أقدم النظام الإماراتي على عدة خطوات مشبوهة بغرض دفع تسريع فصل جنوب اليمن ضمن حربه العدوانية على البلاد لتقسيمه ونهب ثرواته.
وأعلن عيدروس الزبيدي رئيس ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات التعبئة العسكرية العامة وتأسيس محاور قتالية بهدف استعادة وادي حضرموت وطرد قوات المنطقة العسكرية الأولى التابعة للحكومة اليمنية الشرعية.
وزعم الزبيدي خلال لقاء عقده مع قادة المقاومة والحزام الأمني في عدن أن الهجوم الحوثي على الضالع وأجزاء من محافظتي لحج وأبين يجعل التحرك عسكريا وبشكل عاجل ضروريا في تلك الجبهات.
كما أعلن عن تشكيل غرفة عمليات موحدة لكل القطاعات العسكرية والأمنية وقوات المقاومة الجنوبية، لتوحيد العمل والقيادة لإدارة العمليات القتالية وحماية الأمن والاستقرار الداخلي.
وتشهد عدن توترا بين المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا وبين الحكومة اليمنية الشرعية، في ظل حديث عن مساعي المجلس للانقلاب على حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي بعد تهديده بالسيطرة على المواقع الحكومية الحيوية بالقوة، وتلويحه بإعلان انفصال الجنوب.
وتنقسم خريطة القوى العسكرية في عدن إلى قوات حكومية تدين بالولاء للرئيس هادي، وتتمثل في قوات الحماية الرئاسية وهي أربعة ألوية، إلى جانب ألوية الجيش في المنطقة العسكرية الرابعة.
وأبرز قوات الرئاسة اليمنية في عدن هي اللواء الرابع الذي يقوده مهران القباطي والذي خاض مواجهات دامية نهاية يناير/كانون الثاني 2018 ضد قوات المجلس الانتقالي، قبل تدخل السعودية لوقف المعارك بين الطرفين.
في المقابل، تتمثل قوات المجلس الجنوبي في قوات الحزام الأمني وعددها نحو عشرة آلاف جندي.
وهناك لواء عسكري يقع مقره في جبل حديد ويبلغ تعداده نحو 1500 جندي تحت قيادة الزبيدي الذي أقيل من منصبه محافظا لعدن في وقت سابق.
في هذه الأثناء تشهد القبائل في جنوب اليمن منذ مدة محاولات لاستقطابها من قِبل أطراف محلية وإقليمية منخرطة في الصراع اليمني، لكن أخطر هذه المحاولات ترتبط بما تقوم به الإمارات، التي تشنّ حملات منظّمة لاستمالة القبائل، تارة بالترغيب، وتارة أخرى بالترهيب، ضمن أهداف عسكرية وسياسية عدة، تتصدرها الرغبة في تأليب القبائل على الشرعية اليمنية، وحماية مصالح أبوظبي السياسية والعسكرية في اليمن.
وتثير محاولات كسب قبائل جنوب اليمن، على هذا النحو غير المسبوق منذ رحيل الاستعمار البريطاني عن اليمن قبل ستة عقود، مخاوف عدة في الشارع الجنوبي، لا سيما بشأن إمكانية انتقال الانقسام الجنوبي بين القوى السياسية والمدنية إلى القبائل، مع ما ينطوي عليه هذا الأمر من مخاطر.
وتتعرض قبائل جنوب وشرق اليمن، كقبائل حضرموت وشبوة والمهرة وكذلك سقطرى وأبين، لمحاولة استقطاب واستغلال حاد، من قِبل أقطاب الصراع المحليين والإقليميين، بعد أن حسمت هذه القوى تقاسم القوى السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية، وحتى العسكرية والأمنية.
ويأتي التركيز على قبائل جنوب وشرق اليمن في هذا التوقيت، نظراً للأدوار التي تراهن قوى الصراع، تحديداً الإمارات، على أن تؤديها هذه القبائل في المرحلة المقبلة.
وخلال الفترة الأخيرة، توجّهت أطراف في الشرعية اليمنية والإمارات والسعودية، إلى استقطاب القبائل في محافظات شبوة وأبين، ما تسبّب بإحداث توتر داخل تلك المناطق التي تحتضن عدداً من أكبر القبائل، أبرزها العوالق وباكازم.
وكان النظام الاشتراكي في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، الذي كان قائماً في جنوب اليمن قبل الوحدة، منذ الاستقلال في ستينيات القرن الماضي، حاول جاهداً إنهاء دور القبيلة، وتعرضت حينها القبيلة للتهميش والإقصاء، في تضاد مع محاولات المستعمر البريطاني، استخدام القبيلة في الجنوب لتساعده في الحكم، من خلال تكوين السلطنات والمشيخات في كل مناطق الجنوب، وزرع الخلافات بينها.
لكن نظام ما قبل الوحدة حاول التخلص من دور القبيلة، ومع قيام الوحدة، عاد للقبيلة في الجنوب دورها في نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، واستفاد منها في القضاء على خصومه في الحرب التي جرت عام 1994 بين “الحزب الاشتراكي” ومعقله الجنوب، وحزب “المؤتمر” ومعقله في الشمال، والذي تحالف مع حزب “الإصلاح”، والقوى الدينية والقبائل في الشمال والجنوب والشرق والغرب، والناقمين من نظام ما قبل الوحدة، للقضاء على “الاشتراكي” في الجنوب، وفقاً لما يشير إليه باحث سياسي في جامعة عدن.
وتمثل عودة استخدام القبلية خطرا على النسيج الاجتماعي في الجنوب، واستهداف قبائل محافظات شبوة وأبين، المتمترسة خلف أطراف في مجملها ضد أو معارضة للإمارات مثلاً، يأتي كخطوة لاستخدام أبوظبي قبائل يافع والضالع، وهي خطوة حساسة للغاية، وتُعد لعباً بالنار، فهي تثير مشاعر قبائل أبين وشبوة.
ويحذر مراقبون من أن هذا الاستقطاب يحيي صراع المناطق بين شبوة وأبين من جهة، ويافع والضالع من جهة أخرى، الذي جرى في ثمانينيات القرن الماضي، ويُعدّ من أكثر الصراعات الدامية التي حدثت في الجنوب.
إذ تحاول الإمارات اليوم الدخول إلى مناطق أخرى بعد يافع والضالع، والاستعانة بقبائلها، ساعية لتحقيق هدفين بضربة واحدة، الحصول على دعم القبائل لبسط نفوذها وتوسيع صراعها ضد القوى الأخرى، وكسر الحصار المفروض على حلفائها في “المجلس الانتقالي”، المتهم بأنه مجلس مناطقي، خصوصاً في مناطق يافع والضالع.
كما أن الإمارات فشلت حتى اللحظة في استقطاب قبائل في شبوة وأبين، لمواجهة الشرعية وقوى محلية وإقليمية أخرى، لذلك لجأت إلى استخدام لغة الترغيب من خلال الوعود والإغراءات المادية والمناصب والجنسية، أو من خلال الترهيب واستخدام لغة الإرهاب ضد القبائل الرافضة لدورها والموالية للشرعية، وقوى أخرى محلية وخارجية.
وحاولت أبوظبي إفشال تحرك الشرعية في أبين قبل أشهر أثناء لقاء لنائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري، مع القبائل، بهدف توحيد الكلمة ودعم الشرعية، وأخرجت عبر حلفائها في “المجلس الانتقالي” تظاهرة ضد اللقاء.
وخلال الفترة الماضية حاولت الإمارات استخدام قبائل العوالق، أكبر قبائل شبوة، لخدمة مصالحها، لكن الشرعية اليمنية وكذلك سلطنة عُمان استمالتا قبائل شبوة، ما أعاق سعي أبوظبي لاستقطاب هذه القبائل.
أما في محافظتي المهرة وحضرموت، اللتين تشهدان محاولات سعودية وإماراتية لاختراق القبائل، فيبدو الوضع أكثر احتداماً. وتبذل الدولتان جهوداً كبيرة لاستقطاب القبائل في حضرموت، والحصول على دعمها المعنوي وأيضاً المقاتلين لضمهم إلى التشكيلات الموالية لهما، مقابل توفير دعم لهذه القبائل.
وتتزامن هذه التحركات مع مساعٍ إماراتية لاختراق الوضع في سقطرى، عبر إغراءات عدة، في مسعى لاستقطاب هذه القبائل ضد الشرعية وأي قوى وأحزاب سياسية يمنية.
وإلى جانب الوظائف، يعد التجنيس ومنح الإقامة من أبرز الإغراءات التي تقوم فيها الإمارات داخل قبائل سقطرى، وزادت من وتيرتها خلال الأشهر، تحديداً بعد الإطاحة برئيس الوزراء السابق، أحمد عبيد بن دغر، والذي كان يقف ضد المشروع الإماراتي في سقطرى.
لكن مع سياسة غض الطرف الذي يتبعها رئيس الوزراء الحالي معين عبدالملك، عادت الإمارات بوتيرة أكبر لتنفيذ مشروعها ومحاولة بسط سيطرتها على سقطرى. وشكلت قوات تابعة لها في سقطرى على غرار “الحزام الأمني” الذي أسسته في عدد من المحافظات الجنوبية.
وفي التاسع من شهر مايو/أيار الحالي نقلت وكالة “د ب أ” الألمانية عن مصدر حكومي يمني تأكيده وصول “أكثر من مئة مقاتل يتبعون ما يسمى بالحزام الأمني إلى الجزيرة بحجة حمايتها”، معتبراً ذلك “أمراً غير مقبول”.
من جهته، سبق أن أكد محافظ سقطرى رمزي محروس، أواخر شهر إبريل/نيسان الماضي، أنه لن يسمح بوجود أحزمة أمنية أو تشكيلات مسلحة خارجة عن أجهزة الدولة، داعياً مشائخ وأعيان المحافظة إلى الوقوف صفاً واحداً إلى جانب الحكومة الشرعية والمتمثلة بعبد ربه منصور هادي والسلطة المحلية في المحافظة ضد أي تشكيلات عسكرية خارجة عن النظام والقانون.
كما أن مسؤولين إماراتيين يزورون سقطرى بشكل مستمر ويتصرفون كحكام على المدينة بمساعدة بعض رموز قبائلية هناك ممن تمكنت أبوظبي في سنوات سابقة، وتحديداً في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، من استقطابهم.
وهناك خارطة سياسية تتشكل مغايرة للواقع الجنوبي الذي عاش لسنوات بعيداً عن هذا الاستهداف للقبائل، والذي يؤدي إلى تدمير النسيج الاجتماعي لصالح الأهداف السياسية. إذ أن محاولات استقطاب القبائل لها أهداف عديدة، منها عسكرية، عبر جرّ القبائل للدخول في الصراع العسكري القائم، ومنها سياسية نظراً لما تمثّله القبيلة في حياة الناس وثقلها الاجتماعي، الذي قد يبدّل موازين القوى.
كما أن هناك أهدافاً اقتصادية أيضاً وراء محاولات استمالة القبائل، تبرز في المشاريع الإماراتية والسعودية والإيرانية والعُمانية، وأيضاً الفرنسية والبريطانية والأميركية، وحتى الصينية، لذلك هناك ازدياد في استهداف القبيلة في الجنوب والشرق، وحصل مثلها في الشمال، عندما تمكّنت السعودية وإيران والإمارات ودول أخرى من اختراق اليمن بواسطة بعض القبائل وقادتها، وما يجري اليوم هو النهج نفسه، وإن اختلفت المشاريع والأهداف من وراء ذلك.