حذر مركز دراسات دولي من أن اليمن مهدد بالتقسيم بفعل مؤامرة دولة الإمارات التي تدعم الانفصاليين وتبريد تأمين نفوذا إقليميا لها في البلاد التي مزقتها سنوات من الحرب.
وقال مركز “ستراتفورد” الأمريكي إن المملكة العربية السعودية تدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، بينما تدعم الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يريد انفصال الجنوب عن بقية اليمن.
وذكر المركز أنه على الرغم من أن الإماراتيين سيرحبون اسمياً بوقف إطلاق النار على مستوى البلاد، فمن غير المرجح أن يتخلوا عن دعمهم لحلفائهم الجنوبيين بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي.
وأشار إلى أن المجلس الانتقالي سيؤدي هدفه المتمثل في الحكم الذاتي والاستقلال إلى تقويض استدامة وقف إطلاق النار وتحقيق السلام في اليمن بل والدفع بتقسيمه.
وذكر المركز الأمريكي أنه على المدى الطويل، إذا كان هناك وقف لإطلاق النار بين السعودية والحوثيين ثم محادثات بين الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي والإماراتيين، فقد يؤدي ذلك إلى حصول المجلس على الحكم الذاتي أو الاستقلال.
وسيؤدي إلى ذلك إلى فقدان الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والمدعومة من السعودية الشرعية والدعم دون تدخل الرياض في اليمن.
ولفت إلى أن الولايات المتحدة تضغط من أجل عقد اجتماع ثلاثي مع السعودية والإمارات؛ لأنها تشعر بالقلق من أن الخلافات بين جيران الخليج يمكن أن تقلب جهودها لتأمين اتفاق سلام دائم في اليمن
والمبادرة الأمريكية التي يقودها مبعوثها إلى اليمن تيم ليندركينج، يمكن أن تؤدي إلى محادثات في وقت مبكر من هذا الأسبوع على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وبحسب مركز ستراتفورد، فإن الولايات المتحدة تحاول التوسط من أجل تحقيق تحالف استراتيجي بين السعودية والإمارات في اليمن؛ لتعزيز فرص التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.
لكن لا يزال من غير المرجح أن تتخلى أبوظبي عن حلفائها في المجلس الانتقالي الجنوبي أو مجال نفوذها الذي يعد محركا للصراع بين الشمال والجنوب.
ويجمع مراقبون على أن استراتيجية دولة الإمارات تقوم على تدمير اليمن ودفعه إلى التفتيت والتقسيم مقابل أبوظبي كسب النفوذ المشبوه.
وبحسب المراقبين فإن تجارب السلطة في اليمن، سواءً في الشمال أو في الجنوب، أنتجت مراكز نفوذ متعددة، قبلية وجهوية، احتكرت امتيازات السلطة.
وإن التحولات التي شهدها اليمن طوال العقود الأخيرة، غيرت إلى حد كبير خريطة النفوذ التاريخية، وسماتها أيضاً، وكذلك نطاقاتها الجغرافية.
إذ صعدت مراكز نفوذ جديدة من أطراف الحرب والطبقات الاجتماعية والاقتصادية المتكسبة التي تدور على هامشها، وتتغذى على قنواتها إلى جانب مراكز النفوذ المتحولة التي ضمنت موقعها في سلطات الحرب وشبكاتها.
فقد فككت الحرب البنى الاجتماعية والسياسية، وكذلك الاقتصادية، المستقرة، كما فتتت مركز السلطة التاريخي، ممثلاً بنظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، كثقل سياسي واجتماعي واقتصادي مهيْمن، بحيث أزاحت مراكز النفوذ القديمة بطبقاتها ونخبها وقلصت امتيازاتها.
كما أن صعود أطراف الحرب، وتحولها إلى سلطات أمر واقع، جعلها تحتكر مصادر القوة بحيث أصبحت مراكز نفوذ صاعدة، أسفر عنه تشتيت السلطة، وكذلك نقل ثقلها وامتيازاتها من المركز إلى نطاقاتٍ جغرافيةٍ واجتماعية جديدة.
وأنتج ذلك خريطة نفوذ تشكل أطراف الحرب مركزها، كما تولد من أشكال الديناميكيات وتبادل المنافع بين سلطات الحرب وشبكة تحالفاتها تصعيد متنفذين جُدد، إلى جانب استراتيجية المتدخلين التي عملت من خلال دعمها الاقتصادي والسياسي إلى تصعيد قوى نفوذ موالية لها.
ومن ثم في مقابل تقويض نظام الرئيس صالح وفقدان مراكز النفوذ القديمة موقعها التاريخي كقوى تحتكر امتيازات السلطة، تعددت مراكز القوى النافذة في الحرب التي سعت إلى وراثة أدوات صالح، وتحديدا الاقتصادية، من التنافس على الامتيازات التجارية والمالية وعقود الاستيراد والتصدير، وإن استطاع قطاعٌ واسعٌ من مراكز نفوذ صالح إعادة توطين مصالحه في سلطات الحرب.
ويعيد الاقتصاد المنفلت في الحرب رسم خريطة مراكز النفوذ الصاعدة، على اختلاف هوياتها السياسية، ويتحول السياسي، ممثلاً بسلطات الحرب، إلى قوى رئيسية في شبكة النفوذ، تديرها وتنتج أقطابا أخرى عبر تحالفاتها المحلية.
ففي المناطق المحررة، يتفاعل التشظي السياسي، على مستوى السلطة، في توليد اقطاب متعددة لمراكز النفوذ، تختلف من نطاق جغرافي إلى آخر تبعاً للسلطة المحلية والقوى الاجتماعية التي تمثلها والامتيازات التي تمنحها لشبكة تحالفاتها.
هذا إلى جانب المتغيرات التي انتجتها الحرب والتي تتقاطع مع سقوط الدولة، والسلطة المركزية، والذي أدى إلى أن تقتسم وظائفها القوى المهيمنة على الأرض، التي احتكرت إدارة العمليات الاقتصادية ضمن نطاقاتها المحلية لصالحها ولصالح الطبقات الموالية لها.
وهو ما أدى إلى نشوء مراكز نفوذ متعددة، إضافة إلى قوى النفوذ الوافدة من العاصمة صنعاء، وإن انحصرت في المناطق التي تُهيمن فيها قوى متحالفة مع نظام صالح، فضلا عن مراكز النفوذ المحلية القديمة التي استطاعت حماية مكاسبها، سواء بتغيير ولائها السياسي، أو ترتيب شكلٍ ما من العلائقية مع قوى نافذة توفر لها الحماية السياسية.
من جهة ثانية، لم يُغير شكل السلطة من الشرعية سابقاً إلى المجلس الرئاسي حالياً، وإن أعاد توزيع مراكز القوى داخل المجلس، من مراكز نفوذها في نطاقاتها الجغرافية، بل أتاح لها السيطرة على قنواتٍ إضافيةٍ لتنمية مراكز نفوذها الخاصة.
سياسيا واقتصاديا أيضا، تتوزع خريطة النفوذ الرئيسية بين قوى المجلس الرئاسي، من المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي والذي يمثل قوة نفوذ صاعدة، متعددة الأقطاب في المناطق الجنوبية.
إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يكرس امتيازاته الاقتصادية في مدينة تعز، وكذلك مدينة مأرب، وأيضا شبكاته المتجذرة في مناطق الثروات جنوبا، إلى جانب حزب المؤتمر الشعبي، جناح العميد طارق محمد عبدالله صالح الذي تدعمه مراكز نفوذ تقليدية، وريثا لصالح، في قطاعات الدولة، إلى جانب تأسيسه مراكز نفوذ في مدينة المخا.
وقد أدى الانقسام السياسي في المناطق المحررة، وتوزعها بين قوى مختلفة إلى تكرس مستويات متعددة من مراكز النفوذ، من قوى المجلس الرئاسي إلى القوى المتحالفة معها.
ومن جهة ثالثة، أدى استمرار التشظي السياسي في سلطة المجلس الرئاسي إلى مأسسة قوى المجلس لمراكز نفوذها، بحيث أدارت مؤسسات الدولة لصالح أقطابها ومتنفذيها، إلى جانب تنافسها على الموارد، وصراعها على الصفقات وإبرام العقود.
كما أن فسادها كمنظومة سلطوية، منقسمة، ومتعددة الأطر السياسية، وأيضا الاقتصادية، سواء التي تعمل داخل الدولة أو في الظل، أدى إلى تشعب قنوات الفساد وتوسيع شبكة المستفيدين من قوى محلية هامشية إلى المتدخلين.
إلى جانب تأطيرها تحالفاتها على المستوى السياسي، وتحديدا علاقتها بحلفائها الإقليميين، بحيث تضغط لتمرير أجنداتها، بحيث نجحت أقطاب النفوذ الإماراتي في المجلس الرئاسي والحكومة بفرض صفقة ضدا من المصالح الوطنية، كمصادقة الحكومة، أخيرا، على إنشاء شركة اتصالات يمنية – إماراتية.
ومن جهة رابعة، غياب السلطة المركزية المفترض أن تشرف على العمليات الاقتصادية، وتسيطر على الموارد، أدى إلى سهولة تشكيل مراكز نفوذ طارئة هامشية، تستفيد من صراعات القوى في المجلس الرئاسي وتنافساتها وفسادها.
يبرز المسار التفتيتي في اليمن في تقويض المركز بوصفه سلطة، وأيضاً مركز نفوذ سياسي واجتماعي، وقبلها اقتصادي، في التحولات القسرية التي أوجدتها جماعة الحوثي في المناطق الخاضعة لها.
وهذا المسار التفتيتي يتعدى تدمير البنى المستقرة للدولة إلى تدمير مراكز النفوذ القديمة من القوى الاجتماعية والقبلية والاقتصادية التي ظلت مهيمنة على امتيازات السلطة طوال سنوات حكم نظام صالح، إلى جانب استهداف مراكز نفوذ هذا النظام، بشكل رئيسي ووراثة أدواتها ومصادرها.
وذلك في مقابل إنتاج مراكز نفوذ جديدة، في مقدمتها سلطة الجماعة، على اختلاف أقطابها، إلى جانب توليد مراكز هامشية، اختلفت سماتها تبعا لأشكال تحالفات الجماعة والامتيازات المشروطة بطبيعة الولاء.