ينظر إلى ديوان المحاسبة في دولة الإمارات على أنه هيئة شكلية ومجرد ستار يخفي به النظام الحاكم فساده ما يجعله مؤسسة تغطي على الفساد بدلا من محاربته رغم ما يثار من بهرجة إعلامية حول دورها.
صرح حارب العميمي رئيس ديوان المحاسبة بأن الدولة تعمل بالمشاركة مع بقية دول العالم على مناهضة الفساد وتجفيف منابعه من خلال سن القوانين والتشريعات وإرساء مبادئ الشفافية والمساءلة وتعزيز أنظمة العدالة الجنائية لملاحقة الفاسدين ومحاسبتهم.
لكن مراقبين يؤكدون أن ديوان المحاسبة الذي نص على أعماله وصلاحياته الدستور تقتصر ولايته وصلاحيته على بعض المؤسسات الاتحادية ولا يستطيع الرقابة على المؤسسات المحلية وهي التي يقول المراقبون إنها تشمل خروقات واسعة من الفساد وعدم الشفافية.
فالعميمي نفسه، ومنذ 2011، يطلق تصريحات للصحافة المحلية ويكررها كل عام، من أن هناك قضايا بمليار درهم فساد، وأنه تم استرداد 200 مليون درهم، ويسكت!
وبحسب “تقرير الثابت والمتحول 2015” الصادر عن مركز الخليج لأبحاث التنمية، فإنه لا توجد في الإمارات جهةٌ مستقلة كلّياً يمكن أن تنشرَ مُعدّلات الشّفافيّة والفساد بنزاهة، ولكن خلال السّنوات الأخيرة اهتمّت الدّولة بكشْف عددٍ من المسئولين المُتّهمين بالفساد المالي والإداري، وقيادات أخرى في القطاع شبه الحكومي، وتمّ تقديم عددٍ منهم إلى المحاكمات.
وأضاف التقرير، كما في باقي الدول فإنّ الفساد في الإمارات يُمارَس بطرقٍ مختلفة، منها الفساد المُباشر، من قبيل تلقّي الرّشاوي، وقد تصاعد معدّل هذه الظّاهرة في السّنوات الأخيرة، وتمّ رصد عددٍ من موظّفي الدّولة، وخاصة في شئون العمل، والهجرة والجوازات، والأمن، والدّوائر الاقتصاديّة، والبلديات.
ومن مظاهر الفساد، وفق التقرير، استغلال المنصب والنّفوذ عبر العقود الخاصة مع مؤسّساتٍ حكوميّةٍ، وبخاصةٍ في قطاعات الإسكان والشّرطة والقوّات المسلّحة، وعقود المُشتريّات والتوريد وغيرها.
وأكد التقرير، هناك تزاوجٌ غير شرعي بين المال والمنصب الحكومي، وهو ما عطّل كثيراً من القرارات الحكوميّة والقوانين إزاء محاربة الفساد، واحتكار الخدمات.
وأفاد التقرير بأن الفساد في الإمارات يتضمّن شقّين: الاتّحادي والمحلّي. وتتضاءل صور الفساد ومعدّلاته في الشّقّ الاتّحادي، وذلك بسبب ارتفاع معدّل آليّات المراقبة والمحاسبة. بينما تزداد حدّته في الحكومات المحلّيّة نظراً لغياب أو ضعف دور المؤسّسات التّشريعيّة والرّقابيّة.
وما يتناقله بعض المستثمرين ورجال الأعمال من قضايا فساد؛ تُشير إلى وجود عمليّات فساد واحتيال غير موثقة، وخاصة في قطاعات البنوك والدّوائر العماليّة والاقتصاديّة والأمنيّة، بحسب التقرير.
ويبقى ما يُعرف ب “الفساد الكبير”، وهو المتعلّق بالنّفوذ السّياسي الممزوج بالاقتصادي، وخاصة فيما يخصّ بأموال النفط وصفقات السلاح والأراضي؛ يبقى هذا الفساد ضبابيّاً، ويفتقرُ إلى المعلومات وجهات المحاسبة المُستقلّة، والتي بإمكانها أداء دور الرّقابة الفعليّة، خلُص التقرير.
في الوقت ذاته فإن من يحاول من المسئولين في دولة الإمارات فضح ما يجرى من فساد مستشري في الدولة فإن مصيره يكون السجن التعسفي أو الاختفاء القسري.
من ذلك ما تم كشفه قبل أيام عن اعتقال السلطات الإماراتية ضابطاً في قواتها، على خلفية كشفه قضايا فساد كبيرة داخل جيش بلاده.
وتقول المعلومات إن قيادات في الجيش الإماراتي اعتقلت العقيد محمد سعيد الزعابي، على خلفية كشفه فساداً داخل المؤسسة العسكرية في بلاده، ليلحق بوالده رئيس دائرة الأشغال السابق بالجيش، والمعتقل بسبب ذات الأمر.
وقبيل اعتقال الضابط، قام بتسجيل مادة صوتية كشف فيها عن أسباب اعتقال والده العقيد الدكتور سعيد الزعابي (رئيس سابق لدائرة الأشغال العامة بالجيش الإماراتي)، مؤكداً أن التسجيل الصوتي سينشر في حال اعتقاله هو أيضاً، وهو ما يرجح حدوث ذلك، بعدما انتشر ذلك التسجيل.
ووفقاً لمقدمة التسجيل، قال الزعابي إنه متوجه إلى “برزة قصر البحر”، في محاولة منه للقاء ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وكشف ما يحدث من فساد داخل الجيش الإماراتي، لكن على ما يبدو أنه فقد اعتقل قبل ذلك.
وأضاف: “أنا سأقوم بتسجيل هذه المعلومات، وفي حال تم اعتقالي أو تم إخفائي، سينتشر هذا المقطع المسجل مباشرة ليعرف الجميع سبب هذا الاعتقال”.
في التسجيل الصوتي الذي يتجاوز النصف ساعة، يقول العقيد الإماراتي محمد الزعابي، إن والده خدم في جيش بلاده 30 عاماً، قبل أن يعتَقل بسبب تلفيق “تهم فساد”.
وأكد أن من يقفون وراء سجن والده، هم رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة الإماراتية الفريق الركن حمد محمد ثاني الرميثي، والعميد الركن حقوقي سالم الكعبي مدير القضاء العسكري المدعي العام العسكري.
ووصف الزعابي هاتين الشخصيتين بأنهما “فاسدون وظلمة، وقاموا باختلاسات كبيرة ونهب لأموال الدولة”، وسط لامبالاة من رئاسة الدولة بالإمارات.
وأضاف: “حاولت أن أصل إلى مجلس الوزراء والمجلس الوطني والديوان الرئاسي وولي العهد ومكتب حاكم دبي، وديوان الشارقة، حتى وصلت لوزارة الدفاع التي تم فيها إرهابي وإخافتي بسبب كشفي للفساد، ومحاولاً إخراج والدي”.
ويقول الزعابي إن والده، الذي كان يدير الأشغال العامة في الجيش، مسجون في السجن العسكري منذ 3 سنوات، واصفاً التهم الموجهة له بـ”الكاذبة”.
ويوضح أن والده خلال توليه منصب رئيس دائرة الأشغال بالجيش الإماراتي، قبل الإطاحة به، كشف عن وجود “اختلاسات كبيرة داخل الجيش وتمكن من إعادة أموال كبيرة إلى خزينة الدولة”.
وأضاف: “حتى المحكمة التي يقومون بمحاكمة والدي فيها هو الذي قام بتخليص شغلها بوقت محدود، بعدما كانت متوقفة عن العمل ببنائها لمدة 5 سنوات”.
وأكد أن رئاسة هيئة الأركان كانت تقوم بأعمال وأشغال بمليارات الدراهم “بدون عقود”، مضيفاً: “المشاريع بدل ما تخلص في سنة تخلص في 10 سنين وبدل ما تخلص في مرحلة تخلص في 40 مرحلة، وعندما جاء والدي لإصلاح هذا الأمر، سجنوه واتهموه بالفساد”.
ويتحدث الضابط الإماراتي عن موقفين حدثا لوالده مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، قائلاً: “التقى الشيخ بوالدي وسأله هل أنت سارق، ورد عليه، أنا ماني بسارق يا طويل العمر، فقال له خلاص روح عند عيالك عفونا عنك، لكن لما طلع من عنده سجنوا والدي، قبل أن يتم الإفراج عنه بعدما كفلناه”.
وأوضح أن والده عاد مرة أخرى إلى ولي عهد أبوظبي، وأخبره بأمر اعتقاله، لكن الأخير لم يعِر أي اهتمام لحديث العقيد الإماراتي، “بل كان يأخذ معلوماته فقط من رئيس هيئة الأركان، وهو ما تسبب في اعتقال والدي مرة أخرى”.
وأكد أن والده مضى على سجنه نحو 3 سنوات، مشيراً إلى أنه كان أحد المشاركين في حرب عدن باليمن التي تم تحريرها من جماعة الحوثيين منتصف 2015، خلال مشاركته مع قوات بلاده التي تخوض حرباً مع السعودية منذ مطلع ذات العام، “ويشهد الجميع على نزاهته وقد منح أوسمة من الحكومة اليمنية والسعودية”.
وفي سياق حديثه، كشف الضابط الإماراتي عن معاناة كبيرة يتعرض لها والده والسجناء داخل السجون العسكرية بالإمارات، مشيراً إلى أنهم يتعرضون لـ”إهانات وإذلال وتجويع”.
وقال: “يقومون بتخفيض الأموال المخصصة للاحتياجات للسجناء في وزارة الدفاع، ويجوعونهم ويهينون المساجين ويرهبونهم، والدي طلع عظامه بالسجن مما يتعرض له”.
وأضاف: “حتى إنهم أرهبوهم وأمروهم أثناء لقائهم بالمحامين بعدم الحديث بأي شيء، ومن باب الترهيب أعطوهم 15 دقيقة فقط، ومن خلف الزجاج والحديث بالتلفون”.
ومن بين ما كشفه التسجيل الصوتي من قضايا فساد قيام رئيس الأركان العامة بالإمارات بسجن مقاول سعودي بجوار والده، واتهامه بفشل تنفيذ مشاريع تم إيكالها إليه، وتقديم رشوة لرسو المشاريع عليه، “رغم أنه كان ينفذ المشاريع بوقتها وبدقة عالية”.
ويقول: “ما أغاظهم من السعودي أنه في إحدى المرات رست المناقصة عليه بسبب أنه قدم عرضاً أقل، بينما كان يريد رئيس هيئة الأركان أن ترسى على خليفة مطر المزروعي مدير شركة الصحراء”.
وتحدث عن واحدة من قضايا الفساد، ويقول: “في إحدى المرات رست على المزروعي مناقصة بـ250 مليون، ورغم ذلك وجه رئيس الأركان بإعطائه 10% زيادة، بمعنى 25 مليون درهم من أموال الدولة”.
ويتحدث الضابط الإماراتي، الذي لم يعرف بعد هل اعتقل أم لا، عن عدد من التهم الموجهة لوالده، والتي كان من بينها اتهامه بلقاء امرأة تعمل في سفارة “معادية”، وإعطائها “فلاش” به معلومات عن المشاريع التي تنفذها بلاده.
كما أوضح أن والده اتهم أيضاً بلقاء نساء وفتيات في أماكن مختلفة، مضيفاً: “عندما لم يجدوا أي تهمة تدينه، اتهموه بشرفه، رغم أنه لا يوجد حتى دليل في ذلك، لكن فقط يريدون تشويه صورته أمام القيادة والشعب”.
ومن بين التهم أيضاً التي قال إنه على “أساسها اكتسبوا شرعية اعتقاله ومحاكمته”، أوضح نجله العقيد محمد الزعابي: “قالوا إنه وقف مناقصة للشيخ منصور بن زايد، وبالأساس المناقصة رست على شركة أخرى غير شركة الشيخ منصور، لأنها كانت طالبة 800 مليون درهم، بينما من رست عليها المناقصة طلبت فقط 500 مليون”.
وأشار إلى أن والده حُكم عليه أيضاً “بهتاناً وظلماً” بدفع 11 مليون درهم إماراتي، بسبب اتهامه باختلاس أموال من الدولة خلال توليه منصبه.
وتعيش الإمارات على وقع فضائح فساد كبرى داخل المؤسسات المختلفة، ووصل كثير منها إلى القضاء، وشاع الحديث عن اعتقال شخصيات وقيادات عسكرية ومدنية، لمحاولتها كشف الفساد المستشري في البلاد.