أبرزت دراسة ما تمر به الإمارات من منعطف خطير، في ظل غلاء المعيشة وزيادة معدلات البطالة وتراجع الاقتصاد، في بيئة إقليمية تنافسية، ودولية مضطربة.
وبحسب مركز الإمارات للدراسات والإعلام “إيماسك“، عادة ما تقدم السلطات الإماراتية في مراحل مشابهة وعوداً طموحة لإسكات أصوات المواطنين الإماراتيين لكن النتائج الملموسة تكشف خيبة أمل قاسية للمواطنين.
من بين تلك الوعود كانت رؤية الإمارات 2021، ولحقها التأكيد عليها عبر وعود “الأجندة الوطنية” التي أُعلنت مطلع 2014 التي كان يفترض تحقيقها خلال 12 عاماً.
وفي توقيت تلك الوعود فقد جاءت بعد أشهر من تفاعلات داخلية ضد الأحكام السياسية بحق المواطنين في قضية “الإمارات94″، والتي مثلت ذروة المطالبة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية.
وقبل البدء في فرض رسوم وتعريفات للكهرباء والمياه على المواطنين، ورفع الدعم عن المشتقات النفطية (2015)؛ حيث لم يكن المواطنون يدفعون رسوماً قبل ذلك التاريخ، وتنفق الدولة مليارات الدولارات من أجل مشتقات نفط رخيصة للمواطنين.
فكانت تلك الوعود في الأجندة الوطنية محاولة تخدير مبكرة أن الأمر سيحل معظم الإشكاليات ويردع المخاوف بشأن الفقر والبطالة.
تشير الأجندة الوطنية 2014 -وهي واحدة من الإجراءات لتحريك رؤية الإمارات 2021- إلى عدة أمور منها “زيادة نصيب الفرد من الدخل من الناتج المحلي بنسبة 65%، مضاعفة توطين القطاع الخاص 10 أضعاف، والوصول بإسكان الشباب لرقم عالمي حيث يتم تلبية كافة طلبات الإسكان خلال سنتين فقط من التقديم، والأول عالمياً في البنية التحتية براً وبحراً وجواً، والأول عالمياً في سهولة ممارسة الأعمال”.
أولاً: زيادة نصيب الفرد: تتضمن الأجندة الوطنية زيادة نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي 65 في المائة، أي الارتفاع من 42.4 ألف دولار سنوياً عام 2013 إلى 69ألف دولار عام 2021م. ولم يتم تحقيق ذلك على العكس تراجع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي عام 2020م حيث بلغ 36.3 ألف دولار.
وخلال السنوات السبع تذبذب نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، بلغ أعلى مستوى له في 2018 ب43.8 ألف دولار.
ثانياً: توطين الوظائف في القطاع الخاص:
في الأجندة الوطنية 2014 حددت الحكومة الإماراتية هدفها في التوطين، بأن تتم مضاعفة عدد المواطنين العاملين في القطاع الخاص إلى 10 أضعاف الرقم الحالي بحلول عام 2021. ولازالت بعض المواقع الرسمية الالكترونية الحكومية تشير إلى هذا الهدف حتى اليوم. وعدت الحكومة بإجراءات ضد شركات القطاع الخاص التي لا تنفذ ذلك.
من المفارقات أن عام 2013 كان عام التوطين، لكن لم يحدث أي تقدم فيها، على الرغم من أن رؤية الإمارات 2021 التي أُعلنت في 2010 أشارت إلى رفع عدد العمالة المواطنة في القطاع الخاص 10 أضعاف.
وأُصدرت قرارات مثل توطين وظيفة مديري الموارد البشرية أو موظفي إدارة المكاتب، ووظائف أخرى لكن تم تجميدها دون إبداء الأسباب.
لكن نسبة المواطنين في القطاع الخاص ظلت على حالها كما كانت في 2009، أقل من 1%، تشير الأرقام الحكومية إلى أنها أكثر بقليل من 3%.
ومنذ سنوات تتزايد معارض التوظيف في الدولة لكنها فقط لإسكات الأصوات المنادية بتوطين القطاع الخاص.
وتملك الإمارات عديد هيئات من أجل التوطين من وزارة التنمية البشرية والتوطين، إلى منصة إلكترونية لتدريب الخريجين الجدد “نافس” التي أطلقت في سبتمبر/أيلول2021.
وبلغ عدد المسجلين فيها خلال الستة الأشهر الأولى ممن يستحقون الوظائف من المواطنين 25,876 وهو رقم كبير للغاية من العاطلين عن العمل، دون الإشارة إلى الآلاف -وربما عشرات الآلاف الأخرين- الذين لم يسجلوا بَعد.
في عام 2019م كشف حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي أن هناك 12 ألف طلب عمل أمام حكومته المحلية، وهو بكل الأشكال عدد كبير، فكم سيكون الرقم على مستوى طالبي الوظائف على مستوى الدولة!
وعدت الحكومة في 2014 أنها “ستفرض إجراءات إذا لم يكن التحفيز كافياً للقطاع الخاص”، لكنها لم تقم بأي إجراء.
ومع تصاعد الغضب المكبوت داخل البلاد مع تزايد العاطلين عن العمل خرجت الحكومة في مايو/أيار 2022 بتصريحات عن “إقرار نظام جديد لتعزيز تواجد كوادرنا الوطنية في القطاع الخاص.
وذلك عبر رفع نسب التوطين 2% سنوياً للوظائف المهارية في منشآت القطاع الخاص التي تضم أكثر من 50 موظفاً، وصولاً إلى 10% في عام 2026، وذلك بالتعاون مع برنامج (نافس) وعبر مميزات مالية للمنشآت لدعم توظيف هذه الكوادر”.
ويبدو أن حلم السلطات الإماراتية بالوصول إلى 10% ما يزال قائماً منذ 2009 وحتى اليوم وسننتظر حتى 2026 لإمكانية تحقيق هذا الحلم الذي يبدو أنه أصبح بعيد المنال.
بعد جائحة كورونا وطرد مئات/الآلاف من الموظفين الإماراتيين من البنوك (التي فرضت السلطات نسبة عمالة مواطنة فيها) ومن الشركات والمؤسسات الأخرى في القطاع الخاص، أصبح المتعطلين عن العمل في تزايد كبير.
وبدون إجراءات حكومية حازمة وقوية برقابة شعبية تحاسب المسؤولين على الإخفاق والتساهل وإبقاء القوانين والقرارات في الأدراج، فإن البطالة سترتفع لمستويات قياسية.
إذ لا يجد الخريجون الجدد مكاناً في مستقبل بلادهم التي يعمل فيها أكثر من سبعة ملايين من الأجانب. لا سيما أن الحكومات سواء المحلية أو الاتحادية لم تعد قادرة على استيعاب الخريجين الجدد بشكل دائم، في ظل محدودية الوظائف المتاحة.
يشعر الإماراتيون بخيبة أمل كبيرة من فشل الحكومة في تحقيق الوعود التي قدموها في رؤية منظمة قبل 12 عاماً، وأكدوا عليها كأجندة وطنية عليا قبل سبعة أعوام، وفيما كانوا ينتظرون النتائج الجيدة لتحسين حياتهم تلقوا صفعة كبيرة بتراجع دخلهم وقدرتهم الشرائية بفعل الضرائب والرسوم المتصاعدة كل عام في واحدة من أغلى الدول في المعيشة؛ وعدم حصولهم على وظائف تمكنهم من تحقيق طموحاتهم ومستقبلهم رغم أن الإمارات واحدة من أفضل اقتصاديات المنطقة.
لو كان للإمارات مجلس وطني اتحادي (برلمان) كامل الصلاحيات لراقب أداء الحكومة وفق الرؤية التي قدمتها والوعود التي قطعتها للمواطنين، وراجعتها بشكل دوري مع المسؤولين تجنباً لهذا الإخفاق المتكرر منذ أكثر من عقدين في الرؤى التي تقدمها الحكومات المتعاقبة للمواطنين.