تقرير: المأزق الإماراتي وفشل محاولة التأثير على سياسة واشنطن
يتورط حكام الإمارات مجددا في مأزق سياسي مجول العواقب بعد انفضاح أمر محاولتهم التأثير على السياسات الأمريكية والتدخل في مسار انتخابات الرئاسة للبيت الأبيض.
وكالعادة تتورط السياسة الخلفية الخارجية لدولة الإمارات بمشاكل هي في غنى عنها، ولا تزيد علاقاتها بدول العالم إلا توتراً، الآن، تذهب الأمور في الولايات المتحدة الأمريكيّة إلى اعتبار الدولة عدواً تتدخل في صناعة السياسة الخارجية لإدارة دونالد ترامب كما تفعل روسيا.
كان اجتماع “سيشل” هو نقطة الارتكاز والبداية التي أوصلت المحققين الأمريكيين إلى فتح ملف للإمارات وتأثيرها على الإدارة الأمريكية الجديدة، وهي الأزمة الأكثر سطوعاً في الولايات المتحدة وفي الغرب. وتعود التفاصيل إلى ابريل/نيسان2017 عندما نشرت واشنطن بوست تقريراً عن اجتماع حضره مسؤولون إماراتيون مع مستثمر روسي مقرب من “فلاديمير بوتين” إضافة إلى “إريك برنس” مؤسس “بلاك ووتر” والمستشار غير الرسمي لفريق “ترامب” خلال فترة الانتقال الرئاسي، في يناير/كانون الثاني 2017.
كان “جورج نادر” وهو سياسي لبناني في الاجتماع الذي حضره في “سيشل” حسب ما أفاد ل”روبرت مولر” المستشار الخاص الذي يحقق في القضية، وحسب “نيويورك تايمز” فقد كان “برنس” ممثلاً لفريق ترامب فيما كان “نادر” ممثلاً عن ولي عهد أبوظبي، مدير الصندوق الروسي للتمويل “كيريل دميتريف”، كممثل عن “بوتين”.
في وقت لاحق أصبح “نادر” زائر دائم للبيت الأبيض باعتباره مستشاراً لـ”برنس”، ونسج علاقاته مع مسؤولين ومقربين من ترامب. وحسب نيويورك تايمز فإن “مستشارا لدولة الإمارات العربية المتحدة له علاقات مع مساعدين سابقين وحاليين ل ترامب يتعاون مع مولر وإنه قدم شهادة الأسبوع الماضي أمام هيئة المحلفين.
لا خروج للإمارات
يبدو أن التحقيقات تنجرف إلى دراسة تأثير النقود الأجنبية على الأنشطة السياسية التي يقوم بها “ترامب” وقام بسؤال الشهود عن إمكانية أن يكون مستشار أبوظبي “جورج نادر” قام بتحويل الأموال من أبوظبي لتمويل الجهود السياسية للرئيس.
ولفتت الصحيفة إلى أن أحد الأمثلة على صلات “نادر” القوية أنه تلقى الخريف الماضي مذكرة مفصلة من “إليوت برويدي” -وهو من كبار المانحين لحملة ترامب- عن لقاء خاص مع الرئيس في البيت الأبيض، مشيرة إلى أن “برويدي” يملك شركة أمنية خاصة تعمل وفق عقود مع الإمارات بملايين الدولارات، وقد تحدث لـ”ترامب” عن قوة شبه عسكرية تطورها شركته من أجل البلاد، وفق تعبيره.
وقالت شبكة (CNN) إن “نادر” زار البيت الأبيض عدة مرات خلال الأشهر الأولى من رئاسة دونالد ترامب.
وكانت صحيفة “واشنطن بوست” قد ذكرت، مطلع شهر مارس/آذار2018 الجاري، أن أربع دول على الأقل، بما فيها الإمارات العربية المتحدة، ناقشت طرقا يمكن بها المساومة على “غاريد كوشنر”، صهر الرئيس الأمريكي.
ووفق الصحيفة، حدث اجتماع نيويورك في ديسمبر/كانون الأول 2016 دون علم مسبق من إدارة الرئيس الأمريكي السابق وقادها ولي عهد أبوظبي- حسب مزاعم الصحيفة- وحضر ما لا يقل عن 3 أعضاء من فريق ترامب بما في ذلك صهره “كوشنر” ومايكل فيلن الذي كان من المقرر أنَّ يصبح مستشاراً للأمن القومي، وستيف بانون مستشار ترامب الاستراتيجي. وبالرغم من أن اجتماع نيويورك وسيشل أصبح علنياً في ابريل/نيسان2017 ولكن الكثير عنها لا يزال غامضا.
وأدلت مستشارة الأمن القومي “سوزان رايس” بشهاداتها أمام الكونغرس الأمريكي في سبتمبر/أيلول2017، وقالت: إن المسؤولين في إدارة أوباما يشعرون بالتضليل من جانب المسؤولين الإماراتيين الذين لم يبلغوا الحكومة الأمريكية بأن ولي العهد سيأتي إلى الولايات المتحدة على الرغم من أنه من المعتاد على كبار الشخصيات الحكومية الأجنبية تقديم إشعار مسبق عن سفرهم هنا”.
الارتباط الإماراتي بروسيا
في عام 2011 قام بوتين بتوظيف “ديمتريف” وهو مصرفي سابق وخريج جامعة هارفارد، لإدارة صندوق استثماري غير عادي مملوك للدولة، ويسعى هذا الصندوق للحصول على استثمارات خارجية، غالبا من حكومات أجنبية، لتمويل مشاريع البنية التحتية غير المألوفة داخل روسيا.
وخلال إدارة أوباما فُرضت عقوبات على الصندوق كجزء من العقوبات التي فرضتها على إرسال روسيا قوات عسكرية إلى أوكرانيا في 2014. الإمارات، التي تعتبر أبرز حلفاء واشنطن العرب، كانت قد استثمرت مبالغ ضخمة في صندوق دميتريف كجزء من الجهود الرامية إلى بناء علاقات وثيقة مع روسيا في أعقاب لقاء الشيخ محمد بن زاي بـ”بوتين” عام 2013، حيث تعهدت أبوظبي باستثمار 6 مليارات دولار في الدفع لبناء مشاريع مثل الطرق، ومراكز علاج السرطان في روسيا.
ومنذ ذلك التوقيت، أًصبح “ديمتريف” زائرا معتادا إلى أبوظبي واستخدمه المسؤولون الإماراتيون كوسيط مع الحكومة الروسية، وفي رسالة بريد إلكتروني عام 2015، وصف السفير الإماراتي في موسكو آنذاك “ديمتريف” بأنه “رسول” توصيل المعلومات مباشرة إلى بوتين.
في نفس الوقت كان “برنس” مسؤولاً عن تجييش قوة عسكرية من المرتزقة لـصالح أبوظبي، والذي أصبح في وقت لاحق واحد من أبرز الداعمين لحملة ترامب الانتخابية بل وممثل له في لقاءات خارجية سرية كلقاء “سيشل”.
“نادر” تحت التحقيق
بينما كان “نادر” يهبط في مطار واشنطن دالاس الدولي في 17 يناير/كانون الثاني في طريقة إلى فلوريدا من أجل الاحتفال بالعام الأول لرئاسة ترامب واجه أول مرة مذكرة استدعاء قضائية كبرى، قاطعاً خططه بالاحتفال، حيث كان مكتب التحقيقات الفيدرالي يستجوبه لأكثر من ساعتين.
ومنذ ذلك الوقت استجوب المكتب نادر عدة مرات حول الاجتماعات التي عقدت في نيويورك “بحضور ولي العهد” واجتماع سيشيل واجتماعاته في البيت الأبيض مع اثنين من كبار مستشاري ترامب هما “كوشنر” الذي تم تقليص صلاحيات وصوله في وقت سابق، وبانون الذي ترك الإدارة في وقت سابق.
محاولات إقالة وزير الخارجية
هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية (BBC) نشرت تقريراً يستند إلى وثائق أن الإمارات مارست ضغوطاً على إدارة ترامب لإقالة وزير الخارجية، “ريكس تيلرسون” بسبب موقفه من الأزمة الخليجية وعدم دعمه موقف أبوظبي ضد قطر.
وكان برويدي الذي يظهر في الرسائل المسربة قد عاد للتو من أبوظبي عندما التقى “ترامب” في البيت الأبيض في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وطالبه بإقالة تيلرسون. وقال برويدي في واحدة من تلك الرسائل: “لقد عرضت أن يزور محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، الولايات المتحدة قريبا جدا، ويفضل عقد اجتماع هادئ في نيويورك أو نيو جيرسي، ووافق الرئيس ترامب على أن لقاءه مع بن سلمان فكرة جيدة”؛ مشيراً إلى أنه قدم النصح لـ”ترامب” بأن: تيلرسون ضعيف ويجب إقالته في وقت مناسب سياسيا.
ما الذي سيحدث لاحقاً؟
طلبت وسائل الإعلام الأمريكية من السفير الإماراتي يوسف العتيبة، الرد على التقارير المنشورة، فكان الرد بكلمة واحدة “لا تعليق”. وهو الأمر الذي يفتح المزيد من الاحتمالات حول الدور الإماراتي في الأزمة الأمريكيّة المتصاعدة في ظل حُمى الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن. فـ”العتيبة” لم ينفِ تلك المعلومات.
في كل الحالات اكتسبت أبوظبي سمعة سيئة للغاية بهذه التقارير، حتى لو ظلت دون الوصول إلى حقيقة كاملة، لكنها في كل الأحوال ستصل، وبمرور الوقت ستبقى الدولة متهمة بالتأثير على سياستها الخارجية في أكبر دولة في العالم من أجل الحصول على مصالحها الإقليميّة وتنفيذ رؤيتها التي تتمحور حول بناء دول استبدادية في الشرق الأوسط وبناء دولة إقليمية لها حضور إقليمي يرتكز على القوة.
في نفس الوقت فانكشاف شبكة من هذا النوع تدعم روسيا -في الأساس- سيتسبب بمشكلات للإمارات على المدى القصير والمتوسط مع الولايات المتحدة، كما أنه خلق عداوة لا داعي لها مع الخارجية الأمريكيّة بعد تداول أن أبوظبي تضغط لإقالة “تيلرسون”.