يجمع مراقبون على أن دولة الإمارات تعلب دور عراب التطبيع في الشرق الأوسط في تكريس لتبعية أبوظبي لإسرائيل ومؤامراتها للبحث عن النفوذ الإقليمي المشبوه.
وتتصاعد الاتهامات للإمارات بتقديم إغراءات لجر المزيد من الدول العربية والإسلامية للتطبيع في وقت تتحدث تقارير صحافية عن محاولات إقناع تونس وموريتانيا بالانضمام إلى اتفاقيات التطبيع.
وحذر المراقبون بحسب ما نقلت قناة الميادين، من سعي الإمارات لزرع الألغام على حدود دول المغرب العربي بتمرير مشروع التطبيع.
وتعد محاولات جرّ تونس إلى مستنقع التطبيع أوّل الأهداف التي تعمل عليها إسرائيل حالياً، إذ أصبحت تونس بتاريخها الحافل بالعداوة مع الاحتلال الإسرائيلي في صلب اهتمام تل أبيب، لكنها ليست وحدها، فاهتمام إسرائيل بموريتانيا يوازي اهتمامها بتونس، والهدف محاصرة الجزائر.
هذا الأمر حذّر منه رئيس حركة البناء الوطني في الجزائر عبد القادر بن قرينة، متحدّثاً عن دور الإمارات في الضغط على كل من تونس وموريتانيا للالتحاق بقافلة التطبيع.
وتأتي محاولات محاصرة الجزائر، بحسب المراقبين، بالتزامن مع تأزم الوضع في كل من النيجر ومالي وليبيا واستغلال الوضع الاقتصادي في تونس وموريتانيا لابتزازهما وجرهما إلى التطبيع أيضاً، ما يعني محاصرة الجزائر من الجانبين الشرقي والغربي.
وقال محلل الميادين للشؤون السياسية والدولية قاسم عز الدين لبرنامج “التحليلية” إنّ الإمارات تتشابه مع إسرائيل، لأنها بلد من دون سكان تقريباً، وتطمح إلى نفوذ وموقع وقوام. وبطبيعة الحال، وجدت إسرائيل هذا القوام عبر تحالفاتها، وعبر أن تكون قاعدة عسكرية وأمنية واستراتيجية للدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتّحدة.
وتابع أن “التطبيع يسلك طريقه في المغرب العربي وفي أفريقيا وسط استغلال للأزمات والمواجع”.
محلل الميادين للشؤون التونسية والمغاربية، عماد شطارة، قال إنّ “التهديدات التي تستهدف الجزائر قديمة ومتجددة، والجزائر نالت من مخطط الفوضى الخلّاقة، واستطاعت مؤسستها العسكرية والأمنية أن تحمي البلاد من كل مخططات الاختراق، بالتالي الجزائر لها قوة استخباراتية تعلم جيّداً ما يُحاك ضد هذا البلد الواسع جغرافياً الذي يملك مؤهّلات وإمكانيات، وخصوصاً في الطاقة”.
وأضاف أنّ الجزائر لا تتخوف من مخطط تونسي قد يهدد البلاد، لأن العلاقات الثنائية بين البلدين متينة جداً، وهناك تنسيق وتعاون أمني واستخباري بينهما، والمخاوف الحالية هي مخاوف النخبة المثقّفة في الجزائر، وأيضاً في تونس، التي تتابع هذه التحركات بكل حذر وحيطة وتتخوف من تداعياتها.
بدوره محلل الميادين للشؤون العربية والإسلامية قتيبة الصالح قال إنّ الغاية الأساسية أو جوهر موجة التطبيع الجديدة كانت مختلفة عن التطبيع الذي وُصف بالبارد مع الأردن ومصر.
وذكر أن هذا التطبيع الذي وُصف بالساخن كان يعمل بشكل أساسي على الوعي، بمعنى أن الغاية النهائية لم تكن اتفاقيات التطبيع الثنائية، سواء مع الإمارات والسودان أو البحرين وغيرها، إنّما كان الهدف، ربّما النهائي، هو التحول الذي أُريد أن يكون في البيئة الاستراتيجية في المنطقة.
وتابع: “في هذا السياق، تستثمر هذه القوى بشكل أساسي حتى في الأزمات وفي الأوضاع الاقتصادية في بعض العواصم العربية من أجل خلق هذا المناخ أو تكريسه إلى حد ما، وهذا يتطلب أيضاً مكافحة المناخ المقابل؛ المناخ المقاوم، ويتطلب أيضاً ضرب أو إضعاف العواصم ومراكز القرار؛ مراكز الثقل العربية السياسية التقليدية في المنطقة المناهضة والرافضة لهذا الخطاب، ونحن نتحدث هنا ربّما عن الجزائر”.
ويقول عز الدين إنّ أفريقيا هي اهتمام استراتيجي لـإسرائيل والإمارات، وكان الهدف هو الانتقام من أفريقيا وتطويعها.
وأكد عز الدين أنّ الإمارات تعمل مع النيجر لإنشاء قاعدة عسكرية على حدود الجزائر منذ زمن، وتعمل مع موريتانيا لإنشاء مطار عسكري لـإسرائيل أيضاً على حدود الجزائر، لأن الأخيرة لم تزل تتمتع برصيد قوي وكبير في أفريقيا السمراء.
لذلك، تحاول الإمارات أن تلعب بوتيرة متناقضة ومكمّلة للهجوم الإسرائيلي على أفريقيا لتطويق الجزائر، وحتى تطويق تونس، لكن في نهاية المطاف لا تستطيع أن تقوم بهذا الدور إلا بشكل موارب، وهذا الأمر يعتمد على الأطراف الأخرى، ولا يعتمد عليها، كما نرى في النيجر ومالي.
بدوره قال شطارة إنّ تونس مستهدفة، ومحاولات التطبيع الناعمة حاولت اختراق الساحة التونسية ثقافياً وفنياً ورياضياً، وأيضاً هناك محاولات لاختراق تونس عبر بوابات ما يُسمى بمنظمات المجتمع المدني.
وتابع أنّ ما يجري العمل عليه في الساحة التونسية هو محاولة تركيع الموقف الرسمي التونسي بالمقايضة بالمساعدات الاقتصادية، وهم يعتقدون أن تونس خاصرة رخوة ما دامت هناك هشاشة في الوضع السياسي وعجز في الوضع الاقتصادي، ولكن الموقف الرسمي التونسي جاء مخيّباً لآمالهم وتوقعاتهم، حين أعلن الرئيس قيس سعّد أنه سيغلق الباب أمام مساعي الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي. وبذلك قدّم الإجابة لمَن يحاول أن يساوم تونس أو يقايضها بين الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي والسياسي والانخراط في مخطط التطبيع.
وأكد الصالح أنّ أحد وجوه هذا الحراك هو محاولة لمدّ النفوذ وتضخيم التأثير، ومحاولة أيضاً لتضخيم البلد بحدّ ذاته. لذلك، ربّما هو يشكّل أحد عناصر المنافسة المحتدمة بشكل من الأشكال في الخليج.
وتابع أنّ أبو ظبي والرياض تحديداً تعملان بشكل أساسي في هذا الإطار على محاولات مد النفوذ والتدخل في أكثر من ساحة والحضور في أكثر من ساحة، وربّما حتى ما أُشيع على الرغم من التسليح الإماراتي لقوات “الدعم السريع” في السودان في هذه المرحلة يأتي في هذا السياق أيضاً، وأيضاً بعض الأنباء الأخرى عن محاولة التدخل في أكثر من ساحة.
وتحدث عز الدين عن أنّ الإمارات وإسرائيل، وحتى الدول الغربية، تستغل ثغرة أن كل بلد يحاول أن يحلّ مشكلاته بنفسه، والجزائر على سبيل المثال، هذه القوة الضخمة والتراث الضخم في أفريقيا وفي المغرب العربي، لا تبدو دبلوماسيتها ناشطة بالمقارنة حتى مع الإمارات، وإن كانت دبلوماسية الإمارات تعتمد على التخريب، لكنها تسبق الجزائر خطوة في أنها تحاول أن تتوسع وتمد نفوذها أقصى ما يمكن بالتعاون مع إسرائيل ومع الدول الغربية.
وأكمل أنّ المسألة الأخرى هي أنّ إسرائيل والدول الغربية تستغل الأوجاع والأزمات الاقتصادية.
وأكد شطارة أنّ هناك ثباتاً على الموقف التونسي في دعم القضية الفلسطينية والخط المقاوم الممانع في الوطن العربي.
وأضاف أنّ تونس التي حمت المقاومة الجزائرية أيام الاستعمار، اشتركت مع الجزائر في معارك الدم، وألحقت بالمستعمر هزيمة نكراء، وهناك اختلاط في الدم في ساقية سيدي يوسف.
لذا، لا يمكن للجزائر أن تتخوّف من أن تجلب لها الساحة التونسية التطبيع أو أن تشكّل تهديداً لأمنها القومي.
وقال الصالح إنّ ذلك جزء من البيئة والمناخ الذي نتحدث عنه، والذي يُراد خلقه في المنطقة. هو جزء من ترحيل مشكلة التطبيع بالنسبة إلى رافضيه ومقاوميه، وجزء من استغلال الأزمات المعيشية والاقتصادية التي ربّما كانت هذه الأطراف أحد مسبباتها في الدول العربية مع تحوّل الإمارات ربّما إلى طموح أو حلم بالنسبة إلى الشاب العربي من الناحية المالية والعملية على وجه التحديد، وبالتالي توظيف ذلك في الحقيقة في إطار بيئة التطبيع التي يُراد تكريسها وخلقها في هذه المنطقة.