مجلة بريطانية تسلط الضوء على دور الإمارات في دعم الانقلاب في مصر
سلطت مجلة الإيكونومست البريطانية الأسبوعية الضوء على كتاب الصحفي والمؤرخ ديفيد كيركباتريك الأخير الذي صدر عن دار نشر بلومزبري البريطانية والذي تناول مصر ما بعد الثورة عام 2011 وحمل عنوان “في أيدي الجنود: الحرية والفوضى في مصر والشرق الأوسط”.
وكشف المؤلف في كتابه كيف أن الإمارات قدمت ملايين الدولارات لما عُرفت بالمعارضة الشعبية ضد الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، وأن هذه الملايين كانت تمر عبر بوابة وزارة الدفاع المصرية التي كان يرأسها آنذاك الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
يقول المؤلف إنه في عام 2005، وصل ضابط بالجيش المصري في منتصف العمر إلى كارلايل بولاية بنسلفانيا؛ للالتحاق بدورة في الكلية الحربية التابعة للجيش الأمريكي، وهو ضابط مسلم متدين يذهب الجمعة لإداء الصلاة في المسجد المحلي، وكان هذا الضابط استثناءً لمن زعموا أن الإسلام السياسي لا يتوافق مع الديمقراطية، وقدّم ورقة جادل فيها بأن الديمقراطية العربية يجب أن تشكل الإسلاميين وضمنهم المتطرفون، كان ذلك هو عبد الفتاح السيسي، رئيس مصر الحالي.
وبعد أن فازت جماعة الإخوان المسلمين في أول انتخابات حرة ونزيهة بمصر عام 2012، بدا الضابط عبد الفتاح السيسي حريصاً على العمل مع الجماعة، فعيَّنه مرسي وزيراً للدفاع في حكومته، ليعزل بعد ذلك الرئيس المنتخب محمد مرسي، ويقتل المئات من أتباعه، ويعتقل ما تبقى بزجهم في السجون، بحسب “الإيكونومست”.
يقول المؤلف إن مصر -حيث يعيش ربع سكان العرب- كانت دائماً لغزاً، فعلى الرغم من عدم استياء الرأي العام من حسني مبارك، الديكتاتور الذي بقي رئيساً وقتاً طويلاً، فإن قلة من الناس تنبأت بحدوث ثورة في 2012.
ويتذكر الكاتب يوم أن كان مديراً لمكتب صحيفة “نيويورك تايمز” في القاهرة عام 2011، كيف أن الجميع كان يؤكد أن لا شيء سيحدث مصر ، وبعد أسبوع كانت البلاد في حالة من الفوضى والثورة المطالبة بمغادرة مبارك الحُكم، ليدخل بعد ذلك الجنود والإسلاميون والليبراليون والنخبة القديمة إلى السلطة.
يصف كيركباتريك هذه الأوقات بتفاصيل مقنعة، متحدثاً في كتابه عن مدى صعوبة تفسير الأحداث التي تلت ذلك، ودوافع الأشخاص الذين شاركوا في صناعة تلك المرحلة.
ويعتقد المؤلف أن جماعة الإخوان المسلمين ومنذ تأسيسها في عام 1928 على يد حسن البنا، تعرضت للاضطهاد والاعتقال على يد كل الطغاة الذين مروا على مصر، في وقت كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقدم المعونة العسكرية لمصر بانتظام.
بعد الثورة في عام 2011، وصل الإخوان إلى الحكم عبر الانتخابات، لتبدأ بالتزامن مع ذلك، حركة معارضة بدأت تتسع في المجتمع المصري، بحجة أن الإخوان يريدون أسلمة المجتمع والدولة، في وقت دعت فيه الجماعة إلى ضرورة فصل الدين عن الدولة، وتأكيد حرية التعبير، والمساواة بين المسلمين وغيرهم، وهي أفكار أكثر ليبرالية من آراء بعض الليبراليين في مصر، بحسب الكتاب الجديد.
وبعد وصول الإخوان إلى السلطة، يقول المؤلف، لم يستوعب الجيش في مصر ذلك، لتبدأ حركة منظمة داخل جسد الدولة ضد الإخوان المسلمين، شاركت فيها دولة الإمارات، التي كانت تخشى من وصول الإسلاميين إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع، ودفعت ملايين الدولارات للمعارضة المفترضة للرئيس محمد مرسي، وكثير من تلك الملايين مر عبر بوابة وزارة الدفاع المصرية، التي كان يرأسها عبد الفتاح السيسي. كبرت حركة المعارضة ضد مرسي، لتبدأ التظاهرات، وبعدها دعا مرسي تلك المعارضة للحوار، لكنهم رفضوا.
يسرد المؤلف جانباً من المحادثات التي دارت بين السيسي وعدد من الجنرالات الأمريكان، مؤكداً أن العديد منهم شجع السيسي على لاستيلاء على السلطة، منهم تشاك هيغل الذي كان وزيراً للدفاع آنذاك، حين قال للسيسي: “أنا لا أعيش في القاهرة، أنت تعيش هناك ويجب عليك حماية أمنك وحماية بلدك”، في حين قال جون كيري، الذي كان وزيراً للخارجية آنذاك، إن بإمكان الجنرالات أن يعيدوا الديمقراطية لمصر.
ولم يجد جيمس ماتيس، الذي كان قائداً للقوات الأمريكية في المنطقة، إلا أن يلقي باللوم على جماعة الإخوان في التسبب بمشاكل مصر، زاعماً أن الدستور رفضه أكثر من 60% من الشعب، علماً أن نحو ثلثي المصوتين وافقوا عليه، وهو قريب جداً من الدستور المصري الحالي.
يقول المؤلف إن جذور “القاعدة” والجماعات الجهادية يمكن إرجاعها إلى السجون المصرية التي كانت مليئة بالإسلاميين في ستينيات القرن الماضي، واليوم يمكن أن ينفجر الإسلاميون مرة أخرى، فسجون مصر مليئة بهم بفعل حركة القمع الواسعة التي شنها السيسي ضدهم منذ استيلائه على السلطة في 2013.
ويضيف: “ليس الإسلاميون فقط في سجون السيسي اليوم؛ بل حتى الليبراليون الذين سئموا من حكمه الوحشي، وتم زج العديد منهم في السجون بسبب معارضتهم لحكمه، وبينهم العشرات من الصحفيين حتى وصل عدد المسجونين السياسيين في مصر اليوم إلى أكثر من 30 ألف سجين”.
حكمُ السيسي “الوحشيُّ”، كما يصفه مؤلف الكتاب، أدى إلى تنامي حركة التطرف في شبه جزيرة سيناء المصرية، ورغم ذلك فإن المسؤولين الأمريكيين ما انفكوا يمدحون الوضع المستقر في مصر.
رغم ذلك يحتفي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالسيسي ويصفه بالشخص الرائع، ويبدو أن ترامب لا يشعر بالقلق من أن يزرع مرة أخرى البؤس والتطرف في مصر، بحسب المؤلف.
وفي 14 أغسطس/آب 2013، فضت قوات من الجيش والشرطة بالقوة اعتصامين لأنصار “مرسي” في ميداني “رابعة العدوية” (شرقي القاهرة) و”نهضة مصر” (غرب العاصمة)؛ ما أسفر عن سقوط 632 قتيلا منهم 8 شرطيين بحسب “المجلس القومي لحقوق الإنسان” في مصر (حكومي)، وفي الوقت الذي قالت منظمات حقوقية محلية ودولية (غير رسمية) إن أعداد القتلى تجاوز الألف.
وسبق أن قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية، إن “قوات الأمن المصرية نفذت واحدة من أكبر عمليات قتل المتظاهرين في العالم خلال يوم واحد في التاريخ الحديث”، وذلك في فضها اعتصام رابعة العدوية.
وبعد أيام من الفض، وثقت منظمة “هيومن رايتس مونيتور” (غير حكومية مقرها لندن)، أكثر من 400 حالة اختفاء قسري لأشخاص كانوا في الميدانين اللذين شهدا عملية الفض، ومحيطاهما، بجانب 9 سيدات مجهولات المصير.
وفي 3 يوليو/تموز 2013، قاد الجيش المصري بمشاركة قوى دينية وسياسية وشعبية، انقلابا على الرئيس “محمد مرسي” المنتمي إلى جماعة “الإخوان المسلمون”، بعد عام واحد من حكمه للبلاد، عقب احتجاجات واسعة ضده بدعم وتدبير إماراتي.