يعد نفط اليمن المطمع الخفي للإمارات في حربها الإجرامية على البلاد منذ أكثر من ثلاثة أعوام.
ويواجه اليمن أزمات معقدة حيث يتعرض للتفتت، وتقود النزعة المحلية الحياة السياسية في البلاد أكثر من أيِّ وقتٍ مضى.
ويبقى السؤال الأهم هو من سيستفيد من الإنتاج المحلي للنفط في جنوب اليمن؟ كان ذلك محور مقالة كتبها كل من رؤوف مامادوف، الباحث في سياسات الطاقة بمعهد الشرق الأوسط وزميل أول بشركة Gulf State Analytics الاستشارية لتقييم المخاطر وثيودور كاراسيك المستشار البارز بشركة Gulf State Analytics الاستشارية لتقييم المخاطر وزميل أول بمعهد لكسينغتون الأميركي في موقع Lobe Log الأميركي.
مع أنَّ ثروة اليمن النفطية لا تُقارَن أبداً بثروات دول مجلس التعاون الخليجي الغنية، فإنَّ القطاع النفطي في هذا البلد العربي الفقير مهمٌ للاقتصاد بمجمله. وكانت عمليات التنقيب عن النفط قد تعثَّرت بعد الحرب الأهلية عام 1994 التي هدَّدت وحدة اليمن.
ولم يتعافَ اليمن المُوحَّد من تبعات النزوح الجماعي لشركات النفط الدولية الأكبر. لجأت الحكومة لاتفاقات مع شركات النفط الأصغر ومتوسطة الحجم.
وأضاف هذا مزيداً من التعقيد إلى تضاريس اليمن المُعقَّدة بالفعل جيوسياسياً وسياسياً، حيث اضطرت الشركات إلى جانب الأقاليم القبلية المختلفة للتفاوض مع الحكومة المركزية في صنعاء. لكن هذا النموذج لم يكن متوافقاً مع هيكل الحكومة اليمنية الذي تتركَّز في السلطة في الشمال.
وعلى عكس دول شبه الجزيرة العربية الأخرى، لم يكن لليمن قط إنتاج كبير من النفط والغاز أو قدرة تصديرية كبيرة. ووصل اليمن إلى ذروة إنتاجه اليومي حين بلغ الإنتاج من حقوله إلى 440 ألف برميل يومياً في مطلع الألفية الجديدة، لكنَّه يتراجع بصورةٍ حادة منذ ذلك الحين.
وتسبَّب نضج الحقول وانعدام الاستقرار السياسي المستمر في البلاد في تراجع الإنتاج إلى 110 آلاف برميل يومياً قبل اندلاع الحرب الأهلية في أواخر 2014.
واكتشفت شركتا Occidental Canada (أصبح يُطلَق عليها الآن شركة Nexen) وشركة Hunt Oil ومقرها ولاية تكساس الأميركية، احتياطيات النفط اليمنية في البداية وطورتاها، وتتركَّز تلك الاحتياطيات في مناطق وسط البلاد.
وبما أنَّ اليمن لا يملك أيَّ بنيةٍ تحتية لخطوط أنابيب عابرة للحدود، فإنَّ شحنات الناقلات تُعَد خيار التصدير الوحيد. وأُغلِق أكبر خط أنابيب في البلاد منذ تفجيره على يد رجال القبائل المحليين.
في الوقت نفسه، يخضع الميناء الرئيسي لتصدير النفط في البلاد، ميناء رأس عيسى، لسيطرة المتمردين الحوثيين منذ بدء الحرب الأهلية.
وتعرَّض أمن مصفاة عدن، أكبر مصفاة نفط في اليمن، للخطر مرات عديدة، إضافة إلى أنَّها لا تعمل في الوقت الراهن. واستأنف اليمن نشاط التصدير منذ صيف 2016، حين استعادت القوات السعودية – الإماراتية بعض المناطق من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وجماعات أخرى. واعتمد اليمن بشدة على عائدات تصدير النفط منذ مطلع التسعينيات.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي، شكَّلت الاحتياطيات الهيدروكربونية نحو 90% من عائدات التصدير اليمنية. وتمثل العلاقة الترابطية بين أسعار النفط العالمية والوضع السياسي الداخلي في اليمن مثالاً حياً على الكيفية التي اعتمدت بها سلطة الرئيس علي عبدالله صالح على عائدات النفط.
في عام 2009، حين كان الاقتصاد اليمني لا يزال يعاني من جرَّاء الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008، أعلن أسامة بن لادن، الذي تعود أصوله إلى اليمن، تأسيس تنظيم القاعدة في جزيرة العرب باليمن.
وليس من المُستغرَب أنَّ اندلاع الحرب الأهلية مُتعدِّدة المستويات الدائرة حالياً جاء متزامناً مع التراجع الأخير في أسعار النفط العالمية في 2014.
بالعودة إلى الوراء، يتضح أنَّ عام 2012 هو العام الحاسم بالنسبة لصناعة الطاقة اليمنية، وبالتالي لوحدة الدولة. ففي ذلك العام، قرَّرت القيادة اليمنية عدم تمديد اتفاقات مشاركة الإنتاج لتطوير أكبر حقلين إنتاجاً في حوض المسيلة مع الشركة الكندية المنتجة المستقلة آنذاك Nexen.
كانت شركة Nexen، إلى جانب شركة Hunt Oil ومقرها تكساس، في صدارة صناعة النفط اليمنية منذ 1987. اضطرت شركة Nexen، التي استحوذت عليها المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري في 2013، في النهاية لمغادرة البلاد في 2015 حين لم يعد الإنتاج من الحقول الأقل كفاءة مُربِحاً مع تصاعد الاضطرابات الأهلية إلى مواجهة عسكرية شاملة.
ويرتبط الخلاف الدبلوماسي السعودي – الكندي الحالي برغبة أوتاوا في العودة إلى سوق الطاقة اليمني. لكنَّ الرياض وأبوظبي لا تريدان إضعاف سيطرتهما على سوق الطاقة اليمني الحالي والمستقبلي.
كانت شركتا Total الفرنسية وOMV النمساوية تهيمنان قبل الحرب الأهلية على صناعة المنبع إلى جانب كلٍّ من شركات Engie، وEni، وSchlomberger. ظلَّت Total شريكاً في حوضي المسيلة وشبوة اليمنيين الأكثر ربحية.
في 2009، قاد عملاق الطاقة الفرنسي أيضاً الاتحاد (كونسورتيوم) الذي بنى وشغَّل مشروع الغاز الطبيعي المسال الأول والوحيد في اليمن، المعروف باسم الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال أو Yemen LNG، الذي اضطُر للإغلاق في 2015 بسبب العنف السياسي.
لم تُجدِّد Total أياً من عملياتها في اليمن حتى الآن، في حين أصبحت شركة OMV أول شركة نفط عالمية تعود إلى البلد الذي مزقته الحرب بعدما فَقَد الحوثيون وتنظيم القاعدة في جزيرة لاعرب محافظتي حضرموت ومأرب لصالح المقاتلين السعوديين والإماراتيين.
مع ذلك، أثمرت العودة المحفوفة بالمخاطر لشركة الطاقة النمساوية بالفعل نتائج مبكرة، والتي بدورها تساعد في سداد دين لشركة Kuwait Energy الكويتية، التي لا يزال لها إيرادات مستحقة من «القطاع 5». في 29 يوليو/تموز، غادرت أولى شحنات النفط التابعة لشركة OMV ميناء بئر علي على خليج عدن متجهةً إلى شرق آسيا، الوجهة المعتادة لصادرات الخام اليمني. وجاءت الشحنة من القطاع S2 في منطقة العقلة بمحافظة شبوة.
بدأت شركات الطاقة الصينية العملاقة تُظهِر اهتماماً بصناعة الطاقة اليمنية في مطلع الألفية الجديدة، حين شرعت الشركات الصينية، بدعم من حكومتها، في مشروعات استثمارية خارجية واثقة بصناعة المنبع لنفطية والغازية.
وشجَّعت الحكومة الصينية، بفعل المخاوف بشأن تلبية مطالب اقتصادها من الطاقة بعدما شهد الاقتصاد نمواً بأكثر من 10% في تلك السنوات، شركات الطاقة الصينية على السعي وراء الدول صاحبة الاحتياطيات الهامشية مثل اليمن، وليس المنتجين المهمين كالعراق فقط.
حذت شركة سينوبك الصينية حذو عملاق الاتصالات الصيني هواوي ودخلت إلى صناعة النفط اليمنية عام 2001. كان إنتاج سينوبك في اليمن فترة ما قبل الحرب يبلغ نحو 20 ألف برميل.
كانت الصين قبل اندلاع الحرب في اليمن تستورد في المتوسط نحو 250 ألف طن من الخام اليمني شهرياً، وهو ما كان يُمثِّل 1% فقط من واردات الصين.
ورست فقط ناقلتا نفط كبيرتان للغاية في محطة تصدير الشحر اليمنية، نقلت كلتاهما مليوني برميل، تبلغ قيمتها 300 مليون دولار، إلى مدينة ريتشاو في الصين. يضطلع اليمن، إلى جانب الخرطوم ونيروبي، بدور استراتيجي في توجُّه بكين إلى إفريقيا جنوب الصحراء.
ففي ظل تحفُّظ الشركات الأوروبية والأميركية بشأن الدخول من جديد إلى أسواق الدول غير المستقرة سياسياً، لا تواجه الشركات الصينية منافسة تُذكَر حين تعمل في مناطق كاليمن.
وشاركت الشركات الصينية أيضاً في مشروعات للبناء وتوليد الطاقة في اليمن ترتبط في النهاية بالمصالح المالية الصينية المنتشرة عبر نطاق جغرافي واسع. ويكتسي جنوب اليمن أهمية ضمن استراتيجيات بكين الاستثمارية الأوسع نطاقاً لأنه يوفر لبكين سبلاً للوصول إلى أصلٍ رئيسي آخر.
باتت صناعة الطاقة اليمنية بالفعل تتم على المستوى المحلي الآن تحت أعين السعودية والإمارات. ومع أنَّ الرياض وأبوظبي تحاولان إعادة بناء الجنوب وفق رؤيتهما الخاصة، يستفيد الوجهاء المحليون أيضاً من صادرات الطاقة، بما في ذلك محافظا مأرب وحضرموت ومساعديهما.
وانتدب علي محسن صالح الأحمر، المقيم في مأرب، أبناءه للعمل كوكلاء لبيع منتجات الطاقة اليمنية. وفي عام 2014، تمكَّن علي محسن من تنحية عبدربه منصور هادي جانباً والتفاوض على عقود طاقة مباشرةً مع الصين.
ويمتد الصراع اليمني الداخلي على الموارد في الوقت الحالي إلى الشواطئ الجنوبية التي تزداد قيمتها باطراد. ففي يوليو/تموز الماضي، اقترحت حكومة هادي إقامة خط أنابيب جديد من شأنه السماح لحقول النفط في وسط البلاد بالتصدير عبر ميناء بير علي الجنوبي. من شأن المشروع، المعروف باسم مشروع تأهيل بئر علي، إعادة ترميم جزء من خط الأنابيب القائم بالفعل من ميناء بئر علي حتى القطاع 4، والذي سلَّمته شركة النفط الوطنية الكورية الجنوبية إلى المؤسسة اليمنية العامة للنفط والغاز التي تديرها الدولة في 2016.
تدخَّل محسن، مدعوماً من الإمارات. ويسيطر محسن الآن على معظم صادرات النفط الرسمية من اليمن ويسيطر على وكلاء النفط اليمنيين الرئيسيين في الجنوب. وبالتالي، تمثل شركة المسيلة لاستكشاف وإنتاج البترول (بترومسيلة)، الخاضعة لسيطرة محسن، المصدر الرئيسي للدخل للحكومة اليمنية.
وأصبح تحديد من يحصل في النهاية على أي عائدات من بئر علي أمراً عائداً الآن إلى محسن. لا تزال صناعة النفط اليمنية مستمرة –تحوم حول مستوى 44 ألف برميل يومياً- ولو أنَّها مستمرة عند مستويات أقل من طاقتها الإنتاجية الحقيقية.
بطبيعة الحال، أجبرت الحرب الأهلية متعددة المستويات الشركات الأجنبية على الخروج من البلاد، وهو ما سمح للساسة والوجهاء المحليين بمحاولة إعادة الأمور إلى نصابها بالتنسيق مع حلفائهم في الرياض وأبوظبي، الذين تتقلب علاقة التحالف معهم أحياناً.
وبالنظر إلى مسار السياسة في جنوب اليمن، فإنَّ أولئك الذين يتحكَّمون بصنابير الطاقة سيكونون هم اللاعبين المحليين المهيمنين في السياسة اليمنية.