موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات حولت ميناء الحديدة من شريان حياة إلى شريان موت في اليمن

132

وسط الحراك الدبلوماسي الهادف لإحياء مشاورات السلام برعاية الأمم المتحدة ودوي أصوات المدافع والضربات الجوية، منذ أشهر، تحول ميناء الحديدة اليمني إلى محور الأحداث الدائرة في اليمن منذ سنوات، بما فيها من تدخلات إقليمية بالعمليات العسكرية السعودية الإماراتية، وصراع إرادات مع الدول الكبرى، التي حالت دون حسم المصير العسكري للشريان اليمني الأهم، في ظل الأهمية الاستراتيجية التي يتمتع بها، والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتدخلات الدولية بالأزمة الإنسانية الأسوأ عالمياً.

في هذا الإطار، كشف برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن “عمليات الشحن في ميناء الحديدة اليمني تراجعت إلى قرابة النصف خلال أسبوعين، لعزوف شركات الشحن بسبب تفاقم انعدام الأمن في المدينة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين”. وأضاف أن “تراجع توريد القمح والإمدادات الأخرى سيؤثر على مخزون الغذاء في البلاد التي يواجه 14 مليون شخص فيها خطر المجاعة، وذلك في ضوء وصول 70 في المائة من الواردات إلى اليمن عبر ميناء الحديدة الحيوي”.

وقال المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي إيرفيه فيروسيل، إن “شركات الشحن تُحجم على ما يبدو عن التوجه إلى ميناء الحديدة بسبب ارتفاع مستويات انعدام الأمن في المدينة”.

وعلى الرغم من الأهمية والشهرة التاريخية اللتين ارتبطتا بموانئ يمنية كميناء عدن أو المخا، منح الموقع الاستراتيجي لمدينة الحديدة ميناءها أفضلية بين الموانئ اليمنية، إذ يتوسط الساحل الغربي لليمن والمحافظات الشمالية ذات الكثافة السكانية، بما فيها العاصمة صنعاء، الأمر الذي جعله مرتكزاً للنمو والحركة التجارية في معظم محافظات البلاد.

إلى جانب ذلك، تضم الحديدة، ثالث أهم المدن اليمنية، ميناءي الحديدة والصليف. يتوزع ميناء الحديدة على ثمانية أرصفة بطول 1461 متراً ورصيفين في حوض الميناء بطول 250 متراً، أما المساحة الإجمالية بين الماء واليابسة فتصل إلى 314 مليون متر مربع.

أما ميناء الصليف، فمخصص، وفقاً للمعلومات، لاستقبال السفن العملاقة، بسبب عمقه البالغ 15 متراً بمساحة 33 مليون متر مربع، وتحميه جزيرة كمران من الأمواج، بما يجعله منطقة رسو آمنة صالحة أيضاً لاستقبال سفن الترانزايت. على أن ميناء الحديدة أيضاً يعتبر محمياً طبيعياً من الأمواج والتيارات المائية والرياح الموسمية، ويتميز كذلك بالقرب من الخطوط الملاحية العالمية.

كمعظم مدن شمال البلاد، سيطر الحوثيون أواخر عام 2014، على ميناء الحديدة، عقب اجتياحهم للعاصمة صنعاء بالتحالف مع علي عبدالله صالح في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، غير أن الحديدة لم تكن كأي المدن، بل تكاد أهميتها تأتي في المرتبة الثانية بعد صنعاء بالنسبة لمدن شمال البلاد، بسبب الميناء والشريط الساحلي الطويل المطل على البحر الأحمر، وصولاً إلى عدد غير قليل من المصانع والمنشآت التجارية والمصالح الحكومية، بما في ذلك مطار الحديدة الدولي، والقاعدة الجوية، والعديد من المعسكرات.

مع تدشين التحالف السعودي عملياته العسكرية في 26 مارس/ آذار 2015، أعلن منذ الساعات الأولى للحرب عن السيطرة على كافة المنافذ الجوية والبحرية والبرية في البلاد، وتوقفت الحركة التجارية بصورة شبه كلية نتيجة الحرب والضربات الجوية.

ومع تفجر أزمة الإمدادات بالوقود والمواد الغذائية، حرصت الأمم المتحدة على منع استهداف وتعطيل ميناء الحديدة، ولاحقاً استُبدلت الآلية التي يتبعها التحالف بآلية أممية، تُخضع السفن والشحنات التجارية القادمة إلى الميناء للتفتيش لضمان عدم وجود أسلحة، بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والذي يحظر توريد الأسلحة إلى الحوثيين وحلفائهم.

وعلى مدى السنوات الماضية، ولجملة العوامل المرتبطة بأهمية ميناء الحديدة، بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار في المنافذ الأخرى، والأزمة الإنسانية، التي جعلت أغلبية سكان البلاد يعيشون أوضاعاً مأساوية، منذ الأشهر الأولى للحرب، تحول ميناء الحديدة إلى المنفذ الأساسي للمساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية وللإمدادات الأساسية بالوقود والمواد الغذائية.

وواجه التحالف بواجهته السعودية الإماراتية، ضغوطاً دولياً قوية منعت استهداف الميناء أكثر من مرة، في مقابل تركيز التحالف باتهاماته للحوثيين ولحليفهم الإقليمي إيران، باستخدام الميناء لتهريب الأسلحة، بما فيها مكونات الصواريخ الباليستية التي استخدمتها الجماعة لقصف أهداف داخل السعودية، ومنها العاصمة الرياض.

مطلع عام 2017، دشنت القوات اليمنية المدعومة من التحالف وبإشراف مباشر من الإمارات على نحوٍ خاص، مرحلة انتزاع السيطرة على المناطق اليمنية ذات الأهمية الاستراتيجية، بدءاً من سواحل تعز المطلة على مضيق باب المندب، مروراً بميناء المخا، الواقع في المدينة التي تحمل الاسم نفسه، وتقع على الأطراف الجنوبية لمحافظة الحديدة.

عقب السيطرة على المخا، أعلن التحالف، منذ منتصف العام الماضي، أن الحديدة هي الهدف التالي لعملياته، لكنه واجه رفضاً دولياً، بدأت معه أول مبادرة خاصة بالميناء، وضعها المبعوث الأممي السابق، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، واقترحت على الحوثيين تسليم الميناء لطرف ثالث، في إطار ترتيبات من شأنها تجنيب المدينة ذات الكثافة السكانية، معركة عسكرية مجهولة العواقب، لا تهدد سكان المحافظة فحسب بل تمتد المخاوف بشأنها إلى مختلف المحافظات، بوصفها شريان وصول المساعدات والواردات الأساسي إلى البلاد.

بعد أحداث ديسمبر/ كانون الأول 2017، وما نتج عنها من تخلص الحوثيين من شريكهم غير المأمون بالنسبة للجماعة (تيار صالح في صنعاء)، بدأت أبوظبي، التي تتصدر معارك المناطق الاستراتيجية، وتُتهم بأن لها أطماعاً خاصةً بالسيطرة على الموانئ، تعد العدة لمعركة الحديدة المؤجلة الهادفة لإتمام انتزاع السيطرة على مدن الساحل الغربي من الحوثيين. في المقابل، استمر الموقف الدولي الرافض لهذا الاجتياح، والذي عبرت عنه واشنطن من خلال خطوة عملية لافتة، شملت دعم ميناء الحديدة بمساعدات مولتها الوكالة الأميركية، ووصلت إلى الميناء في يناير/ كانون الثاني الماضي.

في يونيو/ حزيران الماضي، بدأت الحملة العسكرية الأشد ضراوة للقوات اليمنية المدعومة من التحالف لانتزاع السيطرة على الحديدة من الحوثيين.

وبدأت الحملة بثلاث تشكيلات، وهي “قوات ألوية العمالقة”، وقوات ما يُعرف بـ”المقاومة الوطنية”، الموالية لطارق صالح، بالإضافة إلى قوات “المقاومة التهامية”، وتألفت من محليين من أبناء المحافظة. أما الحوثيون فوجّهوا مجهودهم العسكري والتعبوي نحو الحديدة بشكل متواصل منذ أشهر.

عقب تزايد الضغط على الحوثيين ووصول القوات الحكومية لأطراف المدينة، أعلن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، مبادرة تهدف لامتصاص مبررات العملية العسكرية، من خلال إبداء الموافقة على منح الأمم المتحدة دوراً رقابياً ولوجستياً في ميناء الحديدة، وهو ما قابلته الحكومة بالرفض، وطالبت بضرورة انسحاب مسلحي الجماعة.

في الموجة الأخيرة من المعارك والضغوط الدولية لوقف التصعيد، كان تصريح المبعوث الأممي مارتن غريفيث، من مدينة الحديدة، يوم الجمعة الماضي، أحدث حلقة في ما خلصت إليه المعارك والضغوط، من خلال إعلانه عن أن “الأمم المتحدة ستتولى دوراً رئيسياً في ميناء الحديدة”. وهو ما يقترب من مضامين مبادرة الحوثيين، مع ذلك، تفيد بعض التسريبات عن أن الخطة الأممية الجديدة بشأن الميناء تطالب الحوثيين بتسليم الميناء للموظفين والقوى الأمنية التي كانت مسؤولة عن الميناء، قبل اجتياحهم للمدينة، كحل وسطٍ بين المطالب الحكومية التي تسعى لانتزاع السيطرة على الميناء وبين الحوثيين الذين يرفضون تمكين خصومهم.