تظهر الإمارات نفسها كجزء رئيسي في مشروع تهافت التأهيل العربي للنظام السوري عبر إعادة العلاقات الرسمية معه وغض النظر عما ارتكبه من جرائم حرب مروعة بحق شعبه على مدار سنوات.
وأعادت الإمارات قبل أيام إعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق وسط انتقادات عربية واسعة وتأكيد على سنوات من العلاقات الرسمية بين أبو ظبي والنظام السوري.
يأتي ذلك فيما تتدافع الآن قوى إقليمية ودولية لملء الفراغ الأميركي بعد قرار ترامب الانسحاب من سوريا عسكرياً،بينما تتسابق أنظمة خليجية للإمساك بالنظام والاعتذار عن خطيئتهم.
وفي وقت يطالب فيه الجمهوريون في الكونغرس الأميركي الرئيس دونالد ترامب بجلسة استماع بشأن الانسحاب من سوريا، يسارع العرب إلى تطبيع علاقتهم مع النظام، بذريعة “تعزيز الدور العربيّ وتفعيله من أجل الحفاظ على استقلال سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها ومنع مخاطر التدخّلات الإقليمية في شؤونها الداخلية، بما يعزّز الأمن والاستقرار فيها، ويحقّق للشعب السوري الشقيق طموحاته في السلام والتنمية والتقدّم”، متناسين أن أي دور عربي لا تسنده قوة على الأرض لا يعني شيئاً ألبتّة في ساحة الصراع المتأجّج إقليمياً ودولياً.
وبينما يتابع الأتراك مع الروس بحث الانسحاب الأميركي من شرق الفرات، لتوقيع تفاهمات حول مختلف المناطق، عزّز الإيرانيون ووجودهم وتمدّدهم.
أما العرب فيطبلون ويزمّرون لقطع الطريق على تركيا التي لن تتحرّك من دون تنسيق مع الروس (أو حلف أستانا)، على الرغم من ادّعاء الأميركان منح تركيا الدور الذي طلبته بعد الانسحاب. وتركيا تريد تحقيق ما لا تخفيه في حماية حدودها وأمنها القومي بمنع قيام كانتون كرديّ معادٍ لها، قوامه منظمات تصنّفها إرهابية.
أعلن ترامب من العراق أن قواته المسحوبة من سوريا ستتمركز في العراق، وأنه سيحارب في سوريا انطلاقاً من العراق، وهذا يعني أنه سحب قواته من دون أن ينسحب.
قراءة العرب المتأنّية تطوّرات الملفّ السوريّ أوصلتهم إلى استنتاج أن تهميش الدور العربي في كل ما يدور حول سوريا كان سلبياً، بل إن مراجعاتهم سياستهم تجاه القضية السورية بيّنت خطأ القرار العربي، وعدم صواب ما حدث بإبعادهم النظام عن جامعة الدول العربية، فتداركوا الخطأ بالهجوم نحو دمشق، تفعيلاً للدور العربي، ولقطع الطريق على القوى الإقليمية المتنافسة والمتصارعة، أي إيران وتركيا، وكأنهم يحرّرون دمشق من مليشيات إيران وحزب الله والحرس الثوري الإيرانيّ، بموازاة قلقهم من التمدّد التركيّ في الشمال وشرق الفرات، فيستعيدون دورهم في مساندة النظام، لا الشعب السوري، ويعلمون أن ما يُرسَم استُبعد منه السوريون قبل العرب، وأن ما سيكون يقرّره الأقوياء لا مَن يعملون في السياسة على طريقة “المجاكرة”، إذ أنهم يقرأون سوريا قراءة كيديّة بالأتراك من جهة، ومَن يعارض النظام السوريّ، وأوّلهم السوريون، من جهة أخرى.
وبذلك يقلبون مواقفهم من كلا الطرفين نظاماً ومعارضة، لإعادة تموضعهم على سكّة قطار الحلّ السوري، المنطلق بتسارع من يخاف أن يتراجع ترامب عن قراره. وهو ما يعبّر عنه تهافت العرب من تونس إلى السودان إلى الإمارات ومصر ولبنان، لإعادة النظام إلى الحاضنة العربية والقرار العربي، وعدم تركه فريسة لأطماع الطامعين، وإبعاد مخاطر التدخّلات في سوريا، وكأن ملء الفراغ الأميركيّ يكون باحتضان النظام، الذي يحتاج توافقاً عربياً يعملون على تحقيقه.
ويبحث هؤلاء الآن عن مبرّرات لتسويغ هرولتهم للخروج بقرار لجامعة العربية العربية بإعادة النظام، ويتناسون القرارات الأمميّة التي اشتغلوا على تفعيلها، لتكون سيفاً مصلتاً ضدّ النظام وداعميه، ولتصبح طريقاً للسوريين يتخلّصون بها من نظام الاستبداد الطائفي، ويضربون صفحاً عن اتفاقيات خفض التصعيد وسوتشي التي أرادها الروس لإغراق السوريين بدمائهم، وإعادتهم بعد كل هذا الدمار والشتات إلى سطوة من قاموا ضده معتذرين صاغرين، وكأنهم لا يُسقطون مسار جنيف وحسب، بل يركنون للقرار الأميركي بتسليم القياد للروس في سوريا، فيصطفون في الرتل انتظاراً لتعليمات الكرملين.
ذلك كله بينما تتصارع قوىً إقليمية ودولية في سوريا وعليها، فتُعاد الاصطفافات والتحالفات والتفاهمات والتوازنات بين الجميع، لا يرى أصحاب القراءة المتأنّية سعي وحدات حماية الشعب الكردية وتوسّلها التحالف مع أية قوة تظلّلها بعد أميركا، بدءاً من النظام، مروراً بالأوروبيين، ووصولاً إلى روسيا، ولا يدركون حركة إيران على الأرض وسطوتها إيديولوجياً وعسكرياً، ولا يعرفون الدور الإسرائيلي وشروطه وقدرته على امتلاك المبادرة.
يتم ذلك ليس لتغيير قواعد الاشتباك العسكري وحسب، بل قواعد اللعبة السياسية برمّتها، ولا يرون مدى الدمار والخراب الذي يعملون لاحتضانه لمنع مخاطر تفتيت سوريا، ووقف تراجع الموقف العربيّ تجاه سوريا لأنهم يرون في تأهيله العربيّ، طريقاً لإعادة النظام للمجتمع الدوليّ مشذّباً مهذّباً يليق أن يكون عنصراً كامل العضوية، وكأن ما حدث لم يحدث، وكأنهم بتهافتهم لتأهيل نظام القتل والتدمير، قد منحهم الشعب السوري تأشيرة الكلام باسمه، والعمل على تحريره من كل الاحتلالات التي جلبها لتتصارع في وطنه، وتحصيل حقوقه وتحقيق أحلامه في الحرّية الكرامة.