تؤكد التقارير الدولية متعددة الاختصاصات، تسبب أزمة هبوط العقارات في دولة الإمارات في تعميق أزمة اقتصاد الدولة في عدة اتجاهات وسط تحذيرات من مخاطر انهيار شامل في المستقبل القريب.
وأسعار العقارات في الإمارات تراجعت خلال الأشهر الأخيرة بنسبة 20 في المائة عن الذروة التي بلغتها في العام 2014. وتراجعت أسعار العقارات في الإمارات منذ 2015، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى زيادة العرض وضعف ثقة المستهلكين المرتبطة بانخفاض أسعار النفط، وبيئة اقتصادية أقل دعما.
وأدى انخفاض الأسعار إلى تأجيل المشترين المحتملين للمشتريات، وتم ردع المشترين الأجانب بسبب ارتفاع قيمة الدرهم الإماراتي، والتوترات الجيوسياسية وضعف الثقة في الإمارات خاصة في ظل تورط النظام الحاكم في الدولة بحروب وتدخلات عسكرية خارجية متعددة.
وأوردت وكالة “فيتش” الدولية للتصنيف الائتماني أن بنوك الإمارات تواجه خطراً متزايداً في تدهور جودة الأصول، بسبب ضعف قطاع العقارات المحلي.
وتعتبر جودة الأصول، المحرك الرئيس لتصنيف الجدوى للبنوك الإماراتية، والذي يبلغ متوسطه “bbb-“؛ ومع ذلك، فإن تصنيف الجدوى ليس تحت تهديد فوري لأنها تتضمن بعض المخصصات لتدهور جودة الأصول.
وذكرت فيتش أن بعض المشاريع العقارية التي بدأت قبل انخفاض الأسعار، تواجه تأخيرات كبيرة “حيث تتم إعادة هيكلة القروض بشكل متزايد، معظمها من خلال تمديد الأجل، في حين قام بعض المطورين بتعليق المدفوعات للمقاولين”.
ورأت أنه من غير المرجح انتعاش أسعار الإيجارات على المدى القريب، مع استمرار زيادة العرض حتى بعد إكسبو 2020 في دبي. وأشارت إلى ارتفاع وتيرة إعادة هيكلة القروض في القطاع العقاري والمقاولات والقطاعات الأخرى ذات الصلة، ما يدل على ضعف جودة الأصول.
وتوقعت الوكالة إعادة هيكلة نسبة كبيرة من القروض البالغة 23 مليار دولار والمقدمة إلى الكيانات المرتبطة بحكومة دبي المالكة، والتي تستحق حتى نهاية 2021.
وقد امتدت أزمة العقارات في الدولة بسرعة من دبي إلى الإمارات الأخرى، لا سيما العاصمة أبوظبي، بحيث أجبر الركود العقاري شركة “الدار العقارية” في أبوظبي على خفض أسعار الوحدات السكنية في 10 من مبانيها الرئيسية.
ويبدو أنّ الأزمة العقارية التي ضربت عقارات دبي، بدأت تمتد تدريجياً إلى إمارة أبوظبي التي باتت أبنيتها الجديدة لا تجد مشترين.
وحسب تقرير نشره موقع “أربيان بيزنس” الإماراتي، الأحد، فإنّ التخفيضات التي منحتها شركة “الدار العقارية” تتمثل في خفض أسعار الشقق والفلل في 10 وحدات جديدة بنسبة 10%، وإعفاء بنسبة 2.0% من رسوم التسجيل، وإعفاء المشترين كذلك من رسوم الخدمات. وشركة “الدار” من أكبر الشركات العقارية في أبوظبي.
كما تصاعدت الضغوط على أسواق المال في دبي وتكبدت المزيد من الخسائر في ظل انكماش العقارات في الإمارة التي تواجه واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية على الإطلاق خصوصا بفعل تهاوي أسعار العقارات.
ومؤخرا نشرت صحيفة “غولف نيوز” الإماراتية أن “سوق الشقق في دولة الإمارات يتراجع وفي هذه السنة سيتم عرض 60 ألف شقة للبيع”، مستدركة بقولها: “ليس واضحا من أين سيأتي الزبائن لشراء هذه الشقق”.
وسوق الشقق في دبي ودولة الإمارات بشكل عام، يتراجع بشكل سريع في الفترة الحالية، نتيجة الأزمة المالية التي بدأت من عام 2008.
وتهدد أزمة العقارات كذلك الإمارات بمغادرة مئات آلاف العمال الأجانب الذين كانوا يملكون هذه الشقق، واضطروا إلى بيعها بخسارة كبيرة بلغت أحيانا 50 بالمئة من ثمن الشقة، ونتيجة لذلك فإن سوق الشقق امتلأت بفائض، ما أثر على الفور على سعر الإيجار.
كما أن الدولة جعلت سقف القرض السكني حتى 75 بالمئة من ثمن الشقة، وبهذا حولت آلاف العائلات إلى وضع فيه لا يستطيعون الحصول على الربع أو الثلث المطلوب منهم كرأس مال شخصي من أجل الحصول على القرض السكني.
وتأجير الشقق لمالكين في طور الإمكان يعد من الطرق التي تتجاوز عقبة القروض السكنية، والتي تمكن السكان بعد 15 سنة من امتلاك هذه الشقق، مبينة أن العائق الأساسي أمام هذه الخطوة، هو أن “معظم المشترين ليسوا من مواطني الدولة، ويحتاجون لتأشيرة إقامة طويلة الأمد، ولكنها تعطى بالقطارة.
وكان تقرير صدر عن وكالة “نايت فرانك”، كبرى وكالات العقارات العالمية ومقرّها في لندن، قال إن أسعار العقارات في إمارة دبي انخفضت بنسبة 25%، منذ عام 2015.
وحسب الوكالة، فإن دبي كانت المدينة الأسوأ أداءً من حيث أسعار العقارات، خلال العامين الماضيين.
وسيؤدي ضعف ظروف السوق إلى استمرار ارتفاع المديونية في القطاع العقاري، “وأدى بالفعل إلى إجراء تعديلات سلبية على التصنيفات الائتمانية خلال الشهور الستة الماضية”، بحسب وكالة “ستاندرد آند بورز”.
ورجحت الوكالة بأن عدد المشاريع الجارية التي سيتم إيقافها أو تأخيرها سيكون أقل من عدد المشاريع التي توقفت أو تأخرت خلال الانكماش الماضي؛ “لأن وتيرة الانكماش الحالي تسير بشكل تدريجي بفضل تطبيق المزيد من الإجراءات التنظيمية”.
وتمتد المخاوف في دبي إلى ما هو أبعد من قطاع العقارات الذي يشكل 14% من إنتاجها الاقتصادي، لتكوّن ما تعتبره شركة التصنيف نظرة سلبية تجاه قطاعات عدة تتراوح من البنوك إلى التأمين.
وقالت المحللة لدى “ستاندرد أند بورز”، سابنا جاغتياني، إنه “نظرا إلى الفجوة المستمرة بين العرض والطلب، في قاعدتنا الأساسية، نتوقع أن تنخفض الأسعار بنسبة بين 5% و10% عام 2019 قبل أن تستقر تدريجاً سنة 2020، مع ترجيح عدم حدوث انتعاش ذو معنى عام 2021”.
وبموجب سيناريو “الإجهاد” الذي تفرضه شركة التصنيف، فإن أسعار العقارات في الإمارة قد تعاني من انخفاض “أكثر شدّة”، على أن تظل تستقر في غضون عامين فقط إذا انخرطت مشاريع إضافية في هذه السوق الضعيفة.
كما باتت دبي عاجزة مجدداً عن سداد الديون المستحقة عليها، ومنها 20 مليار دولار مستحقة لإمارة أبوظبي تم تأجيل سدادها للمرة الثانية، كما هرب من دبي خلال الفترة الماضية مئات المستثمرين والشركات بسبب الاضطرابات السياسية في المنطقة.
وأظهر استطلاع أجرته وكالة “رويترز” لآراء محللي السوق في 11 شركة استثمارات ومعهد أبحاث بين 14 أغسطس/آب والثالث من سبتمبر/أيلول، أن أسعار المنازل في دبي ستنخفض عشرة في المائة هذا العام وخمسة في المائة في العام المقبل.
ومن المتوقع أن تنزل 3.3 في المائة في 2021. وتضاف هذه النسب إلى انخفاض ما بين 25 و35 في المائة منذ ذروة منتصف 2014، ليصل معدل الهبوط الإجمالي خلال ست سنوات حتى 2020 إلى حوالي 50 في المائة.
ونما اقتصاد دبي العام الماضي 1.94 في المائة فقط، وهو الأبطأ منذ الأزمة المالية في 2009، وسط تباطؤ في سوق العقارات. ومن المتوقع الآن أن ينمو اقتصاد دبي، المعتمد على السياحة وخدمات الشركات العالمية، 3.8 في المائة في 2020 و2.8 في المائة في 2021 حسب ما أفادت الحكومة، لكن ذلك سيعتمد في معظمه على عوامل خارجية.