موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحليل/ الإمارات وسياسة حجب المعلومات بالقمع والوعيد

112

كرست الإمارات سياسة حجب المعلومات بالقمع والوعيد عبر إصدارها قبل أيام تعديلات جديدة على “قانون العقوبات”.

وتظهر التعديات الجديدة على أقرب إلى إجراءات إدارية من مواد قانونية تظهر تجريماً واضحاً للدراسات البحثية السياسية والاجتماعية، وتعتبرها أسراراً تخص أمن الدولة.

كما أن هذه الإجراءات الجديدة تقوم بتجريم حتى الاعتماد على مصادر مفتوحة، إذ أنها تشترط أن تكون المعلومات المنشورة تمت بإعلان رسمي؛ لا يسمح حتى بتحليل المعلومات الرسمية وفق ضوابط الدراسات وحرية التعبير والفكر.

إذ أن التحليل -الذي في قد يتوافق أو لا يتوافق مع سياسة الإمارات الداخلية والخارجية- يتم تجريمه أيضاً إذ أن المواد الفضفاضة تمنح صلاحية عالية لتجهيز قرارات الاعتقال والتعذيب حتى إصدار الأحكام السياسية.

وحتى المعلومات المتعلقة بالتحقيقات والمحاكمات وإذاعة أخبار الاعتقال وطرق التعذيب التي تعرضوا لها والاستجواب تعتبر جريمة إذا حظرت “سلطة التحقيق” -جهاز الأمن- أو “المحكمة المختصة” إذاعتها.

وهنا يتساءل مراقبون هل تسمح سلطة تحقيق بإذاعة أخبار عن تعذيب السجناء أو وضعهم في سجون سرية لأشهر عديدة؟.

والتعديلات الجديدة في الواقع تكرس تقويض الإمارات لمهمة الإعلام ومنظمات المجتمع المدني المراقبة وتصحيح خطأ السلطات.

وليس ذلك فقط بل إن التجريم ليس فقط للنشر في وسائل الإعلام بل إن “إذاعتها” تحتمل حتى نشرها على شبكات التواصل الاجتماعي.

والمواد الجديدة تقوم بتجريم حتى الكشف عن معلومات اقتصادية متعلقة بـ”الفساد” و”انتهاك المعايير”، و”الإفلاس”، في خطوات أخرى لوضع الإماراتيين في الظلام عن مستقبل بلادهم وتوقع أوضاعهم المعيشية.

وتعتبر التحديثات على القوانين القمعية مثل قوانين “العقوبات” و”الجرائم الالكترونية” و”مكافحة الإرهاب” طُرق دائمة للتخويف من حرية المعلومات وقمع الأصوات الحرة الإماراتية وغير الإماراتية التي تحاول تشخيص الخلل الحقيقي في سياسة جهاز الأمن داخلياً وخارجياً؛ لكنها في العادة ما تفشل فالصوت الحر لا يمكن حجبه وسيجد طرقه للوصول إلى المعلومات ومواجهة الظلام الذي تخلفه السياسات الأمنية.

وكان أصدر خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات المرسوم بقانون اتحادي رقم 24 لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 1987، بإصدار قانون العقوبات والمنشور في العدد الأخير من الجريدة الرسمية.

ونص المرسوم في مادته الأولى على استبدال نصوص المواد أرقام 82، و201 مكرر 9، و225 مكرر، و234 و237 و257 من القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 1987 بشأن قانون العقوبات، وذلك بالنصوص الآتية.

تخفيف عقوبة الجناة في حال التعاون مع الأمن

وأبرز التعديلات كانت في المادة 201، إذ نصت على أنه «استثناءً من أحكام المادة 201 مكرر6، تحكم المحكمة بناءً على طلب النائب العام أو من تلقاء نفسها، بتخفيف العقوبة أو استبدالها بالغرامة التي لا تقل عن 100 ألف درهم، ولا تجاوز 10 ملايين درهم، أو الإعفاء منها، عمن أدلى من الجناة إلى السلطات القضائية أو الإدارية بمعلومات تتعلق بأي جريمة، ماسة بأمن الدولة الخارجي أو الداخلي، أو الجرائم التي تعتبر من الجرائم الماسة بأمن الدولة، في القوانين العقابية الأخرى متى أدى ذلك إلى الكشف عنها أو عن مرتكبيها أو إثباتها عليهم أو القبض على أحدهم».

وأضافت المادة: «يكون للنائب العام وحده دون غيره أن يطلب من المحكمة المنظورة أمامها الدعوى، إعمال حكم الفقرة السابقة في غير الحالات المنصوص عليها فيها، إذا تعلق الطلب بالمصلحة العليا للدولة أو بأي مصلحة وطنية أخرى، فإذا صدر حكم في الدعوى جاز له أن يقدم الطلب إلى المحكمة التي أصدرته قبل التنفيذ أو أثناء التنفيذ».

ورأى ناشطون أن هذه المادة قد تشجع الجناة في مختلف الجرائم الخطيرة على الاستمرار في جرائمهم عندما يعلمون أنهم يتمكنون من تخفيف عقوباتهم في حال أدلوا بمعلومات أمنية. وتنبع خشية الناشطين من تعريف الجرائم الماسة بأمن الدولة وليس من هذه المادة بحد ذاتها، كون القضاء والتشريعات في الدولة تعتبر المقال أو الموقع الإخباري أو المركز البحثي تهديدا لأمن الدولة.

فعندما تكون جريمة الجناة خطيرة ولكن معلومات لديه عن موقع إلكتروني إخباري مثلا، قد يخفف عقوبته فإن المعادلة تكون مختلة بحسب تعبير الناشطين. الناشطون لم يتحفظوا في اعتبار أن هذه المادة قد تساعد على انتشار الجريمة لا منح الجناة فرصة للتخفيف عن أحكامهم فقط، على حد تقديرهم.

كل شيء في الإمارات بات سرا

أما المادة (170) فقد اعتبرت سراً من أسرار الدفاع عن الدولة

أولاً: «المعلومات العسكرية والسياسية والاقتصادية والصناعية والعلمية والأمنية والمتعلقة بالأمن الاجتماعي أو غيرها بالمعلومات التي لا يعلمها بحكم طبيعتها إلا الأشخاص الذين لهم صفة في ذلك والتي تقتضي مصلحة الدولة أن تبقى سراً على من عداهم».

ثانياً «المكاتبات والمحررات والوثائق والرسوم والخرائط والتصميمات والصور والإحداثيات، وغيرها من الأشياء التي قد يؤدي كشفها إلى إفشاء معلومات مما أشير إليه في الفقرة السابقة والتي تقتضي مصلحة الدولة أن تبقى سراً على غير من يناط هم حفظها أو استعمالها».

ثالثاً: الأخبار والمعلومات المتعلقة بالقوات المسلحة ووزارة الداخلية والأجهزة الأمنية وتشكيلاتها وتحركاتها وعتادها وتموينها وأفرادها، وغير ذلك مما له مساس بالشؤون العسكرية والخطط الحربية والأمنية ما لم يكن قد صدر إذن كتابي من السلطة المختصة بنشره أو إذاعته.

رابعاً «الأخبار والمعلومات المتعلقة بالتدابير والإجراءات التي تتخذ لكشف الجرائم المنصوص عليها في هذا الفصل وضبط الجناة وكذلك الأخبار والمعلومات الخاصة بسير التحقيقات والمحاكمة إذا حظرت سلطة التحقيق أو المحكمة المختصة إذاعتها».

كما نصت المادة (255) الفقرة الثانية على: «تكون العقوبة والسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات إذا اقترنت أو ارتبطت بجريمة تزوير أو استعمال محرر مزور أو صورة مزورة لمحرر رسمي ارتباطاً لا يقبل التجزئة».

وفيما أيد ناشطون اعتبار “معلومات” القوات المسلحة سرا من أسرار الدفاع عن الدولة، أثار دهشتهم اعتبار “الأخبار” حول جهاز الأمن أو وزارة الداخلية أو أي جهة في الدولة هو من أسرار الدفاع، والتي يواجه المتهمون في إفشائها عقوبات مشددة.

فالقضاء قد يعتبر نشر هذا الخبر عن المرسوم إفشاء لأسرار الدولة، كونه تناول خبرا فيه إشارة للقوات المسلحة وجهاز الأمن.

ناشطون حقوقيون أكدوا أن هذا التشديد سوف يمس بصورة أكبر في الحريات بالدولة وحرية التعبير والتي هي تعاني أصلا بصورة كبيرة، دفعت منظمات حقوقية اعتبار دولة الإمارات أنها “غير حرة”، واحتلت المرتبة 120 من أصل 160 دولة في العالم على مؤشر حرية التعبير.

ويخشى ناشطون أن يشهد القضاء في المرحلة القادمة مئات الحالات التي سينظر فيها نظرا لتوسيع نطاق أسرار الدولة من معلومات بحثية أو غيرها واتهام أي شخص بالتجسس كما حدث مع الأكاديمي البريطاني مؤخرا وحكم بالمؤبد بزعم التجسس كونه يجمع معلومات وبيانات لأطروحة دكتوراة، قبل أن يفرج عنه بعد ساعات من حكم المؤبد إذ ورط القضاء وجهاز الأمن الدولة بأزمة حادة مع بريطانيا.

ويتوقع المراقبون أن التعديلات هذه سوف تزيد من هذه النوعية من المشكلات بما يضيق هامش الحريات الأكاديمية والبحث العلمي في الإمارات والمتدهور أصلا منذ سنوات.