أبرزت أوساط حقوقية تعمد السلطات الإماراتية احتجاز معتقلي الرأي في سجون انفرادية في مسعي منها لتحطيم الإنسانية وتدمير الذات لدى المعتقلين الذين يدفعون ضريبة الكلمة والمطالبة بالإصلاح.
وقال مركز مناصرة معتقلي الإمارات إن الضريبة الأكبر التي يدفعها معتقلو الرأي ليس فقط حرمانهم من الحرية، وأسوأ ما يمكن أن يواجهه المعتقل داخل السجن لا يقتصر على التعذيب الجسدي.
وأوضح المركز أن الكثير من الناس لا يعرف أن كثيراً من المعتقلات – في الدول الاستبدادية تحديداً – لم يتم تصميمها فقط لاعتقال الأفراد وتعذيبهم، بل من أجل تحطيمهم نفسياً وإحداث صدمات نفسية عنيفة لديهم تجعلهم غير قادرين على العودة إلى طبيعتهم حتى لو غادروا السجن.
قد لا يتصور البعض كيف يمكن للصدمات النفسية العنيفة التي يسببها الاعتقال أن تؤثر في المعتقلين، وتحدث في داخلهم ألماً لا يطاق، يجعلهم غير قادرين حتى على ممارسة أبسط الأمور، وقد يؤدي أحياناً إلى وفاتهم.
أحد أساليب تحطيم المعتقلين نفسياً التي تتبعها السلطات الإماراتية، هي الحبس الانفرادي، من خلال وضع المعتقل في سجن انفرادي لأشهر طويلة وأحياناً لسنوات بهدف حرمانه من الحديث مع أحد.
هذا الأسلوب هو انتهاك للقانون الدولي، وقواعد الأمم المتحدة النموذجية لمعاملة السجناء، ويؤدي إلى آثار نفسية بالغة.
فعلى سبيل المثال، خلال جلسة المحاكمة الأخيرة في قضية “الإمارات 84″، وقف أحد المعتقلين ليخبر القاضي أنه محتجز منذ 250 يوماً في سجن انفرادي، وأن وضعه النفسي تدهور إلى درجة أنه لم يعد يتذكر شيئاً من القرآن حين يصلي، رغم أنه يحفظ القرآن كاملاً.
وأبرز المركز أنه من أجل أن نفهم بشكل أعمق تأثير السجن الانفرادي على نفسية المعتقلين، فلا بد هنا أن نذكر ما كتبه الصحفي الأردني تيسير النجار الذي توفي بعد عامين فقط من خروجه من السجون الإماراتية بسبب الآلام الجسدية والنفسية التي خلفها الاعتقال.
في تلك المقالة، وصف النجار مشاعره داخل سجنه الانفرادي، قائلاً بأنه كان “يتمنى رؤية الشمس، أو يدخل الحمام دون قيود، أو حتى يرى أي وجه، وكان يصرخ باستمرار لعل الرحمة تلمس قلوب سجانيه” التي وصفها بأنها من “الحجارة”.
النجار وثق في مقالته، الألم الذي شعر به منذ خروجه من السجن، كاشفاً عن “نوبات البكاء الحارقة، ونوبة التشنج”، وعن تكرارها، حتى تحولت وفق تعبيره إلى “نوبة متواصلة من الصمت”.
كما ذكر أيضاً أن “قلبه تحطم، ولم تعد تجري فيه الدماء بل آلامٌ وذكريات قاسية”، فالمحقق وفق وصفه كان “يدوس على قلبه، كمن يدوس على لوحٍ من الزجاج” قائلاً إن ما كان يجري في السجن الانفرادي هو “عملية تهشيم لذاته الإنسانية”، التي يقول إنها لم تعد موجودة.
ولعل استخدام النجار لعبارة “تهشيم الذات الإنسانية”، هو الوصف الأدق لما يجري في السجون الإماراتية، وقد كان آخر ضحاياً عملية التهشيم هذه، المدافع السوري عن حقوق الإنسان عبدالرحمن النحاس، الذي لم يعد قادراً حتى على قضاء حاجته دون مساعدة من زملائه في السجن.
فقد ذكر مقررو الأمم المتحدة في رسالتهم الأخيرة للسلطات الإماراتية بشأن حالة النحاس، بأن حالته النفسية تدهورت إلى درجة أنه لم يعد قادراً على ممارسة مهامه اليومية دون مساعدة من الآخرين، وأنه حاول الانتحار داخل السجن.
وبالطبع، فإن هذه مجرد أمثلة فقط عن آثار عمليات التحطيم النفسي التي تقوم بها السلطات الإماراتية ضد المعتقلين باستخدام السجن الانفرادي، ولا شك أن ما خفي أعظم.
ولعل الأخطر من بين هذه الأمثلة هو ما ذكرناه في الأعلى عن قصة أحد المعتقلين في قضية “الإمارات 84″، فحالة هذا المعتقل ليست فردية، إذ أن هناك ما يزيد عن 60 معتقلاً من المتهمين في هذه القضية، جميعهم محتجزون في سجون انفرادية منذ ما يزيد عن 8 أشهر، ولا أحد يعلم ما هي الآثار النفسية التي قد لحقت بهم.
وخلص المركز الحقوقي إلى أن السجون الانفرادية ليست مجرد أماكن لحبس الجسد، بل هي أدوات لتدمير الروح وتكسير الإنسانية.
وشدد على أن التحطيم النفسي الذي يفرضه هذا النوع من السجون يجب أن يكون على رأس قائمة الانتهاكات التي يجب محاسبة الدول عليها، لأنه يسبب أضرارًا نفسية بالغة يصعب شفاؤها.
السجون الانفرادية للأنظمة المستبدة مثل الإمارات ليست مجرد أماكن لحبس الجسد، بل هي أدوات لتدمير الروح وتكسير الإنسانية ولا بد أن تكون على رأس قائمة الانتهاكات التي يجب محاسبة الدول عليها بسبب أضرارها النفسية البالغة والتي يصعب شفاؤها. pic.twitter.com/Mnw2ohInTf
— مركز مناصرة معتقلي الإمارات (@EDAC_Rights) February 21, 2024