تتزايد شواهد جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) في أجهزة الأمن الإماراتية بموجب حالة التطبيع والتحالف بين أبو ظبي وتل أبيب ما سمح للأخيرة بالتغلغل في مفاصل الدولة الخليجية.
وكشفت مصادر دبلوماسية أن السلطات الإماراتية استقدمت عناصر من جهاز “الشاباك” لتوظيفهم لدى جهاز الأمن المحلي، في خطوة قالت إنها “تكرس التمادي في الإضرار بالقضايا العربية ومصالح شعوب المنطقة”.
ووفقا لما أوردته صحيفة “الخبر” الجزائرية، ذكرت المصادر أن السلطات الإماراتية اتفقت مع إسرائيل على استقدام 7 من ضباط “الشاباك” إلى أبوظبي من أجل توظيفهم لدى جهاز الأمن وبأسماء إماراتية لإبعاد شبهة جنسيتهم.
وأضافت أن سلطات أبوظبي اعتمدت هذه الطريقة في توظيف عناصر الشاباك لعدم إثارة سخط الشرفاء من أصحاب البلد وأيضا الجنسيات الأخرى العاملة في الدوائر الحكومية، مع تمكينهم من صفة “مستشار” لإخفاء الطبيعة الحقيقية لعملياتهم.
وتكمن مهمة عناصر الشاباك، بحسب المصادر، في التعاون مع السلطات الأمنية في الإمارات من أجل تكريس سياسة أمنية تخدم أمن إسرائيل بالدرجة الأولى، وتأسيس بؤرة لعمل استخباراتي.
وتروج إسرائيل أن بؤرة العمل الاستخباراتي موجهة لتوفير الحماية للجالية الإسرائيلية المقيمة في الإمارات، والتصدي لارتدادات الزلزال الذي أحدثته معركة طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس في السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023.
وأوضحت الصحيفة أن عددا معتبرا من أفراد الجالية الإسرائيلية المقيمة في الإمارات أصبحوا يتبوأون مناصب ووظائف عليا وحساسة في شركات كبرى وإدارات الدولة، إضافة إلى استقرار عدد لافت من رواد الأعمال والتجارة وقطاع المال.
وتعتبر الإمارات مركزا ماليا تتحكم فيه لوبيات إسرائيلية وتهيمن على القرار الاقتصادي والمالي والتجاري فيها دون علم من سلطات أبوظبي والإسلامية.
واعتبرت الصحيفة أن “مثل هذا التعاون المريب يبعث على القلق، خاصة أن زوار الإمارات تحت أي مبرر أو هدف، وخاصة من الجنسيات العربية والإسلامية التي لا ترحب بمواقف أبوظبي تجاه القضايا العربية والإسلامية المركزية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، سيجدون أنفسهم محاصرين ومحل متابعة أمنية إسرائيلية”.
ويسود في الإعلام الجزائري قلق من الدور الإماراتي في المنطقة منذ فترة، خاصة بعد تطبيع علاقاتها البلد الخليجي رسميا مع إسرائيل.
وسبق لصحيفة “الشروق” الجزائرية أن نشرت قبل أسابيع معلومات عن وجود “تحركات مشبوهة” لملحق الدفاع بسفارة الإمارات في الجزائر، متوقعة أن تنفجر أزمة دبلوماسية بين الجزائر وأبوظبي في أي وقت.
ونقلت الصحيفة عن مصادر، قالت إنها دبلوماسية أجنبية موثوقة، أن الملحق الإماراتي الذي يحمل رتبة عقيد، صرح لأحد الدبلوماسيين، في حضرة نظرائه الأوروبيين، أنه في حال نشوب حرب بين الجزائر والمغرب، فإن بلاده ستقف بكل إمكاناتها مع المملكة المغربية.
كما شن الإعلام الجزائري هجوما شديدا على دولة الإمارات وقال إنها تقود قاطرة التطبيع مع إسرائيل عربيا وتمارس شتى الوسائل لتحقيق هذه الغاية.
وقال توفيق رباحي الكاتب الصحافي الجزائري في مقال تابعته إمارات ليكس، إن لدى الإمارات دورا رئيسيا في التطبيع السعودي الإسرائيلي المحتمل بوساطة أمريكية.
وبحسب رباحي من المفروض أن السؤال الذي في العنوان يُطرح عن دور الولايات المتحدة. لكن الدور الأمريكي في أيّ تقارب إسرائيلي مع الدول العربية ليس جديدا. فهو واضح وموجود منذ الوزير هنري كسنجر وحتى قبله.
وقال إن ما هنالك اليوم أن واشنطن كثّفت جهدها للتقريب بين إسرائيل والسعودية ولو بمنح الرياض تنازلات لم تكن مستعدة لها في الماضي.
وأضاف “لكن القضية عميقة ومعقدة، فلكَي تنجح واشنطن في إقناع المملكة بالتطبيع مع إسرائيل، عليها أن تتودد لها وتُقدّم لها تنازلات كثيرة ومتنوعة”.
وتابع “بيد أن أيّ عمل في هذا الاتجاه يعني التقارب مع نظام متهم بأنه لا يؤمن بالديمقراطية والحريات، وهذا يفضح جهود أمريكا المزعومة لنشر الديمقراطية في العالم”.
ورأى أنه وفوق كل هذا، النتائج غير مضمونة، إذ لا الرياض على استعداد لمجاراة واشنطن في كل شيء (في وجود بدائل مثل الصين وروسيا)، ولا إسرائيل، خصوصا في ظل التحالف العنصري الحاكم حاليا، مستعدة لتقديم تنازلات كبرى للفلسطينيين قد يطلبها السعوديون كثمن للتطبيع.
وقال رباحي “إذا، هو مسعى مكلف وربما خاسر لأي إدارة أمريكية. فمن بقي لجر السعودية إلى قطار التطبيع ومنح إسرائيل هدية العمر التي تحلم بها؟
وأضاف “يبقى بعض العرب والدور العربي يُختصر في دولة الإمارات وبدرجة أقل المغرب”.
وذكر “يتأكد مع الوقت أن موجة التطبيع العربي الجديدة مع إسرائيل تقودها قاطرتان، واحدة في الشرق هي الإمارات، وأخرى في الغرب هي المملكة المغربية”.
وعندما يتعلق الأمر بالسعودية، لا تملك أبوظبي والرباط أيَّ أدوات للضغط المباشر والصريح على الرياض وإجبارها على التقارب مع إسرائيل، خصوصا بعد أن فرّقت قضايا أخرى بين القادة في الرياض وأبوظبي بحسب رباحي.
لكنه أشار إلى أن هناك أدوات وطرق أخرى لا تقل نجاعة لا تدَّخر الإمارات جهدا في اللجوء إليها لبعث رسائل باتجاه الشقيقة الكبرى.
وذكر أن المفتاح الأول في جهود التطبيع العربي مع إسرائيل نفسي. الجوانب النفسية والمعنوية هي أكبر حاجز أمام العواصم العربية الراغبة في التطبيع.
وأهمية هذا العامل جعلت أن مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، ورغم أنها بادرت إلى التطبيع مبكرا، لم تتحرر كليا من الجوانب النفسية والموروث المعنوي تجاه إسرائيل.
لهذا لا ننتظر أن تكون السعودية الاستثناء، العكس هو الصحيح بحكم الوزن الاستراتيجي والمعنوي للمملكة عربيا وإسلاميا. هذا بالضبط ما تشتغل عليه الإمارات.
عودة إلى شهر أيلول (سبتمبر) 2020: في بداية التطبيع الإماراتي الإسرائيلي فوجئ العرب، وحتى الإسرائيليون، بالاندفاع الكبير لأبوظبي نحو إسرائيل، ونحو فعل كل شيء أمام الملأ وبجرأة وجرعة زائدتين.
تعاون أمني صريح واتفاقات تجارية مهمة حتى قبل أن يجف حبر توقيع «اتفاقات أبراهام»، وفود سياحية من البلدين في اتجاه البلدين (بعض الأرقام تفيد أن مليون إسرائيلي زاروا الإمارات منذ التطبيع)، تسابق «مؤثرين» إماراتيين إلى زيارة إسرائيل والترويج لها بمبالغة واضحة، ضغط إماراتي لدفع حكومات عربية أخرى للانضمام إلى الاتفاقيات.. إلخ.
ثم اصطدم الحماس بتفاصيل صغيرة من الداخل السياسي الإسرائيلي والقبضة الأمنية الإماراتية، فاضطرت أبوظبي إلى تخفيف سرعة القطار دون أن توقفه. استمر العمل عبر تلميحات وتغريدات ومقالات لشخصيات عامة إماراتية تُمجّد التطبيع.
آخر هذه المقالات لسالم الكتبي في «جيروزالم بوست» الإسرائيلية الثلاثاء المصادف للخامس من الشهر الجاري، اعتبر فيها أن حسابات السعودية كثيرة ومعقدة عندما يتعلق الأمر بالتصالح مع إسرائيل، وأن إقامة علاقات كاملة مع إسرائيل وإيران يخدم طموحات السعودية بقيادة محمد بن سلمان والمكانة الدولية التي تبحث عنها.
وأكد رباحي أن إصرار أبوظبي على إظهار اندفاعها نحو إسرائيل يحمل رسائل للمتروين والمتأخرين وأبرزهم السعودية، منها أننا تركنا الماضي وراءنا وأن إسرائيل لم تعد مشكلة، وأنكم يمكنكم الاحتذاء بنا وجني المكاسب مثلنا. هل يُثمر الجهد الإماراتي؟ أكيد، لكن بهدوء وبطء.
بالنسبة للمغرب الوضع مختلف نسبيا، لكن الجوهر واحد. لم يشكل العامل النفسي حاجزا كبيرا لأن الأرضية كانت موجودة منذ تجربة التطبيع التي بدأها الملك الراحل الحسن الثاني.
كما أن المسوغات موجودة هي الأخرى ومنها أن يهود المغرب حيثما كانوا جزءا من نسيجه الاجتماعي، وأن المملكة لم تقطع يوما علاقتها بيهودها الذين هاجروا إلى إسرائيل منذ خمسينيات القرن الماضي.
إسرائيل تعمل هي الأخرى بكل طاقتها وأذرعها على إبقاء التطبيع مع السعودية حاضرا يوميا في النقاش العام ووسائل الإعلام. في هذا السياق أفردت صحيفة «جيروزاليم بوست» ثلاثة مقالات على صفحتها الأولى للتطبيع مع السعودية يوم الثلاثاء قبل الماضي.
يحق لإسرائيل أن تتشجع على الاستثمار في «الضغط» على السعودية، خصوصا وهي ترى جدار الفصل بين البلدين يتشقق.. مرة وفد رياضي إسرائيلي يحل ضيفا على المملكة، مرة زيارة ثقافية، ومرة طائرة تقل سياحا إسرائيليين أُصيبت بعطل أثناء تحليقها في المجال الجوي السعودي (مجرد صدفة؟) فاضطرت للهبوط في مطار جدّة.
بالنسبة للمؤسسة السياسية والأمنية في إسرائيل، وبغض النظر عن الخلافات والأزمات الداخلية، السعودية هي الجائزة الكبرى، وتستحق عناء المثابرة والصبر عليها. هناك اليوم خيط رفيع من الود والتواصل بين الرياض وتل أبيب، وهذا أكثر من كاف بالنسبة للمؤسسة الإسرائيلية في الوقت الحالي.
في الظاهر يستعجل الإسرائيليون التطبيع مع العرب بلا استثناء، لكن المخططين منهم وصنّاع السياسات واثقون أن هذا “الخيط الرفيعط هو الطريق الصحيح، وأنها مسألة وقت فقط ويلتحق الجميع بما في ذلك السعودية. واثقون أنهم مثلما انتظروا 75 سنة سينتظرون عشر أو عشرين سنة أخرى لتحقيق أهدافهم من دون ثمن يُذكر كما فعلوا في 2020.