بعد سنوات من الحرب الإماراتية ضد حزب “التجمع اليمني للإصلاح” المحسوب على “جماعة الإخوان المسلمين”، زار قادة الحزب العاصمة أبوظبي والتقوا ولي عهدها محمد بن زايد، في إطار زيارة غير معلنة.
وأظهرت الصور التي بثتها وسائل إعلام إماراتية رسمية، لزيارة وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت العاصمة الإماراتية، وجود رئيس الهيئة العليا لحزب “الإصلاح” محمد اليدومي، والأمين العام للحزب عبد الوهاب الآنسي، بين جملة الحاضرين لاجتماع ولي عهد أبوظبي مع الوزير البريطاني.
وهي المرة الأولى، التي يتم الكشف فيها عن زيارة قيادة حزب “الإصلاح” إلى أبوظبي، بعد أن كان الصراع وما يشبه الحرب الباردة، العنوان الرئيسي لعلاقة الحزب مع الإمارات، في المناطق اليمنية غير الخاضعة لسيطرة جماعة “أنصار الله” (الحوثيين).
وعاصفة تساؤلات أثارها الظهور المفاجئ للرجلين الأول والثاني في حزب “التجمع اليمني للإصلاح” (المحسوب على “الإخوان المسلمين”)، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، في ظلّ العلاقة التي يسودها التوتر والعداوة بين الطرفين، بالرغم من محاولة “الإصلاح” التمسك بموقفه العلني المؤيد لـ”التحالف” بشقيه السعودي والإماراتي، وبالتزامن مع استمرار معركة الحديدة التي تتصدرها أبوظبي من واجهة “التحالف”، ويُنظر إليها كمحطة مصيرية للحرب الدائرة في البلاد منذ سنوات.
ومعلومٌ أن اليمن هو العنوان الأول على جدول أعمال زيارة هانت إلى كلٍ من الرياض وأبوظبي، بالتزامن مع التصعيد العسكري الذي شهدته مدينة الحديدة الساحلية في اليمن خلال الأسابيع الماضية.
وفي الوقتٍ الذي لم يكشف فيه الطرفان أيَّ تفاصيل مرتبطة بزيارة رئيس وأمين عام “الإصلاح” اليمني إلى أبوظبي، أفادت مصادر سياسية مقربة من الأخير، بأن الزيارة تأتي في إطار تفاهمات ترعاها السعودية، وتهدف إلى تخفيف عوامل الاحتقان بين الطرفين الفاعلين أبوظبي التي تتصدر واجهة “التحالف” في المناطق اليمنية الجنوبية غير الخاضعة للحوثيين، و”الإصلاح”، الذي يعد من أكبر الأحزاب الفاعلة في إطار الشرعية، ويمثل أعضاؤه جزءاً معتبراً من قوات الشرعية في الجبهات.
ويعد هذا اللقاء الثاني التي يجتمع فيه بن زايد مع اليدومي والآنسي، بعدما كان الثلاثة قد التقوا بضيافة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الرياض، في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، لكن اللقاء هذه المرة يكتسب أهمية مضاعفة، إذ إن الرجلين موجودان في أبوظبي، التي تقود ما يشبه حرباً اجتثاثية ضد “الإصلاح” وكل ما له علاقة بـ”الإخوان المسلمين”، بل إن تقريراً أميركياً كشف الشهر الماضي، عن استئجار الإمارات فريقاً من القتلة الدوليين المتخصصين بالاغتيالات لاستهداف شخصيات يمنية، ومنها قيادات في “الإصلاح” في عدن، أواخر العام 2015.
وبالرغم من أن الزيارة جاءت مفاجئة، إلا أنها جاءت مسبوقة بتطورين لافتين، الأول هو الزيارة التي قام بها بن زايد إلى العاصمة السعودية، واللقاء الذي عقده مع الملك سلمان بن عبد العزيز في العاشر من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، وهي الزيارة التي مهدّت على ما يبدو لزيارة وفد رفيع من حزب “الإصلاح”، الذي تعامله الرياض كاستثناءٍ بين الأحزاب “الإسلامية” المحسوبة على “الإخوان” في أكثر من قطر عربي، وكحليف في الحرب مع الحوثيين، ارتبطت بعض شخصياته القبلية بعلاقات منذ عقود مع السعودية.
إلى جانب ذلك، وفي اليوم ذاته الذي زار فيه بن زايد الرياض، خرج المتحدث باسم حزب “الإصلاح”، عدنان اليمني، بتصريح هو الأول من نوعه، يهاجم فيه قطر ويتهمها بدعم الانقلابين تماشياً مع اتهامات دول الحصار في هذا السياق.
وكتب اليمني في تغريدة على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، أن “الخلاف الخليجي الذي نأمل تجاوزه، لا يبرر الدور القطري الداعم للانقلابيين، وخاصة أنها كانت ضمن تشكيلة الدول التي أعلنت التحالف العربي لمواجهة الانقلاب، وتدرك مستوى الارتباط الحوثي بالمشروع الإيراني الذي يتجاوز في تهديده اليمن الى عموم المنطقة”.
في سياق آخر، تأتي زيارة قادة “الإصلاح” إلى أبوظبي بالترافق مع تفاهمات في إطار “التحالف” – الشرعية، هي تلك التي أفضت إلى وقف تصعيد حلفاء أبوظبي مما يُسمى بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” الانفصالي في عدن ومحيطها، ضد الشرعية، في مقابل تغييرات في الشرعية، شملت في ما شملت، الإطاحة برئيس الحكومة السابق أحمد عبيد بن دغر، والذي اشتهر بخلافه مع الإماراتيين وحلفائهم، وتعيين معين عبد الملك رئيساً جديداً للوزراء، والأخير يحظى برضى من “التحالف” السعودي والإماراتي، حتى اليوم على الأقل.
ميدانياً، لا يمكن فصل التطور المثير للجدل بالمعركة “المصيرية” الدائرة في مدينة الحديدة الاستراتيجية، والتي تتصدر الإمارات واجهة العمليات العسكرية فيها من جهة “التحالف”، وهي تسعى لانتزاعٍ نصر من شأنه أن يمثل الكثير بالنسبة للمعركة مع الحوثيين، وسط ضغوط دولية مكثفة.
وفي هذا الإطار، فإن مراجعة الإمارات لعلاقاتها مع الأطراف اليمنية، كانت قد بدأت منذ أواخر مايو/أيار الماضي، أثناء التحضير لتدشين عملية الحديدة، من خلال التواصل مع مسوؤلي الحكومة الشرعية ودعوة الرئيس عبد ربه منصور هادي لزيارة أبوظبي، بعدما كانت الأخيرة تقف حائلاً دون عودته إلى عدن، التي تُوصف بـ”العاصمة المؤقتة” لليمن.
وفي ضوء هذه المعطيات كلّها، تبقى زيارة اليدومي والآنسي تمثل اختراقاً سياسياً غير مسبوق، بالنسبة للعلاقة بين “الإصلاح” وأبوظبي، ومن الواضح أنها جاءت بعدما أدركت الإمارات أن “الإصلاح” قوة تتطلب المستجدات التحاور معها على الأقل، بما من شأنه أن يقلل من أزمات “التحالف” ومعاركه مؤقتاً على الأقل.
ويبقى السؤال الرئيسي هو ما إذا كان يعني كلّ ذلك أن الإمارات ستوقف حربها ضد الحزب، وما إذا كان الطرفان سيفتحان صفحة جديدة بالعلاقة، أم أن مدّ اليد الإماراتية إلى قادة “الإصلاح” ليست أكثر من مناورة مرتبطة بمقتضيات نجاح معركة الحديدة وغيرها من الحسابات التي ستحسم إجاباتها تطورات الأسابيع والأشهر المقبلة.