تتورط دولة الإمارات بأدوار تخريبية وعدوانية في عدد من البلدان العربية والإفريقية خدمة لمؤامراتها في كسب النفوذ ونهب ثروات ومقدرات الشعوب.
من تلك البلدان السودان الذي يعد الذهب إحدى أكبر ثرواته، بحيث يُعتَبر البلد الشمال أفريقي أحد أهم مُنتجي المعدن النفيس في القارة السمراء.
وقد ظل بنك السودان المركزي لسنوات لا يمنح السعر المناسب للذهب بجانب احتكاره لفترات طويلة لعمليات شرائه وتصديره مما ساهم في تزايد معدل تهريب وتخزين المعدن النفيس.
واحتكار بنك السودان لشراء وتصدير الذهب وتوفير العملة الصعبة لذلك هو العامل الأساسي لانهيار العملة السودانية، وبدلا من أن يكون الذهب نعمة تحوّل إلى نقمة.
وارتفع إنتاج السودان من الذهب بـمناطق إنتاج شملت 12 ولاية خلال أعوام (2015-2016-2017) بنسبة 20% من 73,4 طنا إلى 93,4 طنا.
وكشف تقرير أداء وزارة المعادن للنصف الأول من العام الماضي 2018 أن إنتاج الذهب خلال النصف الأول من العام بلغ 63 طنا اشترى بنك السودان منها ثمانية أطنان، وبلغ صادر الشركات 1,4 طن، لتصبح جملة صادرات الذهب 10,7 أطنان بقيمة 422.5 مليون دولار.
وأظهر التقرير نصف السنوي ذاته أن ما فُقِد بين الذهب المُنتَج والمُصدَّر والمُصنَّع والمُخزَّن بلغ 48,8 طنا بنسبة وصلت إلى 77% لفاقد الذهب بين منطقة الإنتاج وبنك السودان كمشترٍ، في وقت يُمثِّل فيه صادر الذهب نسبة 37% من إجمالي صادرات السودان بالكامل خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة حسب تقرير وزارة المعادن المذكور أعلاه.
إلا أن لـ “موسى كرامة” -وزير الصناعة والتجارة السابق- مقارنة عقدها بين كمية إنتاج الذهب المُعلَنة من قِبل الحكومة في عام 2015، وهي 70 طنا، وبين المعلومات التي تحصّل عليها والتي أكّدت أن صادر الذهب عبر مطار الخرطوم فقط إلى مطار دبي عبر الخطوط الإماراتية في العام نفسه بلغ 102 طن.
فيما قدَّر خبراء الأمم المتحدة حول السودان -في تقرير صدر في سبتمبر/أيلول للعام التالي 2016- الذهب المُهرَّب من السودان إلى الإمارات في الفترة ما بين 2010-2014 بما قيمته 4,6 مليارات دولار.
ويتفق كلٌّ من “كرامة” و”عبد المنعم الصديق” رئيس غرفة مُصدِّري الذهب مع تقرير خبراء الأمم المتحدة بأن أكبر مُشترٍ فعلي للذهب السوداني هي الإمارات.
ويكشف “كرامة” عن تقديرات الصاغة والمعدنيين للإنتاج الفعلي من الذهب، حيث ارتفع إلى كميات تتراوح بين 230-240 طنا خلال عامي 2017-2018، في وقت كانت فيه الحكومة تتحدث عن إنتاج يتراوح بين 90-110 طن فقط، بمعنى أن الفاقد يتراوح بين 100-130 طنا سنويا، ويشير “كرامة” إلى أن تهريب الذهب يتم عبر كل المنافذ، خاصةً مطار الخرطوم، والذي اعتبره أكبر منفذ تهريب، إلا أن التهريب لمصر عبر الطريق البري أصبح يُشكِّل هاجسا أكبر.
وكشف أفراد من العاملين في أمن النقل الجوي وعمال الشحن والتفريغ وموظفين بالشركات العاملة بالمطار والجمارك، عن وجود شحنات من مخلفات التعدين دخلت المطار معبأة في براميل بلاستيكية على أساس أنها عيّنات رمال في طريقها للتحليل بألمانيا عبر الخطوط الإماراتية.
وقد سبق أن غادرت شحنتان من تلك المُخلفات وصلت كميتها إلى 4 أطنان، وفي المرة الثالثة والأخيرة في أغسطس/آب من العام الماضي كانت المناوبة الليلية قد منعت مغادرة شحنة رمال معتادة عبارة عن طنّين بقيادة ضابط جمارك برُتبة نقيب، حيث ساورت الشكوك ذلك النقيب وطالب بفحصها بالمعمل المركزي للهيئة العامة للجمارك.
وعلى الرغم من أن المستندات الرسمية للشحنة أفادت بأنها عينات رمال تخص شركة تعدين يملك عبد الله حسن أحمد البشير، شقيق الرئيس السابق، أسهمًا فيها، فإنه عندما فُحِصَت عيّنات منها جاءت النتيجة لتكشف أنها مخلفات تعدين بها نسبة عالية من الذهب الخام، وقد نُقِلَ النقيب الذي منع مغادرة الشحنة بعدها إلى إحدى الولايات السودانية الحدودية بعد الواقعة بيومين حسب إفادات زملائه بمطار الخرطوم.
وقد أكّدت “جيهان إلياس”، الناطق الرسمي باسم شركة مطارات السودان القابضة أنه فعلا قد ضُبِطَت الشحنة المذكورة وأُوقِفت وسُلِّمت للأمن الاقتصادي وفق الإجراءات القانونية المُتَّبعة.
كما أورد ثلاثة من عُمّال الشحن والتفريغ الذين تحدّثنا معهم ملاحظتهم لتكرار دخول سيارات كبيرة مُحمَّلة بصناديق عبر إحدى البوابات من الناحية الخلفية للمطار لتقف بالقرب من إحدى الطائرات المستعدة للمغادرة، ثم تُفرِّغ حمولتها تحت حراسة مُشدَّدة وبسرعة كافية قبل المغادرة.
وأُجري تعديل على المادة 57 من القانون الجنائي بإضافة نص جديد حمل عنوان “الإضرار بالاقتصاد الوطني” مفاده أن كل مَن يُهرِّب أو ينقل أي بضائع أو سلع ممنوعة أو مُقيَّدة بقانون أو يقوم بتصديرها أو يشرع في ذلك بقصد المنع والبيع والتحايل أو بتهريبها خارج السودان يُعتَبر مرتكبا لجريمة الإضرار بالاقتصاد الوطني، وحدد التعديل العقوبة بالسجن مدة لا تتجاوز 10 سنوات أو بالغرامة ومصادرة الوسائل المستخدمة في ارتكاب الجريمة.
ويتهم اقتصاديون، مسئولين نافذين في السلطة بالضلوع في تهريب الذهب عبر مطار الخرطوم خصوصا لدولة الإمارات.
ويتحدث رئيس شعبة مُصدِّري الذهب السودانية التابعة للغرفة التجارية -منظمة شبه حكومية- “عبد المنعم الصديق” أن شعبة مُصدِّري الذهب بكامل عضويتها متوقِّفة عن التصدير حاليا بسبب الامتيازات التي تمنحها السلطات السودانية لشركات امتياز محددة مع غض الطرف عن تجاوزاتها في تهريب الذهب.
وفيما يتعلَّق بحصائل الصادرات التي تُودع في بنوك خارجية في مقابل ذلك؛ كانت الحكومة السابقة تحصل مقابلها على شحنات من الدقيق والوقود اللذين تُعاني البلاد من شحٍّ فيهما.
ويُشير “الصديق” إلى أن الغرفة لا علاقة لها بالكميات التي تُصدِّرها شركات الامتياز، وأنها تعلم فقط ما تُعلنه وزارة المعادن من أرقام صادر الذهب وهي أرقام لا تشمل إنتاج شركات الامتياز.
ويبلغ عدد شركات التعدين في السودان 243 شركة، منها 11 شركة امتياز، والعاملة منها فعليا تسع شركات.
وفيما منح البنك المركزي تلك الشركات استثناءات وفقا لمنشور رسمي فإن أن أخطاء صاحبت العقود الموقَّعة، موضحا بأنه رغم أن نصوص المنشور فيها إشراف ووجود للدولة، فإن الممارسة تختلف تماما عن العقود، مما أثَّر بصورة كبيرة على استفادة البلاد من الثروة الذهبية فيها.
والأخطاء المرتكبة أن الدولة لم يكن لها إشراف على ما تُنفقه الشركة في مرحلة ما قبل الإنتاج التجاري والتي تصل إلى خمس سنوات، وتتلقى الدولة فقط ما ترصده أي شركة في فواتيرها دون التأكّد من أن هذا الصرف كان فعليا، ويرى أن هذا يسمح للشركات بأن تُضخِّم صرفها بالفواتير.
كما أن تَعتَبِر الشركات هذا الصرف ديونا على الدولة وتأخذ كل إنتاجها على اعتبار أنه سداد للديون، ويُضيف أن الخلل في مرحلة الإنتاج وفي توزيع الشركة السودانية موظفيها على 73 منطقة إنتاج في حين يوجد 713 موقعا للإنتاج بمختلف الولايات، وبالتالي فإن وجود الدولة ضعيف للإشراف على الكم المنتج فعليا، وهم يأخذون فقط ما تُعلنه الشركات.
ويعاب على الحكومة السودانية توقيعها للعقود التي تمنح شركات الامتياز الحق في تصدير 70% من إنتاجها دون حصول الدولة على حصيلة الصادرات ومن ثم توريدها بالبنوك المحلية.
وهذه النسبة ثابتة على مدى 25 عاما فترة سريان الاتفاقية، ويُفترض أن تتناقص النسبة على اعتبار أن الذهب مورد ناضب، إذ أن هلع الحكومة لتعويض الفاقد من البترول أعمى بصيرتها وسيكون ذلك وبالا على السودان.