انتقدت صحيفة التليغراف البريطانية انتهاكات التعذيب وسوء المعاملة في سجون دولة الإمارات، مؤكدة أن محنة التعذيب والاحتجاز لدى أبوظبي لا تنتهي حتى بعد سنوات.
ودللت الصحيفة في تقرير لها على حالة الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز الذي اعتقل لعدة أشهر في الإمارات عام 2018 بتهمة التجسس قبل أن يتم الإفراج عنه بعفو رئاسي بعد ضغوط من لندن.
ونقلت الصحيفة عن هيدجز أنه يعيش مع قدر كبير من الذنب لأنه على قيد الحياة، كاشفا أنه حاول الانتحار خلال فترة اعتقاله في الإمارات بسبب التعذيب الشديد الذي تعرض له في السجن.
وقالت الصحيفة إن حياة هيدجز الخاصة لا تزال متأثرة بشكل واضح من الاعتقال؛ إذا لا يستطيع الاختلاط بالآخرين. في كثير من الأحيان، لا يستطيع النوم ويصحو من النوم في الشقة عند سماع أدنى ضجيج، خوفًا من أن يتم اعتقاله مرة أخرى.
وأضاف هيدجز: “شعرت بالخوف من أن أترك في الإمارات ، وزوجتي مريضة بشدة”. ويكشف: “لقد حاولت الانتحار هناك. ألقيت بنفسي على مقعد المرحاض لكنني فقدت الوعي للتو”.
واعتقلت الأجهزة الأمنية الإماراتية هيدجز في أيار/مايو 2018 في مطار دبي، أثناء طريق عودته إلى بريطانيا بعد رحلة بحثية استمرت أسبوعين إلى الإمارات في إطار الحصول على درجة الدكتوراه، بتهمة التجسس لصالح المخابرات البريطانية.
وتم إيداع هيدجز السجن، واحتجز في الحبس الانفرادي، وتعرض للتعذيب حيث تم استجوابه لمدة تصل إلى 15 ساعة يوميًا وإطعامه بالقوة بأدوية الإدمان، بحسب تقارير حقوقية.
وفي تشريت ثاني/نوفمبر عام 2018، أدانته محكمة بأبوظبي، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهم التجسس وتقديم معلومات لمصادر خارجية.
وأوردت الصحيفة أن الأجهزة الأمنية قالت إن مسجل الصوت الخاص به الذي تبلغ قيمته 15 جنيهًا إسترلينيًا من أمازون، والذي تم شراؤه للبحث الأكاديمي، هو عبارة عن معدات تجسس.
وذكرت الصحيفة أن مواد بحث الدكتوراه التي عثر عليها على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به والتي تدرس آثار ثورات الربيع العربي على دول الخليج، كانت تعتبر مملوكة للحكومة البريطانية.
وتم الإفراج عن هيدجز بعد أيام قليلة من إدانته ــ وبعد سبعة أشهر من السجن ــ عندما أصدر رئيس الدولة الراحل خليفة بن زايد آل نهيان عفواً عنه استجابة لضغوط كبيرة من حكومة لندن.
ومطلع الشهر الجاري أدانت هيئة بريطانية رسمية سلطات الإمارات بتعذيب وافدين أجانب بعد تحقيق موسع في حادثة اعتقال أكاديمي بريطاني بتهمة التجسس في أبوظبي.
وخلص تحقيق لوكالة هيئة الرقابة البرلمانية إلى أن الكاتب والأكاديمي البريطاني، ماثيو هيدجز خلال اعتقاله في الإمارات لعدة أشهر وفقا لما أوردته شبكة “بي بي سي” البريطانية.
وصرخ أمين المظالم البرلماني روبرت بيرنس بأن وزارة الخارجية في بلادة فشلت في هيدجز، من التعذيب خلال فترة اعتقاله في سجون أبوظبي بتهمة التجسس.
وقال بيرنس إن الحكومة البريطانية “فوتت علامات التعذيب المحتمل بحق ماثيو الذي نفى مرارًا وتكرارًا الاتهام وقال إنه كان يبحث للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة دورهام”.
وطُلب أمين المظالم من وزارة الخارجية في بلاده، تقديم اعتذار رسمي للأكاديمي ماثيو هيدجز، وقالت وزارة الخارجية إنها “ستراجع النتائج التي توصل إليها أمين المظالم”.
وكانت الزيارات التي قام بها مسؤولو السفارة البريطانية للأكاديمي هيدجز تحت إشراف الحراس “الذين أخبروه بما سيقوله” لكن المسؤولين لم يأخذوا في الحسبان “العلامات الواضحة” التي ربما تكون قد تعرضت لسوء المعاملة، مثل اهتزاز صوته وتجنب الاتصال بالعينين. وقالت إن إشاراته إلى وجود نوبات قلق.
وأضافت الوكالة أن إرشادات مكتب الخارجية تطلب من الموظفين التصرف بناءً على إشارات التحذير حتى عندما لا يكون لديهم موافقة و “يجب أن يكون واضحًا لموظفي مكتب الخارجية أنه لم يكن في وضع يسمح له بإعطاء أو حجب الموافقة”.
وقال هيدجز إن حكم أمين المظالم كان “اعترافًا” بما حدث، مضيفاً: “إنه نصر شخصي بالنسبة لي أن أعرف أنها لم تكن تجربتي فقط ولكن الآخرين أدركوا ذلك”.
وكان هيدجز في أبو ظبي في عام 2018 عندما اتُهم بالعمل لدى جهاز المخابرات السرية البريطانية و”التجسس لصالح أو نيابةً عن” حكومة المملكة المتحدة
وقالت سلطات أبوظبي في حينها، إن المواد التي عثر عليها في حاسوبه المحمول تثبت أنه جاسوس، وحُكم عليه بالسجن المؤبد لكن أبوظبي استجابت لضغوط بريطانية بإصدار قرارا بالعفو عنه.
وقال هيدجز إنه كان مكبل اليدين وفي الحبس الانفرادي، واستجوب لساعات وأطعمه كوكتيل من المخدرات، مضيفا أنه أصيب باضطراب ما بعد الصدمة وأرق.
وعند إطلاق سراحه، اشتكى إلى أمين المظالم البرلماني من رد الحكومة البريطانية.
وقلت هيئة الرقابة، إنها وجدت أن وزارة الخارجية البريطانية، فشلت في حماية هيدجز، ويجب أن تدفع تعويضًا قدره 1500 جنيه إسترليني.
وقال هيدجز إن المال كان “مبلغا زهيدا” لكنه رحب بالاعتذار، مضيفاً “الشيء الأكثر أهمية بالنسبة لشفائي هو تقديم اعتذار رسمي من وزارة الخارجية ولإقرار التغييرات وتنفيذها حتى لا يضطر الأشخاص الآخرون الموجودون حاليًا أو كانوا في ظروف مماثلة لتحمل هذا”.
وقالت ريبيكا هيلسينراث، الرئيسة التنفيذية لمكتب أمين المظالم، إن “كابوس” تجربة هيدجز المرعبة “ازداد سوءًا بفشل الحكومة البريطانية”. وأضافت: “لقد وثق بهم لمساعدته وخذله”.
فيما قال مكتب الخارجية البريطانية إنه “عمل على نطاق واسع في هذه القضية” ورفعها على المستوى الوزاري “في مناسبات متعددة”.
وذكر متحدث: “المصالح الفضلى للمواطنين البريطانيين، بمن فيهم المحتجزون في الخارج، هي في صميم عملنا القنصلي ونحن ندعم عائلاتهم حيثما أمكننا ذلك”.
وكان هيدجز اعتقل قبل أربعة أعوام في دبي عندما كان يجري بحثا أكاديميا ووجهت له نيابة أمن الدولة تهمة التجسس، وحكم عليه بالمؤبد، ولكنه لم يقض منه سوى أسبوع واحد بعد أن هددت لندن أبوظبي بشدة وطالبتها بالإفراج عنه فورا وهو ما أذعن له جهاز الأمن واطلق سراحه ليصبح المؤبد لدى جهاز الأمن مدته أسبوع واحد عندما يتعلق الأمر بمواطنين غربين.
في المقابل فإن مواطنين إماراتيين ينهون مدة حكمهم وتواصل السلطات سجنهم وهم من معتقلي الرأي، أما المساجين الجنائيين فيفرج عنهم بعفو خاص في كل مناسبة دينية ووطنية ويستمر تجاهل معتقلي الرأي من العفو ومن الرضوخ للإرادة الشعبية في إطلاق سراحهم.