مجددا عرقل سجل الإمارات الأسود في منع حرية الإعلام وتقييد الصحافة، محاولاتها في توسيع استثماراتها الخارجية عبر الخطط المشبوهة للاستحواذ على صحيفة “تليغراف” البريطانية.
وأعلنت الحكومة البريطانية أنها ستقوم بمراجعة مستفيضة لعرض استحواذ الإمارات على صحيفة تليغراف، حيث أنه من المقرر أن يدخل قانون يحظر على الحكومات الأجنبية امتلاك صحف بريطانية حيز التنفيذ في الشهور المقبلة.
وقد سيطرت شركة ريد بيرد آي.إم.آي المدعومة من أبو ظبي على تليغراف ومجلة سبكتاتور في كانون الأول/ ديسمبر عندما ساعدت في سداد ديون عائلة باركلي لبنك لويدز البالغة 1.2 مليار جنيه إسترليني (1.5 مليار دولار)، لكن يظل إتمام الصفقة مرهونا بموافقة الجهات التنظيمية.
وعارض مشرعون وصحفيون بريطانيون بشدة استحواذ دولة الإمارات على صحيفة تليغراف، التي يطلق عليها “توري جراف” بسبب دعمها التاريخي لحزب المحافظين المنتمي إلى اليمين.
ويقول المشرعون إن استحواذ دولة أجنبية، لا سيما الإمارات على إحدى أشهر الصحف البريطانية من شأنه أن يهدد حرية الصحافة.
وقالت الحكومة البريطانية الأسبوع الماضي إنها ستصدر تشريعا لمنع الدول الأجنبية من امتلاك الصحف البريطانية، في إشارة صريحة لمنع خطوة الاستحواذ الإماراتية.
واتخذت لوسي فريزر وزيرة الدولة للشؤون الرقمية وشؤون الثقافة والإعلام والرياضة قرارا بإحالة محاولة شركة ريد بيرد آي.إم.آي لشراء صحيفة تليغراف إلى هيئة المنافسة والأسواق البريطانية بعد تلقي المشورة من هيئة تنظيم الاتصالات أوفكوم.
وقالت إن أوفكوم وجدت أن شركة آي.إم.آي قد يكون لديها حافز للتأثير على “العرض الدقيق للأخبار والتعبير الحر عن الرأي في صحيفتي ديلي تليغراف وصنداي تليغراف”.
وأمام الطرفين مهلة حتى 25 آذار/ مارس للاعتراض قبل أن تحيل الوزيرة الصفقة إلى هيئة المنافسة والأسواق.
وبشكل منفصل عن عملية المراجعة، تقوم الحكومة بتعديل تشريعي لمنع الدول الأجنبية من امتلاك الصحف استجابة لمخاوف المشرعين بشأن محاولة ريد بيرد آي.إم.آي لشراء تليغراف.
وأوضحت فريزر لإذاعة إل.بي.سي في وقت سابق أن “التشريع سيدخل حيز التنفيذ بعد الموافقة الملكية، والتي أعتقد أنها ستتم في غضون شهر أو شهرين تقريبا…إذا كانت مسألة تليغراف لا تزال قائمة، فسوف يؤثر عليها”.
وفي الإمارات تقمع التدخلات الأمنية ممثلة بمجلس الإمارات للإعلام وهو هيئة حكومية، حرية الصحافة في الدولة في ظل نظام الحكم الاستبدادي الذي يتخذ من النهج السلطوي الشمولي نهجا له.
ويترأس “مجلس الإمارات للإعلام”، زايد بن حمدان بن زايد آل نهيان، وهو ضابط في الجيش الإماراتي، تخرج من كلية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا عام 2009.
وفي أحدث فرض التدخلات الأمنية القمعية، أصدر مجلس الإمارات للإعلام بيانا تحذيرا من مخالفة ما اعتبره “محتوى معايير المحتوى الإعلامي المعمول بها داخل الدولة، أو نشر أي محتوى مخالف لقيم ومبادئ الإمارات”.
وتوعد البيان بأن المجلس يقوم بمتابعة وتقييم المحتوى المتداول إعلامياً داخل الدولة دون أن يقدم توضيحات بشأن ماهية “قيم ومبادئ دولة الإمارات ومعايير المحتوى الإعلامي المعمول بها في الدولة”.
وتواجه قوانين الإعلام في الإمارات انتقادات حقوقية منذ أكثر من عقد من الزمان، بسبب تقييدها الكبير لحرية التعبير والإعلام والصحافة وقمع حرية الرأي والتعبير.
وصنفت منظمة “مراسلون بلا حدود” قبل شهر، الإمارات في المرتبة 145 من بين 180 دولة، على مؤشر حرية الصحافة لعام 2023، ما يظهر أن الدولة تراجعت 14 مركزاً في حرية الصحافة، بين عامي 2021 و2023، بواقع سبعة مراكز كل عام.
وعزت المنظمة ذلك التراجع إلى “تكميم الأصوات المعارضة”، مضيفة أن “الحكومة الإماراتية تكبح جماح الصحافة المستقلة، محلية كانت أم أجنبية، علماً أن الصحفيين الإماراتيين المغتربين قد يتعرضون للمضايقات أو الاعتقالات، بل ويتم تسليمهم لسلطات بلدهم في بعض الأحيان”.
وأضافت المنظمة أن الصحافة الإماراتية تأخذ منحىً سياسياً، حيث “يتولى المجلس الوطني للإعلام تنظيم عمل المؤسسات الإعلامية، لكنه لا يتوانى عن فرض الرقابة على المحتويات التي تنتقد قرارات الحكومة أو تهدد “التماسك الاجتماعي”.
وأشارت إلى أن سلطات أبوظبي تُستخدم ذريعة التماسك الاجتماعي المزعوم وغيرها من العبارات الغامضة لإسكات أي صوت لا يتوافق مع خط الحكومة”، لاسيما أن معظم وسائل الإعلام الإماراتية تقع في ملكية مؤسسات مقربة من الحكومة.
وأكدت أن هذه الإجراءات لا تقتصر على الصحافة المحلية، بل إنها تشمل أيضاً منشورات وسائل الإعلام الأجنبية، التي يُخضعها المجلس الوطني لنفس المعايير المطبقة على الصحف الوطنية، ولا يتردد في فرض عقوبات عليها هي الأخرى.
وأبرزت “مراسلون بلا حدود” أن أبوظبي أصبحت خبيرة في المراقبة الإلكترونية للصحفيين والمدونين، الذين يجدون أنفسهم تحت مجهر السلطات بمجرد إدلائهم بتعليق ينطوي على شيء من الانتقاد.
ونبهت إلى أن هؤلاء الصحفيين “عادة ما يُتهمون بالتشهير أو إهانة الدولة أو نشر معلومات كاذبة بهدف تشويه سمعة البلاد، حيث تنتظرهم أحكام قاسية بالسجن لفترات طويلة، علماً أن هناك من يتعرضون لسوء المعاملة أثناء احتجازهم”.
وأبرزت شبكة الصحفيين الدوليين أن سلطات دولة الإمارات تسحق حرية الصحافة وتقيد القدرة على توفير معلومات موضوعية ومتنوعة للجمهور في ظل نظام حكمها القمعي.
وذكرت دراسة تحليلية صادرة عن الشبكة الدولية، أن سلطات الإمارات تفرض نظيم وسائل الإعلام بشكل صارم وفقًا للتشريعات الحكومية.
إذ تتحكم سلطات الدولة في الإذاعة والتلفزيون والصحف والمجلات وتتطبق رقابة صارمة على المحتوى الإعلامي، وتتتبع المؤسسات الإعلامية والصحفيين وتطبق عقوبات قاسية على المخالفين.
وأكدت الدراسة أن هذه القيود والرقابة الحكومية في الإمارات تهدد استقلالية وسائل الإعلام وقدرتها على توفير معلومات موضوعية ومتنوعة للجمهور.
ورصدت الدراسة اتجاهًا متزايدًا لقمع الصحافة المستقلة وإغلاق وسائل الإعلام الناقدة في العديد من الدول في الشرق الأوسط في مقدمتها الإمارات.
ونبهت إلى أنه يتم في الإمارات تكميم الأصوات النقدية وتجريم المراسلين الذين يكشفون عن الفساد أو يطرحون قضايا حساسة للنقاش العام.