في نهاية شهر مارس/آذار الماضي، أفادت الصُحف العبرية بأن اثنين من السائقين الإسرائيليين يشاركان في أحداث جولات بطولة كأس العالم للراليات الصحراوية “كروس كانتري”، رالي أبوظبي الصحراوي، في دولة الإمارات.
ويبدو أن هذا الخبر أصبح اعتيادياً لدى الصحافيين الإسرائيليين الذين لا يمر شهر إلا وهناك حديث عن زيارة أو علاقة جديدة بين الاحتلال الإسرائيلي ودولة الإمارات. فمع أن الدولة لا تعترف بـ”إسرائيل” إلا أنها فتحت ممثلية دبلوماسية لها في أبوظبي، لدى وكالة الأمم المتحدة للطاقة المتجددة (ايرينا) التي تتخذ من أبو ظبي مقرا لها عام 2015.
وأكدت السلطات الإماراتية تأسيس الممثلية في البلاد لكنها زعمت بالرغم من كل ذلك إن موقفها تجاه إسرائيل “لم يتغير”، موضحة أن “أية اتفاقات بين وكالة الطاقة المتجددة في أبوظبي، وإسرائيل لا تمثل أي تغيير في موقف الإمارات أو علاقاتها بإسرائيل”.
ردت وكالة الأمم المتحدة بإعلان رئيس مكتب الاتصالات بالوكالة إلى عدم وجود أي بعثة دبلوماسية معتمدة لدى الوكالة لأي من الدول الأعضاء بها في أبو ظبي لأن معظم الدول ممثلة ببعثاتها الدبلوماسية في الإمارات. لتلقي باللوم على توافق أبوظبي وإسرائيل من أجل هذه البعثة.
وهذه الممثلية هي نتاج تاريخ أكبر من العلاقات بين الإمارات وإسرائيل حيث تسمح الدولة لحاملي جوازات السفر الإسرائيلية بالدخول إلى البلاد فقط تحت شروط خاصة، وهو الذي أدى إلى اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في “دبي” عام 2010.
وقد يعود تسارع تطبيع العلاقات بين الدولة وإسرائيل خلال الثلاثة الأعوام الماضية إلى هذه الممثلية التي نشأت في ظل حالة من الاضطراب في المنطقة كبيئة مثالية للوجود الإسرائيلي في شبه الجزيرة العربية. وتسارع التطبيع ليصعد من المجال الرياضي إلى السياسي وحتى الأمني والعسكري.
وهنا يدعو التساؤل لماذا الآن؟
للإجابة على هذا التساؤل يمكن معرفة الموقف الرسمي من التطبيع، فمن الناحية العسكرية هناك سياسة الأخ الكبير وإرضاء الولايات المتحدة الأمريكية، وجاءت إدارة ترامب أكثر تطبيعاً مع إسرائيل لذلك لكسب ولائها تعتقد الدول وقادتها أنَّ التطبيع مع إسرائيل يزيدها قرباً.
ووصف “الأخ الكبير” جاء على لسان وكيل وزارة الدفاع الإماراتية، اللواء ركن طيار عبد الله السيد الهاشمي المدير التنفيذي للجنة العسكرية المنظمة لمعرض دبي للطيران بالقول خلال تصريحات تلفزيونية (نوفمبر2017): “الإمارات لا ترى في الاحتلال الإسرائيلي عدواً، كما أنَّ الاحتلال لا يرى في الإمارات عدواً أيضاً. وأشار للولايات المتحدة بالأخ الكبير للجميع بمن فيهم الإمارات و “إسرائيل” وسيقول الأخ الكبير-كما يقول الهاشمي-: “توقفوا لا يمكن أن تتحاربوا”!
وتشترك الدولة في المناورات عسكرية شملت عِدة دول غربية مع الإمارات إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي وتضم المناورات علّم إسرائيل وقوات عسكرية تابعه لها. كما أن صفقات أسلحة تم الحديث عنها لشراء أسلحة “إسرائيلية”.
السيطرة على الأمن
إلى جانب ذلك فإن شركات أمن ومراقبة إسرائيلية تسيطر بشكل فعلي على الأمن والمراقبة في الإمارات. وفي مارس 2015 نقلت صحيفة ميدل آيست آي البريطانية عن مصادر وصفتها بالمطلعة وتعمل عن قرب مع الشركات ذات العلاقة، أن السلطات الإماراتية تعاقدت مع شركة أمنية مملوكة لإسرائيل لتقوم بتأمين حماية مرافق النفط والغاز في الإمارات العربية المتحدة وكذلك لإقامة شبكة مراقبة مدنية فريدة من نوعها على مستوى العالم في أبو ظبي.
وتدعى هذه الشركة فالكون آي أو (عين الصقر) التي وقعت عقداً في فبراير 2011م، مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، لمراقبة العاصمة الإماراتية، ويقول مصدر مقرب من الشركة إن حجم المراقبة هائل، “كل إنسان يُرصد من اللحظة التي يغادر فيها عتبة بابه إلى اللحظة التي يعود فيها إلى منزله، وكل ما يقوم به من عمل ومعاملات اجتماعية وتصرفات وسلوكيات يسجل ثم يحلل ثم يحفظ في الأرشيف”.
علاقة دبلوماسية في واشنطن
أما من ناحية دبلوماسية فإن سفير دولة الإمارات في واشنطن “يوسف العتيبة”، يتميز بعلاقة قوية وقريبة جداً بالسفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة “رون ديرمر” وأنهم متفقون على كل شيء باستثناء بعض النقاط المتعلقة بالفلسطينيين؛ حسب ما نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكيّة في أكتوبر2015.
وأكد مسؤول رفيع في السفارة الاسرائيلية على أهمية هذا التحالف الاستراتيجي لإسرائيل. فعلى حد قول المسؤول في السفارة:” إسرائيل والعرب يقبعون سوياً في نفس المكان والتحديات، عندما تقف إسرائيل والدول العربية في صف واحد فهذا قوة للعرب وإسرائيل على حد سواء.”
يتجاوز الأمر الحديث عن علاقة دبلوماسية بين “العتيبة” و”ديرمر” بل أيضاً مع المؤسسات اليمينية -الصهيونية- في الولايات المتحدة، من بينها مركز الدفاع عن الديمقراطيات؛ حسب أشارت الرسائل المسربة من إيميل العتيبة.
علمًا أن ذلك يتم عبر قنوات سرية، ويمول هذا الكيان أي مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الموالية لإسرائيل الملياردير المقرب من تل أبيب شلدون أدلسون، الذي يعد حليفًا مقربًا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأحد أبرز المؤثرين في الساحة السياسة في الولايات المتحدة.
توحي الرسائل المتبادلة بين العتيبة وجون هانا (كبير مستشاري المؤسسة) بأن العلاقة بينهما ودية إلى أبعد الحدود، ففي 16 من أغسطس/آب 2016، أرسل هانا إلى العتيبة مقالاً صحفيًا يشير كاتبه إلى أن الإمارات ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات مسئولتان عن الانقلاب العسكري الفاشل الذي شهدته تركيا، وقد علق هانا عن هذا المقال مازحًا: “نحن نتشرف بأن نكون إلى جانبكم”.
لذلك فإن مواجهة القوة التركية، والنفوذ القطري، والاتفاق حول الربيع العربي، وإيران كسبب أخير يمكن الحديث حوله هي الإجابة على لماذا الآن؟ في السياسة الدّولية أما داخلياً فإن الحاجة إلى رضا الإدارة الأمريكية، والسيطرة “الإسرائيلية” على الأمن، والعلاقات الاقتصادية السرية، والمستشارون الأجانب التابعون لجهاز أمن الدولة، أبرز الأسباب وراء التسريع في تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي.
وتخشى السلطات من ردة فعل المجتمع الإماراتي، وقد تلقى رجل الأعمال الإماراتي “خلف الحبتور” الذي دعا إلى علاقة علنية بين “الإمارات” و”إسرائيل” ردود فعل قوية من الإماراتيين، وكان هذا أبرز رد على محاولة قياس الرأي العام قبل الإعلان أي علاقة مستقبلية.