موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: نساء إماراتيات شاهدات على قمع النظام الحاكم

199

حقوق الإنسان في الإمارات- لا تقتصر سجون دولة الإمارات التي تروج زورا لنفسها بأنها دولة التسامح،  على وجود المعتقلين الرجال في معتقلاتها السرية والعلنية، بل شملت الناشطات في المجالات الخيرية والاجتماعية.

وبينما تسارع دول الإمارات الخطى نحو تقديم المبادرات الدولية الدينية والأكاديمية والرياضية والثقافية والتكنولوجية واستضافة المهرجانات والفعاليات والدولية؛ لتلميع صورتها عالميا، تعتقل عشرات الرجال والنساء على خلفية حرية الرأي والعمل الخيري.

وهو ما دفع منظمة “فريدوم هاوس” الحقوقية الدولية لتصنيف الإمارات خلال تقريرها لعام 2019 ضمن الدول “غير الحرة”، لتحل في المرتبة 138 عالميا في مجال الحريات من أصل 210 دولة شملها التقرير.

ويقول مركز الإمارات لحقو الإنسان: إن سجن المرأة يعني أن الاختلال لم يطل فقط المنظومة الحقوقية والقانونية في دولة الإمارات، بل طال المنظومة القيمية والإنسانية من خلال هدم فكرة حرمة المرأة وسجنها ومصادرة حقها في الحرية والتعبير في مجتمع الأصل فيه أن يعامل المرأة برفق ولين واحترام.

ويفتقر مركز الإمارات وغيره من عشرات المراكز الحقوقية الإحصائيات الدقيقة للمعتقلين في سجون النظام الحاكم، فلا تسمح أجهزة الأخيرة والسلطة القضائية للمراكز والمنظمات الدولية بممارسة عملها.

وتعتمد هذه المراكز الحقوقية على التسريبات من داخل السجون الإماراتية، وتشير إلى أن معتقلتان تقبعان حاليا في السجون الإماراتية وهما: مريم سليمان البلوشي وأمينة محمد العبدولي.

واستطاعت المراكز الحقوقية أيضا توثيق وفاة أيقونة العمل الخيري علياء عبد النور داخل أحد المستشفيات الإماراتية عقب تدهور حالتها الصحية إثر مرض السرطان الذي عم جسدها داخل سجون دولتها.

وعلياء عبد النور، ناشطة إماراتية مواليد 1977م، وتنتمى إلى أسرة من الطبقة المتوسطة، وعرف عنها حبها للعمل الاجتماعي وكانت ناشطة مدنية تقدم المساعدات للأسر السورية المتضررة من الحرب، وتساهم في جمع التبرعات للمحتاجين.

وبدأت مأساة علياء التي كانت تقيم في إمارة عجمان، عقب اقتحام وحدة أمنية منزل العائلة بتاريخ 29 يوليو 2015، واعتقلتها بعد ضربها وتكبيلها ومنعها من ارتداء حجابها، وهي تغادر بيت العائلة رفقة سرية أمنية مدججة بالسلاح والكلاب البوليسية.

وتعرضت للاختفاء القسري في مكان مجهول لمدة أربعة أشهر دون السماح لها بالتواصل مع أسرتها، كما لم تُفصح السلطات الإماراتيّة عن أي معلومة تخص مصيرها لأي جهة كانت بالرغمِ من المطالبات الحقوقيّة بذلك.

وعُرضت علياءُ لاحقا على الجهات القضائية المُختصّة. فتم اتهامها بـ «تمويل الإرهاب» و«التعامل مع إرهابيين خارج البلاد» قبل أن يحكم عليها بالسجن 10 سنوات.

وعانت المعتقلة آنذاك الإهمال الطبي المتعمد، حيث كانت تعاني من أورام سرطانية وتضخم في الغدد الليمفاوية، وهشاشة العظام وتليف في الكبد، وفقدت أكثر من 10 كيلوغرامات من وزنها بسبب سوء الرعاية الصحية والغذائية في سجن (الوثبة)، ما سمح بتوسع انتشار السرطان في جسدها.

وفي أغسطس 2017 حصلت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا على رسالة خطيّة مكتوبة بيد علياء سردت فيها ما تعرضت له منذ اليوم الأول لاعتقالها دون إذن قضائي من داخل منزلها ومن ثمّ تعرضها للاختفاء القسري والتعذيب فضلا عن احتجازها في ظروف متدنية حتى يومِ إصابتها بأورام سرطانية وتدهور حالتها الصحية بعدَ رفض إدارة مقر احتجازها تقديم أي رعاية طبية لها.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش “إن السلطات الإماراتية أساءت معاملة علياء المصابة بمرض عضال وحرمتها من الرعاية الطبية الكافية ومن الاتصال المنتظم بعائلتها”.

وأثارت حالةُ علياء الكثير من الجدل خاصّة بعد تسرب مكالمة هاتفيّة لها مع أسرتها في 29 أكتوبر 2017 قالت فيها: “أشعر بضيق شديد في صدري، إنهم يتعمدون استفزازي، ودون أي سبب، يريدون مني أن افتعل المشكلات، لا يريدون إلا المشاكل، لابد أن أتدنى بمستواي لكي أحصل على أبسط حقوقي، وأنا لا أريد شيء، فقط أريد أن اتصل بكم”.

وواصلت شرح حالتها في ذات المكالمة قائلة: “لم أعد أتحمل، بل ماذا سأتحمل؟ أنا حبيسة هذه الغرفة المفرغة من كافة الإمكانيات، لا أرى أي شيء، محرومة من الخروج، محرومة حتى من الهواء، محرومة من أبسط حقوقي، وأنا لا أريد شيء، لم أطلب معاملة متميزة، ومع هذا يستمر تنكيلهم، لماذا؟”

ورغم محاولات عائلتها استجداء السلطات الحاكمة في الإمارات، إلا أن جميع محاولاتها بائت بالفشل.

وفي 10 يناير 2018م، كشف المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان عن نقل علياء إلى مستشفى توام بمدينة العين الإماراتية دون إخبار عائلتها.

وكشفت منظمة العفو الدولية أن أسرة علياء، بعد أن أخبرهم الأطباء أنها ستعيش شهورا فقط، تواصلوا مرارا مع ولي العهد محمد بن زايد ووزارة الداخلية والنائب العام للمطالبة بالإفراج الصحي عنها – وهو ما يسمح به القانون الإماراتي – إلا أن طلباتهم رُفضت دون تفسير أو تم تجاهلها.

وفارقت معتقلة الرأي علياء عبد النور، الحياة، في 4 مايو 2019 بعد صراع طويل مع مرض السرطان وهي مقيدة داخل مستشفى توام، وقد بقيت مقيدة بسريرها في ظروف غير إنسانية داخل المستشفى لآخر لحظة.

مريم البلوشي

والمعتقلة مريم سليمان البلوشي، ومقيم في مدينة كلباء، يتيمة الأب، وهي أكبر أخواتها ولديها شقيق واحد صغير السن.

وبجانب دراستها الجامعية في الكية التقنية، نشطت مريم في العمل الاجتماعي والتطوعي داخل الجامعة إلى جانب مساهمتها في مساعدة اللاجئين السوريين.

وفجأة، تحول العمل الإنساني الذي تقوم به مريم إلى تهمة زجت بها إلى ظلمات المعتقلات والسجون السرية في بلادها بدء من 19 نوفمبر 2015 . حيث أقدمت مريم على التبرع بمبلغ بسيط قدره 2300 درهم لإحدى العائلات السورية المحتاجة.

وتحول هذا التبرع للفتاة الجامعية، لتهمة لدى أمن الدولة الإماراتي، بدعوى أن رب الأسرة السورية انضم لاحقا لجماعة ثورية ضد النظام السوري، وباتت تهمة تمويل الإرهاب في انتظار مريم، وليصدر بحقها لاحقاً حكم بالسجن لمدة 5 سنوات.

وعانت مريم من الاختفاء القسري في جهاز الأمن السري حتى تاريخ 12 من أبريل 2016، نقلت بعدها إلى سجن الوثبة قبل ان يبدأ مشوار محاكماتها.

وعرضت مريم على المحكمة مرتين الأولى  في محكمة الاستئناف الاتحادي في أبوظبي في 24 كتوبر 2016م، والثانية في فبراير 2017 ليصدر الحكم بسجنها خمس سنوات.

وتقول البلوشي إن المحامي نفى جميع التهم لغياب الأدلة وأخبر القاضي أن الأقوال والاعترافات أخذت تحت الضغط والتعذيب. لكن القاضي نفى التعذيب من غير أن يعرضها على الطب الشرعي وحكم عليها بالسجن خمسة أعوام.

ولم تحضر عائلتها ومحاموها الخاصون الجلسة لعدم علمهم بموعدها.

وكشفت المعتقلة الإماراتية في تسجيل مسرب حصل عليه المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان يوم 19 مايو 2018، أن التحقيق معها استمر ثلاثة أشهر، ثم أجبرت على التوقيع على أوراق التحقيق التي سجلت فيها أقوالها تحت الضغط والضرب.

وتحدثت البلوشي عن الظروف السيئة التي تعيشها في سجن الوثبة وأنها طالبت مرارا بنقلها إلى سجن آخر، إلا أنها قوبلت بمزيد من التعذيب حيث قيدت يداها ورجلاها لمدة ثلاثة أيام.

وحسب التسجيل، أكدت البلوشي أن حالتها الصحية تراجعت وكانت “تستفرغ دما لسوء التغذية وانعدام التهوية والمعاملة السيئة من قبل الضباط والشرطيات والعنصرية وأي مكان نطلب منهم الذهاب إليه سواء المكتبة أو العيادة يكون بعد صراع طويل”.

كما تعرضت لشتى أنواع الانتهاكات، وتعرضت للضرب على الرأس والتهديد بالاغتصاب، والتلويح بورقة سحب الجنسية من أفراد عائلتها، وكانت نتيجة ذلك تعرض عينها اليسرى إلى ضرر بالغ إلى جانب آلام مستمرة في الظهر والرأس.

ومن أجل الحصول على حقوقها، اضطرت مريم لخوض إضراب لزيادة الاتصالات مع أهلها على الأقل. إذ في فترة وجودها في سجن الوثبة، قالت البلوشي: حاولت في العديد من المرات الدخول في إضراب عن الطعام لكن كنت أقابل بالمزيد من التعامل الوحشي من قبل إدارة السجن والنقل إلى الحبس الانفرادي.

ومن المقرر أن تنتهي محكومية مريم البلوشي في 19 نوفمبر 2020.

أمينة العبدولي

وأما المعتقلة أمينة محمد العبدولي، فهي أم لخمسة أطفال يقيمون في إمارة الفجيرة، ووالدها ضابط سابق في الجيش الإماراتي، والشقيقة الكبرى لمعتقلة الرأي السابقة “موزة العبدولي”.

وبدأت المضايقات الأمنية بحق الأم (40عاما)، عقب تضامنها مع الثورة السورية، فمنعتها من السفر لأداء العمرة عام 2012م، وهددتها بالاعتقال على خلفية منشوراتها.

وتوالت التهديدات الأمنية حتى اعتقال أمينة في 19 نوفمبر 2015 في منزل أسرتها، وتعرضت للإخفاء القسري لأكثر من سبعة أشهر وبقيت في سجن الأمن السري حتى تاريخ 30 يونيو 2016.

وفي 31 أكتوبر 2016، حكمت المحكمة الاتحادية العليا في أبو ظبي على أمينة العبدولي، بالسجن 5 سنوات وغرامة مالية مقدارها  500 ألف درهم إماراتي، ومصادرة أجهزتها الإلكترونية وغلق بريدها الإلكتروني، وذلك بتهمة “إنشاء وإدارة حسابين الكترونيين بغرض الترويج لتنظيم إرهابي”.

وتعرّضت عائلة المعتقلة أمينة العبدولي إلى التضييق والتهديد، فقد تم إجبار عمها على توقيع أوراق تبرؤه من التدخل لصالحها، وتم إخفاء شقيقها الأكبر قسريا لمدة 4 أشهر بعد تقديمه شكوى لصالح أخته، وتم  احتجاز أيضا موزة العبدولي (22 عاما) الشقيقة الصغرى لأمينة، على خلفية تغريدات كتبتها في رثاء والدها.

وكشفت أمينة في رسالة خطية حصلت عليها المنظمة العربية لحقوق الإنسان في لندن 2018، كشفت أمينة عن تفاصيل اعتقالها التعسفي هي وإخوتها دون مذكرة قضية للضبط والإحضار، والممارسات المهينة من تقييد الأيادي والأرجل، ثم حبسها انفراديا في زنزانة ضيقة دون فراش أو غطاء طيلة فترة الاحتجاز.

وتعمد عناصر الأمن إلى زنزانة أمينة في سجن سجن الوثبة، بشكل متكرر ومفاجئ دون استئذان، كما تم وضعها في غرفة دون تهوية وعدم توفر الرعاية الصحية لها.

وإزاء ذلك، بدأت العبدولي تعاني من مشاكل في الكبد وتحتاج إلى إجراء فحوص طبية، وتعاني من فقر الدم، وضعف وتشوش في الرؤيا في العين اليمنى.

وفي 30 يوليو 2019، أي قبل عام من موعد الإفراج المفترض عن أمينة، تم إبلاغها بتفعيل قضية جديدة ضدها، بتهمة الإساءة للدولة بسبب رفض التعاون وتسجيل اعترافات لبثها في الإعلام المحلي.

وفي تسريب صوتي جديد في أبريل 2020  نشره حساب “نحن نسجل” على تويتر قالت العبدولي : “تمت معاقبتي أنا والمعتقلة مريم سليمان بإدخالنا الحبس الانفرادي حتى تاريخ 12 مارس 2020″،

وتابعت: “أبلغت أسرتي بالإضراب وطبعا تفاجؤوا، لأنهم تواصلوا مع إدارة السجن في فترة الإضراب فأبلغوهم بأنني بخير وأن الاتصال قطع لأسباب أخرى .. دخلت الآن الشهر الثاني من الإضراب، وسط إهمال تام لحالتي الصحية، حتى إنهم لم يرسلوني للعيادة ولو لمرة واحدة”.

ووجهت أمينة نداء استغاثة لمنظمة العفو الدولية (أمنيستي) وكل المنظمات الحقوقية قائلة “أوجه نداء استغاثة إلى منظمة العفو الدولية وجميع منظمات حقوق الإنسان بالتدخل للإفراج عنا ولم شملي بأولادي الخمسة، خاصة بعد الجائحة العالمية وباء كورونا”.

وسبق أن خاضت الأم الاماراتية إضرابات عن الطعام أكثر من مرة؛ احتجاجا على المعاملة المهينة واللإنسانية في السجن.

ولعل المراقب لأوضاع المعتقلات فيجد أن الأولى قد فارقت الحياة داخل معتقلها، والثانية أقدمت على الانتحار، والثالثة لا زالت تخوض الإضراب عن الطعام من أجل حقوقها النسوية داخل سجون دولتها.

وحث مركز الإمارات لحقوق الإنسان على ضرورة الاهتمام بقضية معتقلات الرأي بعناية دولية، والعمل على فتح تحقيق جديّ وشفاف يشرف عليه مراقبون دوليون للتحقيق في وفاة علياء عبد النور من أجل إنصافها وردّ الاعتبار لها ولعائلتها وحتى تأخذ العدالة مجراها.

وطالبت بضرورة سماح السلطات الإماراتية بدخول المنظمات الحقوقية والمراقبين الدوليين بزيارة السجون وتفقد أوضاع السجينات، والسماح للمعتقلات برؤية عائلاتهن وأبنائهن بشكل دوري ومنتظم وفق ما يضمنه القانون.