علمت “إمارات ليكس” من مصادر موثوقة سعي الإمارات بالتنسيق مع حليفتها السعودية لتشكيل قوة عسكرية من عدة دول بغرض خدمة أطماعها التوسعية في منطقة القرن الإفريقي.
وذكرت المصادر أن الإمارات اقترحت تشكيل قوة عسكرية بين تحالف يضم إلى جانبها كلاً من: مصر وإثيوبيا وإريتريا والسعودية تكون معنية في الأساس بأمن منطقة البحر الأحمر.
وبحسب المصادر فإن مشاورات تجري بين الدول المذكورة بشأن مقترح الإمارات وسط مخاوف من تداعيات الخطوة وتهور أبو ظبي لاستغلالها بمزيد من المؤامرات.
يأتي ذلك بعد أن قادت فيه كل من أبوظبي والرياض جهوداً واسعة للصلح بين إثيوبيا وإريتريا، انتهت بتوقيع الدولتين على اتفاق مصالحة أنهى خصومة تاريخية بين البلدين بحضور العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، ووزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وقد دخلت الإمارات منطقة القرن الإفريقي منذ أكثر من عشر سنوات مدفوعة من جهة برغبتها في أن تلعب دورا في اقتصاد إثيوبيا الذي يحقق نموا، ومن جهة أخرى رغبتها في خدمة أطماعها التوسعية في القرن الأفريقي.
ويبرز نزوعها نحو تأكيد الذات في الآونة الأخيرة التحولات الجارية في القارة، حيث تتحدى الصين الآن القوة التاريخية للدول الغربية وتزداد أهمية دول مثل روسيا والبرازيل والإمارات ودول خليجية.
وبعد أن طردتها كل من جيبوتي والصومال من أراضيهما، تعمل الإمارات على تعزيز علاقتها بكل من إثيوبيا وإريتريا.
وإريتريا هي أكثر بلد معزول دبلوماسيا في أفريقيا، إذ فرضت الأمم المتحدة عقوبات عليها شملت حظر الأسلحة في 2009 واتهمت الحكومة بدعم إسلاميين متشددين في الصومال، وهو اتهام تنفيه أسمرة.
لكن لأبوظبي قاعدة عسكرية هناك تستخدمها للمشاركة في الحرب في اليمن.
وشهدت دول القرن الأفريقي خلال الشهرين الماضيين تطورات إيجابية متسارعة. البداية اتفاق المصالحة التاريخي بين الخصمين اللدودين، إثيوبيا وإريتريا، في يوليو/تموز الماضي، وإنهاء النزاع الحدودي بينها باعتراف أديس أبابا بأحقيّة أسمرة في منطقة بادمي.
تلى ذلك المصالحة التاريخية بين أسمره والصومال، بعد اتهامات لأسمرة بدعم حركة شباب المجاهدين الصومالية، وما ترتب على ذلك من توقيع عقوبات دولية عليها منذ عام 2009، ودفعت هذه المصالحة الرئيس الصومالي إلى المطالبة برفع هذه العقوبات.
ثم كانت المحطة الثالثة في هذه المصالحات ما عرف باتفاق أسمرة بين إثيوبيا وإريتريا والصومال، لتعزيز التعاون المشترك، واحترام سيادة كل دولة، وعدم دعم المعارضة في أي منها. وأخيرا التطبيع بين أسمرة وجيبوتي بوساطة إثيوبيا تحديدا، بعد خلاف حدودي دام أكثر من عقد.
تحتاج كل هذه التطورات المتسارعة إلى مزيد من التحليل والتفسير بشأن الدوافع والأهداف، المزايا والمألات.. وهل هي فعلا تسويات حقيقية نابعة من رغبات صادقة لدى قادة دول ورّطت شعوبها في توتراتٍ مع دول الجوار، أم هي نتيجة ضغوط خارجية لن تسفر عن واقع ملموس سوى مداد الحبر الذي كتبت به هذه الاتفاقات؟ .
ربما النقطة الأولى الجديرة بالملاحظة أن هذه التطورات ارتبطت بوصول أبي أحمد إلى الحكم في إثيوبيا، وسعيه إلى تصفير المشكلات الخارجية، للتفرغ للمشكلات الداخلية التي يعطيها الأولوية، لاسيما في ظل قصر فترة بقائه في الحكم قبيل الانتخابات المقبلة في 2020.
لذا كانت مبادرته من داخل البرلمان بتحريك موضوع الخلاف الحدودي مع إريتريا، وإنهاء قطيعة استمرت قرابة عقدين، وكانت لها تداعيات سلبية على بلاده التي تحوّلت إلى بلدة حبيسة، واضطرارها للجوء إلى جيبوتي بديلا، على الرغم من صغر حجم ميناء هذه الجارة.
وربما يتزامن مع هذا أيضا بروز شخصية أخرى أميركية هي دونالد يوكيو ياماموتو مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية، والذي سبق له العمل سفيرا لبلاده في الدول الأربع، فهو يُدرك المخاطر التي تترتب على استمرار حالة العداء بينها، والتي ربما تؤدي إلى دخول أطراف أخرى لها مصالح قد لا تتطابق بالضرورة مع المصالح الأميركية، وأبرزها الصين التي باتت تشكل تهديدا لواشنطن، خصوصا بعد حصولها على قاعدة عسكرية في جيبوتي، فضلا عن العلاقات الوطيدة بين الأخيرة وبكين، والتي أسفرت أخيرا عن إقامة منطقة تجارة حرة في جيبوتي.
لذا سعى ياماموتو، بالتعاون مع وزارة الدفاع الأميركية، إلى صياغة استراتيجية جديدة تقوم على عدة اعتبارات، أهمها تهدئة الأوضاع في القرن الأفريقي، تخفيضا للنفقات العسكرية التي تتبناها إدارة ترمب، واعتبار الصين وروسيا بمثابة أبرز الدول التي تشكّل خطرا على واشنطن، وليس فقط خطر الإرهاب في المنطقة.
وكان أحد تفسيرات هذا التوجه زيارة ياماماتو إريتريا في إبريل/ نيسان الماضي، على الرغم من العزلة الدولية عليها، وسعي واشنطن إلى إعادة دمجها في الإقليم، كونها أحد الأماكن المناسبة لإقامة قاعدة عسكرية أميركية بديلة عن قاعدة جيبوتي.
ويتردّد هنا أن الولايات المتحدة تعتمد على دول الخليج في تنفيذ هذه التسويات، خصوصا الإمارات، لاسيما في ظل موقف أبو ظبي المناهض لجيبوتي بعد إلغاء الأخيرة عقد استغلال ميناء دوراليه الذي تديره موانئ دبي.
وبالتالي، بات البحث عن بدائل أخرى، كانت إريتريا هي البديل المفضل عبر القاعدة العسكرية الإماراتية في عصب.
إذن، ربما توافقت المصالح الإثيوبية والإماراتية والأميركية على ضرورة تحقيق المصالحة في القرن الأفريقي، لكنها تختلف في نطاقها وشمولها، فواشنطن وأبو ظبي تعملان على استبعاد جيبوتي، في حين تسعى أديس أبابا إلى دمجها، تقديرا لوقوفها بجانبها خلال الحرب ضد إريتريا (1998-2000)، ناهيك عن أن ميناء جيبوتي كان المتنفس الوحيد لها في تلك الفترة وحتى وقت قريب.
لذا لو اقتصرت المصالحة على دول القرن الأفريقي الثلاث، لجاز القول إن هناك أجندة أميركية إماراتية وراء هندسة هذه التسوية عبر إثيوبيا التي تعد بمثابة الذراع التنفيذي، لكن إصرار أبي أحمد على ضرورة دمج جيبوتي يكشف عن بعد نظره الذي طاول السودان أيضا، عبر توطيد العلاقات معها في شتى المجالات، خصوصا الأمنية والاقتصادية، حتى لا يفهم السودان أن تقارب الغريميْن، أسمرة وأديس أبابا، سيكون على حسابه، خصوصا أن الخرطوم كانت متحالفةً مع الأخيرة ضد الأولى.
أما عن المستفيد من هذه الاتفاقات، فربما تكون إثيوبيا الفائز الأول بلا منازع، حيث باتت تتمتع بعلاقات اقتصادية وتبادل تجاري مع العالم الخارجي عبر أكثر من منفذ (جيبوتي، الصومال، السودان، إريتريا)، تليها إريتريا التي خرجت من عزلتها الخارجية بدون تكلفة حقيقية (استعادة بادمي، التطبيع مع جيبوتي من دون الحديث عن تفاصيل انسحابها من جزيرة الدميرة)، ثم الصومال من خلال تخلي إريتريا عن دعم حركة شباب المجاهدين، وتخلي إثيوبيا عن السعي إلى إضعاف الحكومة المركزية حتى لا تطالب بأوغادين، وأخيرا جيبوتي بعد وجود بدائل تجارية لها، أي موانئ إريتريا والصومال، وبدائل عسكرية، إريتريا تحديدا، الأمر الذي قد يدفعها إلى مزيد من الارتماء في أحضان الصين.
يبقى السؤال عن مدى ديمومة هذه الاتفاقات، والتي يبدو أنها لا ترتبط فقط بمواقف النظم الداخلية، وإنما بتضارب المصالح الأميركية الصينية من ناحية، ومدى القبول الإماراتي بوجود نظم مارقة من وجهة نظرها، لا تنصاع لها كلية (جيبوتي)، أو حتى جزئيا (إثيوبيا). ومن ثم هل ستشكل هذه الأطراف الإقليمية والدولية معول بناء أم هدم لها؟ وفي المقابل: هل ستنصاع النظم الداخلية لها، سيما وأن الصراع كان يكلفها هي وشعوبها الكثير؟.