لم يكن الكشف الأخير عن تعاقد شركات أمنية إماراتية مع مقاتلين سودانيين سوى حلقة أخرى من مسلسل مخزي للدولة التي يمكن تصنيفها بأنها البلد الأول في استيراد المرتزقة لخدمة مؤامراتها.
إذ عمد النظام الإماراتي على مدار سنوات في التعاقد مع مرتزقة من جنسيات مختلقة للانخراط في حروبه وتدخلات العسكرية الخارجية سعيا لكسب النفوذ والتوسع.
وأمس الأحد نظمت عشرات الأسر السودانية وقفة احتجاجية أمام السفارة الإماراتية بالعاصمة الخرطوم؛ احتجاجا على تعاقدات شركة إماراتية مع أبنائها وإرسالهم للقتال في اليمن وليبيا، بدل توظيفهم في الخدمات الأمنية بالإمارات حسب العقود المبرمة.
وتجمع المئات من السودانيين نظموا وقفة احتجاجية أمام سفارة الإمارات، ورفعوا لافتات مكتوب عليها: “لا للارتزاق، لا للدجل، لا للخداع”.
وجاء ذلك بعد أن طالبت أسرة سودانية الحكومة الانتقالية بالتدخل لإعادة ابنها من الإمارات، بعد حجزه في معسكر تدريب لمدة ثلاثة أشهر، عقب خداعه مع مجموعة أخرى للعمل في وظائف حراسات أمنية.
وروى عبد الله الطيب يوسف شقيق أحد السودانيين بالإمارات؛ قصة عشرات السودانيين ممن تعرضوا للخداع للعمل في وظائف حراسات أمنية، قبل أن يُدفع بهم إلى معسكرات تدريب لثلاثة أشهر.
وقال عبد الله “أخبرني شقيقي أنه تم تدريبه في الإمارات على السلاح الثقيل، وتم تخييره بين السفر إلى ليبيا أو اليمن، بعد عرض أموال مجزية عليه”؛ مطالبا بإعادة شقيقه إلى الخرطوم.
ونشرت منصة “واكب” السودانية عبر موقع تويتر نماذج من عقود عمل بصفة حراس لسودانيين في الإمارات، قبل سحب هواتفهم.
وأثارت مناشدة الأسرة السودانية تفاعلا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد انتشار مقطع فيديو لعبد الله الطيب يوسف وهو يناشد السلطات السودانية الوقوف إلى جانبهم.
وفي 25 ديسمبر/كانون الأول 2019، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرا عن تورط أبو ظبي في تمويل نقل مرتزقة للقتال في ليبيا إلى جانب مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وسبق أن كشف آمر غرفة العمليات المشتركة في ليبيا أسامة جويلي أن دولا داعمة للواء حفتر على رأسها الإمارات بدأت تلجأ إلى خدمات شركات، بعضها من روسيا، لتجنيد مرتزقة للقتال مع مليشيا حفتر في ليبيا.
وتداول ناشطون ليبيون على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، صورا لمستندات وخطط عسكرية مكتوبة بخط اليد وصورا شخصية وهواتف نقالة وبطاقات ائتمان مصرفية لمرتزقة من شركة فاغنر الروسية.
كما سبق أن نشرت “إمارات ليكس” أن النظام الإماراتي بدأ بتعليمات من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بنشر مئات المرتزقة الأجانب في ليبيا ضمن مؤامرات أبو ظبي الإجرامية لنشر الفوضى والتخريب في البلاد.
ويتم نقل هؤلاء المقاتلين المرتزقة الأفارقة إلى معسكرات ميليشيات حفتر حليف الإمارات في ليبيا، خاصة في قاعدة الجفرة وسط جنوب البلاد وتحت إشراف مباشر من ضباط إماراتيين.
وعدد كبير من المرتزقة الذي نقلتهم الإمارات من حركة “تحرير السودان”، مزودين بإمدادات عسكرية وصلت إلى قاعدة الجفرة تتمثل في سيارات مسلّحة، ومدافع، وعربات مصفحة استعداداً لإطلاق حفتر المرحلة الثانية من عمليته نحو طرابلس.
كما سبق أن تم الكشف عن وثائق ومعلومات خاصة تكشف استخدام الإمارات للأجواء السودانية في نقل مئات المرتزقة جندهم محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس المجلس العسكري بالسودان من القبائل العربية بدارفور وبعض الدول الأفريقية المجاورة، إلى ليبيا واليمن عبر إريتريا.
وكشفت معلومات خاصة أخرى طبيعة تجنيد حميدتي (قائد قوات الدعم السريع) مئات المرتزقة لصالح الإمارات من القبائل العربية في دارفور.
وتستخدم دولة الإمارات سلاح المرتزقة من عدة جنسيات كسيف مسلط على رقاب الشعوب لتنفيذ مؤامراتها الخارجية كسبا لأطماعها في تحقيق النفوذ المشبوه وتعزيز وهم كسب القوة.
ولسنوات عملت الإمارات على تعزيز جيشها بمرتزقة لتصبح تملك جيشا من المرتزقة يحارب في عدة جبهات خارج حدودها.
ويعزز هذا الجيش من المرتزقة التدخل الإجرامي للإمارات بنفوذها وأموالها ضد ثورات الشعوب العربية وآمالها في حياة أفضل ضمن دورها في تدبير الثورات المضادة لمنع أي مطالب بالحرية والديمقراطية.
وتستعين الإمارات بالمرتزقة منذ سنوات بما في ذلك من يشغلون مناصب عليا في جيشها. إذ يشغل الجنرال ستيفن توماجان منصب القائد العام للقيادة المشتركة لسلاح الطيران في جيش دولة الإمارات.
وتوماجان ليس القائد الأجنبي الوحيد في القوات المسلحة الإماراتية؛ إذ يتولى الأسترالي مايك هندمارش قيادة قوات الحرس الرئاسي في الإمارات، التي تعتبر واحدةً من أفضل قوات النخبة المقاتلة في العالم العربي اليوم، وتنفذ عملياتٍ في اليمن.
وتوظف جميع الجيوش الخليجية العديد من الأجانب، لكن هناك نتيجة عسكرية مختلفة، وأكثر فاعلية في الإمارات، حسب ديفيد روبرتس، الأستاذ المساعد بكلية كينغز كولدج في لندن والخبير في الشؤون الخليجية.
ولدعم طموحاتها العسكرية، فرضت الإمارات الخدمة العسكرية الإلزامية لمدة عام على الرجال بين 18 و30 عاماً في 2014. ثم مدَّدت فترة هذه الخدمة العسكرية إلى 16 شهراً في 2018.
لكن محمد بن زايد استأجر شركة ترتبط بمؤسس مؤسس بلاكووتر، الشركة الأمنية الخاصة إريك برينس، لتكوين قوة من المرتزقة من كولومبيا وجنوب أفريقيا وغيرها من البلدان.
بل إنه جند ضباطاً أمريكيين ليقوموا بإدارة جيشه كما وظف عملاء استخبارات سابقين ليؤسسوا له أجهزة المخابرات التابعة له.
وخلال السنوات الأربع التي سبقت عام 2010 اقتنى من الأسلحة أكثر بكثير مما اقتنته كافة دول الخليج الأخرى مجتمعة، بما في ذلك 80 طائرة إف 16، و 30 مروحية هجومية من طراز أباتشي، و62 طائرة فرنسية من طراز ميراج.
وتلقَّى وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس، قبل انضمامه إلى إدارة دونالد ترمب، الإذن من سلاح مشاة البحرية الأميركي، للعمل كمستشار عسكري للإمارات في عام 2015.
والجنود المرتزقة يأتون للعمل مع الإمارات من دول أفقر، فقد أفادت تقارير بأن أبوظبي تجنِّد أبناء القبائل العربية في تشاد والنيجر، للزجِّ بهم في الحرب في اليمن.
ولكن المرتزقة الكولومبيين مفضلون بالنسبة للجيش الإماراتي، وفقاً لما كُشف في عدة تقارير، منها ما صرح به ضابطان سابقان وخبير أمني لوكالة فرانس برس عام 2015، بأن دولة الإمارات العربية المتحدة أرسلت سراً نحو 300 من المرتزقة الكولومبيين، للقتال نيابة عن جيشها في اليمن.
وقال ضابط سابق في الجيش الكولومبي إن الجنود الكولومبيون معروفون بمهاراتهم القتالية، نظراً لأنهم تدربوا على قتال الميليشيات. الكولومبيون لديهم سنوات عديدة من الخبرة في خوض الحروب.
ويحصل الكولومبيون من قادة القوات الخاصة أو قائدي المروحيات في شركة “بلاك ووتر” على مبلغ 3300 دولار شهرياً، أي أقل بخمس مرات من المبلغ الذي يتلقّاه المتعاقدون الأميركيون، ولكنه يعتبر ثروة بمعايير كولومبيا.
وأضاف الضابط أنه “لم يتم تجنيدهم لخوض مهمات قتالية، بل للقيام بمهام الأمن والحماية. ولذلك فإنهم لا يعتبرون مرتزقة”. ولكن تحول بعضهم لمرتزقة عندما قرَّر نحو 300 منهم “التطوع” للمشاركة في القتال كمرتزقة في جنوبي اليمن، ونشروا في ميناء عدن، بحسب المصدر.