موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

خفايا استخدام الإمارات أجانب لتعذيب قضاة ومحامين

435

كشفت ملابسات دعاوي قضائية في بريطانيا المستور عن جرائم ارتكبتها السلطات الإمارات ضد قضاة ومحامين ومستشارين سابقين للحكام في إبراز جديد لسجل حقوق الإنسان الأسود في الدولة.

وتظهر قضيتان –على الأقل- في المحكمة العليا في بريطانيا تورط محامين ومحققين بريطانيين جرائم تعذيب لخدمة “السلطات في إمارة رأس الخيمة” لأسباب تبدو سياسية في أساسها تم ربطها بقضايا “مالية”، وتعرض خلالها مسؤولون بارزون في حكومة رأس الخيمة للتعذيب وانتهاك الكرامة.

وتظهر قضية المستشار جهاد عبد القادر قزمار المستشار القانوني لحكومة وحاكم رأس الخيمة، في المحكمة العليا البريطانية لتأكيد جرائم التعذيب بحق المحامين والمستشارين.

وحسب ما ذكر موقع (Law360) القانون 360 الإخباري المتخصص بالتقاضي عالي المخاطر في المملكة المتحدة. فإن “قزمار” رفع دعوى قضائية في المحكمة العليا، ضد شركة “ديشيرت” المتخصصة بالتحقيق والمحاماة، مطالباً بتعويض قدره 15 مليون جنيه استرليني (19.4 مليون دولار) متهماً، نيل جيرارد، الشرطي السابق والرئيس المشارك لقسم جرائم الياقات البيضاء بالشركة البريطانية –وتملك فرعاً في دبي- بالعمل لصالح السلطات في “رأس الخيمة” وتعذيبه خلال تحقيقات متعلقة “باختلاسات في الصندوق السيادي”.

وجرائم ذوي الياقات البيضاء مصطلح يطلق على “جريمة يرتكبها فرد من ذوي الطبقات الاجتماعية العليا وله مكانة مرموقة في نطاق مهنته”، مثل رجال الأعمال، والقضاة والمحامين.. الخ.

خلافات داخل السلطة

ونشرت “رادها ستيرلنغ” التي ترأس مجموعة الدفاع عن المحتجزين في دبي تفاصيل القضية، وتمثل “قزمار” وآخرين في القضية أمام المحكمة.

وقالت إن “جهاد قزمار” هو المستشار القانوني السابق لحاكم رأس الخيمة الشيخ سعود بن صقر القاسمي. ويعتقد الشيخ سعود أن “قزمار” الذي استقال مؤخرًا من منصبه كعضو في المجلس الأعلى للقضاء في رأس الخيمة، كان يعمل مع شقيقه “الشيخ فيصل”، في التخطيط لإسقاط حكمه.

واستعان الشيخ سعود بشركة “ديشيرت” و”جيرارد” لتحقيق في عمليات احتيال قال إن مقربين من “الشيخ فيصل” ارتبكوها. وتم القبض على هؤلاء الأشخاص واحتجازهم دون تهمة أو الحصول على تمثيل قانوني، واحتجزوا في ظروف مروعة، حيث تم استجوابهم من قبل جيرارد وفريقه من ديشرت، وبقوا في السجن لمدة ست سنوات.

وجهاد قزمار هو ثاني محامي محتجز في الإمارة يقدم دعوى أمام المحكمة العليا يتهم “ديشيرت” بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان نتيجة لهذا التحقيق.

كما رفع المحامي كرم صادق، المحامي السابق عن صندوق الثروة السيادية لإمارة رأس الخيمة، دعوى قضائية ضد “ديشيرت”، واثنان من شركائها وشريك سابق، بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.

بعد تقديم شكوى كرم للمحكمة العليا، بدأت هيئة تنظيم المحامين التحقيق في قضية نيل جيرارد. بعد ذلك بوقت قصير، أعلنت شركة “ديشيرت” عن رحيله عن الشركة في أغسطس/آب 2020.

ويحتوي الادعاء الجديد للمحكمة العليا على مزيد من الادعاءات المروعة ويدعي “قزمار” أن جيرارد و”ديشيرت” دبروا أو شاركوا في “أعمال مخالفة للقانون الإماراتي والقانون الدولي لحقوق الإنسان”، بما في ذلك “الاختطاف والاحتجاز غير القانونيين” للسيد قزمار، و”عمليات تفتيش غير قانونية لمنزله والاستحواذ على ممتلكاته، والسعي لانتزاع اعترافات كاذبة من خلال توجيه تهديدات غير لائقة، وممارسة السيطرة عليه من خلال ظروف احتجازه التي تسببت في تعرضه لأضرار جسيمة تصل إلى حد المعاملة اللاإنسانية والمهينة “.

ظروف لا إنسانية

كانت الظروف اللاإنسانية التي احتُجز فيها قزمار في كل من مقر شرطة رأس الخيمة وفي “سجن” غير رسمي، “تهدف إلى الحصول على تعاون المدعي مع تحقيق (ديشيرت)”. وشملت هذه الظروف “الاحتجاز في زنزانة صغيرة، مع نافذة صغيرة مغطاة بقطعة من الخشب لحجب أشعة الشمس، في ظروف قذرة وفي بعض الأحيان دون الاستحمام أو فرشاة الأسنان، ودون القدرة على تحديد الوقت من أجل الصلاة، والحرمان من الوصول المناسب إلى العلاج الطبي وممارسة حقوق الزيارة والمكالمات الهاتفية”.

كما يتهم الادعاء جيرارد بتهديد “قزمار” في الاستجوابات من أجل ترهيبه لتقديم اعترافات كاذبة لتوريط شركاء آخرين للشيخ فيصل.

وخلال تلك الاستجوابات، تعرض “قزمار” لمعاملة مهينة، بما في ذلك تقييد يديه خلف ظهره، وربط قدميه بسلسلة صدئة، وتغطية رأسه، والصراخ عليه من قبل جيرارد.

وأخبر “جيرارد”، المستشار قزمار خلال تلك الاجتماعات أن شرط أي تسوية هو أنه اعترف بمزاعم تورط الدكتور خاطر مسعد والشيخ فيصل والتي كان قد أنكرها بالفعل، أن الدكتور مسعد قد رشى قزمار وأن الشيخ فيصل متورط في الفساد في فيما يتعلق بسلطة المنطقة الحرة، وأنه ما لم يتعاون ستكون هناك (عواقب وخيمة) عليه وعلى أسرته “.

وقالت زوجة قزمار (سهاد قزمار)، التي استجوبها جيرارد هي الأخرى: “نيل أهان زوجي، وسخر منه، وعامله بطريقة تحط من كرامته. حرمه من حقوقه الإنسانية، مثل حضور محامٍ أثناء استجواب جهاد، والقدرة على الاتصال بأسرته أو تلقي زيارات منهم، ولمدة ثلاثة وعشرين يومًا، مُنع جهاد من الاستحمام وتنظيف أسنانه. أو حتى تغيير ملابسه. تم تنفيذ هذه الأساليب للضغط على زوجي لتقديم معلومات كاذبة من شأنها إدانة الشيخ فيصل والدكتور مسعد، وهو ما رفضه زوجي”.

ليست حادثة منعزلة

قالت رادها ستيرلنغ، التي ترأس أيضاً منظمة “”Due Process International (الإجراءات القانونية) وهي منظمة غير ربحية وتمثل قزمار وصادق: “إن ادعاء جهاد قزمار هو دليل آخر على أن الإساءة إلى كرم صادق لم تكن حادثة منعزلة، بل جزء من نظام يتم بموجبه التعذيب والاضطهاد والإكراه لمهنيين خارجيين مثل ديشيرت وجيرارد”.

وأضافت ستيرلنغ: “جهاد اعتقل بشكل غير قانوني، وخطف بالأساس من منزله أمام أطفاله. تم تفتيش منزله بشكل غير قانوني وتم منع زوجته من السفر بشكل غير قانوني.

كما تعرض جهاد للإساءة والتهديد والحرمان من حقوقه الأساسية، كل ذلك لإجباره على الاستسلام لمطلب غير قانوني لتوريط الأبرياء زوراً.

وتابعت: “هذه السلسلة المشينة من الانتهاكات بأكملها تم تنفيذها تحت إشراف نيل جيرارد، ممثل إحدى أكبر شركات المحاماة في العالم. يجب أن تؤكد المحكمة أن المحامين الغربيين ما زالوا ملتزمين بالمعايير القانونية والأخلاقية”.

تعذيب وترهيب لأشهر

وتزعم الدعوى الخاصة بالمحامي الأردني البارز “كرم صادق” أن نيل جيرارد، تصرف نيابة عن “ديشيرت” وبسلطة الشيخ سعود، باستجواب وترهيب وتعذيب كرم صادق على مدى عدة أشهر؛ في النهاية إجباره على التوقيع على اعتراف كاذب.

وعمل “صادق” لدى والد الشيخ سعود، حاكم رأس الخيمة السابق الشيخ صقر بن محمد القاسمي، في هيئة رأس الخيمة للاستثمار (RAKIA ) وكان أحد كبار المسؤولين التنفيذيين الذين تم طردهم عندما تولى الشيخ سعود السلطة.

ألغى الشيخ سعود العقود وسحب هيئة رأس الخيمة العقارية من المشاريع التي تم التفاوض عليها من الإدارة التي عينها والده، ووجه التهم ضد كبار الموظفين. وكان “كرم صادق” من بين المتهمين.

وزعمت “رأس الخيمة” أن العمولات التي حصل عليها “كرم صادق” أثناء عمله في هيئة رأس الخيمة العقارية كانت غير قانونية وتصل إلى حد الاختلاس، على الرغم من الموافقة على العمولات من قبل الرئيس التنفيذي لهيئة رأس الخيمة في ذلك الوقت- حسب ما تشير منظمة “الإجراءات القانونية” –في تقرير لها نشرته مطلع عام 2020م.

واعتقل “كرم صادق” في سبتمبر/أيلول 2014 عندما كان يقود سيارته إلى المنزل في دبي. واجهه عدة رجال فقط عرّفوا أنفسهم بأنهم “من التحقيقات”، وأجبر على ركوب السيارة، وتقييد يديه، ومعصوب العينين، واقتيد إلى مقر قيادة الشرطة العامة في رأس الخيمة حيث أُلقي به في زنزانة حبس انفرادي تحت الأرض في مقر الشرطة الرئيسي. لم يتم توجيه أي تهم، ولكن قيل ل”صادق” إنه محتجز بسبب اتهامات بالرشوة والاختلاس. وحُرم من الاتصال بمحام ولم يُسمح له بإجراء مكالمة هاتفية.

وتم استجواب صادق من قبل ممثل ديوان الحاكم، واستمر الاستجواب تسعة أيام. أخيرًا تم إخبار صادق بسبب اعتقاله: “قال لي وأنا أقتبس منه: إن الحاكم ومحكمة الحاكم يرسلان لك رسالة مفادها إما أن تتعاون معنا أو لن ترى نور النهار مرة أخرى” كما يتذكر كرم صادق.

وأضاف: “سألت ما هو المطلوب المني. قال لي أن أشهد ضد خاطر مسعد رئيس هيئة رأس الخيمة للاستثمار، وجهاد قزمار رئيس الشؤون القانونية بالهيئة، وضد الشيخ فيصل بن صقر القاسمي. أخبرته أنه إذا كان هناك أي أسئلة محددة حول الأفراد الذين ذكرهم يمكنني الإجابة عليها على الفور، حيث ليس لدي ما أخفيه أو أخاف منه، لن أتحدث عنهم بشكل عام. وبعد ذلك أخبرني الرائد (حماد العوضي) أنني سأبقى معهم “مدة طويلة”.

وتضيف المنظمة “عندها بدأ نيل جيرارد في استجواب كرم صادق. في منتصف الليل تم إحضار كرم صادق معصوب العينين ومقيد اليدين إلى غرفة حيث قدم جيرارد نفسه على أنه المحامي الذي يمثل الشيخ سعود، وبدأ في استجوابه”.

وأضاف: “لقد هددوني وأشار إليّ أن أجلس على الأرض. كنت معصوب العينين وقيدت يدي خلف ظهري وقال لي إذا لم أتعاون معهم فلن أرى الشوارع مرة أخرى”.

وأضاف: كان هذا كله في القيادة العامة لشرطة رأس الخيمة. تكرر هذا المشهد لاحقًا في النيابة العامة، حيث يمثل مكاتب ديشيرت المحامي البريطاني نيل جيرارد وأيضًا ديفيد هيوز الذين شاركوا في كل ما حدث لي من حيث اعتقالي وشتائم وقيود وتهديد عائلتي.

وتابع: كان يخبر زوجتي أن زوجها كان يخونها وأرسل رجلاً من أمن رأس الخيمة للتواصل معها وأخبرها أن زوجها مخادع وكل يوم يكون مع امرأة “. وفي إحدى المرات، ذكر صادق أن جيرارد قال له “لن يحدث شيء لا أريده”، زاعماً: “أنا القانون”.

وقالت ستيرلينغ، “كان صادق في الحبس الانفرادي لمدة 600 يوم، كانت معاملته بغيضة؛ الإيذاء الجسدي والنفسي، والحرمان من الإجراءات القانونية، وأخذ الاعتراف بالإكراه، والتهديدات والتعذيب؛ إنه أمر مروع للغاية”.

وأضافت: بينما قمنا بتوثيق العديد من الوقائع الأخرى لانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها سلطات إنفاذ القانون الإماراتية في ظل ما نعرف أنه سلطات استبدادية، فهذه هي المرة الأولى التي نرى فيها محامين بريطانيين متهمين بارتكاب مثل هذه الجرائم بأنفسهم نيابة عن النظام”.

ليست الحالات الأولى

وهذه الحوادث ليست “معزولة” كما قالت ستيرلينغ. فخلال السنوات الماضية تم اعتقال عشرات الإماراتيين من مسؤولين ومثقفين وسياسيين وصحافيين ومدونين من المطالبين الذين تجرأوا على المطالبة بحرية الرأي والتعبير وتمثيل الإماراتيين في مجلس وطني كامل الصلاحيات.

ومن بين المعتقلين الشيخ سلطان بن كايد القاسمي رئيس جمعية دعوة الإصلاح، ومحاميا حقوق الإنسان البارزان محمد الركن ومحمد المنصوري (وهو مستشار قانوني سابق لحاكم رأس الخيمة)، وقضاة ومحامون وأساتذة وقيادات طلابية. ومن بينهم أيضًا القاضي محمد سعيد العبدولي والدكتور هادف العويس، وهو رجل قانون وأستاذ جامعي. والذين حُكم عليهم بالسجن 15 عاماً في محاكمة سياسية عُرفت بـ”الإمارات 94″.

ولم يتمكن الكثير من المعتقلين خلال السنوات الماضية من الحصول على مساعدة قانونية حتى قبل أسابيع قليلة من بدء محاكمتهم الهزلية عقب أشهر من الاعتقال والسجون الخاصة والتعذيب. ولما تمكنوا من الالتقاء بمحاميهم، حضر معهم في نفس الغرفة وعلى مسافة قريبة ممثلٌ عن ادعاء أمن الدولة، وهو انتهاك لمتطلبات القانون الدولي في ما يتعلق بسرية المحادثات بين المحامين وموكليهم؛ ولم يسلموا ملفات القضايا حتى قبل أيام من إصدار تلك الأحكام السياسية.

وقامت الأمم المتحدة ومجموعات من المنظمات الحقوقية بتوثيق مزاعم ذات مصداقية تتعلق بوقوع تعذيب في مراكز أمنية حكومية، وكذلك احتجاز عشرات المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي لفترة مطولة، وهو ما يرقى إلى الاختفاء القسري. ورغم شكاوى المعتقلين في المحاكمات السياسية من التعذيب وتعرضهم للتهديد واستخدام سياسة العقاب الجماعي ضد عائلاتهم رفض القضاء التوجيه بالتحقيق في تلك الانتهاكات.