تتجدد المخاوف في جنوب اليمن من عودة التوتر تحديداً إلى العاصمة المؤقتة عدن، بعد شهر من الهدوء النسبي الذي عاشته عدن وباقي مناطق الجنوب، والتحسن في بعض الخدمات في ظل المساعي لتنظيم احتجاجات وتظاهرات جديدة.
فبالتزامن مع محادثات السويد بين طرفي الصراع في البلاد، الحكومة الشرعية والحوثيين، والتي انطلقت أمس الخميس، تُجري مكونات سياسية عديدة في مناطق جنوب اليمن، استعدادات لبدء تصعيد احتجاجي يُفترض أن ينطلق غداً السبت، في ظل مساعي قوى عديدة للحصول على مساحة لها في الشارع الجنوبي، وعدم تركه فارغاً، مستفيدة من تعاظم الاستياء من المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات وحالة الشلل التي تصيبه.
ويأتي التحرك الجديد بعد فشل العديد من القوى الجنوبية في إقناع المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، بإشراكها في محادثات السويد، كطرف أساسي إلى جانب الحوثيين والشرعية، ما شكّل صدمة للشارع الجنوبي، الذي شُحن كثيراً خلال الفترة الماضية على وقع تداول أخبار أن لا حوار سيُعقد من دون الجنوبيين، وهو الكلام الذي كان يردده حلفاء الإمارات في “المجلس الانتقالي الجنوبي”، لتبرير استخدام أبوظبي للمجلس ضد الحكومة الشرعية. لكن انعقاد المحادثات من دون حضور أي طرف جنوبي، شكّل نكسة لـ”الانتقالي” يستغلها خصومه لاستهدافه، ووسط مساعٍ لسحب البساط من تحته في الشارع، من خلال التصعيد المنتظر.
وكشفت مصادر سياسية يمنية موجودة في سلطنة عمان، أن لقاءات جمعت قيادات سياسية ونشطاء وإعلاميين جنوبيين، في الفترة الأخيرة، وركزت على التحضير للتصعيد في مناطق جنوب اليمن، بالتزامن مع محادثات السويد.
وقالت المصادر إن يوم غد السبت سيكون بداية التصعيد، موضحة أن لقاءات مسقط كانت بحضور القيادي الجنوبي البارز حسن أحمد باعوم، ونجله رئيس المكتب السياسي للحراك الثوري، فادي باعوم، (المحسوبين على إيران) وقيادات أخرى جاءت من داخل اليمن، من خلال وفود من مناطق الجنوب، إضافة إلى قيادات من خارج اليمن.
ويُعد باعوم واحداً من حلفاء إيران في جنوب اليمن، ويعارض وجود التحالف السعودي-الإماراتي، ويصفه بالاحتلال، متعهداً بمحاربته، خصوصاً ما يسميه الاحتلال الإماراتي.
وأكد أحد أعضاء المكتب السياسي للحراك التابع لباعوم، أن التصعيد يأتي ضمن “مقاومة الاحتلال الإماراتي”، وإعادة الاعتبار للقضية الجنوبية، من خلال التنديد بإهمال هذه القضية، وتجاهل مطالب الجنوبيين.
وكشفت معلومات أن هناك توجّهاً لرفع شعارات معادية للسعودية والإمارات خلال تحرك السبت، إضافة إلى مهاجمة الشرعية والكيانات والقوى الأخرى المؤيدة والمتحالفة مع الشرعية والرياض وأبوظبي.
في موازاة ذلك، عُقدت لقاءات جنوبية عدة في عدن وحضرموت نظّمتها شخصية تعتبر نفسها محسوبة على الحراك الجنوبي، لتصعيد متزامن مع محادثات السويد، فيما غادرت العديد من الشخصيات الجنوبية إلى دول خارجية، بينها مصر والأردن، وأخرى إلى الإمارات. بينما يقود الرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد لقاءات مع أطراف إقليمية، لتسويق مشروعه لوقف الحرب.
وتأتي هذه التحركات الجنوبية، التي يعتبر كثيرون أنها متأثرة بالتدخّلات الإقليمية والمشاريع السياسية، في ظل تراجع القضية الجنوبية وتحميل “المجلس الانتقالي” المسؤولية عن ذلك. ووفق مصادر عدة تحدثت لـ”العربي الجديد”، فإن المكونات والقوى الجنوبية، اعتبرت أن “تفريخ” الإمارات لـ”المجلس الانتقالي”، و”إعطاءه مهمة وهمية”، زاد حدة الانقسامات والخلافات الجنوبية، وأدى إلى تحويل المجلس إلى مجرد أداة لتحقيق مصالح أبوظبي، من خلال توظيف القضية الجنوبية، وهو ما ارتد سلباً على القضية.
وفي الفترة الأخيرة، خَفَت صوت “المجلس الانتقالي” إلى أبعد حد مع تراجع دوره في الشارع، وتدنّي مستوى الثقة بينه وبين مناصريه، على خلفية الشلل الذي يعانيه بسبب التدخّل الإماراتي والتحكّم في كل خياراته وقراراته ومواقفه، وفق مصدر سياسي قريب من قيادة المجلس.
وقال المصدر إن “التصعيد الجديد الذي تسعى إليه كيانات جنوبية أخرى، مدعومة خارجياً، هو استغلال لأفول المجلس الانتقالي، وسحب زمام المبادرة منه نحو تلك الكيانات التي بدأت تتشكل وتعيد ترتيب نفسها من جديد، بعد محاولات حصر الجنوب بطرف سياسي معين، مدعوم من قبل الإمارات، لإقصاء قوى وكيانات جنوبية، ما قلب الطاولة وزاد من عدد القوى المعادية للانتقالي، في ظل تزايد السخط ضد التحالف السعودي-الإماراتي”.
وحاول مصدر في “المجلس الانتقالي” الرد على الانتقادات الموجّهة للمجلس من قبل الكثيرين، بمن فيهم أنصاره، بترك الشارع لقوى أخرى، بالقول إن الشارع بات فيه الكثير من الكيانات ويتم استغلاله باسم القضية واستخدام التظاهرات ضد أطراف محلية وغيرها.
وبالنسبة لعدم تنفيذ المجلس تهديداته بإفشال المحادثات إذا لم يكن حاضراً فيها، قال المصدر إن ذلك “مرتبط برؤية المجتمع الدولي وتصوّره للحلول ومسار الصراع في اليمن”.
واتهم من يسعون للتصعيد اليوم في الشارع بأنهم “لا يبحثون عن حل للقضية الجنوبية، إنما لتنفيذ مشاريع خارجية معادية للجنوب، ويريدون جره إلى مربع الاقتتال والفوضى، ونحن ضد هذا، وتربطنا علاقة مع دول التحالف، خصوصاً الإمارات، ونحن نتماشى مع ما تتطلبه هذه العلاقة، والمرحلة بشكل عام”.
وبشكل عام، هناك قناعة تكوّنت لدى العديد من القوى في مناطق الجنوب بأن المسيرات والتظاهرات لم تعد ذات جدوى في الوقت الحالي، وذلك لتعدد الأقطاب والقوى، وارتباطاتها الخارجية بقوى إقليمية.