موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: الإمارات وشركات تجنيد المرتزقة.. سجل حافل بالتعاون لنشر الفوضى

233

ترتبط دولة الإمارات وشركات تجنيد المرتزقة حول العالم بعلاقات تعاون وثيق لأداء مهام في عدد من بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا خدمة لمؤامرات أبوظبي في نشر الفوضى والتهريب.

ومع تصاعد التصعيد العسكري في جنوب اليمن على أيدي المليشيات الموالية للإمارات واستمرار عمليات التحشيد العسكري في ليبيا وترتيب صفوف حفتر المدعوم إماراتياً بعد هزيمته أمام قوات حكومة الوفاق، يبرز الحديث حول استمرار الإمارات في عمليات تجنيد الآلاف من المرتزقة والدفاع بهم في ساحات الصراع في المنطقة.

ولا يحفى أن أبوظبي تستعين بالآلاف من الجنود السابقين في دول أخرى، وتجنيدهم ضمن وحدات خاصة في الجيش أو الأمن الخاص لحماية المنشآت التجارية والصناعية والنفطية، وبشكل أساسي لخوض صراعاتها وحروبها الخارجية وتعزيز نفوذها وتأمين مصالحها في المنطقة.

هؤلاء الأجانب الذين يقاتلون أو ينفذون مهمات توصف غالباً بأنها “قذرة”، نيابة عن دول أخرى غير دولتهم، تعارف العالم على تسميتهم بمصطلحات مثل “البنادق المستأجرة”، والشائع تعريفهم باسم “المرتزقة”.

وللإمارات تاريخ حافل وطويل في الاستعانة بالمرتزقة لوضع نفسها في موقع القوة المتنفذة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والقرن الإفريقي، وهي مناطق الاهتمام لأبوظبي.

ويُعتقد أن الإمارات استفادت من الاستعانة بمرتزقة أجانب، من خلال توظيفها رجل الأمن الفلسطيني السابق، محمد دحلان، كمستشار أمني لدى ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، وعرف دحلان بصلاته الوثيقة بشركات الخدمات الأمنية الخاصة، التي توفر مقاتلين مرتزقة.

وبالاعتماد على مرتزقة أجانب، تمتد أذرع “الأخطبوط” الإماراتي إلى كل من ليبيا واليمن لضلوعها في الصراع المسلح بالبلدين، وكذلك إلى إريتريا، حيث تنمي طموحاتها بالتمدد عبر قاعدة عسكرية تقيمها هناك، وفي جمهورية أرض الصومال الانفصالية، غير المعترف بها دولياً، إضافة إلى نحو أربعة موانئ في أربع دول على ساحل البحر الأحمر.

وعلى عكس ما هو متبع في استجلاب المرتزقة للانضمام للجيوش النظامية فإن الإمارات استحدثت آلية جديدة في التعامل مع هذا الملف، متجاوزة مسألة الحصول على خدمات الجنود من الدول الفقيرة عبر إغراء حكوماتها المتعثرة بالمال، إلى توسيع دائرة التعامل لتدشين وحدات قتالية وقيادة إدارات عسكرية كاملة عن طريق ضباط وجنرالات أجانب.

وبعيدًا عن المرتزقة الذين استعانت بهم أبو ظبي من كولومبيا وإريتريا وتشاد وأوغندا والسودان الذين في الغالب عملوا كجنود فإن الوضع مع الأستراليين كان مغايرًا تمامًا، ربما لما يتمتعون به من قدرات قتالية كبيرة، حيث وصل بعضهم إلى أعلى السلم القيادي في بعض الأسلحة مثل الحرس الرئاسي الإماراتي والقوات الجوية.

ومن أبرز الضباط الأستراليين الذين التحقوا بالجيش الإماراتي، بيتر بوتسون، الضابط في سلك الاستخبارات بالجيش الأسترالي، الذي استعانت به أبو ظبي للعمل كمستشار في الحرس الرئاسي الإماراتي منذ فبراير 2014، بجانب عمله كمفتش مسؤول عن عمليات إطلاق النار في القوات المسلحة.

رافقه في هذه المهمة، سكوت كوريجان، القائد السابق بالقوات الخاصة للجيش الأسترالي، الذي يمتلك 23 عامًا من الخبرة في الأعمال الخاصة، حيث التحق كمستشار في الحرس منذ يناير 2013 حتى مارس 2016، وله دور كبير في تدريب العديد من العناصر القتالية الإماراتية، النظامية والمرتزقة.

علاوة على رتب عسكرية أخرى رفيعة، من بينهم كيفين دولان، الضابط المفوض السابق في الجيشين الأسترالي والبريطاني، حيث عمل في عدة مناصب بالجيش الإماراتي بما فيهم الحرس الرئاسي، كذلك ستيف نيكولاس، الجنرال الشهير في الجيش الأسترالي، الذي يعمل مستشارًا في القوات الإماراتية منذ 2010 وحتى اليوم.

ومنذ سنوات، شوهدت مجموعات من المرتزقة من دول أمريكا اللاتينية، تقدر بأكثر من 450 مرتزقاً يرتدون الزي العسكري الإماراتي في اليمن، بحسب مقال لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية نهاية 2015، تحدثت فيه عن تجنيدهم وتدريبهم في الإمارات، قبل نشرهم في اليمن.

ووفقاً لموقع “بزفيد” الأمريكي، استعانت الإمارات بالمرتزقة لتنفيذ حملات تصفية جسدية لقيادات من حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي تنظر إليه أبوظبي على أنه الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين.

وأوضح الموقع أن الإمارات تسعى من خلال ذلك إلى تصفية الجهات المعارضة لسياساتها الانفصالية في اليمن، والرافضة للهيمنة الإماراتية على موارد جنوبي اليمن، والمناهضة لتعزيز النفوذ العسكري الإماراتي المباشر، أو عبر مرتزقة أجانب في جزيرة سقطرى، الذي تهدف منه إلى تأمين تجارتها عبر المحيط الهندي.

وذكرت مواقع يمنية أن الإمارات وقعت عقداً بقيمة 529 مليون دولار مع شركة “ريفلكس رسبونسيز” للاستشارات الأمنية، التي يديرها حالياً نفس مؤسس شركة “بلاك ووتر”، الضابط السابق بالجيش الأمريكي، إيريك برنس، الملاحق قضائياً بتهم عدة، بينها جنائية.

و”ريفلكس رسبونسيز” هي أحد الأسماء الجديدة لـ”بلاك ووتر” سيئة السمعة، بعد إعلان إغلاقها لجرائم ارتكبتها في العراق عام 2007.

وتكشف منذ أوائل العام الجاري أن شركة “الدرع الأسود” للخدمات الأمنية الإماراتية أحضرت المزيد من المجندين السودانيين إلى دبي عام 2019، لإدخالهم معسكراً للتدريب العسكري لمدة ثلاثة أشهر، على وعود بنشرهم في منشآت نفطية داخل الإمارات كحراس أمنيين، لكن الشركة أرغمتهم قسراً على الذهاب للقتال في ليبيا واليمن.

وتفيد تقارير إعلامية غربية بأن شركة “الدرع الأسود” الإماراتية جندت ما لا يقل عن ثلاثة آلاف سوداني، عن طريق مكاتب سفر سودانية أو وسطاء يعملون لصالحها.

وذكرت وسائل إعلام سودانية أنه منذ 2019، أرسل محمد حمدان دقلو حميدتي، قائد قوات الدعم السريع (تابعة للجيش)، نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان، ما لا يقل عن أربعة آلاف جندي من هذه القوات لحماية المنشآت النفطية في ليبيا، وليتفرغ مقاتلو ميليشيا اللواء الانقلابي المتقاعد، خليفة حفتر، لهجومهم على العاصمة طرابلس (غرب)، مقر الحكومة المعترف بها دولياً، قبل أن تطردهم الحكومة من كامل الغرب الليبي مؤخراً.

ويوجد في مدينة بنغازي الليبية، الخاضعة لسيطرة ميليشيا حفتر، ما لا يقل عن ألف مرتزق سوداني من ولاية دارفور (غرب) من ميليشيا “الجنجويد”، المرتبطة بحميدتي.

وسعى مرتزقة “الجنجويد” إلى تعزيز قدرات ميليشيا حفتر في الهجوم على طرابلس، العام الماضي، وهو ما كشفت عنه لجنة العقوبات الدولية الخاصة بليبيا، في تقريرها إلى الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2019، والذي أدانت فيه تجنيد الإمارات لمرتزقة سودانيين يقاتلون في ليبيا واليمن، منذ 2015.

وقالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان (مستقلة مقرها لندن) إن شركة “الدرع الأسود” الإماراتية استهدفت، في إحدى حملات التجنيد، الشباب السودانيين من الذين تأثروا سلباً بالصراعات الداخلية والصعوبات الاقتصادية، مستغلة العلاقات الوثيقة بين أبوظبي وكبار العسكريين في السودان، بعد أن دعمت المجلس العسكري الانتقالي مالياً، عقب الإطاحة، في 11 أبريل/نيسان 2019، بعمر البشير من الرئاسة.

وتعتقد المنظمة أن نحو ثلاثة آلاف سوداني وقعوا عقوداً مع الشركة، بعضها خُتمت من  السفارة الإماراتية بالخرطوم، ولا تقدم العقود أي تفاصيل حول نشرهم في ليبيا أو اليمن.

ومنذ أوائل هذا العام، ركزت وسائل إعلام على “فضائح” شركة “الدرع الأسود”، حيث جندت المزيد من السودانيين لغرض الحراسة الأمنية داخل الإمارات، ثم دفعت بهم إلى حروبها في ليبيا واليمن.

وأثار بعض هؤلاء السودانيين ضجة إعلامية بعد أن اكتشفوا خداع الشركة، حيث أرسلتهم إلى ليبيا واليمن، خلافاً للعقود المبرمة لتوظيفهم كحراس أمنيين داخل الامارات بأجور شهرية قال بعضهم إنها تتراوح بين 1200 و2000 دولار شهرياً.

ونظم “مرتزقة” عائدون احتجاجاً أمام السفارة الإماراتية في الخرطوم، مطالبين بمحاسبة شركة “الدرع الأسود” الإماراتية.

وتجددت الاحتجاجات أمام السفارة، قبل أيام، لمطالبة الشركة بالاعتذار للشعب السوداني عن خداعها لمئات السودانيين.

وأعلن محامون سودانيون، في مارس/آذار الماضي، عن إجراءات قانونية ضد وكالات السفر التي ساهمت بخداع الشباب السودانيين.

وتشير أصابع الاتهام إلى عسكريين سودانيين وشركات حراسة أمنية سودانية ومكاتب سفر وضباط في الجوازات والهجرة لتسهيلهم مهمة الشركة الإماراتية في خداع وتجنيد مئات “المرتزقة”.

وترفض شركة “الدرع الأسود” الاستجابة لرغبات هؤلاء المجندين بفسخ عقودهم وإعادتهم إلى السودان، ما يجعلهم “رهائن” لدى الشركة، بحسب ما كشف عنه عدد منهم استطاعوا مغادرة ليبيا والوصول إلى السودان، لإثارة القضية أمام الرأي العام المحلي والعالمي.

وتنفي الشركة الإمارتية الاتهامات الموجهة إليها، وتزعم أنها شركة خدمات أمنية خاصة، ولم تخدع المتعاقدين بشأن طبيعة ولا مكان عملهم، بل وهددت باتخاذ إجراءات قانونية بحق من يتهمها بالخداع.

كما استعانت بمئات المرتزقة من المقاتلين أصحاب الخبرات، وإن كانت لهم مهام خاصة بعيدًا عن معارك القتال في اليمن، وهو ما كشفته “جبهة الوفاق من أجل التغيير” التشادية حين كشفت في ديسمبر 2016 أن عدد مقاتليها في ليبيا بلغ 700 مقاتل، وإن كانت الأمم المتحدة تذهب إلى أن الرقم الفعلي يتراوح بين 1000 و1500 مقاتل.

أما مرتزقة جنوب إفريقيا فكانت تستعين بهم أبو ظبي لتعزيز القدرات القتالية للمرتزقة الكولومبيين والأفارقة، فكانوا يأتون كمدربين في ضوء ما يتمتعون به من خبرات قتالية كبيرة، حيث خاضوا معارك وحروب ضارية ساهمت بشكل كبير في زيادة تأهيلهم العسكري حتى باتوا مقصدًا للعديد من حكومات العالم.

وفي تقرير لمجلة ميليتري ووتش “Military Watch Magazine” في يونيو 2018 كشف حصول عدد من الدول الإفريقية في مقدمتها تشاد وأوغندا على مبالغ مالية طائلة من الدولتين النفطتين الغنيتين نظير إرسال مرتزقة لها للحرب في اليمن وليبيا.

وبات من الواضح أن المال السياسي والتبرع السخي لفقراء إفريقيا وحكوماتها بات النهج الأكثر استخدامًا من أبناء زايد للحصول على خدمات الجيوش النظامية والمرتزقة لدى دول القارة، مستغلة بذلك ما يعانون منه من فقر شديد وتراجع في مستوياتهم الاقتصادية جعلتهم يقدمون إرادتهم السياسية واستقلالهم العسكري سلعة لمن يدفع الثمن.

حالة من الجدل أثارها الحديث عن اتفاقيات أمنية بين أبو ظبي وكامبالا بمقتضاها يذهب 10 آلاف مرتزق للقتال إما جنبًا إلى جنب أو نيابة عن الجنود الإماراتيين في اليمن مقابل المال، ما زاد من وتيرة الاحتقان داخل الشارع الأوغندي ضد النظام بقيادة موسيفيني.

وفي ظل تلك الوضعية المشتعلة اندلعت أزمة دبلوماسية بين البلدين في مايو 2018، كانت شرارتها الأولى ما أثير بشأن بيع نساء أوغنديات في أسواق للنخاسة في دبي، وهو ما دفع البرلمان الأوغندي لتشكيل لجنة تحقيق عاجلة لبحث تلك الادعاءات، فيما التزمت أبو ظبي الصمت.

وعلى الفور استدعت أوغندا سفيرها في الإمارات، نيميشا مادهفاني، للتشاور في هذه المسألة التي أثارت حفيظة الأوغنديين بشكل كبير، في الوقت الذي كشفت فيه الصحافة المحلية هناك ارتفاع حالات الانتحار لفتيات أوغنديات، التي ارتفعت إلى 16 حالة انتحار خلال الفترة بين فبراير/شباط وأغسطس/آب 2017 وأبريل/نيسان 2018.

أحد النواب أشار في كلمته داخل البرلمان إلى أنه وجد عند ذهابه مع نواب آخرين، في إحدى مناطق الإمارات، فتيات من بلدان مختلفة، حيث يتم عرضهن في مزاد علني، وهي الاتهامات التي أثارت حفيظة الإماراتيين بصورة دفعتهم إلى استدعاء السفيرة الأوغندية وطلب تقديم اعتذار رسمي عن تلك الادعاءات، وهو ما لم يستجب له النواب الأوغنديون، ما تسبب في زيادة توتر الأجواء بين البلدين.

النائب الأوغندي روبرت كايفيرو كشف أن الإمارات هددت بوقف إصدار تأشيرات الدخول إلى بلادها، مع إعادة النظر في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وهي التحذيرات التي اعتبرها نواب الدولة الإفريقية ابتزازًا غير مقبول، ما اضطر معه رئيس الدولة للتدخل بنفسه لتلطيف الأجواء بين بلاده والدولة الخليجية.

وفي المجمل فقد زادت المهارات والخبرات القتالية للجنود الأفارقة من اطماع أبوظبي والمسارعة في الحصول على خدماتهم في مشروعاتهم التوسعية، سواء داخل اليمن أم ليبيا، ورغم الإدانات التي قوبلت بها هذه التحركات من مواطني الدول الإفريقية، فإن الواقع الاقتصادي المؤلم كان نقطة الضعف التي أجادت أبوظبي اللعب عليها في تحركاتهم الخارجية.