موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

التدخل الإماراتي في الحرب الأهلية في السودان يأتي بنتائج عكسية

844

أدى التدخل الإماراتي العدواني في الحرب الداخلية في السودان بين القوات المسلحة بقيادة عبدالفتاح البرهان، ومليشيات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، إلى نتائج عكسية تمثلت في دعم إقليمي واسع للقوات المسلحة السودانية.

وقال موقع “وورلد بوليتيكس ريفيو” الدولي إن الأسابيع القليلة الماضية شهدت هبوط طائرات شحن إيرانية في بورتسودان، وهي مقر الحكومة السودانية التي يقودها الجيش منذ سقوط العاصمة الخرطوم في يد الدعم السريع.

وفي الشهر الماضي أسقطت قوات حميدتي طائرة إيرانية مسيرة كانت تديرها القوات المسلحة السودانية.

وذكر الموقع أن كلا التطورين يؤكد الادعاءات بأن إعادة الحكومة السودانية الأخيرة العلاقات الدبلوماسية مع إيران كانت مصحوبة بدعم عسكري بالصراع الذي اندلع في أبريل/نيسان الماضي.

وأضاف أن السودان سبق أن قطع علاقاته مع إيران في عام 2016 بناء على طلب من السعودية، بعد أن هاجم متظاهرون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، ولذا يمثل قراره بإعادة العلاقات مع طهران تحولا جذريا في إعادة تشكيل التحالفات التي تجريها الحكومة السودانية.

ويرسل هكذا تحول موجات لـ “صدمات جيوسياسية” في جميع أنحاء القرن الأفريقي، حيث كانت الإمارات اللاعب الخليجي الرئيسي على مدى السنوات العديدة الماضية، بحسب إبراهيم، الذي وصف ما يجري بأنه “نتيجة عكسية” لأهداف أبوظبي في السودان.

وتدهورت العلاقات بين السودان والإمارات في الأشهر الأخيرة بشكل كبير نتيجة لدعم أبو ظبي لقوات الدعم السريع، وفي يناير/كانون الثاني الماضي وصف ياسر عطا، الرجل الثاني في قيادة القوات المسلحة السودانية، الإمارات بأنها “دولة مافيا”.

وفي تقرير أصدره الشهر الماضي، أكد فريق من خبراء الأمم المتحدة اتهامات الحكومة السودانية للإمارات بتسليح قوات الدعم السريع، ووصفها بأنها “ذات مصداقية”، ورغم أن الإمارات رفضت هذه الاتهامات، إلا أن تورطها في الصراع معترف به حتى من جانب واشنطن.

فقد كتبت مجموعة من أعضاء الكونجرس الأمريكي رسالة إلى وزير الخارجية الإماراتي الشيخ، عبدالله بن زايد آل نهيان، في ديسمبر/كانون الأول، يطلبون فيها من الإمارات “إنهاء دعمها لقوات الدعم السريع”.

وتسلط تلك التوترات الضوء على مدى التغير الذي طرأ منذ عام 2019، عندما لعبت الإمارات دورا رئيسيا في تمهيد الطريق للإطاحة بالرئيس السوداني السابق، عمر البشير، ثم قامت برعاية المرحلة الانتقالية في مرحلة ما بعد البشير بشروط مواتية لتفضيلاتها ومصالحها.

وبعد سقوط البشير، بدأت الحكومة السودانية الانتقالية، التي قادها مدنيون وسارعت أبوظبي بتطوير العلاقات معها، في إعادة تشكيل العلاقات الخارجية للبلاد بطريقة تتفق مع مصالح الإمارات.

كما ساعدت أبو ظبي السودان على إعادة تأهيل مكانته مع واشنطن، التي واصلت تصنيف الخرطوم كداعمة للإرهاب، من خلال التوسط في الاتصال بين حكومة ما بعد الثورة السودانية والمسؤولين الأمريكيين بالإمارات في أواخر عام 2020.

وفي يناير/كانون الثاني 2021، وقع وزير العدل السوداني آنذاك، نصرالدين عبدالباري، إعلان دعم لاتفاقيات إبراهيم نيابة عن الحكومة الانتقالية بحضور وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشين.

لكن الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع اندلعت قبل أن يتم التوقيع الرسمي للسودان على اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل.

وكان حشد الدول العربية والإسلامية للتطبيع عنصرا حاسما في جهود الإمارات لاحتواء إيران، وفي إطار هذه الجهود عملت أبو ظبي جاهدة على تجميد نفوذ إيران في منطقتي البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وفي المقابل عملت على توسيع نطاق نفوذها الخاص من خلال عقود إدارة الموانئ للشركات الإماراتية وكذلك من خلال القوة العسكرية الصارمة.

وفي السياق، تولت شركة موانئ دبي العالمية تطوير ميناء بربرة في أرض الصومال، وتقوم بإدارته الآن، وعلى الجانب الآخر من البحر الأحمر في اليمن.

وبعد نشر قوات على الأرض لمحاربة الحوثيين المدعومين من إيران، “احتلت الإمارات جزيرتي ميون وسقطرى، ما منحها السيطرة على نقاط الاختناق البحرية الاستراتيجية في باب البحر: مضيق المندب وخليج عدن”.

وفي ضوء ذلك، أثبت دعم الإمارات لقوات الدعم السريع أنه يأتي بنتائج عكسية، فمن خلال دفع القوات المسلحة السودانية إلى أحضان طهران، منحت أبوظبي إيران موطئ قدم في البحر الأحمر.

وفي الوقت نفسه، كان اندلاع الحرب بمثابة انتكاسة للحرب ضد الإسلام السياسي في السودان أيضًا، بحسب إبراهيم، مشيرا إلى أن حكومة الانقلاب، الذي نفذه البرهان وحميدتي قبل اختلافهما، أعادت العديد من الإسلاميين الذين تم فصلهم من مناصبهم، وداهمت مكاتب لجنة استرداد الأصول التي كانت تسترد الثروات المختلسة.

وبعد اندلاع القتال بين الشريكين السابقين في أبريل/نيسان، ندم حميدتي على مشاركته في الانقلاب، ووصفه في مقابلة أجريت معه مؤخراً بأنه “فخ” نصبه البرهان لإحياء الإسلاميين.

وفي حين أن تأطيره للحرب الأهلية باعتبارها معركة ضد “الإسلاميين المتطرفين” مبالغ فيه لتحقيق مصالح ذاتية، إلا أن الصراع أدى بالفعل إلى تغذية الاتجاه نحو تمكين الإسلاميين وتقويتهم داخل القوات المسلحة السودانية والحكومة، بحسب إبراهيم.

ففي يونيو/حزيران الماضي، على سبيل المثال، عيّن البرهان محمد أحمد حاج ماجد لقيادة جهود الحشد الشعبي لتعزيز قدرات القوات المسلحة، وفتح باب التجنيد أمام كل من يريد القتال ضد قوات الدعم السريع.

وكان ماجد مشاركاً متحمساً في “الجهاد” ضد المتمردين في جنوب السودان خلال الحرب الأهلية التي استمرت عقوداً في السودان، كما قاد منظمة “الشهيد”، وهي مؤسسة خيرية ترعاها الحكومة وتقوم بتوزيع الأموال على عائلات وأقارب المقاتلين الذين سقطوا في الحرب في الجنوب.

بالإضافة إلى ذلك، عادت الجماعات شبه العسكرية الأخرى ذات الميول الإسلامية إلى الظهور للقتال إلى جانب القوات المسلحة السودانية.

بما في ذلك “لواء البراء بن مالك”، الذي يتكون من شباب إسلاميين مرتبطين بالحركة الإسلامية السودانية، وكذلك وحدة العمليات الخاصة، وهي جناح مسلح لجهاز المخابرات والأمن الوطني يهيمن عليه الإسلاميون والموالون لرئيس مخابرات البشير، صلاح قوش.

وكنت وحدة العمليات الخاصة قد جرى حلها بدعم من حميدتي بعد سقوط البشير، لكن البرهان أعاد تشكيلها للحرب ضد قوات الدعم السريع.

وإزاء ذلك، أثبت رهان الإمارات على قوات الدعم السريع أنه كان بمثابة “سوء تقدير خطير”، بحسب تعبير إبراهيم، فعلى الرغم من أن قوات حميدتي هي المهيمنة عسكرياً منذ اندلاع القتال قبل 10 أشهر، إلا أن عدم قدرتها على تعزيز الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرتها يمثل حجر عثرة رئيسي أمام قدرتها على البقاء كبديل إماراتي على المدى الطويل.

فرسوم العبور من النفط المنتج في جنوب السودان ويتدفق إلى محطات التصدير على البحر الأحمر في حسابات تسيطر عليها الحكومة العسكرية.

كما انتقل البنك المركزي ووزارات الحكومة والبعثات الدبلوماسية الأجنبية إلى بورتسودان بعد سقوط الخرطوم في أيدي قوات الدعم السريع، التي لم تقم بإنشاء أي مؤسسات موازية في المناطق الخاضعة لسيطرتها بعد.

وبغض النظر عن التمويل، فإن قوات الدعم السريع تفتقر إلى المعرفة بمجال الحوكمة وتعاني من “قيادة وسيطرة مشكوك فيهما”، كما أن جنودها شاركوا في عمليات نهب وحشية للمنازل والبنوك والمصانع وجميع البنية التحتية الإنتاجية في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

وفي الأيام الأولى للحرب، أطلق جنود قوات الدعم السريع النار على القوافل الدبلوماسية التي كانت تقوم بإخلاء البلاد، وهاجمت سفير الاتحاد الأوروبي لدى السودان، إيدان أوهارا، في منزله، وأينما سيطرت على مكان عانى المدنون من سلوكها فيه، كما يتضح من النزوح الجماعي للسكان الذي يحدث في أي وقت تستولي فيه على أراض جديدة.

وإضافة لذلك، لا يتمتع حميدتي بأي من المزايا التنافسية التي يمتلكها الوكلاء المدعومين من الإمارات في مناطق الصراع الأخرى.

إذ يسيطر وكيل الإمارات في ليبيا، خليفة حفتر، على مساحات واسعة من الأراضي المنتجة للنفط في البلاد، ما سمح له ببناء دولة داخل الدولة، وبالمثل، تمكن عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، من إعادة توجيه الضرائب والرسوم الجمركية التي تم جمعها من الموانئ ومصفاة عدن بعيداً عن الحسابات التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليا.

وعلى النقيض من ذلك، تهيمن قوات الدعم السريع على منطقة غير ساحلية في السودان حيث أدى القتال بلا هوادة إلى تدمير كل مؤسسة يمكنها دعم الدولة.

ورغم أن حميدتي يتمتع بدعم ناعم من تحالف القادة السياسيين المدنيين في السودان، إلا أن هؤلاء القادة لم تطأ أقدامهم البلاد منذ مغادرتهم بعد بدء الحرب، كما يُنظر إليهم الآن على أنهم أعداء للدولة بسبب تواصلهم مع حميدتي.

ويخلص الموقع إلى أنه “من دون اتفاق لتقاسم السلطة مع القوات المسلحة السودانية أو تحقيق انتصار عسكري كاسح، لن تتمكن قوات الدعم السريع من تحويل نفسها إلى دولة عميلة للإمارات مكتفية ذاتيا، كما فعل حلفاء أبوظبي في اليمن وليبيا. ولا يمكنها إلا أن تشن تمردًا طويل الأمد من شأنه أن يزيد من معاناة السكان المدنيين، فضلاً عن إدامة الضرر الذي تتعرض له سمعة الإمارات بالفعل بسبب دورها في الحرب”.