تواصل دولة الإمارات مؤامراتها التخريبية في السودان سعيا لتعطيل ثورته الشعبية ضد حكم العسكر وهو ما يتسبب في زيادة المشهد المتأزم في البلاد وتحويله إلى ميدان تنافس بين عدد من القوى الإقليمية.
وتضغط الإمارات بكافة أدواتها لدعم المجلس العسكري السوداني، بهدف تكرار ما حدث في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، وإعادة إنتاجه مع قوى “إعلان الحرية والتغيير” في السودان، من خلال تصديرها للشارع وكأنها المسؤولة عن الأزمة السياسية الراهنة، عبر وضع العراقيل أمام أي اتفاقات سياسية جادّة تحمل مكاسب مدنية.
واتضح هذا الأمر بعدما أشيع عن التوصل لاتفاق سياسي برعاية الوسيط الإثيوبي، يحمل مكاسب للثوار وتحريكاً للمياه الراكدة في الشارع السوداني، لكنه في الواقع كان مجرد اتفاق سياسي مقرر توقيعه، من خلال رفضه مجموعة من البنود والنصوص التي كانت محل اتفاق خلال الوساطة الإثيوبية.
وفوجئت قوى “الحرية والتغيير” بطلب قادة المجلس العسكري بأن يكون لهم الكلمة العليا في المجلس السيادي بشأن تعيينات القضاء والنائب العام، بعد أن كان دور المجلس يقتصر في هذه الجزئية على توقيع التعيينات وإقرارها فقط.
كما تم الكشف عن بند آخر من البنود التي شهدت انقلاباً من العسكريين، وهو البند المتعلق بإقرار المجلس السيادي للتشكيل الحكومي، المقرر أن يكون الحق فيه لقوى “الحرية والتغيير”.
إذ فوجئ ممثلو قوى إعلان الحرية والتغيير باعتراض العسكريين على ذلك البند، مشترطين أن يكون لهم حق الاعتراض على الأسماء المطروحة وتغييرها إذا لم تحظَ بموافقتهم”.
وطالب القادة في المجلس العسكري الانتقالي باستمرار الولاة العسكريين الذين تم تعيينهم عقب إطاحة عمر البشير، بدعوى أن المرحلة الحالية تحتاج إلى وجود عسكريين على رأس الولايات لضبط الإيقاع وحفظ الأمن والاستقرار، وهو ما ترفضه القوى المدنية، التي تتمسك بضرورة تعيين ولاة مدنيين.
كما أن المجلس العسكري يرغب في التنصل من البند الخاص بحصول قوى “إعلان الحرية والتغيير” على نسبة 67 في المائة من المجلس التشريعي، المقرر تشكيله عقب ثلاثة أشهر من توقيع الاتفاق السياسي.
بالإضافة إلى ذلك، هنالك خلافاً إضافياً انضم إلى تلك البنود، تمثل في تمسك المجلس العسكري بأن تكون الشخصية العامة المقترح انضمامها لتشكيل المجلس السيادي ذات خلفية عسكرية، فيما تمسكت قوى الحرية والتغيير بأن تكون شخصية مدنية.
وقد تمسكت قوى “إعلان الحرية والتغيير” برفض البند الخاص بمبدأ الحصانة المتعلق بقيادات المجلس السيادي، الذي ينصّ على تمتع أعضاء المجلس بحصانة وعدم الملاحقة القضائية أو الجنائية أو اتخاذ أي تدابير بشأن ممتلكاتهم.
ويحاول قادة المجلس العسكري ي ترويج فزاعات الانقلابات العسكرية، من خلال الإعلان عن إحباط محاولات انقلاب، من وقت إلى آخر، لإرهاب الشارع، وخلق ذريعة لتكريس السلطات والصلاحيات في أيديهم خلال تلك المرحلة، حتى يتمكنوا من تفويت الفرصة على قوى المعارضة المدنية من التوصل لمكاسب حقيقية.
ويعتمد قادة المجلس العسكري على الدعم السياسي والمالي والإعلامي المقدم لهم من الإمارات وحلفائها في السعودية ومصر بغرض تعزيز مكانتهم في مواجهة قوى الثورة السودانية.
كما أن الإمارات بدأت تضغط على حلفائها لإقصاء نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، ودوره خلال الفترة المقبلة في السودان، وخصوصاً بعد الأزمات المتكررة التي أحدثتها تصريحاته، وتدهور صورته في الشارع السوداني، بعد مجزرة فض اعتصام القيادة العامة.
وترغب الإمارات في تصدير شخصية عسكرية ليس عليها خلافات للمشهد، بخلاف حميدتي، وتجهيزها لخوض أي انتخابات رئاسية مقبلة، بسبب الأزمات التي أحدثها حميدتي، في الوقت الذي تتمسك فيه السعودية بنائب رئيس المجلس العسكري، مرجحاً أن يكون ذلك بسبب دوره الداعم لها في اليمن.
قالت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية إن الصراع على النفوذ في الشرق الأوسط انتقل إلى القرن الأفريقي، ويتجلى ذلك في إقدام الإمارات وحليفتها السعودية على الاستثمار بشكل كبير في تلك المنطقة الفقيرة من العالم.
وتبرز الصحيفة أن حملة القمع التي يشنها المجلس العسكري في السودان جعلت سياسات التدخل التي تنتهجها دول الخليج خاصة الإمارات في منطقة القرن الأفريقي موضع مراقبة.
وتشير في تقرير مطول إلى أن قادة المجلس أرادوا بفضهم اعتصام المحتجين السلميين أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم بالقوة، إيصال رسالة مفادها أنهم لن يرضخوا للضغط الشعبي من أجل القبول بنقل السلطة إلى المدنيين.
ويتساءل العديد من النشطاء السودانيين هل أعطت بعض دول الخليج -وخاصة السعودية والإمارات- المجلس العسكري الضوء الأخضر لفض الاعتصام؟
وتضيف الصحيفة أنه مع أن السعودية والإمارات تنفيان بشدة علمهما المسبق بفض الاعتصام، فإن تلك العملية أثارت تساؤلات ونقاشات حول دور البلدين في السودان، وسياسات التدخل التي يتبعانها وإنفاقهما مئات الملايين من الدولارات لشراء امتيازات لإدارة موانئ ومرافق بنية تحتية أخرى في دول القرن الأفريقي.
وتنقل عن طبيب سوداني يُدعى سلمان أسامة أن كل المشاكل التي يعاني منها شعب السودان مردها إلى السعودية والإمارات ومصر.
ويضيف أسامة الذي كان يعالج جرحى فض الاعتصام، أن تلك الدول كانت تدعم نظام الرئيس المخلوع عمر البشير “الذي سامنا سوء العذاب، وهم الآن يدعمون” المجلس العسكري أيضا.
وتلفت الصحيفة إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان استضاف في مدينة جدة الفريق محمد حمدان حميدتي نائب رئيس المجلس العسكري قبل عشرة أيام فقط من فض الاعتصام. وفي نفس الأسبوع زار رئيس المجلس الفريق أول عبد الفتاح البرهان أبو ظبي حيث التقى ولي عهدها الشيخ محمد بن زايد.
وتعقب الصحيفة بالقول إن السعودية والإمارات تعقدان الآمال على قادة السودان العسكريين لحماية مصالحهما، ومن بينها إبقاء القوات السودانية ضمن التحالف الذي تقوده الرياض في الحرب على جماعة الحوثي باليمن.
وأشارت إلى ما ورد في تقرير مجموعة الأزمات الدولية من أن السعوديين والإماراتيين “يثقون في قيادة الجنرالات للبلاد عبر عملية انتقال مُسيَّرة من نظام عسكري إلى آخر، وتفادي فترة فاصلة كالتي حدثت في مصر” عام 2011.
وذكرت “فايننشال تايمز” أن المنادين بالديمقراطية في السودان هم “شباب وعلمانيون في جلهم”، بينما ألمح وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير الشهر الماضي إلى أن الرياض تخشى أن تحاول جماعة الإخوان المسلمين اختطاف انتقال السلطة في السودان مثلما فعلت في مصر عام 2011.
وترى الصحيفة أن اهتمام دول الخليج بالقرن الأفريقي ينبع من حرصها على استغلال الأسواق الكبيرة في تلك المنطقة، لافتة إلى مصالح إستراتيجية تتمثل في رغبة تلك الدول في الاستفادة من موارد المنطقة الزراعية وضمان استخدام موانئها ومصالحها الاقتصادية الأخرى.
وطبقا للباحث في معهد بروكينغز بالعاصمة القطرية الدوحة زاك فيرتن، فإن الطفرة التي تشهدها تلك العلاقات السياسية والاقتصادية والإستراتيجية “غير مسبوقة”، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بمنطقتين “تندفعان نحو أن تصبحا منطقة واحدة”.
وتطرقت الصحيفة إلى مصالح الإمارات في منطقة القرن الأفريقي، خاصة إنشاءها قاعدة بحرية في ميناء “عصب” بإريتريا، وتدخلها العسكري في اليمن، وتعهدها العام المنصرم بتقديم عون مالي واستثماري لإثيوبيا.
وبحسبها فإن اندفاع السعودية والإمارات نحو القرن الأفريقي ازداد عقب حصارهما لدولة قطر، مشيرة إلى أنهما طالبتا الدول الأفريقية بالاختيار بين الانحياز إليهما أو إلى الدوحة.
يقول فيرتن إن السعودية والإمارات تهرعان نحو تأمين “علاقات ذات أهمية” مع السودان ومحاولة صياغة الفترة الانتقالية في تلك الدولة.
ويعلق المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين محمد يوسف أحمد المصطفى على ذلك بالقول إن السعوديين والإماراتيين “يريدون استغلال السودان وثرواته وأياديه العاملة وموقعه الإستراتيجي”، مؤكدا أن قيام نظام ديمقراطي في الخرطوم سيجعل من العسير عليهم “تحقيق مآربهم”.