يلتزم النظام الحاكم في دولة الإمارات العربية المتحدة الصمت المطبق على إعلان تركيا اعتقال خلية تجسس تابعة لأبو ظبي في أراضيها، فيما يطلق العنان لإعلامه لمواصلة التحريض على أنقرة.
#افتتاحية_الخليج .. #تركيا وجلباب أردوغانhttps://t.co/TCTbtN982J#صحيفة_الخليج pic.twitter.com/5MT7asWdIC
— صحيفة الخليج (@alkhaleej) April 23, 2019
وتعد تهمة التجسس أخطر ما يمس الدول، وتسبب بقطع العلاقات الدبلوماسية فيما بينها، وصولاً إلى الدخول في قطيعة طويلة، إذ تسارع من تُتهم بالنفي وتقديم الدلائل والقرائن التي تعكس ما يتم إثباته عليها.
في الإمارات كان الأمر مختلفاً؛ إذ التزمت الدولة وقيادتها وإعلامها الصمت بعد إعلان السلطات التركية، الجمعة (19 أبريل)، اعتقال عنصري استخبارات يعملان لصالح مخابرات أبوظبي، خلال وجودهما في مدينة إسطنبول.
وساد الصمت المطبق السلطات الإماراتية، إذ لم تخرج بموقف واحد ينفي أو يؤكد صحة ما قدمته السلطات التركية من اعترافات للرجلين بمحاولة تأسيس شبكة تجسس لصالح الاستخبارات الإماراتية في تركيا تضم عملاء من بلدان مختلفة.
ومرت ثلاثة أيام ولم تنشر الصحف الإماراتية ولا كتابها -على غير العادة- أي شيء له علاقة بالقضية التي تناولتها غالبية الوسائل الإعلامية الدولية، وسلطت الضوء عليها؛ لكونها تمس قضية أمن قومي، خاصة بعد اغتيال السعودية لمواطنها جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول.
ويعد التجسس سمة اتصفت بها دولة الإمارات؛ إذ كشف تحقيق لوكالة “رويترز”، في نهاية يناير الماضي، أن أبوظبي سعت من خلال فريق تجسّس يضم عملاء سابقين في أجهزة الاستخبارات الأمريكية والأمن القومي، إلى التجسس على هواتف أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ووزير الدولة العُماني للشؤون الخارجية، يوسف بن علوي، وأيضاً نائب رئيس الوزراء التركي السابق، محمد شيمشك.
وسعى الفريق التجسّسي المتخصص بالأمن السيبراني، والذي شكّلته الإمارات لملاحقة معارضيها وأعدائها، إلى محاولة اختراق الهواتف الشخصية للمستهدَفين بمساعدة أداة تجسّس يطلَق عليها اسم “كارما”، وهو ما يبيّن مدى فاعلية تأثير انتشار أسلحة الأمن السيبراني، وخاصة عندما تكون بيد دول صغيرة.
وبحسب العاملين في المشروع، فإن برنامج “كارما” يُتيح إمكانية الوصول إلى هواتف “آيفون” ببساطة؛ وذلك من خلال تحميل أرقام الهواتف أو حسابات البريد الإلكتروني في نظام الاستهداف الآلي.
ويشير التحقيق إلى أن “البرنامج قوي وفاعل؛ لأنه -على عكس العديد من البرامج- لا يحتاج إلى أن يقوم المستهدَف بالنقر على رابط يتم إرساله عبر آيفون”.
وبحسب “رويترز”، فإن “كارما” يمكنه العمل على استغلال مئات من هواتف “آيفون” في وقت واحد، حيث يلتقط البيانات والصور والرسائل.
ووفق “رويترز” ذكر ضباط سابقون ووثائق للبرنامج أن المشروع استهدف أيضاً الأمريكيين وهواتف آيفون الخاصة بموظفي سفارات فرنسا وأستراليا وبريطانيا.
ولم تنفِ الإمارات في حينها ما نُشر حول برنامجها التجسسي، حيث كشف وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، عن دور بلاده في التجسس على الدول من خلال الاستعانة ببرامج متطورة مكّنت أبوظبي من امتلاك “قدرة إلكترونية”.
وأضاف قرقاش مبرراً تجسس بلاده على الدول بالقول: “نحن نعيش في جزء صعب جداً من العالم. يتعين علينا أن نحمي أنفسنا (..) نحن لا نستهدف دولاً صديقة ولا نستهدف المواطنين الأمريكيين”.
الصحفي والكاتب التركي إبراهيم قراغول يقول: إن “الجاسوسين الإماراتيين المعتقلين في إسطنبول ينتميان إلى فريق اغتيال خاشقجي، ولا يزال في إسطنبول المزيد، ولهذا يجب القبض عليهم فوراً”.
ويضيف قراغول في مقال له كتبه في صحيفة يني شفق التركية، الأحد الماضي: “لقد كان هذان الجاسوسان يريدان تنفيذ عمليات اغتيال أو خطف أو أي عمليات كبيرة أخرى. وعندما نظرنا إلى السيرة الذاتية للشخصين المعتقلين اكتشفنا أنهما تلقيا تدريباً على تنفيذ عمليات التخريب والاغتيال”.
وتساءل: “من كانا سيغتالان؟ هل كانا سيفجران القنابل في إسطنبول؟ لأي غرض أُرسلا؟ ألم تكفِكما جريمة خاشقجي؟ من كنتما ستقتلان؟”.
وكانت وكالة “الأناضول” الرسمية أكدت أن الأمن التركي أوقف رجلين يتجسسان لمصلحة دولة الإمارات، وذلك في إطار تحقيق للنيابة العامة الجمهورية في إسطنبول، في حين قالت مصادر أخرى إن الموقوفَيْن فلسطينيان يعملان لمصلحة محمد دحلان، مستشار ولي عهد أبوظبي.
ووجهت النيابة لكل من سامر سميح شعبان (40 عاماً) وزكي يوسف حسن (55 عاماً)، وهما مواطنان فلسطينيان ويحملان جوازي سفر فلسطينيين، تهمة الحصول على معلومات سرية خاصة بالدولة بغرض التجسس السياسي والعسكري، بحسب “TRT”.
وتشير التحقيقات، وفقاً للائحة الاتهام التي أعدّها المدعي العام الجمهوري في إسطنبول، إلى أن كلا المقبوض عليهما كان على صلة بمحمد دحلان، الذي يقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتوجد أدلة على تورطه في محاولة 15 يوليو الانقلابية الفاشلة في تركيا عام 2016، الأمر الذي دفع أجهزة الأمن التركية إلى متابعة تحركاتهما واتصالاتهما حتى اعتقالهما، يوم الاثنين الماضي.
وتوضح التحقيقات التي بدأت عقب تعقّب اتصالات دحلان مع أفراد يقيمون داخل تركيا، أن زكي يوسف حسن كان أحد المسؤولين الكبار في جهاز الاستخبارات الفلسطينية، وانتقل بعد تقاعده من العمل إلى بلغاريا مع عائلته، قبل أن يتوجه إلى إسطنبول ويعمل في التجسس بتوجيهات من دحلان.
أما سامر سميح شعبان فقد انتقل، وفقاً للتحقيقات، من غزة إلى إسطنبول عام 2008، عقب اشتعال الأزمة بين حركتي فتح وحماس، وتُظهر التحريات التي تتبّعت حساباته المصرفية ورسائله الإلكترونية تواصله النشط مع دحلان والتورط في أنشطة تجسسية.
ووفقاً للتفاصيل الواردة حول مهمة الجاسوسين، فقد تركزت على متابعة أنشطة حركتي فتح وحماس في تركيا، وأسماء منتسبيها ومسؤوليها، كذلك كان من بين المهام الموكلة إلى المتهمين الحصول على الهيكلية التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين في تركيا.