حاول النظام الإماراتي التهرب من فضائح التجسس التي لاحقته على مدار أشهر بعد كشفها من وكالات وصحف عالمية في محاولة يائسة للحد من انعدام ثقة مواطني الدولة والوافدين إليها.
وزعمت الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات في الإمارات، في بيان أصدرته، أنها تفرض معايير صارمة لحماية خصوصية المستخدمين، مشددة على أن تطبيقات الاتصال الصوتي والمرئي عبر الإنترنت المعتمدة في الدولة تخضع لهذه المعايير وتنفذها، وتتم مراقبة تنفيذها بصورة مستمرة.
وادعت الهيئة أن الإطار القانوني والتنظيمي في دولة الإمارات “يمنع منعاً تاماً التجسس وأياً من أشكاله، وأن أي فعل من تلك الأفعال يعتبر جريمة يُعاقب عليها وفق القوانين المطبقة”.
لكن هذا الادعاء تناقض كليا مع عشرات التقارير الفنية والحقوقية الدولية التي تؤكد وجود ترسانة هائلة من التجسس في الإمارات، فضلا أن الجمهور في الإمارات كان قد أكد أكثر 55% منه في استطلاع مؤخرا أنه يخضع للمراقبة والتجسس وفق استطلاع رأي نشرته صحيفة “جلف نيوز” الناطقة بالإنجليزية.
بيان من الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات بشأن تطبيق "#توتوك"#وام https://t.co/gHpjR2yTUc
— وكالة أنباء الإمارات (@wamnews) December 27, 2019
وكان تم سُحب تطبيق “توتوك” ToTok الرائج والذي تم تطويره في دولة الإمارات من على منصّتي “آبل” و”غوغل” لتحميل التطبيقات بعد ثبوت استخدامه من الحكومة الإماراتية لأغراض التجسس.
وقالت “آبل” إنها سحبت “توتوك” من على منصّة “آب ستور”، فيما أعلنت “غوغل” أن التطبيق حذف من على منصة “بلاي ستور” التابعة لها.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد نشرت تقريراً قبل يومين يفيد بأن تطبيق “توتوك” يتيح للحكومة الإماراتية تعقّب المحادثات والحركة وتفاصيل أخرى عن الأشخاص الذين حمّلوه على هواتفهم.
وبحسب “نيويورك تايمز” فإن تطبيق “توتوك” الذي يستخدمه الملايين في الإمارات والبلدان المجاورة مصمّم ليبدو وسيلة آمنة وسهلة الاستخدام لإرسال الرسائل والفيديوهات في بلدان تحظر خدمات مماثلة.
وجاء في التقرير أن مسؤولين في أجهزة الاستخبارات الأميركية وباحثا في الشؤون الأمنية توصلوا إلى أن الحكومة الإماراتية تستخدم التطبيق لتعزيز عمليات المراقبة.
وقال الباحث في الشؤون الأمنية، باتريك واردل، في تعليق على مدوّنة إلكترونية إن “توتوك” يبدو جزءاً من “عملية مراقبة جماعية” أعطت على الأرجح “صورة واضحة عن نسبة كبيرة من سكان البلاد”.
وقال واردل إن التطبيق لقي رواجاً بعدما أتاح اتصالات ورسائل مجانية لمستخدميه في بلاد تحظر خدمات على غرار “سكايب” و”واتساب”، كما أن وجود آراء، تبدو مزيّفة، تثني على التطبيق ساهم في رواجه.
وقال إن “توتوك” يخدع على ما يبدو مستخدمي هواتف “آيفون” والأجهزة التي تعمل بنظام “أندرويد” للحصول على مواقعهم والبيانات الخاصة الموجودة على هواتفهم.
وكتب الباحث أن التطبيق “قادر على الوصول إلى قائمة معارف المستخدم ودردشاته وموقعه وما إلى ذلك بـ”شرعية” تامة وبطريقة تحظى بموافقة آبل!”.
واعتبر أن توتوك يقوم على تجميع البيانات على غرار برنامج “بالك كوليكشن” الذي تعتمده الوكالة الأميركية للأمن القومي وإنما بشكل أعمق. وقال “ما أن تعلم من يحادث من وربما أيضا عمّا يتحادثان يمكنك التعرّف على اهتمامات أفراد معيّنين واستهدافهم بقدرات أكثر تطوّرا”.
وأفادت “نيويورك تايمز” بأن شركة “بريج القابضة” أطلقت التطبيق هذا العام، مضيفةً أنّها على الأرجح “واجهة” للتعامل مع شركة “دارك ماتر” للاستخبارات والقرصنة الإلكترونية ومقرها أبوظبي.
ولم تتطرّق “توتوك” في تعليق لها، أمس الإثنين، إلى مزاعم التجسس لكنّها أشارت إلى أن تطبيق الرسائل “غير متوفر بشكل مؤقت” على منصّتي “غوغل” و”آبل” بسبب “مشكلة تقنية”.
وجاء في بيان لتوتوك “في حين يمكن للمستخدمين الحاليين لتوتوك أن يتمتعوا بخدماتنا من دون انقطاع، نود أن نبلغ مستخدمينا الجدد بأننا ملتزمون مع غوغل وآبل بحل هذه المسألة”، مشيرةً إلى أن التطبيق متوفّر على موقعها الإلكتروني وعلى منصات بيع الهواتف الذكية “سامسونغ” و”هواوي” و”شاومي” و”أوبو”.
وقد ارتفعت شعبية تطبيق للمراسلة يُدعى “توتوك” ToTok حول العالم، خلال الأسابيع الأخيرة. لكن مسؤولين في الاستخبارات الأميركية حذّروا من أن التطبيق المذكور ليس منصة آمنة، بل أداة مراقبة تستطيع نقل بيانات المستخدمين إلى حكومة الإمارات، وذلك في حديثهم لصحيفة “نيويورك تايمز”.
واستجابة لهذه التحذيرات التي نقلتها الصحيفة الأميركية، حذفت شركة “غوغل” تطبيق ToTok من متجرها للتطبيقات “غوغل بلاي” يوم الخميس الماضي، وبادرت شركة “آبل” إلى الخطوة نفسها يوم الجمعة الماضي.
لكن التطبيق المذكور لن يتوقف عن العمل، وسيواصل تجسسه على الأشخاص الذين حمّلوه سلفاً على أجهزتهم المحمولة. وحذّر الباحث، الذي عمل سابقاً في “وكالة الأمن القومي الأميركي” باتريك واردل، المستخدمين، داعياً إياهم إلى إلغاء تحميل تطبيق “توتوك” فوراً. ونشر، يوم الأحد، تحليلاً تقنياً للتطبيق المذكور. ووجد أن التطبيق لم يؤسس من نقطة الصفر، بل اعتمد على رمز من تطبيق الاتصالات الصيني “يي كول” YeeCall.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن خبير أمني رقمي في الشرق الأوسط، تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله إن “كبار المسؤولين الإماراتيين أخبروه أن ToTok تطبيق طُوّر لتتبّع مستخدميه في الإمارات وخارجها”. ويقوم تطبيق ToTok بملاحقة موقع المستخدمين، ويبحث عن جهات الاتصال الجديدة في أي وقت يقوم المستخدم بفتح التطبيق، بدعوى أنه يساعد على التواصل مع أصدقائه، كما يمكنه الوصول إلى ميكروفونات المستخدمين والكاميرات والتقويم وبيانات الهاتف الأخرى.
ورجحت “نيويورك تايمز” ارتباط شركة “بريج هولدينغ” Breej Holding، المطورة للتطبيق، بشركة “دارك ماتر” DarkMatter التي تخضع للتحقيق في الولايات المتحدة حالياً من قبل “مكتب التحقيقات الفيدرالي” (إف بي آي). وشركة “دارك ماتر” مقرها أبوظبي، وتأسست عام 2014 على يد فيصل البنّاي الذي أنشأ أيضا Axiom، وهي من أكبر باعة الأجهزة المحمولة في المنطقة. تسوق “دارك ماتر” لنفسها كمطور مبتكر لتكنولوجيا الإنترنت الدفاعية. لكن تقريراً نشره موقع “ذي إنترسبت”، عام 2016، أفاد بأنها ساعدت الأجهزة الأمنية الإماراتية في عمليات المراقبة والتجسس، وكانت تحاول استقطاب خبراء إلكترونيين من الخارج. وتعترف الشركة الإماراتية التي تضم أكثر من 650 موظفاً علناً بعلاقة العمل الوثيقة مع حكومة الإمارات، لكنها تنفي المشاركة في جهود القرصنة المدعومة من السلطات.
وكان تطبيق “توتوك” زعم أنه “منصة للمراسلة والاتصال بسرعة وأمان”، لكنه لم يحدد اعتماده تقنية التشفير التام بين الطرفين أو ما يعرف بـ end-to-end encryption، وهي الميزة التي تحمي البيانات من المتسللين والمتطفلين خلال الأوقات كافة، على غرار تطبيق “واتساب”.
واكتفى “توتوك” بتناول سياسة الخصوصية بالإشارة إلى إجراءاته لتخزين البيانات، لافتاً إلى أنه “تُخزّن البيانات المشفرة بحيث لا يمكن لمهندسي ToTok المحليين أو المتسللين الوصول إليها”.
وأكد التطبيق على أنه يوفر عدداً غير محدود من المكالمات الصوتية والمرئية، بالإضافة إلى الرسائل لأي شخص لديه اتصال بالإنترنت، كي يتمكن المستخدمون من البقاء على اتصال مع العائلة والأصدقاء في أنحاء العالم كافة. وكان التطبيق جذاباً بشكل خاص للمستخدمين في الإمارات العربية المتحدة، لأنه لا يحتوي على القيود التي تفرضها الحكومة الإماراتية على تطبيقات الاتصالات الأخرى مثل “سكايب” Skype و”واتساب” Whatsapp. ويتيح ToTok للمستخدمين الوصول إلى مجموعة كاملة من الميزات مجاناً، من دون الحاجة إلى استخدام “شبكة خاصة افتراضية” VPN أو أي حلول أخرى.
وقد أطلق التطبيق للمرة الأولى في 27 يوليو/تموز الماضي، في الإمارات، ثم انتشر في دول أخرى مجاورة، وبعدها إلى باقي دول العالم.
وحصل التطبيق على عدد من المراجعات الإيجابية، خاصة من المستخدمين في الإمارات العربية المتحدة الذين كانوا متحمسين لعدم خضوعه لقيود.
وصُنف التطبيق باعتباره التطبيق الأكثر شعبية في مناطق عدة على متجري “غوغل بلاي” Google Play ومتجر التطبيقات الخاص بـ “آبل”، “آب ستور” App Store.
وحُمّل أكثر من 600 ألف مرة على الأقل، على الأجهزة العاملة بنظامي “أندرويد” Android و”آي أو إس” iOS، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وكانت شعبيته ترتفع بشكل لافت خلال الأسبوعين الأخيرين في الولايات المتحدة الأميركية.