شهدت محافظة أرخبيل سقطرى اليمنية شرقي البلاد تظاهرة حاشدة وصفت بأنها غير مسبوقة، تأييداً لموقف الحكومة اليمنية والسلطة المحلية ورفضاً لممارسات الإمارات والمجموعات الانفصالية المدعومة منها.
ورفع المشاركون في المسيرة التي تقدمها محافظ سقطرى رمزي محروس، الرايات اليمنية وصور الرئيس عبد ربه منصور هادي، ورددوا هتافات تتمسك بوحدة اليمن واستقلاله وتندد بتصعيد الموالين للإمارات في الأسابيع الأخيرة.
ووصف محليون التظاهرة التي شهدتها سقطرى اليوم بأنها غير مسبوقة، من حيث نسبة المشاركة، وأوصلت رسالة واضحة بأن سكان المحافظة يرفضون ممارسات أبوظبي بتوطيد نفوذها في الجزيرة على حساب الحكومة اليمنية.
وشهدت سقطرى مؤخراً توتراً على ضوء تصعيد ما يعرف بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، المدعوم من الإمارات ضد السلطة المحلية.
وشمل التصعيد محاولة من قوات ما يعرف بـ”الحزام الأمني”، الهجوم على ميناء سقطرى والسيطرة عليه، إلا أن القوات الحكومية أعلنت إحباط الهجوم.
وتعدّ سقطرى كبرى الجزر اليمنية والعربية عموماً، وتقع في ملتقى المحيط الهندي والبحر العربي، وهي محافظة بالتقسيم الإداري لليمن، يصل عدد سكانها إلى نحو 100 ألف نسمة.
سقطرى تخرج عن بكرة ابيها دعما للشرعية والسلطة المحلية وتقول بصوت واحد لن تكون سقطرى للبيع ولا مع المشاريع الصغيرة.
هل يكفي هذا يا خلفان المزروعي ويا أدوات الإمارات في سقطرى؟! pic.twitter.com/a6j3oLTATr— مختار الرحبي (@alrahbi5) June 30, 2019
وكان أطلق يمنيون خصوصا من سكان أرخبيل سقطري ذات المكانة الاستراتيجية حملة شعبية واسعة النطاق لرفض أطماع دولة الإمارات بالأرخبيل والمطالبة بطردها.
وتضمنت مظاهرات شعبية واعتصامات سيتم تنظيمها اليوم وغدا بمشاركة يتوقع أن تكون حاشدة رفضا لمؤامرات الإمارات في سقطري.
كما أطلق المغردون اليمنيون حملة الكترونية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي باللغتين العربية والإنجليزية بعنوان هاشتاج تستمر اليوم وغداً تحت عنوان (#سقطرى_ترفض_الامارات) و(#Socotra_rejects_the_UAE).
وتصر دولة الإمارات على اطماعها في السيطرة على جزيرة سقطري التي تمتاز بموقع استراتيجي في اليمن خاصة مينائها البحري وهو تطور عاد لواجهة حرب التحالف الإجرامية بقيادة السعودية على اليمن.
وتواصل الإمارات مؤامراتها لإحداث اختراق يمكّنها من السيطرة الكلية على جزيرة سقطرى عبر تشكيلات مسلحة وحزام أمني من أبناء الجزيرة، وقد عملت على تشكيله وتدريبه في عدن، ثم إرساله إلى الجزيرة بلباس مدني.
ويوم الثلاثاء الماضي حاولت عناصر تابعة للحزام الأمني السقطري، المشكّل حديثا، السيطرة على الميناء الخاضع لخفر السواحل اليمنية التابعة للقوات الشرعية.
السلطة المحلية في سقطرى أصدرت بيانا قالت فيه إن عناصر تخريبية تابعة للحزام الأمني المدعوم إماراتيا هاجمت ميناء أرخبيل سقطرى واشتبكت مع قوات من خفر السواحل المكلفة بتأمين الميناء.
البيان أشار إلى أن تعزيزات للجيش والأمن وصلت إلى الميناء وسيطرت على الوضع، فيما لاذت العناصر الخارجة عن القانون بالفرار، مضيفا أن الاشتباكات أسفرت عن إصابة قائد الحزام الأمني في سقطرى عصام الشزابي بطلقة نارية، وتم نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج.
إحداث فوضى في الجزيرة، هي السياسة التي تنتهجها أبو ظبي عادة، من أجل إعادة السيطرة على المدن الجنوبية. عناصر ترتدي الزي المدني تابعة للمجلس الانتقالي اعترضت الأسبوع الماضي، موكب محافظ سقطرى رمزي محروس ووزير الثروة السمكية فهد كفاين في مديرية قلنسية، ومنعتهم من الدخول إلى مبنى السلطة المحلية، كما قامت برشق السيارات بالحجارة.
وتعليقا على هذه التطورات قال شيخ مشايخ سقطرى عيسى سالم بن ياقوت إن ما حدث في سقطرى هو محاولة احتلال للميناء من قبل عناصر تابعة للمجلس الانتقالي المدعوم اماراتيا، وطالب بن ياقوت الرئيس هادي والحكومة بالتدخل لوضع حد للإمارات في محافظة سقطرى، مؤكدا على ضرورة إنهاء وجود أبوظبي في الجزيرة بالكلية.
في مايو/آيار 2018، قامت الإمارات بإرسال 5 طائرات نقل عسكرية، تحمل أكثر من 100 جندي وعدة دبابات وعربات عسكرية إلى سقطرى، دون موافقة الحكومة اليمنية، غير أنها اضطرت لسحب قواتها بعد أن رفعت الحكومة الشرعية رسالة رسمية لمجلس الأمن، بشأن الوجود العسكري غير المبرر للقوات الإماراتية والتصرفات التي تنتقص من السيادة اليمنية، على نحو يقع على الضد من أهداف التحالف المعلنة في استعادة الشرعية.
الإمارات اضطرت للرد برسالة رسمية لمجلس الأمن أيضا، بأنها تعترف بسيادة اليمن التام على الجزيرة، وتؤكد تنسيقها مع السعودية والحكومة الشرعية في تحركاتها، ثم اضطرت لسحب قواتها، لتحل محلها قوات سعودية، مدعية التنسيق مع الحكومة الشرعية بهذا الخصوص.
بقيت الإمارات موجودة في سقطرى من خلال قادة عسكريين يمنيين موالين لها، ومن خلال العمل بشكل أقل وضوحا تحت مظلة التحالف، إلى جانب ذلك حرصت أبو ظبي من خلال القوة الناعمة على شراء ولاء عدد من أبناء الجزيرة.
ومنذ ذلك الوقت، عملت أبو ظبي على محاولة فرض واقع عسكري جديد من خلال تجنيد وتدريب المئات من أبناء الجزيرة لتشكيل نخبة سقطرية، وحزام أمني يعمل كجهاز مواز على إضعاف الأجهزة الأمنية الحكومية والسلطات المحلية العاملة في الجزيرة ويتحكم بالمشهد الأمني والعسكري.
ما تم في سقطرى يأتي على غرار النخب التي أنشأتها أبو ظبي في حضرموت وشبوة والمهرة، وهي تشكيلات مسلحة موازية للأجهزة الأمنية الرسمية، تسعى من خلالها لتعزيز قبضتها الأمنية، ولكن هذه المرة بأدوات محلية ومن خلال أبناء الجزيرة.
كانت مؤسسة جيمس تاون الأمريكية قد أعدت تقريرا عن جزيرة سقطرى قالت فيه إن الإمارات المشاركة ضمن التحالف العسكري باليمن، تدعم تشكيل مليشيات محلية في جزيرة أرخبيل سقطرى تعمل ضد الحكومة الشرعية.
وإزاء تلك التحركات الإماراتية ألقى محافظ جزيرة سقطرى رمزي محروس خطابا قال فيه إن السلطة المحلية والأجهزة الأمنية والعسكرية بسقطرى لن تسمح بوجود أي أحزمه أمنية أو تشكيلات مسلحة خارج أجهزة الدولة وأنها ستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه المساس بأمن واستقرار المحافظة.
محروس دعا أبناء الجزيرة إلى الوقوف صفاً واحداً إلى جانب الحكومة الشرعية ممثلة بالرئيس هادي والسلطة المحلية في المحافظة، ضد أي تشكيلات عسكرية خارجة عن النظام والقانون، وذلك بعد أن قامت الإمارات بإرسال 300 عنصر من أبناء الجزيرة بلباس مدني، على متن سفينة إماراتية، قامت بتدريبهم في وقت سابق بعدن.
بالإضافة إلى ذلك أطلق رئيس مجلس أحرار المقاومة في عدن محمد السعيدي تصريحات شديدة اللهجة حمّل فيها التحالف مسؤولية اختلال الأوضاع في العاصمة المؤقتة عدن.
وقال السعيدي خلال فعالية لأسر الشهداء، بمناسبة الذكرى الرابعة لتحرير عدن من الحوثيين إن الإمارات وأذنابها من الميلشيات المحلية التي تعمل تحتها كانت هي السبب في الفوضى وغياب الأمن والاستقرار في عدن والتفريط في السيادة.
وأضاف: إن “ملوك السعودية والإمارات ومن على شاكلتهم، كانوا سببا في ضياع عدن وضياع النصر وخسارة دماء الشهداء وأحلام الأمهات وضياع البلاد كلها”، وحذّر السعيدي من استمرار هذه الاختلالات التي قال إنها “تسيء لتضحيات الشهداء وآمال المقاومين”.
أما نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري، فأطلق تصريحات مناهضة لما يقوم به التحالف العربي قائلا: “إننا تشاركنا مع التحالف العربي في الحرب على الحوثيين، وليس الشراكة في إدارة المناطق المحررة، كما أن اتفاقنا مع التحالف هو الزحف على الحوثيين باتجاه الشمال، وليس الزحف باتجاه الشرق”.
وأضاف: “نحن مازلنا دولة، ولابد أن يناط بمؤسسات هذه الدولة إدارة كل المناطق المحررة، ويجب أن يعلم الأشقاء في التحالف العربي أن هناك من رجالات الدولة من لديه الجرأة ليقول لهم إن السير معوج، ويجب أن يستقيم الحال”.
ودعا الميسري مسؤولي الدولة إلى عدم الخجل، قائلا: إن “الخجل في مصير الأمم لا يصنع دولا، وأن الأيادي المرتعشة لا تستطيع أن تصيغ مسودة استقلال الدول”، ودعا إلى إعادة النظر في طبيعة العلاقة بين الشرعية والتحالف.
ولم تكن السلطة المحلية من قبل في سقطرى بتلك القوة التي مكنتها من هزيمة الحزام الأمني وإفشال محاولاته في السيطرة على الميناء، وهي التي خسرت في عدن، حيث تمكن المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات والحزام الأمني التابع له، من اغتنام حالة الضعف التي تمر بها الدولة وحالة الفراغ السياسي والأمني في عدن، فأحكم قبضته على المدينة.
غير أن محافظ سقطرى رمزي محروس أبدى موقفا صلبا في سقطرى، فتصدى لمحاولات الحزام الأمني السيطرة على الميناء ووجه بإرسال تعزيزات أمنية لقوات خفر السواحل، أسفرت عن فرار عناصر الحزام الأمني وإصابة قائد الحزام بجروح، الأمر الذي لاقى ارتياحا كبيرا لدى اليمنيين.
كان نجاح السلطة المحلية في طرد عناصر الحزام الأمني والحيلولة دون السيطرة على الميناء، سابقة لم تعهدها الجزيرة منذ وضعت عينها أبو ظبي عليها، ما دفع العديد للتساؤل عن سر تلك القدرة، في وقت تمر السلطة في الجزيرة بأضعف حالاتها.
تقارير صحفية ربما تفسر عن ذلك التطور، إذ تحدثت تقارير عن دعم السعودية لتحركات مسؤولي الشرعية في سقطرى والمناطق الجنوبية، خوفا من تنامي الطموح الإماراتي وتوسع نفوذه في الجنوب على نحو يهدد بسحب البساط من تحت قدميها مستقبلا.
بحسب دراسة لمعهد كارينغي لدراسات الشرق الأوسط، يقول نيل بارتريك الخبير المتخصص بشؤون الشرق الأوسط في دراسة أعدها بعنوان “الإمارات وأهدافها من الحرب في اليمن” إن السعوديين يخشون من أن تنتزع الإمارات مواطئ قدم إستراتيجية، وتقوض النفوذ السعودي في الفناء الخلفي التقليدي للمملكة.
يضيف بارتريك، تشتد هذه المخاوف بسبب “الدور المتوسِّع تدريجياً الذي تؤديه الإمارات في البحر الأحمر”، في إشارة منه إلى القواعد العسكرية الإماراتية الموجودة في شرق إفريقيا وجزيرة ميون وجزيرة سقطرى اليمنية.
يضيف باتريك: ولّدت هذه الخلافات، أحياناً، تنافساً على النفوذ، وتسبّبت حتى باندلاع نزاعات، حيث خاض الإماراتيون وحلفاؤهم اليمنيون معارك ضد مقاتلين يمنيين مدعومين من السعودية وموالين للرئيس عبد ربه منصور هادي للسيطرة على ميناء عدن، وحال هذا القتال دون تمكّن الإمارات من تنفيذ خطتها بالتقدّم شمالاً نحو تعز.
كما أن تقريرا لدورية “إنتليجنس أون لاين” كشف عن تنامي التوترات والخلاف بين السعودية والإمارات بسبب اختلاف أجندة كلا البلدين في اليمن، ولوحظ الدعم الذي تقدمه السعودية لمسؤولين يمنيين، من خلال الهجوم اللاذع الذي وجهه مسؤولون يمنيون مقيمون في الرياض، على الأجندة الإماراتية.
ربما كان أبرز تلك التصريحات الهجوم اللاذع الذي شنه محافظ المحويت الدكتور صالح سميع على الأجندة الإماراتية في اليمن، حيث وصفها بالممارسات “الرعناء والغبية”، واتهم أبو ظبي بإرباك المشهد في اليمن، وتصرفها بلؤم مستغلةً حاجة اليمن للمساندة.
سميع كشف، لأول مرة، أن الشرعية لم تطلب الدعم من الإمارات، كما تدعي، وأنها طلبت المساندة من السعودية فقط، ودعا إلى ضرورة الاستغناء عن خدمات الإمارات، ما لم تغير أجندتها، وتقف مع الشرعية في دحر الانقلاب.
ودعا سميع الإمارات إلى عدم “ملشنة” المحافظات الجنوبية، وهدد باللجوء لقواعد القانون الدولي، والرفع إلى الأمم المتحدة بما تمارسه الإمارات في اليمن، إذا لم تع ِهذه المشكلة، وأن الأسابيع القادمة سيحصل فيها تغيير جوهري، حيث وصلت المسألة حدَّ كسر العظم، حسب قوله.
وعلى ذلك النحو كانت تصريحات نائب رئيس الوزراء عبد العزيز جباري، ووزير النقل صالح الجبواني، ومستشار وزير الإعلام مختار الرحبي، وعدد من المسؤولين المقيمين في الرياض، ما يشير إلى أن ضوءا أخضر منحته السلطات السعودية للمسؤولين اليمنيين للهجوم على الإمارات.
على غرار التحركات التي دفعت بها أبوظبي في جزيرة سقطرى، دشن اليمنيون حملة شعبية للمطالبة بطردها من الجزيرة وإنهاء الوجود الإماراتي من الجنوب، محاولين بذلك الضغط على هادي والمجتمع الدولي لإجبار الإمارات على سحب قواتها، والقضاء على التشكيلات المسلحة التي عملت على إنشائها منذ أن دخلت إلى عدن.