تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة وحليفها المملكة العربية السعودية حربا إجرامية على اليمن منذ خمسة أعوام مخلفة كارثة إنسانية بحق المدنيين وفشل على جميع المستويات.
وصرح المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوغاريك أن الأزمة الإنسانية في اليمن تفوق الوصف، وطالب بوضع حد لهذه الأزمة، خاصة أن المدنيين في اليمن يعانون من القتال والدمار في المنشآت المدنية والطبية والمدارس، وأيضا من استمرار نقص المساعدات الإنسانية.
وتشير إحصاءات صادرة عن الأمم المتحدة إلى أن الحرب في اليمن أدت إلى نزوح أكثر من أربعة ملايين يمني (إجمالي عدد السكان نحو 28 مليونا).
وللعام الخامس على التوالي، يشهد اليمن حربا بين القوات الموالية للحكومة الشرعية ومسلحي جماعة الحوثي المسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/أيلول 2014.
ومنذ مارس/آذار 2015، يدعم تحالف عسكري تقوده السعودية والإمارات القوات الحكومية في مواجهة الحوثيين، في حرب خلّفت أزمة إنسانية حادة هي الأسوأ في العالم، وفقا لوصف سابق للأمم المتحدة.
يأتي ذلك فيما يقول مراقبون إن التقدم الأخير الذي أحرزه الحوثي جاء ضمن صفقة بين الإمارات ومليشيات الحوثي بشرط أن يتولى أتباع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الحكم هناك تحت مسمى المقاومة الجنوبية أو قيادات للحراك الجنوبي المطالب بالانفصال.
ووصف المراقبون التطورات الأخيرة بأنها مجرد “مسرحية”، في ظل موقف الإمارات الإجرامي والتي لا تريد تحرير اليمن، وأن سقوط بعض المدن اليمنية جاء ردا على انعقاد جلسة مجلس النواب اليمني بسيئون رغم رفض أبو ظبي ذلك.
ويشدد المراقبون على أن السعودية والإمارات تخشيان قيام دولة مدنية حرة في اليمن لأنها تهدد بقاءهما، وهما من دعمتا تمدد الحوثي منذ عام 2014.
وما يوصف يمنيا بأنه “تحالف الغدر والخيانة” -في إشارة إلى التحالف السعودي الإماراتي- لا يريد القضاء على الانقلاب في اليمن كما يعلن، وإنما يريد إبقاء اليمن في حالة فوضى حتى يتمكن من نهب ثرواتها وإرهاق المواطن اليمني، وسط اتهامات بأن المليشيات التي تدعمها الإمارات في الجنوب تلقت تدريباتها في إيران.
وتتورط السعودية والإمارات بتمويل الحوثيين لاستمرار الحرب واستخدامهم كذريعة لتدمير اليمن، والمعركة الأولى للإمارات والسعودية هي عدم قيام أي دولة يمنية مستقلة.
ومؤخرا تنفست مدينة تعز (جنوب غرب اليمن) الصعداء بعد انسحاب مليشيا “أبو العباس”- الممولة من الإمارات- من وسط المدينة، عقب اشتباكات طاحنة مع القوات اليمنية.
وشهدت “المدينة القديمة” بمحافظة تعز اليمنية، أواخر شهر أبريل المنصرم، أعنف اشتباكات بين مليشيا “أبو العباس” وقوات أمنية وعسكرية، خلفت قتلى وجرحى، إضافة إلى دمار في الممتلكات.
وعانى سكان “المدينة القديمة” من سيطرة المليشيا الممولة من دولة الإمارات خلال 3 سنوات مضت، والتي حولت تلك المدينة إلى منطلق لعمليات اغتيالات وتفجيرات استهدفت قيادات أمنية ومحلية، بحسب ما ذكرته شرطة تعز.
وأجبرت الاشتباكات الأخيرة تلك العناصر على الانسحاب من وسط المدينة، والانتقال إلى أطرافها، بعدما واجهت تحركات جادة من قبل السلطات الحكومية في تعز لإنهاء سيطرة “أبو العباس”.
وفي أغسطس من العام الماضي، دعا قائد الكتائب، العقيد عادل عبده فارع الذبحاني، المُكنّى بـ”أبو العباس”، أفراده للخروج من مدينة تعز، بعد تسليمه المباني والمنشآت والمواقع التي كانت تحت سيطرة كتائبه إلى لجنة رئاسية شكلها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، لكنه ما لبث أن تراجع عن ذلك وتمسك بالسيطرة على كثير من أحياء المدينة.
وكان أبو العباس يسيطر خلال الأعوام الماضية على معظم تلك المواقع الحكومية، وأهمها قلعة القاهرة، ومبنى جهاز الأمن السياسي (الاستخبارات)، التي انتزعها عام 2017 من قوات تابعة للجيش في معارك محدودة.
ومنذ ذلك الحين ظل أبو العباس يرفض إعادة تسليمها للجيش، رغم تشكيل عدد من اللجان لهذا الغرض، بينها لجان رئاسية سابقة، إلا أنه اضطر، في أغسطس، إلى تسليمها بعد مواجهات عسكرية مع قوات الحملة الأمنية.
وتستخدم الإمارات “كتائب أبو العباس” التي يقودها السلفي فارع، من أجل السيطرة على عدد من المؤسسات الحكومية في محافظة تعز التي تقع جنوب العاصمة صنعاء، لكن الضغط العسكري والأمني والملاحقات المستمرة، قلصت من تلك التحركات.
وتنفذ هذه الكتائب مجموعة من الاغتيالات لعناصر من الجيش الوطني اليمني، وقضاة وقادة بالمقاومة الشعبية ، وخطباء المساجد، وتفجيرات في عدد من المناطق، أسفرت عن سقوط العديد من القتلى والجرحى.
ويُتهم أبو العباس- الذي كان له دور سابق في مقاتلة الحوثيين في تعز- بإيواء وحماية المسلحين المتهمين بارتكاب عدد من تلك الاغتيالات.
وأكدت بيانات صحفية سابقة عن “اللواء 22 ميكا” (مقر عملياته بمدينة تعز)، أن عدد من اغتيلوا من الجنود والضباط بتعز تجاوز 300 فرد، ومعظمهم من اللواء المذكور.
وكان آخر الاغتيالات التي دفعت سلطات تعز إلى إنهاء وجود مليشيا أبو العباس، اغتيال النقيب محمود الحميدي، ضابط الأمن في شرطة تعز، في 19 أبريل الماضي، عندما فتح مسلحون ينتمون لتلك المليشيا النار على دورية يقودها الحميدي، أثناء اعتقاله لأحد العناصر المتورطة بالاغتيالات.
وقال قائد شرطة النجدة في تعز، العميد محمد مهيوب: إن المعارك “اندلعت إثر إطلاق الأمن حملة في المدينة القديمة للقبض على مطلوبين، قبل أن تواجه إطلاق نار من قبل المسلحين”.
وأضاف أن تلك العناصر كانت تتمركز في المنطقة القديمة في المدينة، ورفضت السماح للقوات الحكومية بدخولها وتنفيذ أوامر الاعتقالات بحق متهمين، ما دفع الشرطة إلى الدخول باشتباكات معها.
ومع اندلاع الاشتباكات في المدينة القديمة، ورفض محافظ تعز، نبيل شمسان، العودة إلى المدينة إذ كان حينها في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب)، عقدت قيادة السلطة المحلية الموجودة بتعز، في 25 أبريل المنصرم، اجتماعاً أقرت فيه استكمال الحملة الأمنية لطرد كتائب أبي العباس.
ورغم توجيهات أصدرها المحافظ إلى نوابه والمسؤولين بتعز، بوقف الحملة الأمنية والاقتتال، فإن تلك التوجيهات رفضها المسؤولون الذين أصروا على مغادرة أبو العباس وعناصره من المدينة.
وعقب تدهور الأوضاع وتصاعد الاقتتال، أصدر الرئيس اليمني، توجيهات حاسمة بخروج أبو العباس وعناصره، الذين ينتمون للواء 35 مدرع، من المدينة القديمة إلى منطقة “الكدحة”، في أطراف المدينة.
وسبق أن فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 2017، عقوبات على أبو العباس، واتهمته حينها أنه “مُدرب عسكري بارز ومسؤول عن جمع تبرعات لتمويل تنظيم القاعدة، كما عمل أيضاً في فترةٍ ما مع تنظيم الدولة (داعش) وموَّل مُسلحيه”.
وبحسب صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية التي نشرت تقريراً في ديسمبر من العام الماضي، فإن أبو العباس لا يزال- باعترافه شخصياً- يتلقى أسلحة بملايين الدولارات ودعماً مالياً لمقاتليه من أحد أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، وهي الإمارات، مما يقوض أهداف الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في اليمن.
وقال أبو العباس (47 عاماً) في مقابلة نادرة أجراها في ديسمبر الماضي: “لا يزال التحالف يدعمني، فإذا كنت إرهابياً حقاً لكانوا ألقوا القبض عليَّ وخضعت للاستجواب”، في إشارة إلى الإمارات التي اتهمتها واشنطن بصريح العبارة باستمرار دعمها لأبو العباس.
وكانت وثيقة سرية لفريق خبراء تابع للجنة العقوبات الدولية على اليمن كشفت، في أغسطس 2017، عن انتشار مليشيا في اليمن يتلقى كثير منها تمويلاً مباشراً من الإمارات.
وقالت الوثيقة: “إن الصراع في تعز عزز دور شخص اسمه أبو العباس يتلقى دعماً مباشراً من الإمارات، وهو من سمح بانتشار القاعدة بتعز لتعزيز قواته وتقييد نفوذ حزب الإصلاح”.
وفي سياق الأزمة اليمنية بفعل جرب الإمارات يتواصل توقف شركات الطيران الدولية عن العمل في المجال الجوي اليمني، وبقيت الخطوط اليمنية تعمل منفردة وبطاقة استيعابية محدودة، وفقاً لتراخيص يمنحها التحالف الذي تقوده السعودية.
ولم تكن هذه الوجهات المحدودة (إلى جدة والقاهرة وعمّان والخرطوم وبومباي) متوفرة منذ بداية الحرب بل اعتمِدت بين فترات متفاوتة، وتجعل سفر اليمني من وإلى بلاده طويلاً وبتكاليف باهظة وأكثر معاناة.
وتمتلك الحكومة اليمنية 51% من أسهم الخطوط الجوية، وتملك السعودية الـ49% المتبقية، فضلاً عن أن الخطوط لا تملك سوى أربع طائرات فقط، يرى اليمنيون بأنها أوشكت على الخروج من الخدمة.
وأمام الضغط الكبير على رحلات الشركة، خصوصاً أنها الناقل الوحيد لليمنيين، ارتفعت أسعار التذاكر بنسبة 300%، وبات المرضى والطلبة والمغتربون مجبرين على التعامل معها رغم تدني مستوى خدماتها.
وأفرز الضغط على خطوط الطيران اليمنية مشكلات متعددة أمام الركاب والشركة، فظهرت سوق سوداء للحجوزات والتذاكر، وشهدت بعض الرحلات أعطالاً فنية سببت رعباً للركاب، كان آخرها ما حدث للرحلة رقم “IY601” المتجهة من القاهرة إلى عدن الأسبوع الماضي، إذ كانت الطائرة على وشك السقوط بحسب شهادات الركاب.
والتقط ركاب صوراً لتلك الطائرات، تكشف مستوى الإهمال الذي وصلت إليه على مستوى الإطارات والكراسي وبقية الخدمات فيها.
وشكا كثير من المسافرين تعرضهم أحياناً لفقدان مقاعدهم، بسبب بيعها من قبل موظفي الشركة، حيث تقول المسافرة اليمنية هديل صالح إنها أعيدت برفقة نحو 10 مسافرين آخرين من مطار عدن بحجة التأخير.
ومنذ اندلاع الحرب أصبح طيران اليمنية غير معتمد في نظام “الإياتا”، الذي تعمل في إطاره كل شركات الطيران في العالم، ليحمي حقوق الركاب ويكفل لهم الأمان، وهو ما أسهمت الحرب في خروج الشركة منه.
ويؤدي التحالف الإماراتي السعودي دوراً إضافياً في معاناة المسافرين، فبين فترة وأخرى يرفض إعطاء التصاريح، والتي كان آخرها يوم الاثنين 29 أبريل عندما منع الرحلات من وإلى مطار عدن، دون معرفة أسباب القرار، وهو ما راكم الضغط على الرحلات وتسبب ببقاء الركاب عالقين في مطارات أخرى.
وطلبت الخطوط اليمنية من التحالف منحها تصاريح رحلات إضافية تعويضاً عن الرحلات الملغية؛ تقديراً لظروف المسافرين.
كما كشفت وثيقة سابقة عن مطالبة “اليمنية”، في أغسطس الماضي، التحالف السعودي الإماراتي بالسماح لطائراتها بالمبيت في مطار عدن؛ لكونها تتحمل أعباء مالية كبيرة تصل إلى 20 ألف دولار يومياً؛ لإجبارها على مبيت طائراتها في الخارج، بالإضافة إلى طلبها الموافقة على عمل الصيانة الدورية في مطار عدن.
ويطالب اليمنيون بفتح المجال أمام شركات دولية، خصوصاً أن شركتي بلقيس والسعيدة المحليتين، تقدمان خدمات محدودة جداً وبكفاءة لا تختلف عن اليمنية.
وأكد وزير النقل اليمني، صالح الجبواني، أن وزارته لا تمتلك الخيارات لحل هذه المشكلة، قائلاً “إن “اليمن منطقة حرب، والتحالف لم يسمح لنا إلا بخمس رحلات يومياً تذهب معظمها لطائرات المنظمات الدولية الصغيرة”.
وأوضح الوزير اليمني أن وقت إقلاع وهبوط الطيران محدد أيضاً من قبل التحالف وجميعها خلال فترة النهار فقط، ثم تغلق الأجواء من قَبل المغرب إلى صباح اليوم التالي.
ومنذ 26 مارس 2015 أعلن التحالف السعودي الإماراتي سيطرته على الأجواء اليمنية، وهو ما خلف حينها آلاف العالقين اليمنيين في مطارات العالم، قبل أن يسمح برحلات محدودة تمر للتفتيش في مطار بيشة السعودي.
كما لم يسمح التحالف إلا باستخدام مطاري عدن وسيئون، جنوب البلاد، في حين أن مطار صنعاء مغلق أمام المواطنين ولا يسمح من خلاله إلا برحلات للمنظمات الدولية.