي تهديد محتمل من إيران.
تقدم هذه الارتباطات مع منظومات الدفاع الجوي قصيرة المدى الجديدة قدرة نسبية للتصدي للهجمات الإرهابية من الميليشيات التابعة لإيران في المنطقة.
لكنها في كل الأحوال ستكون نسبية إلى حد كبير، أولاً، بسبب التكلفة الهائلة لإسقاط صاروخ ذكي أو باليستي، وطائرة مسيّرة، إذ يكلف إسقاط صاروخ باليستي واحد أو طائرة مسيّرة من منظومة باتريوت قرابة ثلاثة ملايين دولار.
ثانياً: الإغراق الإيراني في الهجمات، إذ تطلق إيران وميليشياتها عدد كبير من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة يجعل التصدي لها دفعة واحدة أمراً صعباً ومعقداً للغاية خاصة أن تلك الأسلحة تكون في مسار منخفض يبتعد عن الموجات الرادوية، أو يقدم قراءة غير دقيقة لعددها وحجمها.
من ناحية أخرى بقدر ما تكشف حملة التسلح الإماراتية -رغم تراجع الاقتصاد وأزمة كورونا- عن حاجة الدولة إلى سد ثغرات متعددة في أنظمة الدفاع والمواجهة خاصة مع استمرار إيران في احتلال جزرنا الثلاث.
إلا أنه تشير إلى زيادة المخاطر التي تواجه الدولة والعابرة للحدود، مع استمرار أبوظبي في سياسة خارجية تدخلية تزيد احتمالات تلقي الدولة هجمات أو فتح حروب متعددة في المنطقة.
فالأسلحة التي اشترتها الإمارات خلال العقود السابقة انتهى المطاف بها إلى ميليشيات في بلدان عربية والذي أدى إلى صناعة خصوم جدد للدولة.
وفقدانها لعلاقة جيدة مستقبلية مع هذه الدول عند استقرارها، مع حجم الاستهداف الذي تعرضت له أحزاب وأطراف سياسية وقبلية في اليمن وليبيا وتونس والصومال ومناطق أخرى.
قد ينطوي زيادة التسليح إلى نتائج عكسية، فوفقًا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، تمتلك الإمارات 156 طائرة مقاتلة.
ستمنح إضافة 80 طائرة من طراز رافال فرنسية الصنع قدرة عالية لدولة الإمارات زيادة كبيرة في القوة القتالية، مما يؤدي إلى زيادة ميزان القوة الإقليمي لصالحها؛ ومع تأمين المطارات والمؤسسات الحيوية في الدولة بأنظمة الردع الجوية فإن ذلك سيدفع السياسة الخارجية التدخلية إلى تصعيد تدخلاتها في دول المنطقة بما في ذلك في اليمن.
مخاطر التعاون العسكري مع الاحتلال
على عكس صفقات التسليح مع معظم الدول والجهات الدولية في الدفاعات الجوية، والتحالف الإماراتي الاستخباراتي مع دول المنطقة أو الولايات المتحدة أو دول في الاتحاد الأوروبي، فإن شراء أسلحة من الاحتلال الإسرائيلي والدخول في تحالف “ناتو عربي” معها يحتمل مخاطر عديدة على الإمارات، منها:
مخاطر على الأمن القومي الإماراتي: استمرار شراء الأسلحة والتنسيق الإماراتي مع الاحتلال الإسرائيلي، يمثل تهديداً قومياً ليس على الإمارات فحسب بل حتى على دول مجلس التعاون الخليجي في المقام الأول وبقية دول المنطقة العربية.
رؤية أبوظبي بإشراك معلومات الدفاعات الجوية الوطنية مع مركز بيانات الدفاعات الصهيونية، يفتح الباب على مصراعيه لمعرفة الثغرات الأمنية في المنظومة الأمنية الإماراتية للإسرائيليين.
كما قد يتسبب ذلك في زيادة المخاوف من التنسيق العسكري مع الإمارات خشية حصول الاحتلال الإسرائيلي عليها.
ومن المستغرب هذه الثقة التي يبديها المسؤولون في أبوظبي بالإسرائيليين وتكنلوجيا أسلحتهم رغم أن اتفاق التطبيع لم يمضي عليه إلا فترة قصيرة للغاية؛ فالدول لا تثق بأي دول – عدا كون الاحتلال كيان- في بداية نشوء علاقة بينهما، أخذ الأمر لاستعادة أبوظبي للعلاقات الودية مع موسكو عقود طويلة، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ولم يصل الأمر إلى الثقة التي يمنحها المسؤولون بالاحتلال الإسرائيلي. وهي ثقة لا تمنحها أبوظبي لأي دولة -كيان- أخرى في دول مجلس التعاون والوطن العربي.
يبرر المسؤولون في الإمارات والمحللون العسكريون الإسرائيليون إنه على الرغم من حجم الصفقة الكورية الجنوبية، يمكن للاحتلال الإسرائيلي أن يصبح الفائز في حملة شراء الأسلحة هذه من قبل الإمارات.
إذ سيبدأ وصول الأسلحة الكورية الجنوبية الأولى فقط في عام 2024 وتتطلع أبوظبي إلى الأنظمة الإسرائيلية كحل مؤقت.
تتجاهل هذه القراءات وجود تقنيات يمكن شرائها من الصين أو باكستان أو الجزائر أو الولايات المتحدة واليابان وكندا يمكن أن تمثل حلاً مؤقتا؛ إضافة إلى التعاون المخابراتي/العسكري بين دول الخليج العربي والدول العربية الذي أصبح ضرورة مع المتغيّرات الإقليمية بما فيها احتمالية توقيع الاتفاق النووي الإيراني، والمتغيّرات الدولية بمنع حالة الاستقطاب في محاور متأزمة؛ والتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي قد يعزل الإمارات عن التعاون المستقبلي.
تهديد الحرب المحتمل مع إيران: يخاطر البحث عن نظام دفاع جوي مشترك مع الاحتلال الإسرائيلي بغضب إيران؛ خاصة في ظل حرب الظل الإيرانية- الإسرائيلية المتصاعدة؛ لا يعني ذلك أن زيادة القدرات الدفاعية للإمارات أمراً سيئاً بل على العكس خاصة إذا كانت تزودها بتطمينات أمنية رادعة معززة.
لكن الوجود الإسرائيلي ومنظومته في الإمارات يثير مخاوف الأمن الإيراني بالافتراض أن هناك تحالف هجومي ضد إيران.
ومن المؤكد أن طهران ستنظر إليها في ضوء ذلك، بالنظر إلى دور الاحتلال الإسرائيلي القيادي وتركيزها الواضح على إيران.
ستواجه طهران أي تهديد يأتي من وجود في الإمارات يمكن للاحتلال الإسرائيلي شن هجوم مباشر منه؛ وإذا ما تصاعدت حروب الظل بين الإيرانيين والإسرائيليين فإن الإمارات قد تكون ساحة حرب ظل محتملة بين الطرفين.
إذن مع أن إضافة الدفاعات الإسرائيلية لن تقدم أي إضافة للدفاع الجوي الإماراتي، فإنها ستكون مصدر الرئيس للتوتر بين أبوظبي وطهران التي تعتبر وجود تلك الدفاعات تهدد وجودي لها.
تحاول الإمارات -كما تفعل السعودية- على تهدئة التوتر مع إيران بدأت مشاورات كبيرة بين المسؤولين الإماراتيين والإيرانيين لتعزيز العلاقات بين البلدين وتجنب وصولها لحالة حرب.
الوجود الإسرائيلي في الإمارات يمكن أن يهدد تلك المشاورات ويؤدي إلى انهيارها؛ كما أن طهران قد تدفع بميليشياتها في المنطقة لاستهداف الإمارات لتحذيرها من ذلك الوجود.
تشير مكالمة هاتفية بعد هجمات الحوثيين في يناير/كانون الثاني2022 إلى أن احتمالية الهجوم كرسالة إيرانية، حيث حذر فيها وزير الخارجية الإيراني نظيره الإماراتي من أن وجود “إسرائيل” في المنطقة يزعزع الأمن؛ ووعدت الإمارات بأن الدولة لن تكون مصدراً لقلق دور الجوار.
مستقبل الناتو العربي: مضت ثلاثة عقود من الجهود لإنشاء بنية دفاع جوي / صاروخي بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، بسبب التحدي القديم المتجدد: انعدام الثقة، فدول مجلس التعاون غير مستعدة لتشارك معلومات المجال الجوي فيما بينها.
وهي معضلة أمنية حاولت دول مجلس التعاون حلها، وشاركت فيها الولايات المتحدة منذ مبادرة قدمتها إدارة كلينتون، ثم جهود إدارة بوش الابن.
واقترحت إدارة أوباما أيضًا منتدى التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي في عام 2011، وتم إطلاقه في عام 2012.
وفي حوار المنامة 2013 أطلق وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل اجتماعًا لوزراء الدفاع بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي والذي كان من المقرر أن يشمل إطارًا للدفاع الصاروخي لدول مجلس التعاون الخليجي وبيع أنظمة الأسلحة إلى دول مجلس التعاون الخليجي ككتلة واحدة .
ولم تتم محاولة أي من الجهود السابقة لإنشاء إطار تعاوني يشمل إسرائيل. كان الاحتلال الإسرائيلي واحداً من الأسباب التي عقدت الجهود الخليجية والمساندة الأمريكية لإنشاء دفاع جوي خليجي مشترك.
قامت إدارة ترامب باستكشاف توسيع نطاق ضمانات الناتو الأمنية في الشرق الأوسط وإنشاء تحالف استراتيجي للشرق الأوسط (MESA) مع دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى الأردن ومصر.
ومع ذلك، كان يُنظر إلى هذا التحالف على أنه يخدم فقط المصالح الأمريكية والسعودية في مواجهة إيران. بينما سعت البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لمواجهة إيران، كانت دول المنطقة الأخرى (مصر والأردن والكويت وعمان وقطر) مترددة في المشاركة في إطار أمني معاد لإيران.
خاتمة
الإمارات تحتاج فعلاً إلى معالجة ثغرات الدفاع الجوي للدولة، لتأمين البلاد الأكثر حساسية لهذه الهجمات بسبب أن 88% من السكان ليسوا مواطنين، ومع تزايد التهديد فإنهم سيندفعون للمغادرة ما يؤثر على اقتصاد البلاد بشكل كبير.
لكن سد الثغرات لا يكفي لتأمين البلاد، فهناك ضرورة من قِبل السلطات إلى تجفيف الخلافات الداخلية، ودفع أجهزة المخابرات نحو متابعة التهديدات القادمة من خارج البلاد، بدلاً من ملاحقة الناشطين الحقوقيين والمدونين والمطالبين بالإصلاحات.
فمن المعيب أن تتعرض الدولة للهجوم بعد أسابيع فقط من زيارة طحنون بن زايد إلى طهران ولقاء المسؤولين الإيرانيين، كما هو معيب أن يأتي الهجوم من ميليشيات الحوثي في اليمن التي نحاربهم فيها منذ 2015م، والتي يفترض أن المخابرات عملت على كشف هذا الهجوم قبل حدوثه واستعدت له، خاصة مع تهديدات الحوثيين التي سبقته.
كما من المعيب أن تتلقى الدولة اخطاراً من خارج البلاد قبل الهجوم وليس من مخابرات الدولة أو المملكة العربية السعودية أو دول المنطقة!.