يجمع مراقبون على أن دعم دولة الإمارات ميليشيات قوات الدعم السريع في السودان يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمؤامرات أبوظبي لنهب الموارد الزراعية والمعدنية الهائلة التي تتمتع بها الدولة الأفريقية.
وفي حين قدمت الإمارات 70 مليون دولار لوكالات الأمم المتحدة لمعالجة الأزمة الإنسانية المتفشية في السودان ، تشير الأدلة المتزايدة إلى أن أبوظبي تقوم أيضًا بتسليح قوات الدعم السريع في صراعها المميت مع القوات المسلحة السودانية.
وأبرز تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، أن الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع يستمر على الرغم من الخسائر الإنسانية الهائلة التي يتكبدها الشعب السوداني، حيث يواجه أكثر من 750 ألف شخص خطر المجاعة، ويقتل ما لا يقل عن 15 ألف شخص، ويهجر أكثر من 10.2 مليون شخص.
ويرى خبراء ومراقبون أن جزءاً من دوافع الإمارات لتمويل الأعمال العدائية المدمرة هو ضمان وصولها إلى الأراضي السودانية والموانئ البحرية والموارد المعدنية والزراعية، بما في ذلك الثروة الحيوانية والمحاصيل.
وقال أمجد فريد الطيب، المحلل والمساعد الكبير السابق لرئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، إن “قوات الدعم السريع هي يد الإمارات في السودان”.
وأشار الطيب إلى أن الإمارات تسعى إلى الحفاظ على الوجود المؤسسي لقوات الدعم السريع في السودان لضمان استمرار نفوذها على الساحة السياسية السودانية وبقاء استثماراتها طويلة الأمد في البلاد سليمة.
وتعود الاستثمارات الزراعية لدول الخليج في السودان لمعالجة انعدام الأمن الغذائي إلى سبعينيات القرن العشرين.
وتستورد الإمارات 90% من غذائها، حيث تعاني من ندرة المياه وقلة أراضيها الصالحة للزراعة.
وبحسب رينيه فيلف، المؤسس المشارك لشركة Grain، فإن الاستثمارات الزراعية الكبرى التي قامت بها دولة الإمارات في السودان في الآونة الأخيرة تركز على الأعلاف الحيوانية (البرسيم بشكل أساسي) والمحاصيل والثروة الحيوانية.
ومن الصعب تحديد حجم الصادرات من السودان إلى الإمارات بسبب انتشار شبكات التهريب وطرق التجارة غير المشروعة.
تسيطر الإمارات على العديد من الأراضي والعمليات الزراعية في السودان. تقوم الشركة القابضة الدولية (IHC)، أكبر شركة مدرجة في الإمارات العربية المتحدة، وشركة جنان للاستثمار بزراعة أكثر من 50 ألف هكتار في السودان. يغطي مشروع أبو حمد الزراعي 162 ألف هكتار أخرى من الأراضي المزروعة.
أبو حمد هو مشروع زراعي ضخم تقوده شركة تنمية الصادرات الزراعية بالشراكة مع مجموعة دال، أكبر شركة خاصة في السودان. سيربط هذا المشروع المنطقة الزراعية بميناء جديد على البحر الأحمر، ميناء أبو أمامة، الذي تم بناؤه وتشغيله بواسطة مجموعة موانئ أبوظبي.
وسيكون للسودان الحق في الحصول على 35 بالمائة من أرباح الميناء البحري.
وسيسمح ميناء أبو عمامة للإمارات العربية المتحدة بفرض سيطرتها على الأراضي السودانية وطرق التجارة، ولعب دور حاسم في استراتيجياتها العسكرية والأمنية واللوجستية.
استثمرت الإمارات مبلغًا أوليًا قدره 6 مليارات دولار في المشروع.
وقال أبو بكر عمر، الخبير السوداني في أنظمة الغذاء والزراعة: “إذا ضخت الإمارات هذا المبلغ من المال، فعليها أن تضمن عدم إهداره. وهذا يتطلب وجود حلفاء وشركاء أقوياء على الأرض”.
وأضاف الطيب أن الاستثمارات الإماراتية في السودان واجهت مقاومة مستمرة من السكان المحليين بسبب رفض أبوظبي الدخول في مشاريع ذات منفعة متبادلة.
وذكر الطيب، الذي يشغل حاليا منصب زميل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن الإماراتيين فضلوا نهب ثروات الأرض، وعندما فشلوا في الاستيلاء على الأرض، بدأوا في الاستعمار المباشر، باستخدام قوات الدعم السريع، وقد حدث هذا في ظل غطاء الإفلات من العقاب الذي يتمتعون به من المجتمع الدولي.
وتشير التقارير إلى أن المملكة المتحدة حاولت قمع التدقيق في دور الإمارات العربية المتحدة في السودان. وفي يونيو/حزيران، أفاد تقرير لصحيفة الجارديان أن وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية ضغطت على دبلوماسيين أفارقة لمنعهم من انتقاد الإمارات العربية المتحدة.
وعندما يتفاوض القطاع الخاص الإماراتي بشأن الاستثمارات، فإنه يتعامل مع القطاع الخاص السوداني والسلطات المحلية. وقال عمر، الخبير السوداني، إن قوات الدعم السريع، المعروفة بتجاهلها لحقوق الإنسان، أصبحت “خيارًا عمليًا” للمستثمرين الأجانب.
وفي السنوات التي سبقت الحرب، رفضت الحكومة السودانية عدة محاولات إماراتية للتفاوض على صفقات زراعية في السودان بسبب الشروط غير العادلة، كما قال خبير سوداني آخر شريطة عدم الكشف عن هويته.
وكانت هذه الشروط تنطوي على أرباح كبيرة للإمارات ومكاسب ضئيلة للمجتمعات المحلية، مما يسلط الضوء على نهج الإمارات الاستخراجي.
وقال عمر “شرعية الحكومة السودانية تراجعت في السنوات القليلة الماضية. الثقة في قدرة القطاع العام على التنفيذ منخفضة. أحد أسباب الحرب هو أن آلة قوات الدعم السريع أصبحت كبيرة جدًا. وصلت قوات الدعم السريع إلى مستوى من العمليات يتجاوز تلك التي تقوم بها الحكومة السودانية”.
وأضاف أن “ما يمكن أن تحصل عليه الإمارات من قوات الدعم السريع هو ضمانات بالذهب والإنتاج الزراعي في المستقبل. قوات الدعم السريع هي جهة فاعلة تتمتع بقدر أعظم من القوة في التنفيذ، لأنها لا تولي أي اعتبار للعلاقات العامة أو حقوق الإنسان”.
وأوضح أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، أن استراتيجية الإمارات العربية المتحدة في السودان تقوم على “الاستثمار العقاري”، ويتضمن هذا النهج شراء الأراضي بهدف التنمية المستقبلية.
وقال دي وال: “تقوم الإمارات العربية المتحدة بتأجير الأراضي على نطاق واسع: وقد يكون ذلك أقل بسبب الاعتبارات الغذائية قصيرة أو متوسطة الأجل، وربما يكون أكثر بسبب الاستيلاء على الأراضي وتكوين بنوك الأراضي. وبمجرد حصولها على إمكانية الوصول إلى مساحات كبيرة من الأراضي، يمكنها استيعاب الخسائر قصيرة الأجل مع الاحتفاظ بأصول طويلة الأجل”.
وأضاف الطيب أن طموح الإمارات للسيطرة على الموانئ البحرية لأسباب لوجستية ليس جديدا، فقد سعت لتحقيق أهداف مماثلة في اليمن وجيبوتي والصومال، من بين دول أخرى.
وأوضح أن “شواطئ البحر الأحمر السودانية هي مفتاح المرور لأكثر من 60% من التجارة الدولية، ومن خلال تأجيج عدم الاستقرار في السودان، فإن الإمارات لديها فرصة للسيطرة على هذه الشواطئ”، مشيرا إلى أن الإمارات تسعى في نهاية المطاف إلى السيطرة على الموانئ البحرية السودانية لأغراض تجارية.
وأضاف أن السودان يمتلك أكثر من 700 كيلومتر من السواحل غير المستغلة على طول البحر الأحمر.
كما أن دعم الإمارات لقوات الدعم السريع لحماية نفوذها التجاري والسياسي في السودان أمر بالغ الأهمية لطموحاتها في لعب دور رئيسي في النظام الغذائي العالمي.
وتسعى أبوظبي إلى أن تتصدر مؤشر الأمن الغذائي العالمي بحلول عام 2051.
وفي عام 2018، وقعت الإمارات على اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، مما يوفر الدعم اللوجستي للعديد من البلدان “لتعزيز” التجارة الأفريقية على المستوى الدولي.
ولتحقيق هذه الغاية، تحتاج الإمارات إلى تطوير شبكة عالمية من العمليات الزراعية مع إمكانية الوصول إلى الموارد الحيوية مثل المياه والأرض، فضلاً عن طرق التجارة الآمنة عن طريق البحر والجو والبر.
في هذه الأثناء، يستمر العنف، ويظل المجتمع الدولي صامتا بشأن الصلة المزعومة للإمارات العربية المتحدة بسفك الدماء الذي تسببت فيه قوات الدعم السريع في السودان، بما في ذلك عمليات القتل الجماعي والاغتصاب والعنف الجنسي.