أكد تحقيقٌ تلفزيوني بثته القناة الإسرائيلية الثالثة عشر ضمن سلسلة حلقات تحت عنوان “أسرار الخليج”، عمق التحالف بين إسرائيل وبين الإمارات في العقدين الأخيرين، حتى بعد قيام جهاز “الموساد” باغتيال القيادي في حركة “حماس” محمود المبحوح، وبعد رفض وزارة الأمن الإسرائيلية وإحباطها صفقةً لبيع طائرات مسيرة من صنع إسرائيلي للإمارات في العام 2008.
وشهد العام المذكور، بحسب التحقيق، لقاءً خلال شهر فبراير بين السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبي، وبين سفير إسرائيل سولي مريدور، بحضور الدبلوماسي الأميركي دنيس روس، لتنسيق التعاون والمواقف بين الطرفين ضد النفوذ الإيراني، وضد المشروع النووي الإيراني.
وأكد التحقيق أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ورئيس “الموساد” الأسبق، مئير داغان، كانا أقرّا أمر الصفقة، كمقدمةٍ لتحسين العلاقات مع الإمارات، والاستفادة من العلاقات معها ضد إيران، بما في ذلك ترديد مسؤولين إماراتيين في تلك الفترة أمام الإدارة الأميركية تحذيرات من أن إسرائيل قد تقدم على ضرب المنشآت النووية في إيران في وقت أبكر مما يتوقعه الأميركيون، وهو ما اعتبره المسؤولون في البيت الأبيض صدى للتحذيرات الإسرائيلية، إذ كان نتنياهو ووزير أمنه إيهود باراك، قبل التوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول 5+ 1 يتحدثان عن اتجاه تل أبيب لضربة في إيران، في حال واصلت نشاطها النووي، كجزء من الجهد الإسرائيلي لإقناع الغرب والولايات المتحدة بالتصدي للمشروع الإيراني بشكل فعال.
وأشار التحقيق إلى أن إلغاء الصفقة الإسرائيلية، كان بمثابة صفعة لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، الذي وصفه التحقيق بالحاكم الفعلي للإمارات المتحدة، والشخصية الأهم في تقوية الحلف السرّي بين إسرائيل والإمارات.
وقد أثر إلغاء الصفقة المذكورة، رغم دفع الإمارات عشرات ملايين الدولارات، على العلاقات بينها وبين إسرائيل في الفترة بين عامي 2009 و2012، وكان هناك حاجة لجهود مكثفة بذلتها إدارة باراك أوباما ورئيس الموساد الذي تولى مهامه بعد داغان تمير باردو.
وبحسب التقرير، فإن برقية من السفير الأميركي لدى الإمارات، نقلت عن بن زايد قوله قبل إلغاء الصفقة المذكورة: “أتفق مع الاستخبارات الإسرائيلية بشأن تقدم المشروع النووي الإيراني، وأن الإسرائيليين سيهاجمون هذه المنشآت بوقت أبكر مما تتوقعون، وقد يتم ذلك هذا العام، وسيرد الإيرانيون بضربنا بالصواريخ”.
ووفقا لرواية دان شابيرو، سفير الولايات السابق لدى تل أبيب، ومن كان في ذلك الوقت عضواً في مجلس الأمن القومي الأميركي، فقد أثار القرار الإسرائيلي غضب بن زايد: “لقد شعر بأنه تمت خيانته شخصياً، وكانت المرحلة الأولى تقتضي التغلب على البعد الشخصي، وعلى الإهانة”.
ووفقاً للتحقيق، “استمرت القطيعة بين تل أبيب والإمارات ثلاثة أعوام، وأضرّت بالجهد الإسرائيلي في صدّ المشروع الإيراني، إلى أن بدأ رئيس “الموساد” باردو وعددٌ من كبار مسؤولي إدارة أوباما العمل لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، من خلال اتصالات مكثفة لاستئناف الحوار بين الطرفين”.
وبعد عام من القطيعة التامة، بحسب رواية شابيرو، بدأ حوار غير مباشر بين إسرائيل والإمارات، سرعان ما تحول إلى اتصالات مباشرة عبر قنوات سرية، أهم بنودها تعهد إسرائيلي ألا ينفذ “الموساد” عمليات اغتيال داخل الأراضي الإماراتية.
وبحسب شابيرو، فقد طالب الإماراتيون بداية باعتراف إسرائيلي عبر القنوات السرية بالعملية وتحمل مسؤوليتها، لكنهم اكتفوا في نهاية المطاف بأقل من ذلك: توضيح إسرائيلي بألا تتكرر أمور كهذه على أراضي الإمارات، ورغبة بالعودة للتركيز على الجهد المشترك ضد إيران وضد الإرهاب في المنطقة.
وأعادت الشركة الإسرائيلية قسماً من المبالغ التي تلقتها، واقترحت إسرائيل تعويضاً إضافياً: “استعداد لفحص طرق لتعزيز الحوار الأمني مع الإمارات وتبادل معلومات استخبارية بما يفيد الإمارات، وبما يخص أيضاً عملية المبحوح وصفقة الطائرات، وكان التعويض يمزج بين الاثنين: وضع ما حدث وتجاوزه والتوصل إلى تفاهات أمنية – جزء منها في عالم الاستخبارات والآخر في المجال التكنولوجي، كان كل شيء مرتبط وكان يجب التوصل إلى صفقة”.
وبعد التوصل لهذه الصفقة، عادت إسرائيل والإمارات للاهتمام بالموضوع الأكثر سخونة، أي المشروع النووي الإيراني، إذ كانتا قلقتين من المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وبين إيران في العام 2013، وحاولتا إحباط الاتفاق.
ويشير شابيرو، في المقابلة معه، إلى الاتصال الدائم الذي كان بين سفير إسرائيل والسفير الإماراتي وتطور العلاقات بينهما، وبينما كان النشاط الإسرائيلي في هذا السياق معلناً، فقد كان النشاط السعودي والإماراتي سرياً.
ووفقاً للتحقيق، فإن العلاقات السرية بين الطرفين والتعاون بينهما في الملف الإيراني حقق تحولاً في نهاية العام 2015، عندما سمحت الإمارات لإسرائيل بفتح ممثلية دبلوماسية رسمية على أراضيها، داخل مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبو ظبي.
تبع ذلك تطور آخر في العلاقات عام 2016، حيث اتضح أنه أجريت اتصالات هاتفية عدة بين نتنياهو نفسه وبين محمد بن زايد، تناولت الملف الإيراني وسبل الدفع بمؤتمر سلام إقليمي، يجري في سياق الإعداد له تشكيل حكومة وحدة وطنية في إسرائيل عبر ضم حزب “العمل” برئاسة يتسحاق هرتسوغ لحكومة نتنياهو التي كانت تتمتع حتى ذلك الوقت بأغلبية 62 نائباً، وكان حزب أفيغدور ليبرمان خارج الحكومة.
وقال دان شابيرو للقناة الإسرائيلية إن “ممثلي نتنياهو وممثلي بن زايد كانوا على اتصال دائم وثابت، وقد التقوا أحياناً وجها لوجه، وتبادلوا الآراء حول كيفية بلورة الصفقة، وماذا سيكون على كل طرف منهما”.
وفشلت محاولة إطلاق مبادرة سلام إقليمية، كما ضمّ نتنياهو حزب ليبرمان لحكومته، وظلت الأمور راكدة إلى أن أسفرت الانتخابات الأميركية عن فوز دونالد ترامب. حاول نتنياهو دفع الأخير لعقد مؤتمر قمة يشارك فيها هو إلى جانب محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ومحمد بن زايد، لكن الأميركيين تلقوا رداً سلبياً من الرياض وأبو ظبي.
وخلص التحقيق إلى أن العلاقات بين إسرائيل والإمارات قد تعززت في العامين الأخيرين أيضاً بفعل نشاط رئيس الشاباك يوسي كوهين. مع ذلك، وعدا عن “بوادر إيجابية صغيرة”، لم يتمكن نتنياهو بحسب التحقيق من الوصول إلى حالة من العلاقات الدبلوماسية المعلنة، بالرغم من عزف النشيد الوطني الإسرائيلي في أبو ظبي مؤخراً.