نقل النظام الحاكم في دولة الإمارات خلال العام 2019 المنقضي بوتيرة متسارعة علاقات التطبيع مع إسرائيل من العمل في الخفاء وتحت جنح السرية إلى العمل العلني الواضح والصريح.
وترسخ التطبيع بين الإمارات وإسرائيل في الأشهر الأخيرة وشهدت العلاقة الثنائية تقاربًا غير مسبوق تفاخر به كبار المسئولين الإسرائيليين.
وصرح وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس الذي زار الإمارات مطلع تموز/يوليو الماضي “إن تعزيز التقارب بين إسرائيل والعالم العربي هو أولوية قصوى”، وأن “هدفي، بدعم كامل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، هو العمل من أجل التطبيع العلني، وتوسيعه وإعلانه علنًا، والوصول إلى توقيع اتفاقيات سلام رسمية مع دول الخليج السنية المعتدلة في غضون بضع سنوات”.
كما أكد المحلل السياسي الإسرائيلي إيدي كوهين في مقابلة تلفزيونية أن “هذا عصر التطبيع العلني، دائمًا كان هناك تطبيع وراء الكواليس، الآن أصبح كل شيء على المكشوف”، نافيا أن “تكون إسرائيل هي التي اخترقت الدول العربية”، مؤكدًا على أن “الدول العربية هي التي فعلت ذلك”.
والوقائع على الأرض في الاثني عشر شهرًا الماضية كشفت النوايا الحقيقية لبعض الأنظمة العربية وفي مقدمتها الإمارات التي كانت وما زالت تصدح بقرارات وتصريحات منمقة تؤيد الفلسطينيين وتؤكد على حقوقهم، لكنها في الحقيقة تعمل عكس ما تصرح به من تعميق علاقاتها وتوثيقها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ولم تعد الإمارات تتحرج من إعلان ذلك على الملأ في سابقة، كانت قبل قليل من الزمن تعد خيانة وخروجًا عن الوطنية والعروبة.
ففي تصريح علني دعا وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش علانية إلى “تسريع وتيرة التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل”، ووصف مقاطعتها بالخاطئة.
وشهدت منحنيات الزيارات العلنية المتبادلة بين قيادات ووفود إسرائيلية والإمارات ارتفاعًا لافتًا، في وقت أعلنت الإمارات أنها ستسمح للإسرائيليين بدخول أراضيها بجواز السفر الإسرائيلي وذلك خلال معرض إكسبو 2020 الذي سيقام في دبي وخصصت فيه جناحا للصناعات والمنتجات التكنولوجية الإسرائيلية سيحمل ثيمة “لا جدران”.
كما شهد التطبيع السياحي قفزة كبيرة قياسًا بالأعوام السابقة، ويتربع التطبيع الرياضي في صدارة المبادرات التطبيعية، مثل مشاركة فريق إسرائيلي في دوري الجودو الدولي المقام في الإمارات.
كما انتقلت علاقات الإمارات مع إسرائيل من التطبيع السياسي إلى الاعتراف الدبلوماسي، إلى بناء علاقات في المجالات الاقتصادية، خاصة تلك التي تتعلق بالتكنولوجيا الأمنية.
وقد كشف تحقيق أجراه موقع بلومبيرغ عن مشروع بنية تحتية أمنية وضعته شركة إسرائيلية بمهندسين إسرائيليين في الإمارات بقيمة 6 مليارات دولار.
كما كشف تحقيق مطوّل نشرته صحيفة هآرتس العبرية عن إبرام أبوظبي صفقة ضخمة مع إسرائيل، بحيث تزودها الأخيرة بقدرات استخبارية متقدمة، تشمل طائرتي تجسس حديثتين.
يظهر ذلك أن النظام الإماراتي فلت من عقاله واتجه مهرولا للتطبيع بشكل رسمي علني مفضوح مع إسرائيل، وقد تملص من الشروط العربية القديمة ليبدأ موسم التطبيع العلني بمبررات شتى ليس للشأن الفلسطيني فيها مكان أو اعتبار.
ويوم أمس قال محلل إسرائيلي إن قادة الإمارات باتوا على استعداد للخروج بالعلاقات مع تل أبيب من السرية إلى العلن، وإن افتتاح سفارة إسرائيلية في أبو ظبي لم يعد حلما بعيد المنال.
وفي المقال الأسبوعي لجاكي حوجي محلل الشؤون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلي، نشرته صحيفة “معاريف” تحت عنوان “العلاقات الدافئة بين إسرائيل وأبو ظبي”، أشار إلى أنه لم يكن من الصعب هذا الأسبوع تفويت تبادل الابتسامات بين إسرائيل والإمارات، ولم نكن نحن من بدأ.
وتطرق الكتاب لنشر وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد -السبت الماضي في تغريدة على تويتر- مقالا من مجلة “سبيكتاتور” البريطانية، تطرق للتقارب العربي الإسرائيلي في الآونة الأخيرة.
وأضاف حوجي أن الوزير الإماراتي لم يضف كلمة واحدة، “وكان من الواضح من التغريدات أنه يحاول قول شيء ما دون التعبير عنه صراحة”.
وتابع أنها الطريقة الأنيقة لعبد الله بن زايد -الشقيق الأصغر لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد- “للتلويح لنا بالسلام”.
واعتبر أن تغريدة الوزير الإماراتي كانت مدروسة قبل نشرها، وكذلك بالنسبة لتوقيتها، لافتا إلى أن الزعماء العرب لا يسارعون إلى مغازلة إسرائيل علانية.
وقال حوجي عن تغريدة عبد الله بن زايد إنها لم تفاجئ أحدا في إسرائيل، مشيرا إلى ترحيب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بها.
وقال نتنياهو في مستهل الجلسة الحكومية الأحد: “شاهدنا أمس تعبيرا آخر عن تقارب العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد تحدث عن تحالف جديد في الشرق الأوسط”.
وأضاف نتنياهو أنه “ليس بإمكاني الإفصاح لكم عن تفاصيل جميع الخطوات التي قدتها مع رفاقي على مر السنين، أستطيع فقط أن أقول إن هذا التصريح هو نتيجة نضج اتصالات وجهود كثيرة”.
وبحسب حوجي فإن العلامات تظهر أن الجانبين يجريان اتصالات لإخراج علاقاتهما السرية إلى العلن.
ومضى قائلا “يجب ألا نتفاجأ إذا ما أعلنت الحكومة الإسرائيلية قريبا عن افتتاح ممثلية دبلوماسية في أبو ظبي”.
وأشار إلى وجود علاقات تجارية ودبلوماسية بين إسرائيل والإمارات، وزيارات لوفود أكاديمية ورياضية.
وقال “في العام المقبل سيقام في الإمارات معرض إكسبو 2020، وسيكون لوزارة الخارجية الإسرائيلية جناح رسمي هناك”.
وأضاف “من الممكن أن نرى هناك تحالفا رباعيا”، موضحا “للإمارات علاقات وطيدة كإسرائيل مع واشنطن وكذلك مع القاهرة. أربع دول متحدة في كراهيتها لإيران والتنظيمات الجهادية”.
وتابع أن الحديث لا يدور عن قصة حب عابرة للحدود بين أبو ظبي وإسرائيل، ولكن “الأنسب رؤيتها كعلاقة عمل تسمح للطرفين بتحقيق أرباح مفيدة”.
وزاد موضحا أن إسرائيل ستربح تذكرة دخول لسوق اقتصادي نابض بالحياة وحضور واضح بمنطقة الخليج الثرية والحيوية، فيما سيحظى قادة الإمارات بتحالف مع قوة إقليمية.
وأوضح أن هناك قاعدة معروفة تختبئ في مثل هذه العلاقات الآخذة بالتوطد، وأن ما يظهر منها علنا هو فقط جزء مما يحدث تحت السطح.
وأضاف “كان من الممتع أن نرى كيف أن المبعوثين الرسميين من قبل عائلة آل نهيان يوزعون التهاني بعيد الأنوار (عيد الحانوكا اليهودي من 22 إلى 30 ديسمبر/كانون الأول الجاري) كسرية عسكرية منضبطة، حيث نشرت سفارات الإمارات في لندن وباريس وواشنطن وقنصليتها في نيويورك، واحدة تلو الأخرى، صورة المنورة (الشمعدان السباعي)، وهنؤوا اليهود بمناسبة العيد”.
وتساءل حوجي في نهاية مقاله: “هل سنحظى في العام المقبل بإشعال شموع الحانوكا في أبو ظبي؟”.