تعد الإمارات دولة وظيفية تقوم سياساتها على دعم الانقلابات والميليشيات المسلحة الخارجة عن القانون في إطار مؤامرات إضعاف الدول ونهب ثروات ومقدرات الشعوب بحسب مركز دراسات.
وقال المركز الخليجي للتفكير إنه بعد انتهاج الإمارات سياسة التهدئة واتباع سياسة الاستثمارات لتوسيع نفوذها الإقليمي لفترة زمنية، عادت لتمارس أحد أدوراها الوظيفية.
وأوضح المركز أن هذا الدور الوظيفي للإمارات يقوم على إضعاف بعض الدول وإفشال الأخرى فأضعفت مصر وأفشلت ليبيا واليمن، وبدأت تمارس هذا الدور مرة أخرى في السودان من خلال سياسة الانقلابات ودعم الميليشيات.
وأبرز المركز أنه خلال ثلاثة أعوام فقط ساهمت الإمارات في إسقاط نظام عمر البشير وتسعى الآن للانقلاب على الجيش السوداني ودعم رجلها في السودان محمد حمدان دقلو “حميدتي” وميلشياته في مواجهة الجيش.
وبحسب المركز تسعى الإمارات إلى توسيع مجال هيمنتها الإقليمية ونقل مواجهتها مع السعودية إلى ساحة جديدة وهي ساحة البحر الأحمر، فتواجدها في السودان يخدم هذا الهدف.
وأضاف أن الإمارات تحاول كذلك التواجد في السودان عبر حميدتي، فهي دولة في قلب التنافس العالمي في أفريقيا بما تحويه من الذهب والمعادن الأخرى إلى البترول والغاز الطبيعي والمنتجات الزراعية والحيوانية.
يضاف إلى ذلك بالنسبة للإمارات، أن فالسودان دولة مجاورة للدول النفطية في الخليج العربي، بالإضافة إلى دخول السودان الفعلي سوق النفط منتجاً ومصدراً، مع وجود شواهد بتوافر كميات هائلة من النفط يجرى استغلالها حالياً.
يضاف إلى ذلك بحسب المركز أن الإمارات تعتبر أن الدولة التي تملك النفوذ في السودان يمكنها حسم الصراع في ليبيا التي تملك موارد نفطية وغازية ضخمة.
بعد انتهاج #الإمارات سياسة التهدئة واتباع سياسة الاستثمارات لتوسيع نفوذها الإقليمي، عادت لتمارس أحد أدوراها الوظيفية وهي إضعاف بعض الدول وإفشال الأخرى فأضعفت مصر وأفشلت ليبيا واليمن وبدأت تمارس هذا الدور مرة أخرى في #السودان من خلال سياسة الانقلابات ودعم الميليشيات. pic.twitter.com/eRILYpESTl
— المركز الخليجي للتفكير (@gulf_thinking) January 10, 2024
وتمول دولة الإمارات حشد آلاف المرتزقة لدعم ميليشيات الدعم السريع في السودان لخدمة مؤامراتها في نشر الفوضى والاقتتال والتمهيد لنهب موارد ومقدرات البلاد.
وترصد الأمم المتحدة منذ أشهر تنامي ظاهرة حشد مرتزقة مقاتلين أجانب مع قوات الدعم السريع في صراعها مع الجيش السوداني من مناطق مثل دول الساحل ومالي والنيجر وتشاد.
وقال الأكاديمي أندرياس كريغ الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الأمنية بكلية كينجز لندن: “تشاديون انضموا فعلًا خلال السنوات الأخيرة إلى قوات الدعم السريع من أجل الرواتب”.
ويؤكد كريغ أن المناطق الخاضعة لسيطرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر بشرق ليبيا، تشكل “ملتقى لتسليم الأسلحة إلى قوات الدعم السريع”، ويتابع الخبير البريطاني في مقال له، أن “دولة الإمارات أرسلت إلى حفتر في 2019 و2021 أطنانًا من الأسلحة التي يمكن أن تمنح الآن لقوات الدعم السريع من دون أن يتم رصدها”.
وأشار إلى أن الإمارات قدمت لحميدتي – الذي نمت ثروته من تهريب الذهب – منصةً لتوجيه استثماراته المالية بالإضافة إلى تسخير شبكاتها لإنشاء مركز تأثير وعلاقات عامة لصالح الدعم السريع.
في عام 2020، توصَّلت تحقيقات قادها المفتش العام لعمليات مكافحة الإرهاب في وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن دولة الإمارات تمول مرتزقة شركة فاغنر الروسية في ليبيا.
ونشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية آنذاك تقريرًا أعده جاك ديتش وآمم ماكينون أكدا فيه أن أبو ظبي تساعد في تمويل شركة فاغنر الروسية، واستند الكاتبان إلى تقرير للمفتش العام لعمليات مكافحة الإرهاب.
وجاء نشر هذه التحقيقات بعد تأكيدات من حكومة الوفاق الوطني ووسائل إعلام ليبية وعالمية بوجود علاقة لأبو ظبي بتمويل مرتزقة شركة فاغنر الروسية، بعد ثبوت إرسال الإمارات لشباب عبر شركة بلاك شيلد الإماراتية للقتال بجانب حليفها خليفة حفتر في ليبيا.
واليوم بعد أكثر من 8 أشهر على اندلاع الصراع في السودان، تتزايد مخاوف المراقبين من خطورة تأثير تدفق المرتزقة المقاتلين من تشاد ومالي والنيجر للقتال إلى جانب محمد حمدان دقلو حليف أبو ظبي.
إذ يبدو أن دولة الإمارات لم تكتف بدعمها العسكري الضخم لحليفها دقلو، بل وسعت الدعم باستجلاب مرتزقة أجانب لصفوف “الدعم السريع”.
وسبق أن كشفت مصادر مطلعة ل“إمارات ليكس” أن تعليمات الرئيس الإماراتي محمد بن زايد للرد على تصريحات مساعد قائد الجيش السوداني ياسر العطا – التي اتهم فيها الإمارات بدعم حمديتي – تم ترجمتها سريعًا إلى تدفق آلاف المرتزقة من تشاد ومالي ووسط إفريقيا لإسناد ميليشيات قوات الدعم السريع، وهم نفسهم الذين ساندوا مجرم الحرب خليفة حفتر في ليبيا.
ووفقًا لصحيفة “سودان تربيون”، أكد مصدر سوداني رسمي، إبلاغ الحكومة الإماراتية رسميًا السفير السوداني بأبو ظبي عبد الرحمن شرفي، بأن الملحق العسكري ونائبه والملحق الثقافي أشخاص غير مرغوب فيهم، وطالبت بمغادرتهم البلاد خلال 48 ساعة.
وقالت الصحيفة إن هذا التطور جاء “بعد سلسلة انتقادات حادة وجهها مساعد القائد العام للجيش السوداني الفريق ياسر العطا، للحكومة الإماراتية، عما يسميه دعم أبو ظبي لقوات الدعم السريع”.
من جهته، يقول الصحفي التشادي محمد طاهر زين رئيس تحرير موقع “رفيق إنفو” إن معظم المقاتلين الوافدين إلى السودان يأتون من تشاد وعدد قليل من النيجر وإفريقيا الوسطى ومالي.
ويوضح زين لموقع ”نون بوست” أن هناك عاملين يدفعان الشباب إلى الانضمام لمليشيا الدعم السريع وهما:
– الولاء القبلي: يعتقدون أنه بوجود محمد حمدان دقلو “حميدتي” يمكنهم بدء إقامة دولتهم التي تمتد من السودان إلى الساحل الإفريقي، وعادةً ما يتم الموافقة على التجنيد من شيوخ القبائل والإدارات الأهلية .
– الكسب المادي/الارتزاق: بسبب الفقر المدقع الذي يعانون منه، ينضمون إلى الدعم السريع لتحسين ظروفهم المادية.
ويشير زين إلى أن معظم المقاتلين الذين جاءوا من تشاد كان هدفهم الأساسي السفر إلى اليمن، حيث يُعتبر هذا السفر أسرع طريقة لكسب المال، وبالتالي، يكون التنافس على هذه الفرصة صعبًا بما يكفي، حيث يعتمد على درجة القرابة مع عائلة آل دقلو.
ويقدر عدد المقاتلين الأجانب في السودان قبل الحرب بين 10.000 إلى 15.000 شخص، لكن مع اندلاع الحرب، انضمت أعداد كبيرة ظنًا منهم أن ساعة قيام دولتهم قد حانت، بحسب زين.
كما ذكر موقع “اليمن نت” أنه حصل على معلومات موثوقة تفيد بأن الإمارات أرسلت قرابة 450 من المرتزقة عبر تشاد إلى السودان للقتال مع “الدعم السريع”.
وقالت مصادر “اليمن نت” التي زودته بالمعلومات، إن الإمارات طلبت المقاتلين لإجراء دورات تدريبية لتشكيل كتيبة وحدات خاصة في أبو ظبي من قوات العمالقة والمجلس الانتقالي الجنوبي التي تدعمهما الإمارات.
المصادر ذاتها قالت للموقع، إن السودان ليس الدولة الأولى التي تنقل الإمارات إليها مرتزقة من اليمن، سبق أن أرسلت عشرات المقاتلين من العمالقة والحزام الأمني من محافظتي لحج والضالع للقتال مع قوات خليفة حفتر في ليبيا.
بالعودة إلى حديث الصحفي التشادي طاهر زين، ذكر أيضًا لـ”نون بوست” أن المقاتلين الذين انضموا أخيرًا إلى الدعم السريع يعتبرون ممتلكات المواطنين السودانيين غنائم حرب، والآن يبيعون السيارات المسروقة في تشاد.
لكنّ التشاديين يعلمون أن هذه السيارات مسروقة، وقليل منهم يجرؤون على شرائها، ما أدى إلى انخفاض كبير في أسعار المركبات المنهوبة من السودان في إنجمينا وأبشة.
وفيما يتعلق بمطار أم جرس وعلاقته بالإمارات، قال محدثنا إن الإمارات استأجرت المطار من الحكومة التشادية لتوفير السلاح والدواء للدعم السريع، بهدف مواصلة حربها ضد الجيش السوداني والسعي للاستيلاء على السلطة التي في النهاية ستكون تحت تصرف الإمارات.
“كأفارقة وعرب، ندرك تمامًا خبث السياسة الخارجية الإماراتية، وهذا ما دفع سكان أم جرس للاحتجاج على الوجود الإماراتي، فعلى الرغم من محاولات التأثير على السكان من خلال توزيع المواد التموينية ودعم مشاريع التنمية في المنطقة، فإن السكان يدركون تمامًا مخططاتهم الخبيثة” قال الصحفي محمد طاهر زين.
ويقول رئيس تحرير موقع “رفيق إنفو” إن عددًا من المسؤولين التشاديين اعترضوا على التحركات الإماراتية، ما تسبب في إقالة العديد منهم في المنطقة بسبب رفضهم مرور السيارات المحملة بالإمدادات العسكرية المتجهة إلى السودان، لافتًا إلى أن طائرات الشحن الإماراتية توقفت عن الهبوط في مطار أم جرس منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
الدعم الإماراتي لمليشيا محمد حمدان دقلو أثار انزعاج الكونغرس الأمريكي بشكل خاص، حيث كشفت مجلة “فورين بوليسي” أن مجموعة من المشرعين الديمقراطيين في مجلس النواب اتخذوا خطوة غير عادية، بإرسال خطاب مباشر إلى وزير الخارجية الإماراتي يدين دعم أبو ظبي لقوات الدعم السريع، ويحذر من أن مثل هذا الدعم سيضر بالعلاقات الأمريكية ويمكن أن يضر بالإمارات، وفقًا لنسخة من الرسالة تلقتها “فورين بوليسي”.
كشفت المجلة أن نشطاء حقوق الإنسان يشعرون بالإحباط بشكل متزايد لأن إدارة بايدن لم تمارس ضغوطًا سياسية كافية على الإمارات لإلزامها بالتوقف عن تزويد قوات الدعم السريع سرًا بالأسلحة والذخيرة، في انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على دارفور.
أشارت المجلة الأمريكية إلى أن الدعم السريع ارتكبت فظائع واسعة النطاق ضد المدنيين كجزء من معركتها للسيطرة على البلاد، بما في ذلك تقارير عن الاغتصاب الجماعي والقتل العرقي.
وكتب المشرعون إلى وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد أن دعم الإمارات لقوات الدعم السريع “يشكل خطرًا جسيمًا على سمعة الإمارات ويشكك في الشراكة الوثيقة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة”.
ووقّع 10 مشرعين ديمقراطيين – بقيادة النائبة سارة جاكوبس، العضو البارز في اللجنة الفرعية لإفريقيا التابعة للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب – على الرسالة.
وورد في الرسلة أن “أعضاء الكونغرس ينتبهون إلى تصرفات الإمارات في السودان، وقبل كل شيء، نشعر بالقلق من أن أفعال الإمارات تتعارض مع جهود المدنيين السودانيين والمنطقة والمجتمع الدولي الأوسع لإنهاء القتال”.
كانت النائبة الديمقراطية سارة جاكوبس قد علقّت على تقرير المجلة الأمريكية، في منشور لها على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “إكس” قائلةً: “ترتكب قوات الدعم السريع جرائم حرب مروعة في السودان، بدعم عسكري من الإمارات العربية المتحدة”.
وتابعت “لهذا السبب أقود جهدًا لحث الإمارات على التوقف عن مساعدة قوات الدعم السريع والعمل على إيجاد حل دائم يخلق السلام والاستقرار للشعب السوداني”.