تحليل: هل تخلى بن زايد عن حليفه بن سلمان بسبب ثمن قضية جمال خاشقجي؟
يثير الموقف الباهت من الإمارات وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إزاء قضية جمال خاشقجي التساؤلات بشأن إن كان قرر التخلي عن حليفه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تجنبا للتورط بدفع الثمن الكبير للقضية التي تشغل المجتمع الدولي.
وليس عبثا القول: “للأقوياء أصدقاء كثيرون وللضعفاء أصدقاء حقيقيون”، أو لا أب للهزيمة، وآلاف الآباء للنصر. وهذه الأمثال تنطبق اليوم، على موقف أبوظبي من أزمة الرياض في قضية اختفاء خاشقجي واغتياله.
فقد لاحظ المراقبون دفاعا إعلاميا إماراتيا باهتا إلى جانب غياب الموقف الرسمي من هذه القضية، فيما يبدو أنه خلاف حسابات واعتبارات بين الجانبين رغم سلوكهما المتقارب مع الناشطين في بلديهما.
وأثار رد الفعل الإماراتي تساؤلات عن جدية “التحالف” بين الإمارات والسعودية بعد أن شددا طويلا على أن “علاقتهما غير مسبوقة”، مطالبين بحذو دول المنطقة لاتباعهما في مثل هذه العلاقة.
وهي في الواقع، علاقات تم ترسيخها بالشراكة التامة في دعم الانقلاب في مصر وحصار قطر ودعم الثورات المضادة، ودعم صفقة القرن والتطبيع مع إسرائيل، ولكنها تقف أمام محك كبير اليوم، هو “أزمة خاشقجي”
وموقف الإمارات من أزمة “ابن سلمان- خاشقجي” بدا للمراقبين، أنه تغير خلال أسبوع واحد؛ قاطعا ثلاث مراحل واضحة للعيان، حتى وصل إلى ما يعتبره مراقبون، من مرحلة “التبني” إلى “التخلي”.
مرحلة الصمت السعودي الإماراتي
التزم الموقف السعودي الصمت التام لنحو 72 ساعة منذ الإعلان عن اختفاء جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في (2|10). وكذلك التزمت الإمارات الصمت إعلاميا ورسميا وعلى مختلف المستويات.
مرحلة الاعتراف السعودي بزيارة خاشقجي للقنصلية
كان لمقابلة محمد بن سلمان على وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية دورا كبيرا في انتقال الصمت الإماراتي إلى مرحلة التبني وإعلان تأييد موقف السعودية إعلاميا ورسميا. فانبرت عدة مقالات تتبنى ما قاله ابن سلمان وتنفي أن يكون خاشقجي في القنصلية.
وعلى الفور صدر موقف إماراتي رسمي، من جانب وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، عندما غرد على حسابه مظهرا تأييده لتصريحات ابن سلمان ولكن دون أن يذكر قضية خاشقجي بالاسم.
وزعم قرقاش في تغريدته: “لقاء الأمير محمد بن سلمان الشامل مع بلومبيرغ تمّيز بالصراحة والوضوح، وجاءت ردود الأمير واثقة ومطلّعة ومقنعة، الأمير محمد بن سلمان يبرز مجددًا عبر اللقاء قائداً وطنياً طموحاً وواقعياً، وإجاباته قوضت حملة التضليل التي تطال السعودية الشقيقة. حوار مهم في فحواه وتوقيته”، على حد تفكيره.
ومن جانبه، قال عبد الخالق عبدالله، الذي يوصف بأنه مستشار ولي عهد أبوظبي، على “تويتر”، قائلا: إن ابن سلمان وفي مقابلته مع “بلومبيرغ”، حمّل الحكومة التركية مسؤولية اختفاء خاشقجي.
وإضافة إلى هذين الموقفين، استمر الإعلام الإماراتي الرسمي ينقل الرواية السعودية ويطعن بالرواية التركية ويكذبها ويتهم القطريين والإخوان بشن حملة ضد السعودية.
مرحلة الإعلان عن اغتيال خاشقجي
بعد نحو 24 ساعة من مقابلة ابن سلمان مع “بلومبيرغ”، ألقى الأمن التركي حجرا ثقيلا في مياه الأزمة الهادرة في الأساس، عندما أعلن عن استنتاجاته الأولية، بقتل خاشقجي وتقطيع جثته وتهريبها خارج القنصلية.
هذه التقديرات الأمنية، كانت مفصلا ونقطة تحول ليس في القضية وحدها، وإنما، أيضا، وبحسب مراقبين، بالموقف الإماراتي نفسه، الذي أخذ التراجع والخفوت إلى درجة الغياب.
لا يمكن إنكار أن هناك مقالات لا تزال تنشر في صحف الإمارات عن قضية خاشقجي، ولكنها تناولت بصورة أساسية مهاجمة قناة الجزيرة وقطر والإخوان، إذ على ما يبدو أن أبوظبي اختارت هذه الزاوية لتناول الأزمة، كون ذلك يتقاطع مع الموقف الإماراتي التاريخي من الجزيرة والقطريين، وبما لا يقطع خيط دعم للسعودية في هذا الجانب على الأقل.
ولكن، بصفة عامة، غابت المواقف الإعلامية الرسمية وغاب المغردون الرسميون من قرقاش وحمد المزروعي وعلي النعيمي وعلي بن تميم، وكثيرين يبرزون في هذه المواقف.
ويسجل استثناء وحيد لضاحي خلفان، الذي تناول الأزمة من جانب المقارنة في سرعة التعامل بين أمن دبي مع اغتيال المبحوح، وأداء الأمن التركي في قضية خاشقجي، مكتفيا بالقول التقليدي: ما دام أنه لا جثة لخاشقجي فهو على قيد الحياة، متجاهلا أن الجثة ممكن أن تخفى ولو لفترة من الزمن.
على أي حال، مراقبون يعتبرون أن موقف خلفان استعراضي يستغل اللحظة الأمنية لإظهار “تفوق أمن دبي”، ولم يقصد الدفاع عن السعودية، لأنه لم يدافع بالفعل عن السعودية.
هذا الموقف الرسمي والإعلامي من جانب الإمارات دفع المراقبين للتأكيد أن أبوظبي تخلت عن حليفها محمد بن سلمان!
ففي البداية، لا بد من الإشارة إلى عمق العلاقة الشخصية بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، إذ سبق لوسائل إعلام غربية وصف هذه العلاقة بأنها علاقة المعلم (محمد بن زايد)، بالتلميذ (ابن سلمان).
وفي العامين الأخيرين، وخاصة بعد الأزمة الخليجية، تطورت العلاقة بين أبوظبي والرياض بإعلان “اللجنة العليا المشتركة بين دولة الإمارات والسعودية”، وهي لجنة دفعت المراقبين لاعتبارها انشقاق ثنائي عن مجلس التعاون الخليجي، وفي نفس الوقت اعتبروها تحالفا كتعبير عن مدى التقارب الذي تشكله العاصمتين، مع وصف هذا التطور بأنه “غير مسبوق” في العلاقات بين الجانبين.
وقد وصف الإعلام الغربي هذه العلاقة على أنها رغبة وجموح من الدولتين نحو قيادة المنطقة وفرض رؤيتهما عليها.
الآن، هل تخلت أبوظبي عن ابن سلمان؟ يقول مراقبون، إن ابن سلمان ورغم أنه يقلد أبوظبي في سياسة القمع الداخلي، إلا أنه هذه المرة خرج عن النص تماما، وبحماسة مفرطة ورط نفسه في أزمة دولية، ترى أبوظبي أن ثمنها أكبر بكثير من الإنجاز خلفها.
فأبوظبي، بحسب مراقبين، لا تزال ترفض التصرف والسلوك بهذه الرعونة والفجاجة وبما يؤثر على سمعتها الدولية ويسبب لها الضرر السياسي والدبلوماسي، على خلاف ابن سلمان الذي يصفه الإعلام الأمريكي بالمتهور وعديم الخبرة.
وأبوظبي لا تزال تعاني من تقرير الأمم المتحدة الذي صدر أواخر أغسطس الماضي، وذكر أسماء كبار قيادات الدولة السياسيين والعسكريين على أنهم متهمون بارتكاب جرائم حرب في اليمن، وأي ظهور لأبوظبي في أزمة “ابن سلمان- خاشقجي” والتي يبدو أن ثمنها سيكون مرتفعا للغاية دوليا على السعوديين، لن يحقق لها أي مصلحة.
هذا الموقف “المتخاذل” الذي قد يعتبره البعض، كونه يعبر عن تراجع وتخل إماراتي عن الرياض، يطرح تساؤلات جدية التحالف، ومداه وسقفه؟ وإضافة إلى ذلك، يطرح مراقبون تساؤلا أكثر خطورة: هل لأبوظبي مصلحة في غرق ابن سلمان؟!
البعض يؤكد ذلك، فرغم أن مصالحهما متطابقة إلا أن أبوظبي هي التي تسعى لأن تكون سيد المنطقة لا الرياض، وسقوط مريع لابن سلمان أو للرياض في قضية كهذه يصب في صالح الإمارات، كونه يدفع بالمملكة خطوات إلى الخلف.