كشفت وثائق مسربة نشرتها صحيفة lesoir الفرنسية تمويل دولة الإمارات تبني استراتيجية عدوانية للتغطية على فضيحة سجينة الرأي مريم البلوشي والأميرة الأسيرة لطيفة بنت محمد بن راشد في ظل اضطهادهما بفعل سطوة الاستبداد الإماراتي.
وأظهرت الوثائق المراسلات السرية للعميل الإماراتي “الشيخ مطر” الحرج الذي وقعت به أبو ظبي إثر تعامل وسائل الإعلام مع قضية الفتاتين المحتجزات اعتباطياً، الأميرة لطيفة آل مكتوم، ابنة حاكم إمارة دبي، والطالبة مريم البلوشي، التي وقفت إلى جانبها الأمم المتحدة.
هذه قصة امرأتين، مواطنتين من الإمارات العربية المتحدة، من طبقتين مختلفتين حد التناقض، الأولى هي لطيفة آل مكتوم، إحدى بنات الشيخ محمد آل مكتوم، حاكم دبي ورئيس وزراء الإمارات. والثانية هي مريم البلوشي، طالبة بسيطة من الشارقة، الإمارة المجاورة لدبي.
عانت كلتا المرأتين من سطوة الاستبداد الإماراتي، إذ اختبرتا الاحتجاز التعسفي.
فيما هزت قصة لطيفة آل مكتوم العالم بأسره عندما حاولت الفرار من بلدها، قبل أن يتم اعتراض طريقها على متن يخت، واحتجازها في فيلا من قبل والدها.
أما مريم البلوشي فمسجونة منذ ثمانية أعوام، بسبب تُهم “الإرهاب” المشكوك في صحتها، وتجرّؤها على التنديد بظروف احتجازها.
تشترك الأميرة الأسيرة والأسيرة البسيطة في نقطة ثانية، إذ تم وضعهما في مرمى أجهزة المخابرات الإماراتية، في محاولة تقليل التغطية “السلبية” لقصتهما في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، الشأن الذي أحرج أبو ظبي والصورة التي تحاول تصديرها.
هذا ما كشفه أحدث جزء من تحقيقات “أسرار أبو ظبي”، المبني على وثائق سرية حصل عليها موقع ميديا بارت وحلّلها مع شبكة الإعلام EIC.
“الشيخ مطر” عميل سري إماراتي في قلب تحقيقنا، نسق عمليات عدة في أوروبا، واستهدف خبراء الأمم المتحدة، وبعد فحص رسائل البريد الإلكترونية في بريده المشفر، اكتشفنا أن “الشيخ مطر” حصل على استشارة بشأن السجينتين من قبل بول تويد، أحد أبرز المحامين في بريطانيا.
إن علاقات تويد مع المخابرات الإماراتية سرية حتى الآن، لكنه يمثل رسمياً شخصيات قريبة جداً من دولة الإمارات، مثل الناشط غانم نسيبة والزعيم الفلسطيني السابق محمد دحلان.
هذا المحامي الأيرلندي الشمالي، المتخصص في دعاوى التشهير و “إدارة السمعة”، هو أحد أكثر المحامين شهرة وخطورة في العالم، إذ رفع تويد دعاوى قضائية ضد وسائل الإعلام نيابة عن قائمة مثيرة للإعجاب من المشاهير: جينيفر لوبيز، هاريسون فورد، نيكولاس كيج، جاستن تيمبرليك، بريتني سبيرز وغيرهم.
رفض بول تويد التعليق على علاقته مع الشيخ مطر، لم يؤكد ولم ينف، أن يكون العميل السري الإماراتي موكلاً له.
تُظهر رسائل البريد الإلكتروني المسربة، أن تويد اقترح على مطر استراتيجية عدوانية بشأن الأميرة لطيفة، ولكنه قاتل أيضاً ضد “فيسبوك” و”تويتر”، للحصول على حكم بإزالة خمسة منشورات مرتبطة بالسجينة مريم البلوشي، مستفيداً من حقيقة أن وسائل إعلام قامت بنشر مقالات عن السجينة مرفقة بصورة لامرأة أخرى تحمل ذات الاسم.
هذه العملية التي تتعلق بطالبة بسيطة، غير معروفة تماماً خارج العالم العربي، يوضح مدى رغبة الإمارات في أن ينسى المجتمع الدولي السجناء السياسيين (41 معارضاً محتجزاً بعدما أمضوا عقوبتهم، وفقًا لمنظمة العفو الدولية)، وكذلك التمييز ضد المرأة، الذي ما زال مستمراً على الرغم من التقدم الأخير، حتى داخل العائلة المالكة في دبي، حيث حاولت أربع أميرات الهروب، وأحياناً نجحن.
أبرز هؤلاء الأميرات هي الشيخة لطيفة، واحدة من عشرات أطفال حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، التي رويت قصتها المؤثرة بالتفصيل في تحقيق حديث لمجلة “نيويوركر” الأميركيّة. وفقًا لشهادتها، فقد تم تقديمها عند ولادتها إلى إحدى خالاتها، لأنه لم يكن لديها أطفال.
شهدت الشيخة لطيفة في طفولتها محاولة شقيقتها الهروب، كما تحدثت أيضاً عن العنف الذي يمارسه والدها، الذي كان قد ضرب إحدى أخواته مرةً لأنها قاطعته، التصريحات التي كذبها محامو الأمير حين ظهرت في صحيفة النيويوركر .
حاولت الأميرة لطيفة الفرار في المرة الأولى وهي في سن السادسة عشرة عام 2001، وتم سجنها لمدة 13 شهراً. حاولت مرة أخرى عام 2018 في سن الـ32، بمساعدة صديقتها ومعلمتها في الكابويرا، الفنلندية تينا جوهيانيين.
تمكنت الاثنتان حينها من الوصول إلى يخت والإبحار بعيداً، لكن الجيش الهندي اقتحم اليخت قبالة ساحل الهند، وتم تخدير الأميرة لطيفة وإعادتها إلى دبي.
أمام الضغط الدولي، اضطرت السلطات الإماراتية إلى تقديم دليل على الحياة، وفي كانون الثاني/ ديسمبر 2018، تم تنظيم غداء، نشرت صوره من قبل السلطات الإماراتيّة، بين الأميرة وماري روبنسون، الرئيسة السابقة لأيرلندا، المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة سابقاً، والتي قالت إن الأميرة لطيفة امرأة “ضعيفة”، واقترحت أنها ربما كانت تتصرف تحت تأثير “العقاقير”.
لكن، في 16 شباط/ فبراير عام 2021، حصلت المفاجأة: كشفت بي بي سي أن الأميرة كانت في الواقع محتجزة في فيلا في دبي منذ ثلاثة أعوام.
حينها تمكنت لطيفة آل مكتوم من الحصول على هاتف، وكانت تتواصل مع تينا جوهيانيين، وأرسلت إليها فيديوهات صادمة: “أنا رهينة، تم تحويل هذه الفيلا إلى سجن، أنا معزولة تماماً. لا أعرف متى سأنال حريتي… أنا قلقة على سلامتي وحياتي بشكل يوميّ”.
كانت فضيحة عالمية، وعلى ماري روبنسون أن تشرح ما حدث في عام 2018، تقول إنها “تم خداعها بشكل رهيب” من قبل طبيب وعمة لطيفة، اللذين كذبا عليها قائلين إن الأميرة تعاني من اضطراب ثنائي القطب، وإنه لا تنبغي مناقشة الموضوعات الصعبة معها حتى لا “تزيد من تفاقم صدمتها”.
في هذه الأثناء، دخل المحامي البريطاني بول تويد إلى الساحة، مستاءً من هذه التغطية الإعلامية، التي كانت كارثية على صورة الإمارات العربية المتحدة، يكتب إلى العميل السري مطر في الأول من آذار/ مارس 2021، بعد “محادثتهما الأسبوع الماضي”، لتقديم خطة عمل بشأن “التغطية الإعلامية المتزايدة العدائية للفضيحة حول الأميرة لطيفة”.
أشار المحامي بول تويد إلى أن تصريحات ماري روبنسون أُعيد نشرها على نطاق واسع في وسائل الإعلام الأيرلندية، ويتعين عليهم التعامل مع هذا الأمر، والاستفادة من نفوذ حاكم دبي في البلاد، الذي يمتلك إسطبل خيول وعقاراً ضخماً، كتب تويد في رسالة: “ستتيح شبكة الشيخ محمد [آل مكتوم] القوية له بالاستفادة من التشريع الأيرلندي الملائم بشأن التشهير وحماية الخصوصية”.
أخبر تويد العميل السري الإماراتي، بعد ثلاثة أسابيع، بأنه إذا كان طبيب ما قد شخّص الأميرة بالفعل على أنها ثنائية القطب، فيمكنه رفع دعوى تشهير ضد ماري روبنسون والصحيفة التي نشرت هذه التصريحات، الأسلوب الـ”فعال للغاية” في ردع وسائل الإعلام الأخرى، ويختم رسالته بـ”أنه مجرد اقتراح…”.
اقترح تويد أيضاً على العميل السري مطر، أن يحقق في تينا جوهيانيين، الصديقة التي ساعدت لطيفة على الهروب، والتي “تبحث بشكل عدواني عن اهتمام وسائل الإعلام”، ويجب التأكد من أنها غير متحيزة كما تدعي. الأمر نفسه ينطبق على أحد المحامين الذين يدافعون عن الأميرة.
من غير المعروف ما إذا تم تنفيذ هذه الخطة، إذ يبدو أنه لم يتم تقديم أي شكوى ضد ماري روبنسون، التي لم تجب على EIC عندما تواصلوا معها.
اقتراح بول تويد برد فعل قوي، كان سببه، كما أوضح للعميل السري مطر، أن الفضيحة تعرقل عمله، يكتب في رسالة: “ما حدث له تأثير مدمر للغاية، ليس فقط على الشيخ محمد، ولكن أيضاً على العمل الذي قمت به في مجالات أخرى ذات صلة بالإمارات ولا سيما قضية البلوشي”.
البحث عن الكنية العربية الشائعة في الإمارات “البلوشي” أو تنويعات كتابتها باللغة الإنكليزية، يكشف تفاصيل مهمّة تتضح في صفحات الإنترنت التي تظهر على الشاشة.
في 18 شباط/ فبراير 2021، بعد يومين من فضيحة بي بي سي حول الأميرة لطيفة، طلب بول تويد، بصفته محامياً لفتاة إماراتية تدعى مريم البلوشي، من “فيسبوك” حذف ثلاثة منشورات. بعد فترة وجيزة، قدم الطلب نفسه إلى “تويتر” بشأن تغريدتين.
جميع هذه المنشورات باللغة العربية وتتحدث عن دعوة الأمم المتحدة إلى إطلاق سراح مريم البلوشي، المحتجزة تعسفياً في أبو ظبي بعدما أمضت عقوبتها.
تحوي رسائل أخرى أرسلها المحامي لاحقاً إلى عملاقي وسائل التواصل الاجتماعي، نبرة غضب السيد تويد، إذ يكتب: “موكلتي ضحية زعم سياسي مفبرك، ويقال إنها مسجونة في الإمارات. هذا غير صحيح أبداً”.
ويضيف أن “موكلته على استعداد لتقديم دليل على أنها “لم تكن مسجونة الآن أو سابقاً”، لكن السلطات الإماراتية أكدت رسمياً أن الشابة مسجونة.