تشهد تنزانيا احتجاجات متصاعدة ضد رحلات صيد العائلة الحاكمة في دولة الإمارات والتي تهدد شعب الماساي بخطر الانقراض بحسب ما أورد موقع (شرق إفريقيا).
وذكر الموقع أنه من المتوقع أن يكون أكثر من مليون شخص قد وقعوا هذا الأسبوع على عريضة دولية تطالب حكومة تنزانيا بوقف خططها لإجبار رعاة الماساي على ترك أراضيهم للسماح لأفراد العائلة المالكة في الإمارات بصيد الأسود والنمور.
وشهدت حملة دولية شنتها مجموعة الضغط آفاز، أكثر من 400 ألف شخص وقعوا على عريضة في يوم واحد فقط، منتقدين خططًا للسماح باستخدام الأراضي التقليدية للصيد. ومنذ ذلك الحين قام آلاف آخرون بالتسجيل كل يوم.
“نحن نطلب مساعدتك لإعلام حكومتنا بأنّ أرضنا ليست للبيع وأننا سنواصل مقاومة هذا الاعتداء الذي طال أمده على حقوقنا والسلامة البيئية لأرضنا. لذلك فإننا ندعو منظّماتكم للتحدث علانية ضد هذه الانتهاكات ومساعدتنا في منع انقراض شعبنا”.
يمكنك الاستمرار في توفير التمويل للمسؤولين عن الاستيلاء على أرضنا باسم الربح، أو يمكنك أن توضح لحكومتنا أنك لن تقف مكتوف الأيدي أما سلب حقنا في العيش بسلام على أرضنا والمحافظة عليها، من أجل إفساح المجال لسياحة الأثرياء وصيد الطرائد.
كان هذا جزءًا من نص رسالة، وقّع عليها الآلاف من شعب الماساي الذي يضم عدة قبائل والموجودين في شمال تنزانيا، إلى أعضاء في الحكومة البريطانية، والأمريكية، والاتحاد الأوروبي، يناشدونهم المساعدة لوقف خطط طردهم من أراضي أجدادهم.
إذ يواجه أكثر من 150 ألف شخص من شعب الماساي التهجير القسري من قبل الحكومة التنزانية، بسبب تحركات الحكومة وشركة سياحة ورحلات سفاري، لاستخدام الأرض في سياحة الصيد التجاري.
بدأت الاحتجاجات عندما بدأت الشرطة التنزانية، في ترسيم 1500 كيلومتر مربع من الأرض، لإفساح المجال لإنشاء محمية طبيعية ستديرها شركة «Otterlo Business Corporation» التابعة لمجموعة «رويال جروب» التي مقرها دبي والمملوكة لمستثمرين مقرّبين من الأسرة الحاكمة في دولة الإمارات.
وتضم المجموعة عضوية مجلس إدارتها طحنون بن زايد، مستشار الأمن الوطني بالإمارات، كما أنها – شركة «OBC» – المكلفة بتنظيم رحلات الصيد للعائلة الحاكمة وضيوفها، في حين يقول شعب الماساي إن هذه الأرض موطنهم منذ عشرات السنين.
وفي الأيام القليلة الفائتة، جرى تداول مقاطع فيديو على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تُظهر هجومًا مميتًا وعشوائيًا، يتعرض له أفراد من القبائل الأفريقية الأصلية، على أيدي الشرطة.
إذ أظهرت المقاطع مقاومة أفراد شعب الماساي لعناصر الشرطة بالأسلحة التقليدية من قوس وسهام ورماح؛ ما جعل البعض يشبه الاشتباكات بالحملات الاستعمارية وجرائم الإبادة ضد الشعوب الأصلية في القرون الماضية.
وفقًا للتقارير، تعود القصة إلى نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1992، حين منحت الحكومة التنزانية امتيازًا لأجزاء من أراض الماساي لشركة «Otterlo Business Corporation» من أجل الحفاظ على الحياة البرية وإدارتها في المنطقة.
عُقدت الصفقة في ظل ظروف مثيرة للجدل، وذلك بعدما ثَبُت بعد تورط كبار المسؤولين الحكوميين في هذه الصفقة – أصبحوا يُعرفون لاحقًا باسم «Loliondogate» – مقابل حصولهم على ملايين الدولارات.
في عام 2012 قررت الحكومة التنزانية إجبار رعاة الماساي، على ترك أراضيهم لإفساح مساحة أوسع للشركة، من أجل تنظيم مسابقات ورحلات صيد الطرائد، وأعلنت الحكومة وقتها عن إنشاء ممر للحياة البرية.
وذلك بمساحة 1500 كم مربع بدعوى الحفاظ على الأرض والمنطقة البيئية من عمليات الرعي الجائر، الأمر الذي كان يعني تهجير 30 ألف شخص، علاوة على تضرر رعاة شعب الماساي، الذين يعتمدون على الأعشاب الموسمية، لإطعام ماشيتهم.
لكن الإعلان عن خطة الحكومة آنذاك، تسبب في إشعال شرارة الغضب داخل البلاد، ومع الضغط الدولي، من منظمات أممية على رأسها منظمة اليونسكو، توقف العمل في المشروع.
وعلى الرغم من الاحتجاجات المحلية والدولية، استمرت الشركة في التوسّع وتهجير أصحاب الأرض، حتى عام 2017 حين حاولت شركة «OBC» رشوة وزير الموارد الطبيعية المعين حديثًا، هاميسي كيغوانغالا، لينكشف الستار عن سنين طويلة من الفساد والرشاوي والجور على الحياة الإنسانية والطبيعة، كانت طيّ الكتمان.
أمر الوزير كيغوانغالا، «مكتب منع ومكافحة الفساد (PCCB)» باعتقال إسحاق مول، المدير التنفيذي لشركة «OBC»، ووجه له وللشركة اتهامًا بمحاولة رشوته وأسلافه، كما دعا إلى التحقيق مع وزراء الموارد الطبيعية الذين سبقوه في المنصب.
وبالفعل أظهرت التحقيقات أن الجيش تلقّى تبرعات بقيمة 32 ألف دولار في عام 1994، بينما تلقت وزارة الموارد الطبيعية والسياحة، أكثر من مليوني دولار من الشركة الإماراتية.
وصرح رئيس البرلمان، السياسي المعارض تندو ليسو – والذي راقب القضية لأكثر من 20 عامًا – أن هذه التبرعات كانت السبب وراء إبقاء الحكومة والحزب الحاكم على العقد مع الشركة طي الكتمان.
جدير بالذكر أنه بالإضافة لرحلات الصيد الخاصة بالأسرة الحاكمة في الإمارات، كانت معظم الحجوزات الأخرى، تأتي من الولايات المتحدة، إذ يدفع الصياد (السائح) ما بين 14 ألف و20 ألف دولار، من أجل رحلة استكشافية تستغرق من 10 إلى 21 يومًا.
أوردت التقارير والتحقيقات الصحافية أُجريت بعد محاولة رشوة وزير الموادر الطبيعية، أن شركة «OBC» ورحلات الأمراء وضيوفهم، قتلت أكثر من 2796 حيوانًا وطيرًا في موسمي الصيد 2007 و2009، والذي استمر كل موسم منهما أربعة أشهر.
وأشارت التقارير الحكومية إلى أنّ الحيوانات التي اصطيدت، شملت قرود البابون، والجاموس، والضباع، والأسود، والفهود، ومنها من الحيوانات المهددة بالانقراض.
وأفادت التقارير أنه ربما تكون الأسرة الإماراتية الحاكمة وضيوفها، قد قتلوا عدة آلاف من الحيوانات والطيور، خلال العشرين عامًا التي كانت تعمل فيها الشركة في المنطقة.
وبسبب نتائج التحقيقات السابق ذكرها، أنهت تنزانيا امتياز الشركة، واستمرت في التحقيقات لكشف تعاملات الشركة مع ووزراء السياحة السابقين، لكن لم يتوقف تهجير شعب الماساي!
في عام 2018 رفع شعب الماساي دعوة في محكمة العدل لشرق أفريقيا ضد الحكومة التنزانية، يطالب فيها بوقف عمليات التهجير القسري، وبالفعل أصدرت المحكمة أمرًا مؤقتًا، يمنع الحكومة من طرد شعب الماساي، أو المساس بالأرض المتنازع عليها، وهو الأمر الذي لم ينفذ.
بالتزامن مع اقتراب إصدار محكمة العدل لشرق أفريقيا، حكمًا نهائيًا الأسبوع المقبل، عادت القصة للظهور مرة أخرى منذ أيام، حين وصلت العشرات من سيارات الشرطة وما يقدر بنحو 700 ضابط إلى لوليوندو، بالقرب من حديقة سيرينجيتي الوطنية المشهورة عالميًا.
وكانت الخطة هي ترسيم مساحة 1500 كيلومتر مربع من أرض الماساي محمية للألعاب؛ ما يعني استكمال تنفيذ مشروع الشركة الإماراتية الذي أُجهض في 2017.
وقد فر الآلاف من منازلهم للاحتماء بالأدغال، منذ بدأ التصعيد في 10 يونيو (حزيران) 2022، حين أطلقوا النار على قبائل شعب الماساي، وبدأت الشرطة في مطاردة المحتجين وطردهم من منازلهم.
كانت أعمال العنف في الأيام القليلة الماضية، هي أحدث حلقة في محاولة طويلة الأمد من قبل السلطات التنزانية، لطرد الماساي من أراضيهم في لوليوندو، من أجل سياحة السفاري وصيد الطرائد.
وبحسب ما نقلته وسائل الإعلام المحلية والدولية، عن قادة الماساي فإن شركة «OBC» ستسيطر مرة أخرى على الصيد التجاري في المنطقة لصالح العائلة الحاكمة في الإمارات.
ربطت مؤسسة «Survival International» المعنية بالقبائل والشعوب الأصلية، ما يحدث الآن مع الماساي، بأنه استمرار للنهج الاستعماري الذي بدأ ضدهم في عام 1959، من قبل المسؤولين الاستعماريين البريطانيين.
كما أعربت الأمم المتحدة عن قلقها العميق إزاء تحرك تنزانيا لطرد أكثر من 70 ألف فرد من شعب الماساي، من مساحة قدرها 1500 كم مربع، في قسم لوليوندو بمنطقة نجورونجورو، وشددت على أن إبعاد الشعوب الأصلية عن أراضيها، بما في ذلك شعوب الماساي، حيث كانوا يعيشون منذ أجيال، سيؤثر على بقائهم واستمراريتهم.